الفصل 34:
“عائلة جودوين الدوقيّة؟”
فاجأ ذكر هذا الاسم بيريل، فخلع نظارته المتّسخة ورماها جانبًا.
“نعم. لم يُعلن عنه علنًا بعد، لكن عائلة جودوين استوردت مؤخرًا نوعًا من التوابل سرًا.”
“توابل، وليس سمًا؟”
‘توابل هو اسم لطيف، لكن أليس سمًا في النهاية؟’ فكّرت ليتريشيا وهي تمسك بورقة وقلم من الجانب.
“بالأحرى، توابل سامّة. بيريل، حتّى لو كانت التوابل نفسها، يمكن أن تختلف الأعراض حسب طريقة استخدامها، أليس كذلك؟”
“بالطبع، وتعتمد أيضًا على الكميّة.”
“إذًا، أعتقد أنّ تخميني صحيح.”
“لقد حصلوا على توابل مثيرة جدًا. لا تترك أيّ أثر، وتستطيع جعل الشخص في حالة شبه مغيبوبة في وقت قصير.”
تذكّرت ليتريشيا صوت بيتريك وهو يضحك بهستيريا، فحرّكت يدها.
‘من كان يظنّ أن بيتريك سيكون مفيدًا يومًا؟’
رسم حبر القلم الرفيع نباتًا بلا توقّف: أوراق مزرقّة وثمار حمراء داكنة، المادّة الخام للتوابل التي تحدّث عنها بيتريك.
“ما هذا النبات؟ أنا واثق من معرفتي بعلم السموم والأعشاب، لكنّني أراه لأوّل مرّة.”
“من الطبيعي ألّا تعرفه. إنّه نبات تمّ تهجينه في جنوب غرب كونكور، يُسمّى تيتراد.”
تدفّقت الشروحات من ليتريشيا بطلاقة.
لم تكن المرّة الأولى التي تعرف فيها عن هذا النبات في مأدبة النصر.
منذ زمن، رأت ليتريشيا وثائق عن تيتراد بين الأغراض المستوردة التي كان بيتريك يعبث بها.
“تهجين؟ هذا يفسّر لمَ لم تكتشفه طريقتي… لكن كيف تعرفين كلّ هذا؟”
“رأيته في وثائق بيتريك.”
“رأيتيه فقط، وتتذكّرين كلّ هذه التفاصيل؟”
كان ردّ فعل بيريل مشابهًا لكيليان: مزيج من الدهشة والذهول.
“إذا كان تيتراد توابل سامّة حقًا، فكيف استوردته عائلة جودوين؟ الإمبراطوريّة تصنّف مثل هذه المواد كخطرة ولا تمنح تصاريح لها.”
“بسبب طبيعة النبات. هل ترى الثمار الحمراء؟ هي مصدر التوابل، لكن خصائصها تتغيّر حسب درجة حرارة الاستخلاص.”
تيتراد هو اسم حاكم يُبجّل في كونكور.
حاكم ذو وجهين: وجه الرحمة في الأمام، ووجه العقاب في الخلف.
على غرار اسمه، يمتلك النبات تأثيرين متعاكسين.
يُستخلص عند درجة حرارة عالية ليصبح توابل لذيذة، وعند درجة منخفضة ليصبح سمًا قاتلًا.
“إذًا، الموجود في هذا الماء هو تيتراد مُستخلص بدرجة حرارة منخفضة.”
أصبحت نظرة بيريل جديّة مع هذه المعلومات الجديدة.
“هذا مثير للاهتمام. لكن، ليتريشيا، إذا كان هذا صحيحًا، فقد تكون الأمور أخطر ممّا ظننت.”
“أخطر؟ كيف؟”
“وفقًا لشرحكِ، هذه مادّة شديدة السميّة يمكنها القتل بكميّات ضئيلة، أليس كذلك؟”
الأعراض الحاليّة تشير إلى أنّ السمّ مُخفّف جيدًا، لكنّه لا يزال خطيرًا.
لا أحد يعلم ماذا سيحدث إذا تناوله طفل بكميّة مماثلة.
“يبدو أنّ حالة ألين أسوأ من الفرسان لهذا السبب. إنّها صغيرة ونحيلة مقارنة بأقرانها.”
“هذا… بيريل، إذا حصلنا على تيتراد، هل يمكنكَ صنع ترياق؟”
“إذا عرفنا المكوّن الرئيسي، لن يكون صعبًا… لكن هل يمكننا الحصول عليه؟ إذا كان مستوردًا سرًا، فلن يسلّمه جودوين بسهولة.”
نظرت ليتريشيا إلى بيريل القلق، ووضعت القلم.
“أعتقد أنّنا سنجده، على الأرجح.”
“إذًا… لكن، ليتريشيا، هل يعرف كونت إيستا عن هذه القدرات لديكِ؟”
“قدرات؟ مجرّد ذاكرة جيّدة.”
“ماذا؟ هذا ليس مجرّد ذاكرة جيّدة! لو كان كونت إيستا يعلم…”
“لو يعلم، ماذا؟”
توقّف بيريل، الذي كان متحمّسًا لموهبة ليتريشيا المتأخرة، وهو يتلعثم في الألقاب.
في سنّ يفترض أن تكون مليئة بالحيويّة، كانت عينا ليتريشيا فارغتين، خاليتين من أيّ أمل.
“بيريل، أدركتُ مبكّرًا شيئًا: من الأفضل عدم التمسّك بآمال زائفة. إنّها تُسبّب الألم فقط.”
بابتسامة مريرة، محت ليتريشيا تعبيرها الفارغ وغادرت الغرفة، تاركة بيريل.
***
“سيّدي، هل يمكنني فتح الباب لحظة؟”
عبس كيليان بشدّة عند سماع صوت من خارج الباب.
“ما الأمر؟ ألم أقل إلّا يدخل أحد مؤقّتًا؟”
كان مستلقيًا على أريكة طويلة، مغطيًا عينيه بذراعه، وصوته متشقّق من الضجر.
“حسنًا… السيّدة جاءت.”
“ليتريشيا؟”
“كيليان، هل يمكنني الدخول؟ لديّ شيء لأخبركَ به.”
عند سماع صوتها الواضح، نهض كيليان ببطء.
“… ادخلي.”
“كيليان، بخصوص ما قاله بيريل… أوه!”
توقّفت ليتريشيا عن التنفّس بغريزة عندما غمرها عبير الأعشاب القويّ في الغرفة.
كانت منفضة السجائر على الطاولة مكدّسة بالسيجارات المكسورة، التي تحمل آثار أسنان دون أن تُشعل.
رغم ذلك، كانت رائحة أوراق السيجار الجافّة قويّة جدًا.
“لحظة.”
رأى كيليان صعوبة تنفّسها، فتوجّه بخطوات واسعة إلى النافذة.
فتحها، فدخل نسيم بارد، مطيّحًا برائحة السيجار بسرعة.
“نسيت تهوية الغرفة. هل أصبحتِ أفضل الآن؟”
“نعم. لكن لمَ لا تُدخّن السيجار وتفعل هذا…؟”
“أحاول الإقلاع. شخصٌ ما يجد رائحة التبغ مزعجة.”
رمى كيليان منفضة السجائر الممتلئة في سلّة المهملات.
أغلق الباب المفتوح قبل أن يبرد الجو، وأضاف حطبًا إلى المدفأة، ثمّ عاد إلى ليتريشيا.
“ألستِ تشعرين بالبرد؟ هل أطلب شايًا دافئًا؟”
“لا، أنا بخير الآن. لكن، كيليان، بخصوص السمّ الذي تحدّث عنه بيريل، أعتقد أنّني اكتشفتُ ماهيّته.”
“أرسلتكِ لترتاحي، فذهبتِ تعملين. ما الذي تريدين قوله الآن، يا زوجتي؟”
نظر كيليان إلى الرسم الذي وضعته ليتريشيا، وهو يفرقع رقبته المتيبّسة.
لكنّه استمع بصمت إلى شرحها.
“إذًا، باختصار، توابل عائلة جودوين هي سبب هذه الأزمة.”
عندما انتهت، استند كيليان بمرفقيه على ركبتيه، ومال إلى الأمام.
“عمل بيتريك جودوين؟”
“يبدو كذلك.”
عبثت ليتريشيا بحافة الورقة بنظرة متعبة.
بحسب معلومات أخرى من بيريل، في اليوم الذي غادرت فيه ليتريشيا العاصمة، تمّ تعيين بيتريك فجأة كاتبًا في القصر الإمبراطوري.
منصب كاتب القصر مخصّص للنخب، وليس لبيتريك.
هذا بحدّ ذاته غريب.
والأغرب أنّ دوق جودوين، الذي نادرًا ما أعطى بيتريك فرصًا تجاريّة، سمح له مؤخرًا بإدارة مستودع في الجنوب.
والأعجب أنّه، بين نبلاء العاصمة، لم يُصب أحد بأعراض الوباء.
كان هناك شيء مريب.
“حاول بيتريك استخدامي ليصبح وريث دوق جودوين، وعندما فشل، بحث عن طريقة أخرى.”
المشكلة أنّ هذا لا يمكن أن يكون عمل بيتريك وحده…
راقبت ليتريشيا كيليان، الذي لم يبدُ متفاجئًا على الإطلاق.
“كيليان، هل تعرف شيئًا؟”
“هل تسألين إن كانت الإمبراطوريّة تقف وراء بيتريك جودوين؟”
فرك كيليان جرحًا في كفّه، مدركًا مغزى سؤالها، وأجاب.
“إذا كان هذا قصدكِ، فهذا صحيح.”
“… كما توقّعت.”
حافظت ليتريشيا على رباطة جأشها، وفركت شفتها السفلى بسبّابتها.
كان ذلك عادة تظهر عند التفكير العميق، مشابهة لعادة كيليان.
“كيليان، بخصوص لقائنا بدوق جودوين الصغير، أعتقد أنّ علينا تقديم الموعد قليلًا.”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 34"