الفصل 24
طق طق.
“…؟”
طق طق طق.
لم تسمع ليتريشيا، التي كانت في الحمّام، الطرق، فلم تجب. الشخص الواقف أمام الباب بدأ يتحرّك بقلق.
كانت الخادمة التي أخرجتها ليتريشيا من الغرفة.
على عكس وجهها المتجهّم، كانت تحمل صينيّةً عليها شاي دافئ مُعدّ بعناية.
عندما لم يأتِ ردّ، رفعت يدها لتطرق مجدّدًا.
في تلك اللحظة، صرير-طق. صرير-طق. ظهر رئيس الخدم في الممر بخطواتٍ مميّزة.
“ميا؟ ماذا تفعلين؟ أين السيّدة ولمَ أنتِ هنا؟”
“أو…”
عندما رأت ميا رئيس الخدم، ذا الشعر الأبيض المصفّف بعناية، فتحت فمها مرتبكةً.
حاولت التحدّث، لكن كلماتها خرجت مشوّشةً وغير واضحة.
عبست ميا بقوّة، وكأنّ لديها الكثير لتقوله.
“هل هذا الشاي للسيّدة؟”
“أو!”
أومأت ميا بحماس عند سؤال رئيس الخدم.
“ستُسكبين الشاي قبل أن تدخلي. أعطنيه.”
اقترب رئيس الخدم من باب غرفة ليتريشيا.
مع كلّ خطوة، كان صوت صرير-طق يتردّد.
رغم أنّ ملابسه المصمّمة بعناية تخفي ذلك، كشفت حركته عن ساقٍ صناعيّة معدنيّة تظهر وتختفي تحت قماش بنطاله.
كان صوت خطواته الغريب ناتجًا عن احتكاك الساق الصناعيّة بالأرض.
“الآن، أخبريني. هل ارتكبتِ خطأً ما؟”
بوجهٍ ودود، أخذ رئيس الخدم الصينيّة، فتحوّل وجه ميا المتجهّم إلى تعبيرٍ حزين.
أخرجت ورقةً من جيبها وبدأت تكتب بسرعة.
「يبدو أنّني أزعجت السيّدة. ماذا أفعل، سيد غورتن؟ إذا كرهت السيّدة الشمال بسببي، ماذا سيحدث؟»
“ميا.”
«مقارنةً بالعاصمة الفخمة، هذا المكان قاحل وناقص. لا شكّ أنّها شعرت بخيبة أمل.»
عبست ميا وهي تكتب بسرعة.
بدا حزنها مختلفًا تمامًا عن تعبيرها أمام ليتريشيا.
كذلك كان رئيس الخدم. بدا وجهه المجعّد مرتبكًا، لا كمن يتجنّب ليتريشيا.
على عكس ظنّ ليتريشيا، لم يكرهها أهل قصر الدوق.
بفضل رسائل بيل، عرفوا كلّ ما حدث في العاصمة، وكانوا يرحّبون بها.
كانوا قلقين من أن ينقطع نسل القصر بسبب كيليان، الذي لم يهتمّ بالزواج وكان يقضي وقته في الحروب.
فجأة، ظهرت دوقةٌ جديدة، فكان ذلك مبهجًا.
خاصةً أنّ كيليان، الذي يعامل النساء كالأحجار، حمل ليتريشيا بنفسه، مما أثار حماس الخدم.
لكن، إذا سأل أحدهم لمَ يبدون متباعدين عن الدوقة المنتظرة، كان لديهم أسبابهم.
“يبدو أنّ حماسنا لاستقبالها قد يفزعها، فتجنّبناها، لكن تصرّفاتنا أزعجتها.”
أمسك غورتن جبهته بعد أن فهم الأمر من ميا.
فجأة، ظهرت الخادمة الرئيسية.
“ماذا تتسلّلان أمام غرفة السيّدة؟ هل تسبّبتما بمشكلةٍ جديدة؟”
خرجت من الظل، مرتديةً فستانًا مغلقًا حتّى الذقن وقناعًا أسود يغطّي نصف وجهها.
شعرها الأبيض المربوط بعناية أشار إلى أنّ عمرها قريب من غورتن.
عبس غورتن عندما وبّخته.
“يا لكِ من! هل أنا من يتسبّب بالمشاكل دائمًا؟”
“أليس كذلك؟ منذ الشباب…”
“مهلًا، مارشا! ماذا لو سمعت السيّدة؟”
خشي غورتن أن يصل الصوت إلى ليتريشيا، فأغلق فم مارشا بسرعة.
ضربت مارشا يد غورتن بعيدًا.
«لم تتغيّرا مع الزمن. كنتما تتشاجران دائمًا في القصر الإمبراطوري.»
كتبت ميا على ورقتها وهي تشاهد جدالهما بألفة.
«لكنّ علاقتكما تبدو جيّدة، وهذا ممتع.»
“جيّدة؟ إنّها مملّة جدًا.”
حدّقت مارشا في غورتن بنزق.
“ظننتُ أنّني لن أراكِ بعد مغادرة القصر الإمبراطوري. لمَ تتبعتِني إلى الشمال؟”
“تتبّعتُ؟ سيظنّ الناس أنّني لحقتُ بكِ. أنا هنا لخدمة سموّ الأمير. من يخدم سيّدًا يجب أن يخدمه حتّى النهاية.”
“يا لكَ من مخلص!”
“وأنتِ، مارشا، ألم تأتي تتبعينني؟”
قفزت مارشا عند كلام غورتن، فكشف قناعها عن ندوب حروقٍ عابرة.
“تحدّث بعقل! أنا هنا لخدمة سموّه! كمربيّته، من سيحميه إن لم أكن أنا؟”
من جدالهما الحرّ، كان واضحًا أنّ معظم خدم القصر جاءوا مع كيليان من القصر الإمبراطوري.
لكن كان لديهم مشكلة: إعاقاتٌ جسديّة طفيفة.
كانت هذه الندوب ناتجة عن عقوبات أستارا عندما استجوب خدم الأمراء بسبب وفاة ولي العهد.
عُوقب البعض لعدم منعهم خروج ولي العهد، وكُسرت سيقان آخرين لفشلهم في إنقاذه.
كانت ميا صغيرةً وقت الحادث، فلم تُصب جسديًا، لكن صدمتها جعلتها غير قادرة على التحدّث بوضوح.
كان لكلّ خادمٍ ندبة، تختلف في شدتها، مثل مارشا، غورتن، وميا.
بالنسبة لهم، كانت هذه الندوب قبيحةً جدًا.
حتّى بعد عقدٍ من الزمن، كانوا يرتجفون عند رؤية ندوبهم.
لم يرغبوا في إظهارها لليتريشيا.
اعتقدوا أنّها، بعد رؤية جمال العاصمة، ستفزع أو تنفر من مظهرهم.
لذلك، تجنّبوا الظهور، لكن تصرّفاتهم هذه أزعجت ليتريشيا دون قصد.
آه. أنّ غورتن بصوتٍ خافت.
“يبدو أنّ تفكيرنا كان قاصرًا.”
“يا إلهي، لقد أزعجنا السيّدة الجديدة. ماذا نفعل؟ كان عليّ ألّا أسمع كلامكَ، غورتن.”
عبست مارشا وهي تضغط على صدغيها، فضيّق غورتن عينيه كالقطّ.
“إذن، مارشا، هل كنتِ ستظهرين أمام السيّدة دون تردّد؟”
“…”.
لم تجب مارشا، ولمست فستانها عند العنق.
شعرت بندوب الحروق البارزة تحت أصابعها المجعّدة.
حتّى عائلتها فزعت من مظهرها المحروق…
تذكّرت وجه ليتريشيا الباهت الخائف، فأزالت يدها وتشابكت ذراعيها.
“هم، من قال إنّني سأظهر؟ استمع جيّدًا، سيد غورتن. هناك طرقٌ كثيرة لنُظهر أنّنا لا نكره السيّدة دون الظهور.”
***
بينما كان الثلاثة يناقشون خارج الباب كيفيّة حلّ سوء تفاهم ليتريشيا،
ارتجفت ليتريشيا، المغمورة في حوض الاستحمام، عندما سقطت قطرة ماء من السقف الرطب على أنفها.
“أم… يبدو أنّني نمتُ قليلًا.”
كانت تنوي تدفئة جسدها والخروج بسرعة.
لكن، بما أنّها لم تستحم براحتها دون مراقبة إيزيس منذ زمن، يبدو أنّها غفوت.
كان الماء الدافئ قد أصبح فاترًا، مما يعني أنّ وقتًا طويلًا مرّ.
“بقيتُ كثيرًا. يداي تجعّدتا.”
ضحكت ليتريشيا بخفّة وهي تنظر إلى يديها المتجعّدتين من الماء.
“هل عاد سموّ الدوق الآن؟”
تذكّرت ظهر كيليان وهو يغادر القصر مسرعًا، فخرجت من الحوض لتأخذ رداءها.
تساقطت قطرات الماء من بشرتها البيضاء، مكوّنةً بركةً صغيرةً على أرضيّة الحمّام.
“…إذن، سأتولّى الأمر هكذا.”
بينما كانت تكافح للوصول إلى الرداء على الرفّ، تجمّدت ليتريشيا.
الباب الذي أزعجها طوال الوقت، كانت تسمع من خلفه أصوات حديثٍ خافتة.
“حسنًا، اخرج الآن، مارك.”
“هل ستستحمّ فورًا؟ سأخبر الخدم بتحضير ماء الاستحمام.”
كان صاحب الصوت كيليان.
“لهذا كانت الرفوف مرتفعةً جدًا، إنّه حمّام سموّه! لكن، لمَ يتصل بحمّام غرفتي…؟”
لم تفهم لمَ يتحدّث خلف ذلك الباب، لكن هذا لم يكن مهمًا الآن.
كان عليها تفادي كيليان، الذي قد يدخل الحمّام في أيّ لحظة.
لكن، لسوء الحظ، فتح كيليان الباب قبل أن ترتدي ليتريشيا رداءها وتهرب.
“لا داعي. سأتولّى الأمر بنفسي اليوم…”
“آه…!”
انفتح الباب بعنف، واتّسعت حدقتا كيليان.
“ليتريشيا؟”
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 24"