الفصل 18
“ابتعد فورًا.”
“سيدي! صباحٌ منعش! لقد كانت ليلة مريحة… أخ! أخ!”
كما لو كان كلبًا يقابل سيّده، فتح بيل عضلات وجهه بكلّ قوّته واندفع نحو كيليان.
لكن، بالطبع، كانت يد كيليان التي صدّت وجهه أسرع.
“من تظنّ نفسك لتمسك بيد زوجتي؟”
“ماذا؟ أنا فقط أمسكت بيد الآنسة لأنّها كادت تتعثّر.”
تحت ضغط هالة سيّده المرعبة، أفلت بيل يد ليتريشيا.
رفع بيل ذراعيه عاليًا كدليلٍ على براءته، فنظر كيليان إليه بميلٍ متشكّك.
“اللقب.”
“ماذا؟”
دارت عينا بيل المرحتان ككرةٍ تدور.
بحسب ما سمعه الليلة الماضية، أقيمت مراسم زواج بسيطة بين ليتريشيا وكيليان، لذا فإنّ تسميتها “الآنسة” لم تكن صحيحة بالفعل.
“آه! أعني، ليست الآنسة، بل الدوقة الكبرى! أمسكتُ بيد الدوقة فقط، أقسم!”
صحّح بيل اللقب المناسب، وبرقت عيناه كأنّه يسأل: “هل أحسنت؟” لكن كيليان كان منشغلًا بنفض يد ليتريشيا التي أمسكها بيل.
“هم.”
بعد أن أنهى مهمّته، نقر كيليان على الأرض بغمد سيفه مرتين.
كان على بُعد عشر خطوات تقريبًا من ليتريشيا.
“بيل، لا تقترب من هنا أبدًا من الآن فصاعدًا.”
“ماذا؟ سيدي، لكن… حسنًا، فهمت.”
حاول بيل الاعتراض على كلام كيليان، لكنّه فقط عبس بشفتيه.
عند رؤية عيني كيليان الزرقاوين الباردتين، اللتين تبدوان وكأنّهما لا تنزفان حتّى لو طُعنتا، شعر أنّه إذا قال “أيّ قانون هذا؟”، سيُطلب منه الركض مئة لفّة حول ساحة التدريب فورًا.
‘عادةً لا يهتمّ بمحيطه أبدًا.’
نظر بيل إلى كيليان، الذي أظهر فجأة شعورًا بالتملّك، كما لو كان يرى شخصًا غريبًا.
ومع ذلك، تراجع عشر خطوات بطاعة.
عندما ابتعد بيل تمامًا، نظر كيليان إلى ليتريشيا بتعبيرٍ أكثر ليونة.
“ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟ لمَ لم تبقي في الفراش؟”
“آه.”
عند سماع صوت كيليان وهو يخاطبها، تتبّعت ليتريشيا صورته الضبابيّة بعينيها.
“جئتُ لأنّ لديّ ما أقوله لسموّك. وأيضًا، شيءٌ لأعيده… سموّك؟”
على الرغم من أنّ لديها الكثير لتقوله وتسأله، أرادت ليتريشيا أوّلًا إعادة الدفتر، لكنّها فتحت عينيها بدهشة.
فجأة، كان كيليان يحتضن خدّها بيده.
“يبدو أنّ الرؤية لا تزال صعبة عليكِ. القدوم إلى مكانٍ مثل هذا في هذه الحالة قد يؤذيكِ. ألا تعرفين مدى خطورة ساحة التدريب؟”
“أنا… آسفة…؟”
في تلك اللحظة، على الرغم من علمها أنّ هذا ليس موقفًا يستدعي ذلك، اعتذرت ليتريشيا دون وعي.
بدت نبرة كيليان الجافّة وكأنّها تلومها من قلقٍ عليها.
ربّما كان ذلك مجرّد وهمٍ منها، لكن ليتريشيا، التي لم تعتد على مثل هذا القلق، لم تعرف كيف تتفاعل.
لو أنّه، مثل إيزيس، وبّخها غاضبًا لدخولها دون إذن، لكان بإمكانها التعامل مع الأمر بسهولة.
ماذا يجب أن تقول في مثل هذا الموقف؟
لذلك، كما تفعل مع إيزيس، ابتسمت ليتريشيا بابتسامةٍ ميكانيكيّة صامتة.
كانت هذه الابتسامة تُهدّئ غضب إيزيس أو كونت إيستا في أحيانٍ كثيرة، لذا كانت تظهر تلقائيًا في المواقف المحيّرة كما لو كانت تتنفّس.
“…هل أعجبتكِ الهديّة؟”
يبدو أنّ هذه كانت الإجابة الصحيحة بالنسبة لكيليان أيضًا، إذ أخذ الدفتر من ليتريشيا دون تعليقٍ إضافيّ.
“في الحقيقة، لديّ ما أقوله بخصوص تلك الهديّة.”
“ما هو؟”
“لا أعرف لمَ تريد إعطائي أشياء ثمينة كهذه، لكنّني لا أستطيع قبولها. ليس لديّ سببٌ لأقبل شيئًا من سموّك.”
“لمَ لا تقبلينها فقط؟ نحن متزوّجان، أليس كذلك؟”
أدخل كيليان الدفتر في جيبه واستمرّ في الحديث بهدوء.
“تسألين عن سبب الهديّة؟ لا شيء مميّز. أحاول فقط كسب ودّكِ.”
كزوجٍ لزوجته.
“لكنّنا لسنا زوجين حقيقيّين. بالمناسبة، لديّ أيضًا ما أناقشه حول هذا الأمر…”
“من ردّ فعلكِ، يبدو أنّ الهديّة لم تعجبكِ. إذن، ارميها.”
“ماذا؟ ترمي كلّ تلك الأشياء؟”
بينما كانت ليتريشيا تحاول بدء حوارٍ جدّيّ، قاطعها كيليان في توقيتٍ دقيق واستدار.
“انتظر لحظة، سموّ الدوق الأكبر!”
“أخ!”
أمسكت ليتريشيا بكيليان دون وعي وهو يستدير، لكنّها أفلت يده مصدومةً عندما سمعته يتأوّه.
“سموّك، ما بك؟ هل أنت مصاب؟”
بسبب رؤيتها الضبابيّة التي تجعل الصور تتداخل، عبست ليتريشيا وهي تنظر إلى كيليان.
عندها فقط لاحظت الضمادة الملفوفة حول ذراعه.
“هذا الذراع…! أصيب بسببي أمس، أليس كذلك؟ هل الإصابة خطيرة؟”
“إنّه…”
كان كيليان على وشك القول إنّها ليست مشكلة، لكنّه ضيّق عينيه.
عند رؤية ليتريشيا تنظر إليه بعينين مليئتين بالقلق، انحنى كما لو كان يعاني من ألمٍ لا يُطاق.
“أخ، ليس بخير. في هذه الحالة، سيكون من الصعب حتّى العودة إلى الغرفة.”
تجاهل كيليان نظرة بيل المذهولة من بعيد، والتي كأنّها تقول: “كنتَ تلوّح بالسيف بمهارة قبل قليل!”
ثمّ، خفض كيليان قامته الطويلة وأسند رأسه على كتف ليتريشيا.
“لذا، ألا يمكنكِ مساعدتي بالسند إلى هناك؟”
***
“لمَ تقفين مذهولة؟ اجلسي.”
“سموّك، هل ذراعك بخير الآن؟ بدا أنّك كنتَ تتألّم…”
ارتعشت أهداب ليتريشيا وهي تساعد كيليان إلى غرفته دون وعي.
قبل قليل، كان يستند إليها كما لو كان على وشك الموت.
لكن، حتّى من خلال صورته الضبابيّة، بدا كيليان الذي دخل الغرفة سليمًا تمامًا.
“آه، إنّه مؤلم. مؤلم لدرجة الموت.”
لكن كيليان قال هذا بنبرةٍ لم تتغيّر، واستند إلى المكتب بميلٍ.
من حركاته، بدا وكأنّه يحاول خلع ملابسه، لكن ذراعه المصابة جعلت الأمر صعبًا.
اقتربت ليتريشيا منه ووضعت يدها حيث يُفترض أن تكون الأزرار.
“سأساعدك.”
“هم، يبدو أنّ زوجتي نشيطة جدًا.”
احمرّ وجه ليتريشيا وهي تفكّ أزرار قميص كيليان ووجهها قريبٌ منه.
عند التفكير في الأمر، بدا هذا الوضع محرجًا للغاية.
“ليس لديّ أيّ نوايا غريبة. فقط، بما أنّك أصبتَ بسببي… شكرًا لإنقاذك إيّاي أمس. أنا مدينة لكَ بكثير، سموّك.”
“لا داعي للشكر. بالأحرى، قال طبيب عائلة إيستا الذي زارنا أمس إنّ عينيكِ سيتعافيان قريبًا لأنّها حالة مؤقّتة.”
بينما كانت ليتريشيا تفكّ الأزرار بتردّد، أمسك كيليان يدها وساعدها على إيجاد الموضع الصحيح.
“كم ترين الآن؟”
“هم… أستطيع تمييز الأشكال تقريبًا.”
أجابت ليتريشيا باختصار، ثمّ ركّزت مجدّدًا على الأزرار.
“هل طباعكِ هادئة بطبعك؟ تبدين هادئة جدًا بالنسبة لشخصٍ فقد بصره فجأة.”
“إذا نظرنا إلى الأمر هكذا، فإنّ سموّك يبدو هادئًا أيضًا. لم تتفاجأ أبدًا بحالتي أمس.”
نقرة. بعد أن فكّت الزر الأخير، رفعت ليتريشيا رأسها.
“كنتَ تعلم بحالتي، أليس كذلك؟”
“…”
“كما توقّعت، لن تجيب. قال الفارس بيل إنّ وجودك في طريق الغابة أمس لم يكن صدفة.”
بعد تفكيرٍ عميق، خلصت ليتريشيا إلى أنّ كيليان كان يعلم بحالتها مسبقًا.
“فكّرت في الأمر كثيرًا. لم يكن ذلك هو الشيء الوحيد غير العَرَضي. على سبيل المثال…”
أخذت ليتريشيا نفسًا عميقًا، وأرخت عينيها ببطء. كانت رؤيتها الضبابيّة تتحسّن تدريجيًا.
“مثل اختيارك إيّاي كعروسٍ مزيّفة بدلاً من لوزابيك، سموّك.”
“…هاه، ذلك البيل. أخبرته أن يقلّل من كلامه.”
عند رؤية كيليان يعبس وهو يمرّر يده على شعره، تأكّدت ليتريشيا.
اختيار كيليان لها كدوقة كبرى بدلاً من آنسة لوزابيك لم يكن قرارًا عفويًا.
“لماذا؟ هل اخترتني بسبب أعمال عائلة إيستا؟”
إن لم يكن كذلك، فليس هناك سببٌ ليختارها كورقة لقلب زواجٍ يدعمه القصر الإمبراطوريّ.
سمعته ليست جيّدة أصلًا، واختيار ليتريشيا، الابنة المتبنّاة التي تسبّبت في موت كونتيسة، لن يجلب له سوى العواقب السلبيّة.
لكن إذا نظرنا إلى العائلة، فالأمر مختلف.
أوّلًا، عائلة إيستا هي تقريبًا العائلة الوحيدة ذات النفوذ التي لم تقف إلى جانب الإمبراطورة الأم.
وعلاوة على ذلك، تجارة السفن الخاصة بعائلة إيستا، مع طبيعة الشمال المجاور للبحر، مثاليّة لفتح طرق إمداد جديدة.
لذا، إذا كان قد اختارها كعروسٍ لهذا السبب…
“إذا كان الأمر كذلك، فقد اخترتَ الشخص الخطأ.”
تراجعت ليتريشيا خطوةً عن كيليان وخلعت الخاتم من إصبعها.
سلّمته إليه وهي تبتسم بضعف.
“قد أبدو ورقةً جيّدة من الخارج، لكنّها ورقةٌ فارغة. علاوة على ذلك، ربّما لا تعلم، لكن أيّامي المتبقّية قليلة.”
لم يأخذ كيليان الخاتم، فوضعته ليتريشيا على المكتب.
“أنا لستُ عروسًا جيّدة بأيّ حالٍ من الأحوال. لذا، دع زواجنا وكأنّه لم يكن…”
“هذا يزعجني بعض الشيء. هل تضعينني في نفس مرتبة خطيبكِ السابق؟”
“مستحيل، سموّك. أنا فقط…”
“آه!”
فجأة، جذب كيليان خصر ليتريشيا، فتمايل جسدها.
وجدت نفسها نصف محتضنة، وحاولت الابتعاد.
لكن بسبب قوّة ذراع كيليان، انتهى بها الأمر إلى الاقتراب أكثر منه.
“لا إلغاء. ألم أقل بوضوح إنّ التراجع مستحيل؟”
“لكن الزواج بي لن يمنحك شيئًا.”
“لا يهمّ. لقد حصلتُ بالفعل على ما أحتاجه.”
شعرت ليتريشيا بيد كيليان التي كانت على ظهرها تنفصل.
في الوقت نفسه، أصبحت رؤيتها الضبابيّة واضحة تمامًا، وفي اللحظة التي التقت فيها عيناها بجسد كيليان القويّ أمامها مباشرة، أُعيد الخاتم إلى يدها. كما لو كان فخًا لا يمكن الهروب منه.
“أكرّر، لا تراجع. ما أحتاجه هو أنتِ.”
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 18"