“لا أستطيع رؤية أي شيء”
كان العالم كله مظلمًا تمامًا ، و كأنه محاصر في غرفة مظلمة بدون شعاع واحد من الضوء.
بسبب تغير حالتها فجأة ، غطت ليتريشيا فمها ، و شعرت بموجة من الغثيان.
“قد تصبح رؤيتكِ ضبابية فجأة ، و قد تشعرين بالغثيان”
“هاهاها. ما هذا؟”
هذه ليست رؤية ضبابية ، بيريل.
أطلقت ليتريشيا ضحكة جوفاء عندما تذكرت الأعراض التي شرحها لها بيريل.
“صاحب السمو ، هل أنتَ بخير؟ مهلًا ، هل أنتِ بخير؟”
و بعد ذلك ، أمكن سماع خطوات إيزيس و هو يركض متأخرًا على الدرج.
“أنا آسف. لم أقصد أن …”
“لا تلمسني!”
عندما حاول إيزيس أن يساندها ، قامت ليتريشيا بدفعه بعيدًا عنها بقوة.
“هل دفعتِني للتو؟ هذا ما حصلتُ عليه بسبب قلقي عليكِ؟ من صراخكِ ، يجب أن تكوني بخير!”
“قلق؟”
“ماذا؟ هل علينا أن نعتني بمرضكِ الآن أيضًا؟ كم هذا مزعج”
تذكرت ليتريشيا ما قاله إيزيس بلا مبالاة في وقت سابق ، فقبضت على قبضتيها.
ما هي الكلمات القاسية التي سيقولها هذه المرة عندما يعرف حالتها الحالية؟
تخيلت ليتريشيا عدة أمثلة لما قد يقوله إيزيس ، ثم أغلقت عينيها بإحكام.
على الأقل ، مهما كان الأمر ، فهي لا تريد سماعه الآن.
حتى بدون أن يُضيف إيزيس كلمات قاسية ، كان الأمر ساحقًا بما يكفي بالنسبة لـليتريشيا لتقبُّل رؤيتها المظلمة فجأة.
“أخي ، لقد سألتَني متى بدأ بيتريك في علاقته مع حبيبته؟”
حاولت ليتريشيا منع صوتها من الارتعاش ، فأمسكت بالسور و وقفت ، و بدأت تتحسس طريقها.
“ربما منذ البداية. لقد عرفتُ منذ البداية أن بيتريك خطبني لأنه كان بحاجة إلى شركة الشحن التابعة لعائلة إيستا ليصبح دوقًا. لقد عرفتَ أنتَ و الكونت ذلك”
“لا ، هذا مثل أي نبلاء آخرين يقومون بترتيب الزيجات بشروط …”
“هل تعرف عن التوابل التي تسمى تتراد؟”
“لماذا تظهر التوابل في هذه المحادثة؟”
ارتفع صوت إيزيس عند ذكر التوابل الجديدة التي نقلوها مؤخرًا ، و التي يمكنها وضع الناس في حالة تشبه الغيبوبة بكمية ضئيلة فقط.
“كان بيتريك يخطط لإستخدام هذه التوابل ضدي. و قال إنه بمجرد حصوله على حقوق الشحن ، فلن أكون ضرورية”
“ماذا؟ هذا الوغد المجنون …!”
“لماذا … أنت غاضب جدًا؟ ليس الأمر و كأن ذلك كان ليكون سيئًا بالنسبة لك”
“ماذا؟”
“لقد قلت أنك سئمت من رؤية وجهي. اعتقدت أنك ستكون سعيدًا لأن بيتريك سيتخلص مني …”
“أنتِ …!”
بدا أن إيزيس لم يجد الكلمات المناسبة ، و كان يتنفس بصعوبة. و بعد أن قال هذه الأشياء بنفسه ، لم يستطع الرد عليها بأي شكل من الأشكال.
و في هذه الأثناء ، غرست ليتريشيا أظافرها في الدرابزين بينما كانت تشعر بالصداع الحاد بشكل متقطع.
“أعتقد أن هذا يكفي من الحديث بين الأخوة. إلى متى يجب أن أنتظر يا زوجتي؟”
في تلك اللحظة ، اقترب كيليان ، الذي كان يراقب الوضع بهدوء ، من ليتريشيا و لف ذراعه حول خصرها.
“أريد منكِ أن توليني بعض الاهتمام أيضًا”
وضع كيليان يد ليتريشيا ، التي أزالها من الدرابزين ، على ساعده.
“هاه؟”
كانت كل تصرفاته طبيعية للغاية.
أي شخص يراقبه كان ليصدق تمامًا كذبة كيليان بشأن الوقوع في حب ليتريشيا من النظرة الأولى.
“انتهيتُ”
“أجل؟ إذن يمكننا المغادرة الآن. أنا لا أحب القصر الإمبراطوري بشكل خاص”
“نعم ، و لكن هل أنتَ بخير يا صاحب السمو؟ لقد سقطتَ من على الدرج و أنت تحملني …”
“همم …”
“صاحب السمو؟”
في الصمت المطول ، بحثت عينا ليتريشيا عن المكان الذي يجب أن يكون فيه وجه كيليان.
رغم أن الأمر كان مجرد لحظة ، إلا أنه من ما لمحته قبل أن تصبح رؤيتها ضبابية ، لم يبدو مصابًا بجروح خطيرة من الخارج.
ربما لم تتمكن من الرؤية بشكل صحيح بسبب الفوضى.
لكن يبدو أن الأمر لم يكن كذلك.
إذا فكرت في الأمر ، كان هناك صوت يشبه كسر العظام ، هل يمكن أن يكون …
“… أوه!”
ليتريشيا ، التي كانت تمد يدها إلى كيليان ، انكمشت على شكل كرة بينما كانت تمسك برأسها.
بدأ صداع شديد يمزق رأسها بلا رحمة و كأن أحدهم يضربها بمطرقة.
“أنا بخير ، يجب عليكِ الإهتمام بنفسكِ أولاً”
“أنا أيضًا … أوه”
ليتريشيا ، التي حاولت الوقوف متظاهرة بأنها بخير ، انهارت على الفور بسبب ارتعاش ساقيها.
كان جسدها كله يرتجف من الألم الذي لم تشعر به من قبل.
فجأة ، شعرت بأن أحدًا يرفعها ، و استقر رأسها على صدره الصلب. كان كيليان قد حملها.
كان ينبغي لها أن تطلب منه أن ينزلها لأن إيزيس كان يراقب ، لكن الألم منعها من التحدث ، و كل ما استطاعت فعله هو الالتواء.
و لكن هذا لم يدوم طويلاً حيث بدأ وعيها يتلاشى.
“ضعني … أوه. ضعني … على الأرض. يمكنني المشي … بنفسي”
“فقط ابقِ بين ذراعي ، لا يمكنكِ المشي بمفردكِ”
“و لكن أخي …”
“لا بأس”
تيبس جسد ليتريشيا عند سماع كلمات كيليان التي تلت ذلك بينما كانت تحاول إخراج الكلمات من خلال وعيها الباهت.
“لا يمكنكِ رؤية أي شيء الآن”
“…!”
* * *
“سيدي!”
هرعا بيل و باي ، اللذان كانا يتجولان في الخارج غير قادرين على دخول قاعة المأدبة بدون دعوات ، و مارك ، الذي كان ينتظر بعد مغادرة البرج الغربي ، إلى كيليان على الفور.
“ماذا حدث بالداخل؟ ملابسكَ في حالة من الفوضى!”
لقد صُدم الفرسان عندما اكتشفوا مظهر كيليان المبعثر بعد سقوطه على الدرج ، و كانت ليتريشيا تتنفس بصعوبة بين ذراعيه ، و كانت إحدى ذراعي كيليان منحنية بزاوية غير طبيعية.
في مثل هذه الحالة ، فإن مجرد التحمل يجب أن يكون مؤلمًا بما يكفي لإغماء المرء. و مع ذلك ، لم يُظهر الزعيم الوحشي لفرسان سيلفانو أي اهتمام بذراعه المكسورة حيث استمر في إمساك ليتريشيا دون تركها.
امتلأ وجه مارك بالصدمة.
فعلى الرغم من خدمته لسيده لسنوات ، كانت هناك أوقات مثل هذه عندما تساءل عما إذا كان كيليان بشريًا.
“سيدي! هل أنتَ مصاب؟ لكن استخدامُ ذراعِكَ بهذه الطريقة …!”
“لا تثيروا الضجة”
سار كيليان إلى الأمام بثبات ، و كان وجهه خاليًا من أي تعبير كما لو أنه لم يشعر بألم.
“سنعود إلى المنزل على الفور”
“و مع هذه الآنسة أيضًا؟”
“نعم ، جهزوا الخيول ، لا”
ثم توقف كيليان فجأة.
أدرك أن حالته الصحية لا تصلح لركوب الخيل أثناء حمل مريضة. و رغم أنه كان بإمكانه أن يعهد بمهمة ليتريشيا إلى مرؤوسيه ذوي الملابس الداكنة إذا كان مضطرًا لركوب الخيل … إلا أن مثل هذا الخيار لم يكن متاحًا بالنسبة لكيليان.
من تعبيره العنيف الذي بدا مستعدًا لقطع شخص ما في أي لحظة ، كان من الواضح أن كيليان لم يكن لديه أدنى نية لتسليم ليتريشيا لأي شخص آخر.
“مارك”
“نعم سيدي”
“هل يمكن لعربة أن تصل إلى المنزل؟”
“نظرًا لأننا لسنا بحاجة إلى المرور عبر الغابة للوصول إلى المنزل ، فيجب أن يكون ذلك ممكنًا”
عند إجابة مرؤوسه الشبيهة بالدب ، نظر كيليان إلى وجه ليتريشيا النحيف.
تشكلت حبات من العرق البارد على جبينها ، و بدا أنها فقدت الوعي تقريبًا.
“في هذه الحالة ، ينبغي أن يكون الأمر على ما يرام”
“إذًا قم بإعداد عربة على الفور. و بيل ..”
“نعم؟”
عندما ذهب مارك لإستئجار عربة لتحل محل تلك التي تركوها في الغابة ، نادى كيليان على بيل.
“اذهب إلى قصر الكونت إيستا الآن و أحضر طبيبهم”
“ماذا؟ طبيب الكونت؟ أنا مجرد فارس؟”
كان بيل ، الذي كان يتوقع أن يشاهد سيده يتجاهل الإمبراطورة الأرملة علنًا ، يتبع كيليان في ذهول.
لقد كان فضوليًا بشأن ما حدث في الداخل خلال ذلك الوقت القصير ليؤدي إلى هذا الوضع.
و الآن صدر أمر بإحضار طبيب من منزل آخر …
لقد كان الوضع محيرًا للغاية بالنسبة لـبيل.
“هل سيتبعني الطبيب؟ لا أعتقد أنني سأتمكن من دخول القصر أولاً. آه”
تمتم بيل بجدية ، و التقط بمهارة ما تم إلقاؤه عليه.
كانت علامة مرجعية من كتاب طبي يحمل عنوانًا غير عادي ألقاها كيليان إلى بيل.
“سيدي ، ما هذا؟”
“أظهر ذلك لطبيب الكونت. أخبره أن الشخص الذي أرسل هذا الكتاب يتصل. و …”
“انتظر ، انتظر لحظة ، يا صاحب السمو! لماذا تأخذ ليتريشيا؟”
أشار كيليان إلى إيزيس ، الذي كان قد عبر للتو عتبة القصر خلفه.
“اتبع هذا الأحمق لدخول القصر”
“آه ، ذلك الأحمق. أفهم ذلك. لكن هل ستخبرني ما الأمر عندما أعود؟”
و بينما كان بيل يهز كتفيه و هو يشاهد إيزيس يقترب من كيليان بخطوات واسعة ، سار على الفور نحو إيزيس.
بعد أن شاهد إيزيس يلوح بذراعيه بشكل محموم بعد أن منعه بيل ، صعد كيليان إلى العربة التي حصل عليها مارك بسرعة.
“دعنا نرحل”
و بعد أن أغلق الباب و جلس في العربة ، خرج تأوه من شفتي ليتريشيا.
“أوه …”
بعد أن مسح العرق الذي كان يتصبب من جبينها المستدير ، نظر كيليان بـإهتمام شديد إلى وجه ليتريشيا.
عندما رأى وجهها مشوهًا من الألم ، تذكر تعبيرها الشاحب من داخل قاعة المأدبة.
“لا يمكنكِ أن تري … كيف …”
تلك الشفاه ، التي كانت في حالة صدمة شديدة لأن كيليان كان يعلم أنها لا تستطيع الرؤية. و تلك العيون الكبيرة التي كانت تتأرجح بشكل عشوائي مع تركيزها غير المتوازن.
ثم فعلت ذلك بدفن وجهها في صدره ، غير قادرة على تحمل الألم.
توترت عضلات فك كيليان عندما تذكر كل هذا.
ثم ، و بإستخدام يديه الماهرتين ، بحث في كم فستان ليتريشيا و أخرج زجاجة دواء.
“لم تحضري أي مسكنات للألم”
بينما كان يحدق في زجاجة المهدئات التي تركها بمفردها في يده ، وضعها كيليان في جيبه.
“حسنًا ، ربما لم تكوني بحاجة إلى حملها معكِ بعد”
بدلاً من المهدئات ، كان كيليان يحمل كيسًا صغيرًا.
و كان بداخلها حبوب مطابقة لتلك التي تلقتها ليتريشيا من بيريل.
“ليتريشيا. افتحي فمكِ”
“أوه … من …”
رفرفت جفوني ليتريشيا عند لمس شفتيها.
لكن عينيها المكشوفتين كانتا غير مركّزتين في مكان ما.
عندما رأى كيليان هذه الإشارة الواضحة على أنّها لا تزال غير قادرة على رؤيته ، ضغط على فكه حتى برزت العضلات.
“و من سيكون غيري؟”
“آه … صاحب السمو …؟”
“ها. هذا اللقب المُزعِج لا يزال كما هو الآن ، كما كان في الماضي. حتى في لحظة كهذه”
أطلق كيليان ضحكة شرسة و شوّه وجهه.
“نعم ، ليتريشيا. هذا أنا”
حدق كيليان في الخاتم الذي يناسب يد ليتريشيا تمامًا و كأنه وجد صاحبه ، و أخذ أنفاسًا بطيئة و عميقة.
“الرجل الذي أصبح زوجكِ للتو”
و …
الرجل الذي كان أيضًا زوجكِ السابق ، الذي تخليتِ عنه و تركتِهِ في حياتِكِ الماضية.
“آه … صاحب السمو …”
“نعم ، هذا هو اللقب اللعين “صاحب السمو” ، إنه لقب لا يتغير على الدوام”
ضغط كيليان على جبينه كما لو كان يحاول قمع الغضب.
و بعد أن أطلق تنهيدة طويلة ، أعاد الدواء إلى شفتي ليتريشيا.
“هل يمكنكِ أن تأخذي هذا؟”
“ما هو …”
“الدواء”
لكن ليتريشيا هزت رأسها بصعوبة ، حيث وجدت صعوبة في ابتلاع الحبة المستديرة.
عند رؤية هذا ، عض كيليان بقوة مرة أخرى و ابتلع الحبة بنفسه. ثم سُمِعَ صوتُ طقطقة عندما انكسرت الحبة.
“افتحي فمكِ”
أمسك كيليان ذقن ليتريشيا الصغير و فتحه و ضغط شفتيه على شفتيها.
“ممم …”
توترت أكتاف ليتريشيا عندما دخلت الأنفاس إلى فمها.
“ششش”
بصوت هادئ ، قام كيليان بالدخول إلى عمق فمها الصغير ، و نقل الدواء المسحوق إليها قبل أن ينسحب.
“هاها”
على مسافة حيث تلامست أنوفهم …
من تلك المسافة ، درس كيليان بـإهتمام شديد عيون ليتريشيا التي لم تكن تنظر إليه.
“ليتريشيا”
“…؟”
“بـماذا ناديتِني؟”
“صاحب السمو …”
“لا ، لا. لا ينبغي أن تُناديني بهذا”
ضغط كيليان جبهته على جبهة ليتريشيا و أغلق عينيه ببطء.
“أنا زوجكِ”
و في هذه الحياة أيضًا.
و في الحياة الماضية أيضًا.
* * *
كانت للإمبراطورية أنواع مختلفة من السحر.
من السحر البسيط المنقوش في أحجار السحر التي يمكن لأي شخص أن يُلقيها ، إلى السحر المحظور الذي يعتبر خطيرًا للغاية.
و كانت أنواعهم لا تعد ولا تحصى.
و من بين أنواع السحر العديدة ، كان هناك نوع واحد سيء السمعة بشكل خاص – السحر المرتبط بالوقت.
كانت هناك فترة من الزمن حيث كان الجميع يعبدون سحر الزمن ، مسحورين بإغراء التحكم في الزمن.
لكن بعد أن تسبب خطأ ساحر واحد في اختفاء مملكة قديمة بأكملها دون أن تترك أثرًا بين عشية و ضحاها ، أصبحت في الأساس سحرًا مهجورًا.
رغم أنها بقيت موجودة في الوثائق.
ما لم يكن الشخص مجنونًا ، فلن يحاول أحد القيام بشيء قد يمزق جسده على المستوى الجزيئي بصيغة خاطئة واحدة.
حتى لو أراد شخص ما أن يحاول ، كان الأمر بمثابة سحر عالي المستوى على عكس الأنواع الأخرى ، بغض النظر عن عدد الأحجار السحرية المستخدمة ، كان الأمر يتجاوز أحلام الناس العاديين ما لم يكونوا سحرة عظماء بشكل استثنائي.
و كان الأمر نفسه ينطبق على كيليان ، حتى قبل بضعة أشهر.
هل تعلمين ما هي الأشياء المجنونة التي فعلتُها للعثور عليكِ؟
حدق كيليان في ليتريشيا ، التي كانت تتنفس بصعوبة.
كانت رموشها الوردية الكثيفة مغلقة بشكل أنيق ، ربما لأنها نامت من تأثير الدواء.
“لقد أردتُ أن أسألكِ عن أشياء كثيرة عندما نلتقي مرة أخرى. و لكن في هذه الحالة ، لا أستطيع أن أسأل أيَّ شيء”
تمتمت كيليان و هو يمشط شعرها المبلل بالعرق خلف أذنها.
ثم أدار زاوية عينه.
بدأت ندبة طويلة عبر راحة يده المتصلبة تتسرب منها الضوء ، و ظهرت الحروف في الهواء.
“لا تنسَ شروط العقد ، ولا يجب أن تكشِفَ عن تراجُعِك”
عند هذا ، ضغط كيليان على قبضته بقوة من الاستياء ، مما أدى إلى تجعد عضلات جبينه.
تناثرت الحروف المتلألئة في الهواء مثل الدخان.
“تسك. كم هذا مزعج”
مدّ كيليان يده ليطرد الدخان المتبقي في العربة.
صرير-!
بعد فتح النافذة الصلبة في باب العربة ، أسند كيليان رأسه على الحائط.
و تمتم لنفسه و هو يستعيد ذكريات واضحة مثل الأمس ، و قال: “أنتِ حقًا مُزعِجة ، ليتريشيا”
* * *
“أحييكَ ، صاحب السمو. أنا ليتريشيا شارلوت إيستا”
“ماذا؟ لا تكوني مُزعِجة ، تنحّي جانبًا”
“صاحب السمو ، استخدمني. سأكون درعَكَ لتجنب الزواج من الآنسة لوزابيك”
كان هذا أول لقاء لهم قبل الـعودة بـالزمن ، هذه هي الكلمات التي سمعها كيليان من ليتريشيا.
حتى في حياتهم الماضية ، علاقتهم لم تكن مختلفة كثيرًا عن الآن.
كان الفارق الوحيد هو أنه في الحياة الماضية ، انتهت حرب كاشار بعد حوالي نصف عام من الآن ، و …
أن ليتريشيا ، و ليس كيليان ، هي التي اقترحت الزواج التعاقدي.
على أي حال …
في ذلك الوقت أيضًا ، كان كيليان قد قبل عرض ليتريشيا لأنه كان بحاجة إلى مبرر لرفض ترتيبات الزواج التي قدمتها الإمبراطورة الأرملة.
“ماذا تريدين في المقابل لـإستخدامي لكِ؟”
“مكان للإقامة … لمدة نصف عام تقريبًا. أريد أن أرتاح بسلام في مكان لا يعرفني فيه أحد. لا أريد أي شيء أكثر من ذلك. سأغادر دون ندم بعد نصف عام ، و كأنني لم أكن هنا أبدًا”
“حسنًا ، لكن لا تفتعلي أي مواقف قد تثير قلقي. في اللحظة التي تسببين فيها لي أي مشكلة بسيطة ، ينتهي عقدنا”
و هكذا اتخذ كيليان ليتريشيا دوقة مزيفة ، و بدأ زواجهما الذي استمر نصف عام بنهاية محددة مسبقًا.
لقد كان نصف عام فاترًا ، لم يكن جيدًا ولا سيئًا بشكل خاص.
كما وعدت ، بقيت ليتريشيا بهدوء في قلعة الدوق الأكبر ، و كأنها لم تكن هناك.
و بما أن كيليان قضى معظم وقته خارج القلعة لتعزيز قواته بينما كانت مراقبة الإمبراطورة الأرملة مريحة ، فقد نادرًا ما التقى الاثنان ببعضهما البعض.
في بعض الأحيان عندما كان كيليان يعود إلى القلعة ، كانا يجلسان معًا لتناول الوجبات ، و في بعض الأحيان كانا يتجولان في الحديقة.
لقد كان دائمًا تكرارًا للأيام الرتيبة.
و لكن في مرحلة ما ، فكّر كيليان فجأة: هذا الرتابة قد لا تكون سيئة للغاية.
أنه لن يكون سيئًا أن تستمر هذه العلاقة لمدة أطول من نصف عام.
حتى كيليان نفسه لم يكن يعرف لماذا كانت لديه مثل هذه الأفكار.
فقط أنه في بعض الأحيان ، عندما كان يفكر في مغادرة ليتريشيا للقلعة ، كان مزاجه يتحول إلى سيء.
و بلغ مزاجه السيء أدنى مستوياته عندما علم متأخرًا أن ليتريشيا تعاني من مرض مُميت.
“لماذا لم تخبريني بـمرضِكِ؟ هل كنتِ تخططين لعدم إخباري أبدًا إذا لم أُلاحِظ ذلك؟”
“لم أكن أعتقد أنَّكَ بـحاجة إلى معرفة ذلك. بعد كل شيء ، بـمجرد انتهاء فترة العقد ، لن أكون أنا و صاحب السمو أي شيء بالنسبة لـبعضنا البعض. لم أكن أُريد أن أُزعِجَكَ دون داعٍ. … لقد أخبرتَني ألّا أكون مُزعِجة”
لقد كان سخيفًا.
بسبب تلك الكلمات القليلة التي قالتها بلا مبالاة و التي حتى كيليان نفسه بالكاد يتذكرها ، لم تخبره أنها تموت.
كان الأمر سخيفًا للغاية حتى أنه غضب. أراد أن يمسك بـليتريشيا و يصرخ عليها بأنها كان يجب أن تقول شيئًا.
لكن تعبير وجه ليتريشيا عندما قالت هذه الكلمات كان يبدو مرهقًا للغاية لدرجة أن كيليان لم يكن قادرًا على فعل أي شيء في ذلك الوقت.
علاوة على ذلك ، اندلعت في ذلك الوقت حرب كبرى في المنطقة الشمالية ، فغادر كيليان إلى الحملة و كأنه يهرب ، و لم يترك لـليتريشيا سوى الكلمات “انتظريني”
كان من الطبيعي أن يظن أنها ستنتظر ، لأن نصف العام الموعود لم ينتهِ بعد.
لذلك كان يعتقد اعتقادًا راسِخًا أنه سيكون قادرًا على مناقشة الأمور بعناية عندما يعود.
لكن على عكس توقعاته ، غادرت ليتريشيا قلعة الدوق الأكبر بينما كان كيليان بعيدًا في الحملة.
و بعد مرور وقت طويل ، و في يوم ممطر بشكل غزير ، عادت إلى القلعة.
… كقبضة من الرماد في جرة صغيرة.
* * *
نقرة.
عندما اهتزت العربة بعد اصطدامها بـحجر ، فتح كيليان عينيه.
خرج من تفكيره الماضي ، و أمال رأسه و لعب بشعر ليتريشيا.
“زوجتي قاسية القلب تمامًا. أن تغادري هكذا دون أن تقولي لي وداعًا …”
كانت لمسته مستمرة و هو يلعب بشعرها الذي يشبه شعر زهرة الكرز.
لفّ كيليان خصلات شعرها المتساقطة بـإستمرار حول أصابعه ، ثم خفض رأسه.
“لقد طلبتُ منكِ الإنتظار ، ما السبب وراء ذلك؟”
“…”
نظر كيليان بـإهتمام شديد إلى وجه ليتريشيا النائمة.
و على النقيض من الوجه في ذاكرته الأخيرة الذي أظهر علامات واضحة للمرض ، أصبحت خديها الآن تحملان حيوية أزهار الخوخ.
خاتم الزواج الذي كان فضفاضًا بسبب الوزن المفقود من مكافحة المرض يناسب الآن بشكل مثالي إصبع ليتريشيا الأملس في هذه الحياة.
على الرغم من أن لمّ شملهم تأخر بسبب عودته إلى منتصف ساحة معركة حرب كاشار ، إلا أن رؤية هذه التغييرات جعلت حقيقة عودته إلى الماضي تبدو حقيقية للغاية.
“في ذلك الوقت ، كنت أخطط للاعتذار لكِ عندما أعود من الحملة. لأقول إنني آسف على التحدث بلا مبالاة. و لأقول لكِ إنه ليس هناك حاجة لمغادرة القلعة”
بعد توقف قصير ، ترك كيليان قبضته عن شعرها.
و لكن قبل أن يتركها تفلت من قبضته تمامًا ، أمسكها و ضغطها على شفتيه حتى نهايتها.
في الحقيقة ، حتى الآن لم يكن كيليان يعرف بالضبط سبب إنزعاجِه عندما نظر إلى ليتريشيا.
الحب و العاطفة … بدت مشاعره قاتمة للغاية و فوضوية إلى حد ما بحيث لا يمكن تصنيفها ضمن المشاعر الحلوة التي تحدث عنها الناس.
ربما كان ذلك استحواذًا ملتويًا وُلِدَ من كائِن مُفَضَّل يُحاوِل الهروب من تلقاء نفسه.
رغم أنه لم يكن هناك شيء مؤكد ، إلا أن هناك شيئًا واحدًا على الأقل كان واضحًا: فهو لا يستطيع أن يتسامح مع اختفاء ليتريشيا عن بصره.
كان هذا كافيًا لإعادة الزمن إلى الوراء و العثور على ليتريشيا الحيّة لـربطها إلى جانبه مرة أخرى.
حسنًا ، لا يهم على أية حال.
مهما كان هذا الشعور الفوضوي الذي كان يحمله ، فهو شيء يستطيع اكتشافه ببطء.
“لدينا متسع كبير من الوقت”
كرروك-!
عندما توقفت العربة المهتزة مع صوت احتكاك حاد ، رفع كيليان ليتريشيا ببطء.
اتجهت عينا كيليان إلى رجل يقف على خلفية المنزل الذي يمكن رؤيته من خلال النافذة.
لم يكن الرجل سوى بيريل.
و مهما كانت سرعة تصرف بيل ، فلا بد أن بيريل وصل إلى المنزل منذ فترة طويلة ، إذا حكمنا من خلال أنفه الأحمر بسبب الطقس البارد.
بينما كان ينظر إلى بيريل ، الذي كان يرتجف مثل طائر صغير في البرد ، فتح كيليان باب العربة.
“لأن هذا الطبيب سوف يعالج مرضكِ”
نعم ، كان بيريل هو الطبيب الذي اخترع علاج المرض الذي أودى بحياة ليتريشيا بعد ثلاث سنوات.
التعليقات لهذا الفصل " 15"