انحنت يوريتا دون أن تُظهِر مشاعرها، تُخفي انزعاجها خلف وجهٍ خالٍ من التعبير.
“…لم أتعرف إليك. ظننتُ أنّ سيّد دوقية كيلستر رجلٌ مُسنّ. متى سلَّم الوالد اللقب إلى ابنه؟”
“منذ متى توفّي العجوز برأيك؟”
“يا للأسف، إن كنتَ تنوي أن تُعامل كدوق حقيقي، فعليك أن تُعرّف نفسك هنا وهناك.”
حينها، امتدت يد دوق كيلستر فجأة، وأمسكت بذقن يوريتا بخشونة.
أطلقت الخادمة الواقفة بهدوء إلى جانب شقيقها ثيو شهقة خفيفة.
“وقحةٌ تتحدثين هكذا، يا مجرد آنسة.”
“…….”
“كما قلتِ، سأمنحكِ مهلة ستة أشهر. لكن إن فشلتِ في سداد الدين خلالها، فسيكون هذا القصر، وأخوكِ الباكي ذاك، وحتى أنتِ، جميعكم لي.”
ثم أفلت زاكاري ذقنها بعنف.
“سأجعلكِ خادمتي. جربي العمل الجاد حتى ذلك الحين. لا بد أنه سيكون صعبًا عليكِ أول مرة.”
ابتسم زاكاري ابتسامة مخيفة، ثم مشى خارجًا من الباب الأمامي، عابرًا فوق قطع الزجاج المتناثرة.
بمجرد أن غادر، شعرت يوريتا بأنّ الجو الكئيب الذي خيّم على المنزل قد تبدّد أخيرًا.
تنفّست يوريتا الصعداء، وأخذت تتحسّس ذقنها.
‘ابن الكلب. أنا إنسانة عاشت ست سنوات في غرفة صغيرة لوحدها، فماذا تظنني؟’
كانت يوريتا قادرة بالفعل على غسل الصحون، والطبخ، وحتى تنظيف الحمّام.
‘ومع ذلك، لا أرغبُ أبدًا في أن أعمل خادمة في قصر ذلك الوغد.’
اشتعل في قلبها حماسٌ نضالي لم تشعر به منذ زمن طويل.
“أختي، هل أنتِ بخير؟”
اقترب منها شقيقها ثيو، يوشك على البكاء.
“أنا بخير، ثيو.”
مرّرت يوريتا يدها فوق شعره تُهدّئه. بدا أنه تصرّفٌ مألوفٌ نابعٌ من عادة جسد الشخصية الأصلية.
“ذلك الرجل كان مخيفًا جدًا… ما الذي سيحدث لنا الآن؟”
“وماذا تظن؟ سنستمر في العيش في هذا القصر. وسأجعل ذلك واقعًا.”
لقد كانت يوريتا على وشك الاستقالة من عملها، بعد أن اقتربت كثيرًا من تحقيق الحرية المالية بفضل وظائفها الجانبية الطويلة.
‘ما دمتُ فعلتُها مرة، فلا شيء يمنعني من فعلها ثانية.’
أعادت يوريتا ترديد شعارها الذي لازمها طويلًا.
وبعد أن هدّأت شقيقها الباكي بصعوبة، عادت إلى غرفتها. وكان أوّل ما فعلته هو إخراج ورقة بردي وقلم حبر لكتابة رسالة.
كانت الرسالة موجّهة إلى عمّها الأكبر، البارون سينييت، الذي بدا الوحيد القادر على مساعدتها في هذا الوضع.
* * *
“آنسة يوريتا، أنا حقًّا في أمسّ الحاجة إليكِ. لا أستطيع العيش بدونه.”
‘لن تموتي لأنك بلا حب، على الأرجح.’
فكرت يوريتا بلا مبالاة وهي تستمع إلى كلام الآنسة التي جاءت لتقرأ الطالع.
‘…آه، ما الذي أفكر فيه؟ إنها زبونة ثمينة.’
أعادت ترتيب أفكارها بسرعة، وابتسمت ابتسامة تجارية وهي تبدأ في خلط الأوراق.
“لنترك مصير حبكِ في يد السماء. لنرَ… أوه، الأمر ليس سيئًا. يبدو أن قلبه يحمل لكِ بعض المشاعر أيضًا.”
“حقًّا؟ لكن، لماذا لا يتقدّم لخطبتي إذًا…؟”
“هناك عائقٌ في قلبه. شخصيته المترددة، وعدم يقينه من المستقبل.”
“ألا توجد طريقة؟ يجب أن أتزوّج هذا العام. وإلا فسوف يُغادر في رحلة حول العالم من جديد!”
“في الحقيقة، هناك وسيلة، ولكن…”
حين بدا على يوريتا التردد، أمسكت الأنسة بيدها فجأة، وصرخت بتوسُّل:
“أرجوكِ! إن كان هناك أيّ طريقة، أخبريني! سأعطيكِ كلّ مالي!”
عندها، ابتسمت يوريتا ببطء.
“لأجل قلبكِ المُلِحّ، سأُعدّ لكِ تعويذةً تحمل أُمنية الأرض.”
“أُمنية الأرض؟”
“أجل، أمنية الأرض ثقيلة وصلبة كالصخر. ستمسك بقلبه المتقلّب كالرّيح، وتثبّته إلى جانبكِ.”
“يا إلهي!”
أخرجت يوريتا ورقة ورسمت عليها نقوشًا معقدة، ثم كتبت في وسطها حرف صيني يعني “حجر” بالصينية.
فبالنسبة إلى أهل أوروبا في العصور الوسطى، بدت لهم الأحرف الصينية كرموزٍ غامضة لا تُفهم.
‘الغموض يُعزّز الإيمان.’
ابتسمت يوريتا في سرّها.
أخذت الآنسة التعويذة ووضعتها في صدرها وكأنها كنز.
“سعر التعويذة هو قطعتان من الذهب.”
قرّرت يوريتا أن تُسمّي هذا المشروع: تجارة التعويذات المعتمدة على تأثير الدواء الوهمي. ولم تكن تراه خداعًا قطّ.
‘ثم إنني حاليًّا لا أملك رفاهية أن أناقش الأخلاق.’
أعطت الآنسة يوريتا القطع الذهبية، وغادرت بخفّة، تنظر حولها بحذر خشية أن يراها أحد.
وكان إجمالي ما كسبته يوريتا من هذا المقهى في ذاك اليوم: خمس قطع ذهبية. أي خمسون قطعة فضية. مبلغٌ كبير.
‘التجارة تسير جيّدًا، لكن الطريق لا يزال طويلًا. توقّعتُ ذلك، لكن حتى الآن لا جواب من البارون سينييت.’
خلعت يوريتا قلنسوتها وهي تفكر.
أن تطلب فجأة ٥٠٠ قطعة ذهبية، حتى من أقرب الناس، كان طلبًا كافيًا لجعلهم يهربون منها.
لكن لم يكن لديها أيّ خيار آخر.
“إن لم تُسدّدي المبلغ في الوقت الذي حدّدتُه، فسيكون هذا القصر، وأخوكِ الباكي، وحتى أنتِ، جميعكم لي.”
‘مستحيل. حتى لو متّ، لن أقبل بذلك.’
زاكاري كيلستر، في القصة الأصلية، هو من أحبّ البطلة بقلبٍ مريض، وظلّ يؤذيها بلا رحمة، ثم حاول اغتيال الإمبراطور، وكان خصمًا للبطل الرئيسي.
رغم كونه دوقًا من النبلاء، إلا أنّه كان يُدير سِرًّا تجارة الربا، ويُسيطر على العالم السفلي، ويُقال إنّ من لم يسدّدوا ديونهم كانوا يُختفون فجأة ليُباعوا في الخفاء.
بل ويُشاع أنّه قتل والده وشقيقه الأكبر طمعًا في السلطة.
‘يبدو أنّ القصة بدأت بما أنّه أصبح دوقًا. لا بد أنّ لقاءه مع البطلة بات وشيكًا. مسكينة البطلة.’
كانت يوريتا تفكر بذلك بفتور وهي تهمّ بجمع أوراق الحظ لتضعها في حقيبتها.
“هاه، قالوا إن لديكِ بعض المهارة، فهل هذا ما كانوا يقصدونه؟”
سمعت صوتًا جافًا مألوفًا، له نبرة حادة.
رفعت رأسها بدهشة، لتجد زاكاري واقفًا أمامها، يداه في جيبيه، ينظر إليها من علٍ.
تغيّرت ملامح وجه يوريتا.
‘تبًّا، لقاءٌ غير مرغوب فيه.’
“اهتمي بتعابير وجهكِ. لقد تشرفتِ بزيارة صاحب عملكِ المستقبلي.”
جلس زاكاري أمامها بكل وقاحة.
“أصعبُ ما في الحياة أن ترى وجه الدائن الذي يطالبكِ بالمال.”
“دائن؟ هذه المرأة لا تتورّع عن قول أيّ شيء أمام الدوق، كما فعلت قبل أيام.”
لكن زاكاري لم يغضب هذه المرة، بل اتّكأ إلى الوراء مسترخيًا. كان شعره الأحمر الفوضوي يتناقض مع عينيه الحادتين.
نظرت إليه يوريتا بازدراء.
“لماذا تنظرين هكذا؟”
“جلوسك هناك يمنعني من استقبال الزبائن. ألم تطلب مني أن أُسرع في سداد الدين، يا دوق؟”
حين سمع كلمة دوق، بدا أنّ زاكاري أحبّ وقعها، فأخرج قطعة فضية ووضعها على الطاولة.
“جئتِ في الوقت المناسب. كنتُ أشعر بالاضطراب مؤخرًا. اقرأِي لي طالعي.”
“قراءة الطالع مقابل خمس قطع فضية.”
“وأنتِ تُثرثرين كثيرًا بالنسبة إلى مدينة بالديون. فقط اقرأيه مجانًا.”
‘بخيل مقزّز.’
شتَمته يوريتا في قلبها، ثم خلطت الأوراق ونشرتها.
“سأقرأ لك طالع اليوم. اختر بطاقة.”
“اختاريها أنتِ.”
“…لكنها تخصّك.”
تنهدت يوريتا، ومدّت يدها نحو البطاقة في المنتصف. عندها، أمسك زاكاري بأطراف أصابعها.
ارتبكت يوريتا وسحبت يدها، لكنه تشبث بها وهو يتأمّل أصابعها.
“جميلة. طويلة ومستقيمة.”
“…لا تلمسني دون إذن، أيها الزبون. هذا يزعجني.”
رفع نظره إليها، لتلتقي عيونه الباردة بعينيها الجادّتين.
“إذًا، لديكِ شخصية حادّة، كما توقعت.”
ضحك زاكاري باستهزاء وهو يترك يدها. عندها، بدلًا من البطاقة التي كانت ستمسكها، مدّت يدها إلى البطاقة الأخيرة.
“لماذا لم تأخذي الأولى؟”
“تلوّثت.”
“ما هذا؟ تقولين إنّ لمسي وسّخها؟”
تجاهلت يوريتا اعتراضه، وقلبت البطاقة الثانية.
كانت تُصوّر دائرة تشبه الهدف، محاطة بسُحب بنفسجية اللون.
تغيّرت نظرات يوريتا فجأة.
“عجلةُ القدر…”
“ما معناها؟”
“رحلةُ الماضي قد انتهت، وبداياتٌ جديدة تنتظرك. والشخص الذي ستلقاه، قد يكون قدرًا، أو عدوًّا… سنرى، يا زاكاري.”
رفع زاكاري حاجبيه بدهشة.
“هل ناديتِ اسمي للتو؟”
“يا إلهي، هل فعلت؟ أحيانًا أثناء قراءة الطالع، أندمج كثيرًا دون وعي. عذرًا، يا حضرة الدوق.”
نطقت كلمة الدوق بوضوح تام، وهي تبتسم له.
‘اليوم، سيلتقي زاكاري بالبطلة الأصلية هنا.’
كانت يوريتا قد استوعبت من خلال البطاقة أن هذا المقهى هو مكان اللقاء الأول بين زاكاري والبطلة.
ستسكب البطلة القهوة على قميصه بالخطأ، ومن هناك تبدأ علاقتهما السيئة.
ابتسمت يوريتا بخبث. لم تكن تنوي التدخّل، بل تكتفي بالمُشاهدة من بعيد.
“بالمناسبة، ها هي دفعة اليوم.”
قدّمت يوريتا كومة النقود لزاكاري، لكنه نظر إليها وكأنها لا تعجبه.
“كنتِ ترسلين النقود بالبريد إلى قصر كيلستر، أليس كذلك؟”
“نعم.”
“من الآن فصاعدًا، سآخذها منكِ مباشرة.”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 2"