نهضت إستيل من أرضية المقصورة الخالية تتذكّر أنها قادت رفاقها إلى السفينة التي عثرت عليها ثم وقد أرهقها التعب، قالت إنها ستستريح قليلًا لتسقط في نوم أشبه بالإغماء.
لكن، كم من الوقت مرّ؟ أي ساعة الآن…؟
“…آه.”
في تلك اللحظة، وقعت عيناها على ظلّ امرأة واقفة خلف نافذة المقصورة.
شعر طويل متّقد كالنار بلونه الأحمر، وساقان ممتدّتان رشيقتان.
لم تعد هناك حاجة للتساؤل عمّن تكون.
لم تكن قد استيقظت لتوّها من النوم، بل على العكس.
لقد انفصلت عن الواقع وجاءت إلى الحلم.
أطلقت إستيل تنهيدة ونهضت من مكانها، متجهة إلى سطح السفينة المغمور بالضباب.
“لقد جئتِ.”
كان صوتها لم يعد يحمل دهشة.
التفتت إيلين التي كانت تحدّق في الضباب الكثيف الذي يحجب الرؤية تمامًا نحوها مبتسمة.
وقفت إستيل بجانبها دون تردّد وقالت:
“السفينة التي أعددتِها استُخدمت جيدًا. شكرًا لكِ، رغم أن الأمر يبدو وكأنكِ منحتِ الداء والدواء معًا.”
كانت تتوقّع أن تتباهى إيلين لكن خلافًا للتوقّع لم تُجب بكلمة، بل اكتفت بالنظر إليها.
أحرجها صمتها فسألت:
“لكن حقًا، ألا يوجد لديكِ مستقبل لا تستطيعين رؤيته؟”
─”المستقبل الذي أحاول أن أصنعه بنفسي، لا أستطيع رؤيته.”
“إذن…”
─”أنا لا أعرف إلا المصير الأصلي. ذلك الذي قرأته مرارًا وتكرارًا في الكتب وتذكّرته، قبل أن أتدخّل أنا في مجرى الأحداث.”
كانت إستيل تعرف مسبقًا أن قدرة إيلين ليست نبوءة خالصة بقدر ما هي ذاكرة متينة، لكن سماع ذلك بلسانها جعل شعورها غريبًا.
وكأنها تُمتحَن، سألت:
“مثل ماذا؟”
لم تظن أنها ستجيب، لكن ردّها كان صريحًا أكثر مما توقعت:
─”مثل حياة إيزابيلا التي تُختطف وتُعذَّب على يد رجال كُثر، وفي النهاية تفقد عقلها. أو ميكاييل، الذي يفشل في إنقاذها كما ينبغي. أو الحرب التي كان لا بد أن تندلع، وما يتبعها من عدد لا يُحصى من الضحايا.”
توقّفت قليلًا ثم ابتسمت ابتسامة مُرّة، لا تليق بساحرة عظيمة مفعمة بالثقة:
─”أو كيان لا بد أن يوجد، مثل ملك الشياطين… أشياء من هذا القبيل.”
“ملك الشياطين، نعم. يجب أن نتحدث قليلًا عن والدي إذن.”
تبادلت الأم وابنتها النظرات.
عبثت إستيل بشعرها باضطراب وسألت:
“ماذا علي أن أفعل؟ بصراحة ما زلت لا أفهم. الألغاز التي تركتِها لي لا أستطيع حلها وحدي…”
─”آسفة، لكن لا أستطيع أن أخبرك بما سيأتي. حتى عن الخطط التي وضعتها لا أستطيع أن أشرحها. عليكِ أن تواجهيها بقوتك. المصير لا يتغير بمجرد تنفيذ أوامر الآخرين.”
زفرت إستيل بمرارة وهي تفكر سريعًا.
إذن يمكنها أن تسأل عن الماضي؟ رفعت رأسها فجأة وسألت:
“إذن أخبريني عن مصير والدي الأصلي.”
اتسعت عينا إيلين بدهشة ثم ابتسمت برضا ومدّت يدها تمسح برفق على رأس ابنتها.
─”…هووه.”
“ماذا؟”
─”أنتِ أذكى مما توقعت.”
“بل لأنكِ أوكلتِ إليّ أمرًا معقدًا أكثر من اللازم. أنا ذكية أصلًا.”
أبعدت إستيل يد أمها بعصبية، فأزالتها إيلين بسهولة دون أن تنزعج، ثم أعادت نظرها إلى الضباب.
─”تريستان عاش طفولة بائسة. عائلة بلانشيه كانت محافظة وصارمة إلى حد القسوة. ما إن أظهر موهبة في السحر حتى بدأ والده يضربه ويحرمه من الطعام، معتبرًا أن السحر شرّ نجس.”
“…لكن في مذكّراتكِ، كان يدرس السحر في الأكاديمية.”
ردّت ببرود كأن الأمر لا يهم:
─”لأنه بعدما لم يعد يحتمل سوء المعاملة، فجّر قواه، فمات أفراد القصر بسببه. ولأنهم لم يقدروا على كبحه، طردوه.”
“لا تقولي… هل حدث هذا حقًا أيضًا؟”
─”نعم، لم يبدأ مصيره بالتغيّر إلا بعد أن التقى بي. ما قبل ذلك لم يتبدل.”
خطرت لإستيل فكرة أنّ والدها وأمها سواء؛ كلاهما يثير القلق.
ألم تشعر بالرغبة في الهرب من كل هذا؟
شاردة بذكريات بعيدة، همست إيلين:
─”ثم التقى في الأكاديمية بإيزابيلا شمس الجميع فأُعجب بها من النظرة الأولى. لكنه لم يكن يعرف ما هو الحب. فقط شعر برغبة في امتلاكها.”
“ثم ماذا؟”
─”في تلك اللحظة، وجد الشيطان طريقه إلى قلبه. وعده أن يمنحه إيزابيلا إن أصبح ملكًا للشياطين. لكن أي قوة مهما كانت عظيمة لا يمكنها أن تتحكم بالحب كما تشاء. فرفضته إيزابيلا واتجهت نحو ميكاييل. ثم…”
انقشع الضباب المحيط بهما فجأة، وتحوّل المشهد أمام أعينهما إلى منظر مروّع يملؤه الدخان الأحمر الكبريتي.
ظهر ميكاييل والدماء تغطيه وهو يغرس سيفه بصعوبة في قلب تريستان.
بجانبه إيزابيلا بعيون فاقدة للتركيز.
فاض الدم الأسود من فم تريستان وعيناه تتجهان نحو إيزابيلا المجنونة.
عَضّت إستيل على شفتيها، فشرحت إيلين بنبرة خفيفة:
─”قصة متكررة. الحب يولّد الغيرة، والغيرة تولّد العنف… لم يتمكّن ميكاييل من إنقاذ إيزابيلا إلا بعد أن فقد ذراعًا وعينًا. وحتى مع ذلك لست واثقة إن كان يمكن القول إنه أنقذها فعلًا.”
كانت إستيل دائمًا ترى أن محاولة إيلين قتل تريستان في صغرها مبالغة، لكن بعدما رأت المشهد بعينيها، بدا لها العكس؛ العجيب أنها لم تقتله حقًا.
تراجعت خطوة إلى الوراء وهمست:
“هل يمكن هزيمة ذلك…؟”
مع أنه كان ميتًا، إلا أن قوة هائلة ما زالت تتسرب من جسد تريستان بلانشيه تتخذ هيئة مجسات متلوية.
مسحت إيلين الضباب بيدها لتبدّد الوهم وقالت بلا مبالاة:
─”لا، ملك الشياطين لا يُهزَم.”
“فماذا تريدين مني إذن…؟”
─”لكن بتدخّلي أنا ظلّ تريستان مجرد متعاقد مع الشيطان لا أكثر.”
صمتت إستيل بعد أن علمت مصير والدها الأصلي.
وفجأة خطرت لها فكرة.
إذا كان تريستان في الماضي صار ملكًا للشياطين من أجل أن يمتلك إيزابيلا، فما السبب الآن؟
رفعت رأسها لتسأل فوجدت إيلين قد اقتربت منها وابتسمت قائلة:
─”أحسنتِ، عرفتِ السؤال بسرعة. لكن هذه المرة لم يُبرم تريستان عقده مع الشيطان بسبب إيزابيلا.”
“إذن بسبب…؟”
─”بسببي أنا.”
تذكّرت إستيل صورة والدها أثناء معركتهم ضد الشيطان؛ كان يبدو سعيدًا كأنه لم يعد يرغب في شيء آخر.
فلماذا؟ هل شكّ في حبّ إيلين؟ لكنها لم تستطع أن تسأل، إذ بدأ الحلم يتلاشى.
***
“إستيل، لقد وصلنا…”
كانت إستيل قد أحضرت سفينة ظلت راقدة في أعماق البحر لعشر سنوات كاملة، ومع ذلك ظلّت في حالة صيانة مثالية.
وبعد أن أعلنت أنها متعبة وتريد أن تستريح، دخلت إلى المقصورة.
في تلك الأثناء، وبعد أن أعاد إيدغار تعبئة بعضٍ من قواه السحرية بشق الأنفس، قاد السفينة عائدًا إلى البر، وكان سيدريك قد دخل المقصورة ليأخذها معه كي تنزل من السفينة.
لكن ما وجده كان إستيل متمددة بكل بساطة على أرضية المقصورة الخالية من أي فرش، نائمة نومًا عميقًا حتى إنها أخذت تشخر قليلًا، وإلى جوارها لوتشي يحرسها.
“شش.”
قالتها لوتشي وقد عادت إلى هيئة الفتاة الصغيرة، واضعة إصبعها السبابة أمام شفتيها.
أومأ سيدريك برأسه وجلس بحذر إلى جانبها.
أزاح خصلات شعرها الأبيض الناصع التي كانت تغطي وجهها من كثرة تقلبها، فكشف عن ملامح نائمة بعمق.
كانت حين تفتح عينيها وتتنقّل هنا وهناك تشعره بأنها ليست بالهيّنة، لكن وهو يراها تغطّ في نوم هادئ بدت له كطفلة وديعة، حتى إنه ابتسم.
وفي تلك اللحظة، ارتجفت جفون إستيل قليلًا وفتحت عينيها نصف مغلقتين لتحدّق فيه بذهول.
شعر سيدريك بالحرج فتمتم بلا داعٍ:
“…لم أكن أنوي إيقاظك.”
“كم الساعة الآن؟”
قدّر سيدريك الوقت تقريبًا وأجاب:
“لم يمر وقت طويل. ربما نمتِ نصف ساعة فقط.”
“…كل هذا الكم من المعلومات في ثلاثين دقيقة فقط.”
“هل رأيتِ حلمًا؟”
أومأت إستبل وهي تنهض، وما زالت على وجهها مسحة من غفوة.
مدّت ذراعيها بتمطٍ لإرخاء جسدها المتصلب، وتمتمت:
“لقد تعلّمت شيئًا هائلًا.”
“وما هو؟”
“أن الحب حقًا مخيف. قوته التدميرية مذهلة. يعني ألهذا السبب أعاني كل هذه المعاناة الآن…؟ فجأة أشعر بالغيظ.”
ارتعش جسده في تلك اللحظة، لكن إستيل لم تلحظ ذلك.
التفتت إليه بوجه خالٍ من الاهتمام وتمتمت:
“لنضع شرطًا بيننا: لا نرهن حياتنا بالحب، ولا نُفني أنفسنا من أجله. واو… أظن أنني بدأت أكره شيئًا اسمه الحب.”
“…ولِمَ ذلك؟”
“نعم؟”
“لِمَ كرهتِ الحب فجأة؟”
كان في صوت سيدريك شيء من العجلة الغريبة جعلها تستغرب.
‘هل هذا الموضوع يربكه إلى هذه الدرجة؟’
عندها تذكّرت وأومأت:
‘آه، هذا الرجل، إنه رومانسي كبير على غير ما يبدو عليه.’
“فكرت أنه قد يكون الحب عبئًا يجرّ الويلات؟ أشعر أن الأمر مقزز قليلًا.”
ظهر الاضطراب جليًا على ملامح سيدريك كطفل اقترف خطأ وينظر بقلق إلى والديه.
لكن أنظار إستيل كانت متجهة إلى لوتشي، التي أخذت تتدلّل طالبة منها أن تحملها.
أطلقت تنهيدة وهي تحملها، وقد بدت أثقل قليلًا من ذي قبل، ثم سألت:
“على كل حال، ليس هذا ما يشغلني. سؤالي غريب فعلًا… لكن، هل كانت لأمي علاقة غرامية أو شيء من هذا القبيل؟”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 70"