“ومع ذلك، فأنا أظن أني أنفع الآن من شخصٍ أضاع كل طاقته السحرية ولم يعد يقوى على شيء.”
رد إيدغار فورًا:
“نعم؟ إذن جرّب أن تخرجنا جميعًا من هنا. لو صعدت إلى الأعلى وسقطت ثانيةً في البحر، فسيكون ذلك منعشًا بحق! ثم إن السحر يُستعاد مع الوقت، لذا أنا أفضل منك على أي حال…”
فقاطعت إستيل شجارهما بانفجار حاد:
“أوه… كفاكما! لنعترف بالواقع، أنتما الاثنان الآن لا تصلحان لشيء، فلا داعي لهذا العراك.”
فصمتا معًا.
مدّت إستيل يدها تلتقط بعض الأسماك الصغيرة التي كانت تلفظ أنفاسها على القاع بعدما علقت بين الهواء والماء، ثم أعادتها إلى الجدار المائي، فاندفعت هاربة كالسهام داخل البحر.
جلست عند القاع فوق الرمل المكسو بالأعشاب البحرية والأصداف، بعينين شاردتين تستحضر ذكرى قديمة.
ارتجف صوتٌ عالق في ذاكرتها:
“أحيانًا… لا بد من تركيز الجوهر وحده، لتتضاعف الفاعلية. جربي ذلك يا إستيل.”
تجمّدت للحظة، ثم ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيها.
‘ذاك الصوت… لا بد أنه كان أبي.’
تذكّرت اليد الكبيرة التي أمسكت يومًا بمعصمها النحيل حين كانت طفلة صغيرة.
قبل أن تبدأ أحلامها الغريبة، لم تكن تعرف شيئًا عن والدتها… وبطبيعة الحال لم تعرف عن أبيها أيضًا.
لكن الآن، جزءٌ من ذكرياتها الضائعة عادت إليها.
لقد قالت لها أمها في الرسالة التي أمرتها فيها بإنقاذ العالم إنه إذا اجتازت شروطًا معيّنة، فقد تستعيد ما فُقد من ذاكرتها.
وبمحض المصادفة، في اللحظة التي واجهت فيها الشيطان هنا، انبعثت في ذهنها كلمات أبيها، وكانت عونًا عظيمًا لها في صدّه.
وقفت ببطء، ثم تمتمت:
“هل يوجد هنا أيضًا… شيء ما؟”
كانت أمها الساحرة العظيمة كلما زاد علم إستيل بها، ازدادت قناعةً بأنها بالغة الدهاء والدقة.
صحيح أنها في البداية حين رأت الرسالة لم ترَ فيها إلا أمًا غير مسؤولة تستحق اللعن، لكن الآن بدأت تفهم.
إيلين إيفرغرين لم تكن لتلقي بابنتها في فراغٍ لا سبيل فيه إلى شيء.
فهذا المكان إذًا… لم يُصنع لمجرد أن ترتاح فيه قليلًا.
أشعلت إستيل عينيها بلهفة، وشرعت تنقب هنا وهناك في الفضاء الغريب المنحوت من البحر.
راقبها سيدريك بدهشة وقال:
“هل تبحثين عن شيء؟”
فأجابته مبتسمة بتكلف:
“لا… فقط أجرّب حظي. أمي لم تضعني هنا كي أغرق، فلا بد أن وراء الأمر غاية أخرى.”
رفع حاجبه وقد بدا كمن يقرّ بأن الثقة بين الأم والابنة قد نمت قليلًا، ثم وقف إلى جانبها في صمت.
وبينما كانت تنتزع الأعشاب البحرية بقوة، لاحت تحت الجذور ومضة خافتة.
“هاه؟ شيء ما يلمع…”
ضغطت بجسدها وهي تحاول اقتلاعها، فانزلقت ساقاها فجأة.
ولولا أن سيدريك التقطها من الخلف بمهارة، لارتطمت بالأرض. زفر بضيق وقال:
“أغفلتِ الأمر مرة أخرى؟”
“ماذا؟ أني لا أعرف كيف أتصرّف بحذر؟”
“أنكِ نسيتِ أنك ساحرة… فما حاجتك للعضلات؟”
فتحت عينيها باندهاش وهمست:
“آه… صحيح. أنا ساحرة، أليس كذلك؟”
مدّت يدها تستحضر السحر عشوائيًا، ثم توقفت.
‘لكن… كيف أزيح هذا؟ لعل تلك التعويذة تصلح؟’
برقت عيناها وأخذت ترسم دوائر سحرية في الهواء.
في تلك اللحظة نهض إيدغار مذعورًا:
“انتظري، لا تفعلي…”
لكن الأوان كان قد فات. إذ اشتعلت نار هائلة ملأت المكان كله حتى بدت كسورٍ من لهب بارتفاع بيت كامل.
تراجعوا مذعورين إلى الأطراف وارتدّت إستيل مذعورة من الحرارة الخانقة.
“أ… أوه! لم أقصد إشعال هذا كله!”
فجأة انهمر ماء بارد يطفئ اللهب. تجمّدت محدّقة:
‘ما هذا؟ لم أفعل ذلك…’
فالتفتت لترى، ولم تستطع منع نفسها من رفع إبهامها إعجابًا.
‘رائع! أهو الذي فعلها؟ وبسرعة هائلة!’
كان إيدغار واقفًا يلهث ويده ما زالت فوق دائرة سحرية تلاشت لتوّها ووجهه أشد شحوبًا من ذي قبل.
أغمضت إستيل عينيها مسبقًا، متوقعة سيلًا من توبيخه.
“أيتها المجنونة…”
فقاطعته وهي تلوّح بكفيها:
“آسفة! حقًا آسفة! فقط استعجلت لا أكثر!”
فانفجر يصرخ وقد أوشك على فقدان وعيه:
“هكذا بلا قيود تستحضرين دوائر سحرية نارية عشوائية؟ ألستِ ابنة الساحرة العظيمة؟ أم أنكِ شيطانة متنكرة؟ هل جئتِ لتشويْنا جميعًا في هذا السجن المائي—”
وقبل أن يتم عبارته انهار تمامًا، مستنزفًا آخر ذرة من قوته.
أطبق كفيه على رأسه مزمجرًا بلعنات متقطعة.
اقتربت منه إستيل، وقد بدا عليها شيء من الشفقة، ثم وضعت لوتشي النائمة بجواره.
كانت تعلم أن لإرهاقه نصيبًا من ذنبها، لكنها مع ذلك شعرت في قلبها بشيء آخر…
‘غريب… أهذا شعور بالراحة؟ أو لعلها شماتة؟’
تذكرت كل إزعاجه الدائم لها، وابتسمت بخبث.
مدت يدها، وجذبت خده بمرح:
“يا للروعة! من يقول إني شيطانة؟ أنا البطلة المختارة!”
زمجر من تحتها بصوت مبحوح:
“اتركيني! يا بطلة اللعنة…”
“لا. لمَ أترك؟ أما أنت، ألم تكن ترفض أن تتركني كلما طلبت منك ذلك؟”
كان وجهه ألين مما توقعت، ملمسه يدعو للعبث.
وما إن راحت تعبث به كمن يلهو بلعبة، حتى أزاح يدها سيدريك من خلفها.
كان وجهه متماسكًا كعادته، وإن بدا فيه أثر ضيق طفيف.
“كفي، لا يليق بك هذا. لستِ طفلة.”
صرّت على أسنانها:
“دعني! عليَّ أن أرد اعتباري، فقد لعب بي طويلًا.”
فأجابها بصرامة:
“أنتِ راشدة. تمالكِي نفسك.”
ثم أمسكها من ذراعها وأبعدها قليلًا عن إيدغار، قبل أن يوجه كلماته الحادة إليه:
“أما أنت، فاكفف عن مشاكساتك، وأرنا كيف تُتقن التحكم بدوائر النار بدلًا من إثارة المتاعب.”
زمّ إيدغار شفتيه نصف واعٍ وردّ بشتيمة مختنقة:
“مجنون… أتطلب ذلك من رفيقٍ يكاد يحترق بجسده؟”
“آه… تبًّا! لِمَ لا ألغي انضمامي من الأساس الآن قبل أن يفوت الأوان!”
انفجر إيدغار صارخًا بعد أن كان يهمس بين شفتيه بالشتائم بلا توقف، ثم زفر بضيق:
“المساحة! لا بد من فرض قيد على مساحة النار التي تستحضرينها!”
“آه، صحيح!”
“صحيح، صحيح… أتذكّرينه فقط إذا أبرحتك ضربًا؟”
“آسفة! كيف نسيت ذلك؟ ربما حقًّا لن يعلق بذهني إلا إن ضربتني!”
كان غضبه مرعبًا، لكن إستيل التي كان غضبه موجّهًا نحوها لم تأبه، بل ابتسمت له ابتسامة مشرقة ولوّحت بيدها كأن الأمر مزحة.
‘أجل… أنا فقط الذي أُحترق من الداخل… وحدي.’
أغمض إيدغار عينيه يحاول تهدئة أنفاسه ويصفّي ذهنه حتى يجمع ولو ذرة من السحر المتبقي.
في تلك الأثناء أعادت إستيل رسم دائرة سحرية ثم أدرجت مساحة الأرض التي يقفون عليها داخلها.
راحت تحدّق في النيران المشتعلة أسفلهم.
الأعشاب البحرية والأصداف هناك تفحّمت حتى صارت رمادًا، أما صدف البحر والبرنقيل الملتصق بالأرض فقد زال، فانكشف سطح مستوٍ على نحو غريب كأنه صُقِل عمدًا.
دفعت إستيل الرماد المتراكم جانبًا بقدمها، وفجأةً وقع بصرها على شيء.
لم تتمالك نفسها فضحكت وقالت في همس:
“مرة أخرى؟”
إنه دائرة سحرية ضخمة مرسومة بخطوط ذهبية… توقيع الساحرة العظيمة.
كانت الدائرة تغطي الأرض كلها أسفل أقدامهم.
فاستخدمت إستيل تعويذة بسيطة من تلك التي حفظتها مؤخرًا لتلقي بالرماد كله إلى البحر، ثم أخذت تتمشّى فوق الخطوط المتلألئة.
في عمق البحر تحت وهجها الخافت كان المشهد مهيبًا ومثيرًا للغرابة.
رفعت رأسها ونادت سيدريك وإدغار:
“أمعكما ورق؟”
فتقدّم سيدريك بلا تردد، وفتش في أمتعة إيدغار، ثم أخرج كتابًا وسلّمه إليها.
جلست تدقق النظر في النقوش، ثم شرعت تنسخها وهي تتمتم بالكلمات المكتوبة عليها:
”Trappola, confinare…”
(Trappola تعني بالإيطالية: فخّ، كمين، مصيدة.
confinare فعل يعني: يقيّد، يحاصر، يحدّ، ينفي إلى مكان ما. فخ للحصر / مصيدة للإيقاع والتقييد أو حبس داخل فخ.)
حدّق سيدريك بها بذهول، وقد بدا عليه الارتباك.
إنها لغة لم يسمعها يومًا من غير أفراد الكنيسة.
رفعت إستيل رأسها، وقد ارتسمت الدهشة في عينيها أيضًا:
“سيدريك؟ لعلها…”
فأجابها بصوت متردد، شبه مصدوم:
“نعم… إنها كذلك.”
ثم أضاف بصوت خافت:
“إنها لغة الكنيسة السرية التي لا تُستعمل إلا داخلها والتي كدتِ تُعدمِين يومًا لأنكِ تفوّهتِ بها بطلاقة من غير قصد.”
عادت الذكريات تنهال فجأة.
لقد شغلتها الأحداث الأخيرة حتى نسيت حتى التساؤل عن الأمر.
فهذه اللغة لا يُسمح إلا لأهل الكنيسة بتعلمها.
أمها ساحرة… لا كاهنة. فكيف؟
خفض سيدريك رأسه إلى الدائرة المرسومة تحت قدميه، ثم هزّ رأسه ببطء.
“كيف لأمك أن تعرف شيئًا كهذا؟”
وسرعان ما ندم على سؤاله، إذ توقّع الجواب مسبقًا.
اكتفت إستيل بهز كتفيها قائلة:
“…ومن يدري؟”
“وأنتِ؟ كيف تعرفينها؟”
“هذا ما أودّ أن أعرفه أنا أيضًا.”
أطبق سيدريك شفتيه.
‘كان الأجدر بتلك الساحرة أن تُعلِّم ابنتها جيدًا، لا أن تمحو ذكرياتها…!’
ثم تمتم بعد لحظة صمت:
“لغة الكنيسة ليست شيئًا يتناقله الناس. لا يتعلمها المرء إلا بعد أن ينضم رسميًّا إلى صفوفه. حتى أنا مع أن أبي كان القائد السابق لفرسان الكنيسة، لم أتعلمها إلا بعد أن التحقت به.”
قالت إستيل مترددة:
“هل يُحتمل أن أمي كانت… على تعاون مع المعبد؟”
فأجابها سيدريك بحزم:
“لا يكفي التعاون لتعلمها. الأمر يحتاج إلى صفقة كبرى، أو اتفاق جوهري.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 68"