تشبّث سيدريك بلوحٍ خشبي عائمٍ انتزعه من حطام السفينة المحطّمة وهو يلهث بشدّة.
مدّ يده ليحتضن وجه إستيل المتهدل التي ما زالت غائبة عن وعيها، ونادى اسمها بقلق مضطرب:
“إستيل، إستيل؟ استفيقي. هل تسمعينني؟”
قرب أصابعه من أسفل أذنها، يبحث بيأس عن أي أثرٍ لنبضٍ حيّ.
وفجأة، شهقت الفتاة ثم اندفعت المياه من فمها وهي تسعل بقوة.
“هل أنتِ بخير؟”
“كُح، آه… أُخ… حلقي… حلقي يؤلمني… كُح!”
بدا أن الماء المالح شقّ طريقه إلى قصبتها الهوائية فأحرقها.
مدّ يده متوترًا يتحسس عنقها، بينما راحت تحدّق به بعينين شاخصتين.
وما إن التقت عيناها بعينيه حتى توقفت يده.
‘لماذا تنظرين إلي هكذا…؟ لا يمكن… أتعلمين أني قبّلتكِ تحت الماء؟’
كان ذهنه قد انشغل بتلك الفكرة الخجولة على الرغم من أنهما بالكاد نجيا من الغرق.
لكن ابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتيها جعلته يتجمّد.
“كُح… ها… لقد حسبت أنني سأموت حقًا.”
“……”
“قلتُ إنني أثق بك، لكنني لم أتخيّل أنك ستلحق بي حتى النهاية بهذا الشكل.”
شعر بدوار يعبث بجوفه كفراشةٍ تضرب بجناحيها داخل بطنه بلا هوادة.
هل هو من تلاطم الأمواج؟ أم من شيء آخر؟ لم يدرِ.
كانت قد اقتربت منه أكثر، كأنها تخشى عمق الماء الذي لا تطاله الأقدام، ثم غمزت بعينها ضاحكة وقالت بمكر:
“لقد نجحت، أليس كذلك؟ أنا رائعة، صحيح؟”
“……أجل.”
أجاب مطيعًا وهو يهز رأسه، فما كان منها إلا أن انفجرت ضاحكة بصوت صافٍ.
ومع ذلك، لم يرق له أن تراوغها حنجرتها المتعبة بالضحك، فرفع يده المبللة ووضعها على فمها بلطف:
“ليس وقت الضحك.”
“أعرف أنك تقلق علي.”
ضحكت مجددًا، كأنها تتسلى برؤية وجهه المتجمد.
كان يحدّق فيها بملامح جامدة، غير أنها أدركت جيدًا أنه هذه المرة على غير عادته… قلبه مضطرب أشد الاضطراب.
‘هو دائمًا متذمّر وحادّ الطبع… لكنه حقًا شخصٌ جيّد. لماذا قالت أمي إنه جامد وممل؟ صحيح أنه يتشدّد بالالتزام ويثور عليّ أحيانًا بلا سبب واضح، لكن انظر إليه الآن… أنقذني من الغرق، مخلصًا إلى هذا الحد…’
وإذا به فجأة يجذبها إلى صدره بقوة.
أدفن رأسه في كتفها وأنفاسه المضطربة الساخنة تدغدغ عنقها المرتعش من البلل.
“أجل… كنت قلقًا. وما زلت.”
صوته الذي اعتاد السكينة جاء هذه المرة محمّلًا بالانفعال.
رمشت إستيل مذهولة، ثم حاولت التحرر من بين ذراعيه.
“أ… أَه؟”
“ما كان عليكِ أن تفلتي يدي.”
“آه، كنتُ مذهولة فلم أستطع…”
رغم أن جسديهما كليهما غارق في الماء البارد، إلا أن جسده بدا صامدًا، بينما هي ترتجف من البرد.
سرعان ما توقفت عن المقاومة، بل تشبثت به أكثر لتتشبّع بحرارته الدافئة. وما إن فعلت حتى شعرت بشيء طري يلامس عظم ترقوتها.
“هاه…؟”
‘حادث؟ مجرد احتكاك غير مقصود؟’
حرّكت عينيها بتوتر تراقب ردة فعله، لكنه لم يُبدِ أي انزعاج، بل واصل ضمّها بقوة.
شعرت أن الأمر غريب، فربّتت على كتفه لتلفت انتباهه:
“هاي… ألسنا متلاصقين أكثر مما ينبغي؟”
“هل تستطيعين الطفو وحدك؟”
“أتسخر مني؟ أنا من أهل السواحل أصلًا!”
تذكّر ذلك متأخرًا، فأرخى ذراعيه بسرعة.
لكن ملامحه سرعان ما تصلبت من جديد، إذ وجدها متمسكة بذراعه رافضة أن تدعها.
فسألها بنبرة جافة:
“وما هذا الآن؟”
“لـ… ليس خوفًا، أبدًا! فقط… خشيت أن أفلت مجددًا، فقلت أتشبث تحسّبًا.”
“حسنًا… فليكن.”
‘فليكن…؟’
كان غريب الأطوار منذ قليل. هل السبب ظلمة البحر الليلي؟ أم أن وجهه الوسيم المبلل يُضلّل بصيرتها؟
‘أيمكن أنه فقد وعيه للحظة أثناء سقوطنا؟’
تأملته بريبة، لكن فجأةً، وجدَت جسدها يُسحب نحوه مجددًا.
ارتبكت وهي تضرب الماء بذراعيها، في حين ألقى عليها هو نظرة ساخرة:
“أنتِ ترتجفين من البرد.”
“……آه!”
كان في نبرته بعض المرح، لكنها لم تكن نظرة غامضة أو مشبوهة؛ بل أقرب إلى السخرية من ارتباكها.
‘صحيح… هذا الرجل لا يمكن أن تراوده أفكار غريبة. ثم إننا في وسط البحر المثلج… من الطبيعي أن نتعاضد.’
اقتربت منه أكثر، وأحاطت كتفيه بذراعيها بتلقائية.
تجمّد للحظة، ثم أنزل عينيه نحو وجهها المقرّب محافظًا على جموده الظاهر بينما داخله يضطرم اضطرامًا عارمًا.
كانت لصيقة به وتتقاسم حرارته فيما وجهها يتجه إلى السماء التي أخذ الفجر يبزغ فيها شيئًا فشيئًا.
وفجأة شهقت قائلة:
“إيدغار… ولوتشي! أين هما؟!”
“على الأرجح جرفتهما الأمواج. لم أرَ سوى أنتِ في الماء.”
في الحقيقة… لم يكن يرى سواها أصلًا. تردّد لحظة في نفسه:
‘هل يمكن أنني منذ أن عثرت عليها فقدت بصري عن كل شيء آخر حتى عمّا قد يكون أعمق في القاع…؟’
شحب وجه إستيل، لكنها لم تحرّر ذراعيها من حوله، وظلت تتلفت قلقًا:
“ي-يجب أن نبحث عنهما، أليس كذلك؟ إيدغار… لا يهم كثيرًا، لكن لوتشي…!”
“لا يهم؟”
في تلك اللحظة دوّى صوت مألوف وتصاعدت ريح عاصفة مع صفيرٍ حاد.
رفع الاثنان رأسيهما، فإذا بهما يشاهدان مشهدًا غريبًا:
إدغار متدلٍّ من يد لوتشي، ذاك التنين الصغير الذي كان يرفرف بجناحيه بصعوبة بالغة في الهواء.
تجمّدت الكلمات على شفتيهما، بينما انفجرت إستيل ضاحكة:
“فوهـاهـاهـا! هاهاهاها! ما هذا المنظر؟! هذا تعذيب صريح، إنه تعذيــب!”
كان التنين الصغير يكافح ليبقى معلقًا في الهواء، جناحاه يضربان الفراغ بلا توقف، وعيناه دامعتان وهو ينظر إليها بتوسل.
أما إدغار الذي بدا محرجًا بدوره فقد أطلق تنهيدةً ثقيلةً وتمتم بتذمر:
“اصمتي. أليست كل هذه الفوضى بسببك؟ انجرفتُ بسببك، واضطررتُ لاستهلاك كامل طاقتي السحرية.”
قالت إستيل بلهفة:
“لوتشي، هل أنتِ بخير؟”
“إستيل! هذا الساحر ثقيل جدًا!”
صرخت التنينة وتكاد تجهش بالبكاء، ثم أغمضت عينيها بقوة وهي تئنّ: “أنقذيني!”
نظرت إستيل حولها مرتبكة، فرأت حطام السفينة وقد تهشّم تمامًا، فتنهدت بأسى:
‘يا للمصيبة… ماذا نفعل الآن؟’
ثم أمالت رأسها نحو لوتشي وسألته:
“أيمكنكِ أن تحملينا نحن أيضًا؟”
“مستحيـــــل!!”
“فهمت… إذن لا سبيل لذلك. آه… ماذا نفعل الآن.”
وبينما كانت تفكر بقلق، أحسّ سيدريك بشيء غير مألوف أسفل قدميه، فألقى نظرة إلى تحت الماء.
ما إن سمع الجميع ذلك حتى تجمدت ملامحهم، ونزلت أبصار إيدغار وإستيل ولوتشي نحو الأمواج المتلاطمة، وأعينهم ترتجف من الذعر.
‘أي كارثة جديدة تلوح الآن؟’
فكرت إستيل بإنهاك وهي تحدّق في السطح المائج، غير أن وجهها سرعان ما اتخذ تعبيرًا غريبًا.
“هـاه…؟”
سألها سيدريك:
“ما بكِ؟”
لكنها لم تتمكن من الرد، شفتيها فقط تتحركان كمن يحاول إنكار أمر لا يُعقل.
‘مستحيل… هذا غير منطقي. كيف يمكن لشيء كهذا أن يحدث؟!’
وقبل أن تتمكن من التفوّه بما يختلج في صدرها، كان الآخرون قد أدركوا ما يحدث فجأة.
“البحر…”
“… ينشق.”
بدأ الماء يتراجع رويدًا رويدًا من تحتهم، ليكشف عن جدرانٍ شاهقة من البحر ترتفع على جانبيهم.
تسمر إيدغار مذهولًا وهو يحدق إلى ما تبقى في الأسفل من الماء، بينما مدّت لوتشي يدها بفضول داخل جدار الماء الهلامي، فإذا بالسوائل تنهمر متدفقة.
ضحك إيدغار ضحكةً باهتة وقال وهو يتأمل تدفق التيارات الهابطة:
“وأيّ ظاهرةٍ هذه الآن؟”
لم يلبثوا أن لامسوا قاع البحر الذي انشق ماءه، فهبط سيدريك وإستيل بأقدامهما على الرمال المبتلة، وتبادلا نظراتٍ متسائلة.
العيون الذهبية تسأل: ‘ما هذا؟’
فتجيبها العيون الزرقاء: ‘ومن يدري؟’
أما لوتشي، فقد ألقت إيدغار من يدها بعجلة عند الهبوط، ثم وقعت تلهث بجهد:
“أنا… مرهقة!”
سقطت على الفور على الأرض، عاجزة حتى عن استعادة هيئتها البشرية.
أسرعت إستيل تلتقطها وتضمها إلى صدرها، ثم هزّت رأسها متحسرة:
“هذا حقًا إساءة معاملة للحيوانات…”
ولم يجد إيدغار، رغم وقاحته المعهودة ما يرد به فاكتفى بإشاحة بصره عنها.
رفعت إستيل عينيها عن التنينة المنهكة، لتتأمل جدران الماء التي تطوقهم من كل جانب محاوِلة تقدير ارتفاعها.
‘والآن… كيف نهرب من هنا؟’
برد العرق على ظهرها وهي تتصبب قلقًا، فقد شحب وجه إيدغار حتى البياض؛ يبدو أنه استنفد طاقته حقًا.
بالكاد كان قادرًا على الجلوس، وقد ارتمى على أرض البحر الموحلة بلا حراك.
‘تبًا، لن يُجدي هذا الرجل نفعًا بعد الآن…’
أدارت رأسها عن إيدغار، وألقت نظرة على لوتشي النائمة في حضنها.
كانت ترفرف بجناحيها في حلمها كطفل صغير، ثم تتمتم وهي يسيل لعابها:
“كفى… لا أريد الطيران بعد الآن… هممم…”
‘لا عجب، فقد ظلّت تجرّ هذا الساحر الضخم في الهواء… طبيعي أن تنهك قواها.’
وهكذا، سقط الساحر والتنينة معًا.
لم يبقَ لها ما تعتمد عليه إلا…
التفتت بعينيها نحو سيدريك، ولم تقل شيئًا، لكنه بدا وكأنه فهم على الفور.
ألقى نظرة سريعة على محيط المكان، ثم نفض شعره المبتل وقال:
“إن ضغطتُ قواي المقدسة وسبّبتُ انفجارًا، يمكن أن نستغل قوة الارتداد لنندفع إلى الأعلى. لكن المشكلة ستكون بعد ذلك… فباستخدام قوى النور وحدها، يصعب التحكم الدقيق بحركتنا.”
****
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 67"