تحملت عواقب أفعال والدتي المتجسده [ 65 ]
في لحظةٍ من الشرود كادت أن تسيء الفهم، ضربت إستيل رأسها بقبضتها ضربةً حازمة، ثم تمتمت بصوتٍ خافتٍ مريب:
“استفيقي…”
“ما الأمر؟”
“لا شيء… يبدو أنّني فقدت صوابي لحظةً تحت وطأة الخوف من الموت. هاها… أي هراء هذا…”
‘ما الذي يدور في رأسها حقًا؟’
تساءل سيـدريك وهو يرمق رأسها الصغيرة بنظرةٍ مستاءة، وكأنّه لا يدري ما الذي قد يحتويه بداخلها.
قبض على يدها بقوة وتقدّم إلى الأمام.
وعلى مقربةٍ منهما، كانت مجسّاتٌ تتلوّى باحثةً عنهما، تفتح أطرافها وتغلقها مكرّرةً الحركة نصدر أصواتًا أشبه بالزئير.
“أف… مقزِّز!”
“تماسكي وتذكّري.”
وحين حاولت إستيل أن تدير وجهها بعيدًا عن المشهد البشع، أمسك سيـدريك رأسها بيدٍ واحدة وأعادها لتحدّق في المجسّ.
غضبت وداست على قدمه بقوة، لكنه ابتسم ابتسامة غامضة وقال:
“ها هو يقترب.”
شدّت إستيل تركيزها حتى حشدت طاقتها السحرية في أطراف أصابعها، وأغمضت عينيها بإحكام، وأنفاسها تتلاحق من بين شفتيها المطبقتين.
وفي اللحظة نفسها، اندفع المجسّ نحوها مثل رمحٍ حاد، تمامًا كما حدث في المرة السابقة.
تحركت أصابعها فورًا راسمة حركاتٍ سريعة يصعب تتبّعها حتى انبثق منها دائرة سحرية ضخمة.
وفي اللحظة التي لامس فيها المجسّ هذه الدائرة، تغيّر وجه سيـدريك فجأة مجمدًا على ملامح الدهشة:
“…ليس مثل الذي واجهناه من قبل.”
تراجع المجسّ نصف الممزّق بعد أن اخترق الدائرة، وبدأ ببطء يعيد تشكيل نفسه، جاعلًا اللحم المقطوع يلتئم.
‘شيطان ولديه قدرة على الشفاء؟ يا للجنون!’
تمتمت إستيل مقلّبة عينيها:
“…ماذا نفعل الآن؟”
“انتهى التقييم.”
جاء الصوت من خلفهما، فاستدارا معًا ليريا إيدغار يهبط برشاقة مستخدمًا سحره، حاملاً لوتشي تحت ذراعه، ثم أطلق طائرةً ورقية صغيرة باتجاه إستيل.
مدّت يدها والتقطتها بلا تفكير، ثم فتحتها وهي تميل رأسها باستغراب:
“ما هذا…؟”
“درجتك في الاختبار.”
“آه… في الحقيقة، لا أريد أن أعرف.”
لكن الرسالة كانت قد فُتحت بالفعل، وانحنى سيـدريك قليلًا ليرى الرقم في الداخل:
“إحدى وخمسون…”
“هل هذا جيد؟”
قهقه إيدغار بسخرية:
“للمعلومية الدرجة من مئة.”
“أوه… نصف الإجابات صحيحة إذن!”
نظر إليها إيدغار بدهشة من بريق الحماس في عينيها بدل الإحباط، وقال متبرمًا:
“كثيرٌ من الكلام على نتيجةٍ كهذه.”
“يا لكم من متشائمين…”
‘هل فشلت إذن؟ لن يوافق على ضمّي؟’
فكرت إستيل بقلق وهي تحدّق في الورقة بين يديها، لكن سيـدريك أجاب بدلًا عنها:
“لقد اجتزتِ. ولأنّه لم يقل الأمر بوضوح، فأغلب الظن أنه ليس من النوع الذي يتحدّث بلطف حتى مع رفاقه.”
ظلّت تحدّق فيه بذهول، فأكمل بابتسامة:
“شرط النجاح في الأكاديمية هو خمسون فما فوق.”
“واو!”
كادت أن تبتسم ابتسامةً عريضة، لكن فجأة تغيّر وجه سيـدريك إلى الصرامة وجذبها إليه بسرعة وفي اللحظة ذاتها انغرز مجسّ في المكان الذي كانت واقفة فيه.
راقب إيدغار المشهد وقال:
“يبدو أنّ الدائرة السحرية تحتاج إلى تعديل.”
“عذرًا؟”
“«إن كان هناك ما ينقصها فأضِفه، وإن كان هناك ما لا حاجة له فأَزِله.”
لم تكد تنهي اختبارها حتى وُضع أمامها تحدٍّ أصعب.
فتحت فمها وكأنها تريد الاعتراض، ثم تمتمت بذهول:
“كيف يُفترض بي أن…؟”
“أين اختفت تلك الجرأة التي جعلتكِ تقفزين؟”
‘أيقصد أنني لن أستطيع؟’
نظرت إليه، ورأت على وجهه تعبيرًا يشبه التحدي، فاشتعلت في داخلها روح العناد.
أطبقت شفتيها بقوة ورفعت رأسها قائلة:
“ستساعدني أليس كذلك؟”
“بالطبع… أنتِ تلميذتي المحبوبة.”
“أوه، تبا…”
لم تكد كلماته تتساقط حتى صدرت عن لوتشي حركة تقيؤ متعمدة، فألقى بها إيدغار على الأرض وطرق رأسها ضربة خفيفة.
“آه!”
صرخت لوتشي غاضبة، لكن إيدغار ألقى حوله دائرة حماية، ثم أشار بعينيه لإستيل:
“أعيدي رسمها. وحاولي حفظها هذه المرة.”
“حفظ ذلك الشيء المعقّد؟!”
“سأساعدكِ… لكن عليكِ المحاولة.”
أومأت برغم ضيقها، وظلت ممسكة بيد سيـدريك وهي تتقدم نحو المجسّ.
انطلق نحوها بسرعةٍ هائلة، فأغمضت عينيها بشدة، وبطرف أصابعها تفتّحت الدائرة السحرية من جديد.
لكن إيدغار الذي لاحظ عينيها المغمضتين، غلّظ صوته قائلًا:
“افتحي عينيكِ جيدًا.”
“الأمر… ليس سهلًا كما تقول!”
“هل ترغبين بالموت هنا؟”
‘بالطبع لا…!’
هزّت رأسها بسرعة تحت وطأة كلماته المهددة قبل أن تتجمّد وهي ترى وجهه يلمع بنشوة غريبة، وجماله يزداد حدة.
رفع يده ورسم في الهواء دائرةً سحرية صغيرة، ثم أطلق نحو المجسات هبّة ريح عاتية.
ارتطمت الريح العاصفة بالمجسات لكنها ما لبثت أن اندفعت مرة أخرى نحو إستيل.
أصابها الهلع وبدأت بالفُواق، فابتسم هو ابتسامة تنذر بالسوء وأمرها:
“إن كنتِ لا تريدين الموت، فاحفظيها. لا أستطيع أن أُسدي لك النصح عمّا يجب أن يُحذَف ويُبقَى إلا إذا حفظتِه أنتِ.”
“أ-أيها المجنون…!”
ومجدداً، تحركت يدها على سجيتها لترسم الدائرة السحرية التي علّمتها لها والدتها حتى صارت عادةً لها.
كادت عينا إستيل أن تنغلقا خوفاً، لكنها أرغمت نفسها على التحديق.
عليها أن تفعل… إذا لم تكن تريد الموت… إذا كانت تريد إنقاذ العالم…!
دوّى صوت ارتطام، وتناثرت المجسات عند ملامستها الدائرة السحرية، فتفرّعت إلى عدة أجزاء متناثرة الدماء من كل جانب.
جذبها سيدريك على عجل ليحميها من أن يصيبها أي جزء منها، ثم قال وهو يلهث:
“هل بدأتِ بحفظها؟”
“مرتين أخريين فقط.”
“وضعك جيد… سأستفزّها مرة أخرى.”
حين همّ إيدغار برسم دائرة جديدة لاستفزاز المجسات صاحت إستيل برعب:
“توقف، أرجوك!!”
“وأي شيء يعجز عنه المعلم من أجل تطوير تلميذه؟”
“أيها الأحمق—ااااه!”
هذه المرة، انطلقت كرة نارية لتُحرق أطراف المجسات. فازدادت المجسات هياجاً واندفعت نحو إستيل بجنون، لكن سيدريك انتشلها مجدداً.
ومرة أخرى، ظهرت الدائرة السحرية التي لم تحفظها ذاكرتها، لكن جسدها حفظها، تلك التي نقشتها فيها تلك الساحرة العظيمة.
وبينما كانت عيناها مفتوحتين تحدّقان بالدائرة أمامها، اندفعت المجسات حتى صارت على بعد أنفاس منها.
مدّ سيدريك يده ليجذبها وهو يهمّ بقول شيء، لكن صوتاً شارد الفكر خرج من شفتيها:
“حسناً سأجرّب.”
“حفظتِها؟”
“إلى حدٍّ ما.”
نظر سيدريك إليها بدهشة، إذ بدت ملامحها معقدة يصعب وصفها… وكأنها مزيج من الحزن والفرح، ومن شعور اللقاء بشيء كانت تنتظره طويلاً.
“إستيل؟ هل أن—…”
لكنها لم تعد تسمع صوته.
أذناها مثقلتان وكأنها تحت الماء، وأصابعها المرتجفة ترسم الدائرة أمامها.
كان يجب أن يكون عقلها صافياً وهي تعتمد على ذاكرتها، لكن رأسها كان ضبابياً وكأنها عادت بالزمن أو خرجت من الواقع لتحلّق في الفراغ…
رسمت مثلثاً فوق مربع، ثم سداسي عشري متداخل بحيث تتلامس زواياه، وملأت الفراغات بتعاويذ مكتوبة بلغات شتى.
وفي تلك اللحظة، انبثق من أعماق ذاكرتها شظية ذكرى—
“هل علّمتكِ إيلين؟”
صوت رجل ثقيل ودافئ في آن واحد، يبعث على الطمأنينة فور سماعه.
اتسعت عيناها الذهبيتان وهي تحدق في الدائرة التي رسمتها وهي متأكدة أنها سمعت هذا الصوت من قبل… لكن أين؟ ولماذا فاضت دموعها فجأة؟ ما الذي تشعر به؟
“عندما تدمجين عدة لغات في دائرة واحدة، يمكنكِ تفعيل طقوس معقدة… لكن التعقيد قد يجلب التشويش أيضاً.”
تذكرت يدين كبيرتين دافئتين تمسكان بمعصمها الصغير… ومثل ومضة برق، مرّ أمام عينيها مشهد طفلة صغيرة بشعر فضي بدأت للتو في المشي.
شهقت إدراكاً:
“تلك أنا…”
كان الرجل يبتسم لها ابتسامة هادئة وهو يمحو بعض الكلمات المعلّقة في الهواء:
“أحياناً، من المهم أن تتركي الجوهر وحده، لتعززي تأثيره. جرّبي يا إستيل.”
كانت دموعها تتساقط على ثوبها المبتل بماء مالح.
وكأنها تقلّد الرجل، مسحت بكفها بعض الكلمات من الدائرة، أزالت ما كُتب لحماية الجسد، وأبقت ما يختص بالهجوم.
واحدة تلو الأخرى، حذفت الطبقات الإضافية التي وضعتها أمها حمايةً لها.
“هل جننتِ؟ إذا خفّضتِ متانة الدائرة إلى هذا الحد…!”
كان صوت إيدغار المذهول يصلها باهتاً، وصوت سيدريك يحثها على الإفاقة يبتعد كصدى بعيد.
ورأت ببطء المجسات تلتفت نحوها وتنقضّ.
ثم، بعدما محَت آخر حرف، شحب وجهها وابتسمت وهي تهمس بشيء.
وفي اللحظة التي وصلت فيها المجسات إليها، أطلقت الدائرة السحرية ضياءً ساطعاً كفيلًا بإضاءة بحر حالك السواد.
دوّى انفجار، وتمزقت مجسات الشيطان وتناثرت كالمطر، فيما اكتسح انفجار الموجة الناتجة عن الصدمة سطح البحر.
وبعد أن انحسر الموج، لم يبقَ على الماء أثر لأي كائن ولا إنسان ولا تنين ولا وحش، ولا حتى الشيطان نفسه.
—-
ترجمة : سنو
حسابات المترجمين في الواتباد في خطر ويمكن ينحظر في اي وقت، جروب التيليجرام حيث كل رواياتي موجوده ملفات والنشر هناك اول
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 65"