تحملت عواقب أفعال والدتي المتجسده [ 64 ]
مدّت إستيل يدها ببطء، وابتلعت ريقها.
هذه المرة كانت مختلفة عمّا حدث في المرة السابقة حين فكّت الختم السحري مصادفةً؛ فهي الآن تعرف ما الذي تفعله، وتدرك ما الذي سيحدث بمجرد أن تلمسه.
وما كانت تثق به سوى ذلك الختم السحري الذي أعدّته والدتها بحيث يظهر تلقائيًّا كما لو كان عادة متأصلة فيها.
في تلك اللحظة انقطع خيط الصيد السميك المشدود بقوة.
وقبل أن تلامس راحتها الختم، ترددت قليلًا.
‘هل سيكون الأمر على ما يرام؟ هل أستطيع فعلها؟’
لكن قبل أن تتشابك الأفكار في رأسها، دفعت بقدمها من موطئها ومدّت ذراعها إلى أقصاها.
وما إن لامست أصابعها الختم المحفور على جلد المخلوق الزلق حتى دوّى صوت هائل كأن الأرض قد انشقت، وارتجّ سطح البحر بصوت الرعد.
تأثرت إستيل بصدمة الموجة الصوتية، فانفلت ما كانت تمسك به وسقطت مباشرة نحو الأسفل.
حتى وهي في حالة السقوط لم تُبعد عينيها عن الختم، لكنها ما لبثت أن تجمدت من الذهول.
“م-ما هذا…؟”
خرجت من جلد الوحش أذرع سوداء تشبه أذرع الأخطبوط، لكنها في الحقيقة تشبه أطراف شيطانية.
“يا إلهي… كم هو مقزز!”
كان المشهد صادمًا لدرجة أنساها حتى كونها في حالة سقوط حر.
هبطت أخيرًا على جسد الوحش وتدحرجت عدة مرات وهي تتأوه:
“آه… أوي، ظهري… سأتفتت… أوه!”
ارتفع صراخ الوحش حين بدأت تلك الأطراف الشيطانية تشق طريقها خارجةً من جسده، حتى كادت أذناها تصابان بالصمم من شدّة الصوت.
وضعت يديها على أذنيها وهي تتمتم:
“مسكين… يا لك من تعيس الحظ، الوقوع في يد مجنونة مثل أمي… ما الذي أوصلك إلى هذا؟”
ردّ الوحش بعويل متواصل، وكأنه يصرخ:
“ابتعدي عني!”
ثم بدأ يهز جسده بجنون ليتخلص من الطفيليات العالقة به، سواء كانت بشرية أو شيطانية.
“وااااه!”
تدحرجت إستيل بلا حول ولا قوة عن ظهره.
وفي تلك اللحظة بالذات، بدأت الأذرع الشيطانية التي كانت ساكنة، تتحرك من جديد.
أصبح طرف إحداها حادًا واندفع نحوها بسرعة هائلة.
“أمــــاه!”
‘إذن هذه نهايتي…!’
على الأقل ستموت وهي تقاتل شيطانًا، لا غريقة في البحر!
أغمضت عينيها بقوة واحتضنت نفسها، وخرجت منها شهقة باكية بلا وعي.
ثم حلّ السكون فجأة.
حتى أنه بات بإمكانها سماع صوت النوارس يصرخ من بعيد.
مسحت دموعها المتساقطة بدهشة.
“امم؟ لماذا سكن كل شيء؟”
شعرت بيد تربّت على رأسها ببطء، ثم تمسكت بها لترفعها.
فتحت عينيها بسرعة، وأمامها يد خشنة مليئة بالندوب، يد طالما سمعت صاحبها يتذمر كلما أمسك بها.
“سيدريك؟”
أجابها بنظرة باردة وحاجب مرفوع، وكأنّه يسأل:
“هل أنتِ التي نادتني؟”
فانفرجت عضلاتها من الارتياح.
‘مستحيل… لقد نزل إلى هنا؟ إلى هذا المكان الذي لا يوجد موطئ قدم فيه سوى جسد المخلوق العملاق الذي أطلقته أمي؟’
وقبل أن تتمكن من قول شيء، وجدت أن اهتمامه قد انصرف إلى أمر آخر.
“هل كنتِ تبكين؟”
لاحظ احمرار عينيها، فانعكس ذلك على ملامحه بانقباض شديد.
ضحكت إستيل بارتباك، ونظرت إلى الأذرع الشيطانية وهي تقول:
“أشعر أنني أستطيع حتى تقبيلك الآن!”
كاد سيدريك أن يفقد توازنه وهو يستعد لصدّ هجوم آخر، ثم صرخ بوجهها بعد أن ردّ الضربة:
“ما الذي تقولينه—! لا، لا بأس!”
“إنها مجرد استعارة… أقصد مجازًا فقط…”
“لا تذكري هذا مجددًا.”
‘يا له من حظر قاطع!’
فكرت وهي تشعر بالحرج:
‘حقًا إنه رجل ينتظر زوجته أكثر من عشرين عامًا…’
ثم جذبها سيدريك من خصرها بيد واحدة، فسقطا معًا وتدحرجا فوق صخور مغطاة بالمحار.
“آه! ظهري!”
“ما خطتك إذن؟”
سألها ببرود وبملامح متضايقة، لكنه في الوقت نفسه كان يرفع جسدها ليسند موضع الألم.
اعتدلت في جلستها وهي تحدق به بعينين واسعتين:
“كنت أنوي التقدّم بلا تخطيط.”
“هذا غير مقبول.”
“لكن المرة السابقة نجح الأمر بمحض الصدفة… ربما الآن أيضًا…”
“وماذا لو تأخرتِ لحظة واحدة في رد فعلك؟”
لم تكن قد فكرت في ذلك.
تنهد سيدريك وهو ينهض، وكأنه فهم الجواب من ملامحها دون أن يسألها.
‘يا لها من جبانة، لكنها لا تدرك كم هي مهمة.’
نهضت مستندةً إلى يده وهي تقول بتردد:
“لكن… يمكن أن أحاول…”
نظر إليها بعينيه الزرقاوين الهادئتين، نظرة يصعب فهمها.
تساءلت إستيل فجأة:
‘ما الذي كان يفكر به حين قرر النزول إلى هنا؟’
وفي المقابل، كان سيدريك يتأمل عينيها الذهبيتين اللامعتين كأنهما مرصعتان بالنجوم، ويتساءل بدوره:
‘ما الذي تفكر به هذه المرأة؟’
“بلا أي وسيلة أمان… ألا تخافين؟”
“بلى! أنا خائفة حتى الموت، وبصراحة أريد الفرار حالًا.”
‘إذن لماذا لا تفرين؟’
أراد أن يسأل.
‘كيف تجرؤين على الهجوم أولًا، قبل أن أمسك بك؟ لماذا تدفعينني إلى ميدان قتال غير مؤاتٍ؟’
لكنه كتم أسئلته كلها واكتفى بالنظر إليها.
‘لا أفهم… ما الذي يجعلني أفكر بكل هذا وأنا أحدق فيك؟ ولماذا تقودينني إلى الخطر؟’
أما إستيل التي لم تدرك ما يجول في خاطره، فقد ابتسمت ابتسامة مشرقة:
“لكنني في النهاية لست من النوع الذي يهرب! أعلم أنني أكره هذا في نفسي، لكن… هذه أنا!”
لم يكن البحر قد غمرهما بعد، ومع ذلك شعر سيدريك بغصّة حادة في حلقه.
تذكر ما قالته عنها التنينة الصغيرة إنها تحمل الكثير… حتى جراحها. ولهذا هي قوية.
والآن، بات يفهم حقًا ما كان يقصده.
كان سيـدريك الذي قوِيَ بالسير في طريقٍ مُعَبَّدٍ ومحدَّدٍ سلفًا بلا جراح، يختلف عن إستيل بلانشيه التي تحمل في جسدها ونفسها جراحًا لا تُحصى.
وهو، وهو يجرّ يدها المرتجفة التي تحاول رغم خوفها أن تُغامر بحياتها، انحنى مدفوعًا بدافعٍ عاطفي ليطبع شفتيه على يدها.
لم يعد بإمكانه تجاهل مشاعرٍ أصبحت جلية إلى حدٍّ يستحيل إنكاره.
لم تكن سوى ملامسة هادئة لا يُسمع لها صوت، لكن حين لامست شفتاه ظاهر كفّها، أدرك بفطرةٍ أن شيئًا ما سيتغيّر كليًّا من الآن فصاعدًا.
إن كانت قد نالت ما يكفيها من الجراح، فلا حاجة لأن تنال المزيد.
أنانيةٌ مُغلَّفة بإيثار كانت تتحرك بداخله.
تمنّى لو تبقى إستيل بلانشيه في أمانٍ تام، لكنّه أدرك أنّ ذلك التمني لم يكن بدافع القلق عليها وحده، بل من أجل قلبه هو، وهذا ما جعله أنانيًا.
قالها متمتمًا للفتاة التي لم تدرك ما يجري فأمالت رأسها في حيرة:
“يبدو أنّ…”
“عفوًا؟”
“أنّ امرأةً شجاعة كانت دائمًا هي مثالي المنشود.”
كان على وجهه حينها ابتسامة مشرقة على نحو نادر.
وكادت إستيل أن تتيه في شرودها لولا أن سيـدريك عاد في لحظة إلى صرامته المعهودة، محدِّقًا للأمام بعينين حادّتين.
دوّى صوت انفجار، وانقسم الوحش الضخم إلى فرعين مهاجمًا نحوهما.
وبحركة تلقائية جذبها إلى جانبه ليحميها، ثم قال بلهجة صارمة وكأن وجهه لم يعرف يومًا ملامح الدفء:
“يبدو أنّ تفعيل تلك الدائرة السحرية لا يحدث إلا إذا شعرتِ بتهديدٍ لحياتك. إذًا، كلامك عن استعدادك للمخاطرة بحياتك صحيح.”
“آه، إذن…”
“لكنّي أعارض أن تُخاطري بها فعلًا. تذكّري أنّكِ الشخص الوحيد القادر على منع هذا الدمار.”
كانت كلماته منطقية وسريعة الوتيرة، حتى أنّ إستيل نسيت ما قاله قبلها بلحظات عن “المثالي المنشود”.
المهم الآن أنّ هذا ليس وقت طرح الأسئلة!
اقتربت منه بلا وعي، وعيناها تراقبان الوحش الذي يبث هالة شريرة. سألت:
“إذًا… ماذا نفعل؟”
مدّ يده نحوها في صمت.
‘ما هذا؟’
تساءلت في نفسها، لكن حين رأى تردّدها، مدّ أصابعه وأمسك بمعصمها برفق محسوب:
“إن تأخّر ردّ فعلكِ ولو قليلًا، فسأشدّك نحوي فورًا.”
إذن كان يقصد أن تمسك بيده… قبضت عليها على مضض، ثم أومأت.
لقد باتت معتادة على هذه اليد التي أمسكت بها أكثر من مرة، حتى صارت تعرف أي أجزائها قاسية من أثر التدريب، وأيّها أقل صلابة.
وبينما كانت تعبث بلا وعي براحته المليئة بالندوب والجلد الخشن، فوجئت به يتيبّس فجأة فرفعت رأسها في استغراب.
“…لا تفعلي ذلك.”
“ماذا؟”
“لا تواصلي العبث هكذا.”
“آه، آسفة. الأمر فقط أنّ الندوب لفتت انتباهي.”
‘ها قد انزعج مجددًا!’
فكّرت إستيل.
وبحق، فالرجل الذي يعيش بالانضباط لا بد أن يضيق ذرعًا بهذا التواصل القسري مع امرأة بدافع الواجب.
أومأت سريعًا وهي تقول:
“حسنًا، ليس من الضروري أن…”
لكن يدها التي حاولت الإفلات أُمسكت هذه المرة بقوة مفاجئة.
التفتت نحوه مدهوشة، لتجده يحدّق مباشرة في وجهها ويتمتم:
“من الأفضل ألّا تفعلي ذلك مع أي أحد.”
“آه… حاضر. آسفة، لن أكرر…”
“لكن يمكنكِ فعله معي.”
‘…ماذا؟’
‘هل قال للتو شيئًا مُربكًا كهذا؟ هل يعني…؟’
رفعت رأسها تحدّق فيه، فلم ترَ سوى ملامحه الخالية من أي انفعال كالمعتاد فأومأت بهدوء.
‘آه، هذا هو وجهه المعتاد… بالطبع لا يقصد ما فهمت! ما كنت أفكّر فيه هراء! سامحني يا سيـدريك…’
—
ترجمة : سنو
حسابات المترجمين في الواتباد في خطر ويمكن ينحظر في اي وقت، جروب التيليجرام حيث كل رواياتي موجوده ملفات والنشر هناك اول
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 64"