اشتدَّت قوة الرياح التي كان إيدغار يدفع بها السفينة.
وبينما كانت لوتشي واقفة متشبثة بالسياج وتحدّق بتركيز في مياه البحر تحتها، اتسعت عيناها وصرخت:
“إستيل! هناك… فقاعات!”
أسرعت إستيل إلى جانبها، تراقب اتجاه تيار المياه.
لقد تغيّر مسار الأمواج المضطربة، وصارت تتحرك باتجاه واحد، كما لو كانت ترسم دائرة.
راحت إستيل تعض أظفارها بقلق، ثم أدركت بفطرتها:
“الآن… اللحظة المناسبة”.
ابتلعت ريقها، وأمسكت بخطاف كان موضوعًا على جانب السطح، وتوجهت نحو سيدريك.
كان الخطاف قد صُقل جيدًا من قبل، وبدت حافته اللامعة تتلألأ تحت ضوء القمر.
قالت بابتسامة:
“لنقم بهذا معًا!”
لاحظ سيدريك الارتجاف الخفيف في يديها، فتناول الخطاف منها أولًا.
‘لماذا ترتجف هكذا؟ أهي خائفة مجددًا؟’
كاد أن يمسك بيدها لا إراديًّا، لكنه تراجع فجأة عندما استوعب ما يفعله.
لم تفُت حركة يده المرتبكة على إستيل، فانفجرت ضاحكة.
وكأنها تقول “إن لم تمسك أنت، فسأمسك أنا”، مدت يدها وأحكمت قبضتها على يده.
وقبل أن يتمكن من التذمر، شعر سيدريك بارتعاشة دافئة تنتقل إليه، فرفع بصره إليها بذهول.
قالت بصوت حازم، كأنها تعد نفسها أكثر مما تعده:
“سأبذل جهدي.”
“أأنتِ خائفة؟”
“بالطبع.”
سؤال بلا جدوى أمام ارتجافها الواضح. ففتح فمه وقال:
“لا تقلقي…”
رفعت رأسها نحوه بتساؤل، كأنها لم تفهم مقصده.
وعندها انطلق لسان سيدريك، يفرغ كلمات التطمين بلا توقف:
“صحيح أنه وحش، لكن إن خرج من الماء، ستكون لنا الأفضلية. حين يخرج، سأقطع رأسه. فطالما أن الرأس حيث الدائرة السحرية قد أُزيل، فلن يكون هناك ما يدعو للقلق. لن تغرقي ولن يقتلك قبل أن يُكسر ختمه.”
حين انتهى ورفع رأسه، وجد عينيها الذهبيتين تحدقان فيه بثبات، تحملان مزيجًا غريبًا بين اللامبالاة وشيء يشبه الاهتمام.
ارتبك فجأة وشعر أن كلماته طالت أكثر مما يجب.
وبينما كان يستعد لإدارة وجهه، ابتسمت إستيل بخفة وقالت:
“كلامك يشبه ما يقوله بطل من الحكايات.”
زفر بانزعاج:
“وهل يضرك لو أخذتِ كلامي على محمل الجد؟”
“لم أقل إنني لم آخذ به. شكرًا لك!”
ضحكت، ثم ثبتت بصرها على الأمواج التي أخذت تشتدّ، بينما بدأت قطرات المطر تتساقط على وجهها الهادئ على غير عادتها.
في تلك اللحظة، كان مظهرها وهي تراقب أتباع الوحش المرتبكين تحت العاصفة غريبًا.
وكأنها تسترجع ذكريات بعيدة، قالت:
“تذكرت الآن… حين كنت صغيرة، كان حلمي أن أجد بطلًا كهذا.”
“بطل؟”
“نعم، شخص قوي لا ينكسر أمام أي محنة ويستطيع حمايتي. عندما كنت صغيرة، لم أكن بارعة في التصرف، وتعرضت للظلم والضرب أكثر من مرة.”
ارتجف قلب سيدريك بثقل إضافي، وتذكر ما قالته لوتشي في العربة:
“إستيل تحمل الكثير من الجراح.”
“لكنها أيضًا تحمل أشياء أخرى كثيرة. إنها إنسانة ممتلئة، ولهذا فهي أقوى من ذلك الساحر الفارغ.”
اهتزّت السفينة تحت قسوة الأمواج، فأمسكت إستيل بالسياج بإحكام، تحاول ألا تُظهر ارتجافها.
ثم أضافت بصوت منخفض:
“لكن الآن… أدركت أن ذلك كان تفكيرًا طفوليًا. لم أكن أعلم أن لا أحد سيقف أمامي ليحميني بلا مقابل.”
وبينما كانت السفينة تتمايل، خطت نحو الجانب الأيمن من السطح وبدأت ترسم ببطء الدائرة السحرية الطافية التي أعدّتها في الصباح.
لم يكن رسمها متقنًا، لكن كل خط فيه كان جادًا ومخلصًا.
وما إن اكتمل، حتى أضاء بنور ساطع.
حدّقت في الضوء وقالت:
“إذن، لا خيار أمامي إلا أن أصبح أنا ذلك الشخص.”
صرّت الألواح الخشبية تحتها بينما ارتفعت السفينة عن سطح الماء.
نظرت إستيل نحو سفن الأتباع التي مزقتها التيارات، وأخذت نفسًا عميقًا وهي مسندة ذراعيها على السياج.
كان سيدريك يجهز خطافه لمواجهة الوحش، فلاحظ أمرًا غريبًا، لم تبدُ عليها ملامح الخوف المعتادة، بل بدا أنها متوترة فقط وكأنها تستعد لما هو قادم.
ارتفع من أعماق البحر صوت زئير الوحش، فيما كان الأتباع الذين فقدوا الساحر عاجزين عن إبقاء سفينتهم طافية وسط الدوامة العاتية، فهرعوا للتجديف بيأس.
أما إيدغار، فكان يراقبهم بابتسامة ساخرة:
“حسنًا… إلى هنا ينتهي دوري. كبَّرتُ لكما صنارة الصيد بالسحر، وثبَّتُّها بالسفينة. من الآن فصاعدًا، سأكتفي بالمراقبة.”
“على ما يبدو هذا يكفينا!”
أجابته بارتياح، فتجهم وجهه.
كان ظل الوحش في الماء يكبر شيئًا فشيئًا، فمدّ إيدغار يده فجأة وأمسك بذراعها قائلاً:
“البشر بحاجة إلى أن يتقنوا فن التراجع. لا داعي لهذه العناد الفارغ. أنصحك حرصًا على حياتك، فاقبلي النصيحة.”
وفجأة بصوت مزلزل شقّ الوحش سطح الماء، فبان فمه المفتوح على مصراعيه.
صوب سيدريك خطافه نحو فكّه الداخلي، وأطلقه بطاقة روحية.
التفتت إستيل نحو إيدغار، وابتسمت قائلة:
“كان عليك أن تقول هذا قبل أن نبدأ.”
دوّى صوت المعدن وهو يعلق بأسنان الوحش الهائلة، فيما تخلّت إستيل عن يد إيدغار وقفزت على سياج السفينة.
تجمّد سيدريك إدراكًا لما تنوي فعله، فابتسمت له بثقة وهمست:
“أستطيع… أستطيع…”
ثم أضافت بابتسامة أوسع:
“لا… بل يجب أن أفعل.”
وقبل أن يتمكن سيدريك من الإمساك بها، ارتفعت عن السطح فجأة.
شدَّت الحبل الموصول بالوحش، وارتجّت السفينة…
ثم هوَت هي، وبياض شعرها يلمع وسط السواد نحو البحر البارد إلى حيث ينتظرها مخلوق صنعته أمها.
***
وما إن همّ سيدريك الذي شحب وجهه حتى غدا كالورقة البيضاء بأن يطل من خارج سطح السفينة ليتفقد الأسفل، حتى دوّى صوت ارتطام مفاجئ وبدأت السفينة تهتز.
على عكس سيدريك المرتبك، بقي إيدغار هادئًا.
ومع صرير حاد، انزلقت لوتشي بجسدها نحو جهة الصنارة الممدودة.
تمتم سيدريك، وهو مذهول:
“هل… السفينة تغرق؟”
أجاب إدغار بابتسامة ساخرة، كأن الأمر بديهي:
“أليس هذا طبيعيًّا؟”
ثم قهقه بخفة وجلس على سطح السفينة، وكأن لا شيء يدعو للقلق.
ومع استمرار السفينة في الهبوط تدريجيًّا من علوّها، أمسك سيدريك بحاجز السطح وضغط بنبرة حادة:
“فسّر لي.”
قال إيدغار وهو يرفع كتفيه بلا مبالاة ويحرك أصابعه:
“أما زلت تجهل حتى هذه المبادئ السحرية؟ يبدو أن دوقة إيرنيست لم تحسن تعليم إبنها… على كل حال، يبدو أن ذلك الوحش قد تجاوز الحدّ الأقصى للوزن الذي حُدّد في الدائرة السحرية.”
فهم سيدريك على الفور.
أخرج سيفه وأطلق طاقته المقدسة، ثم نظر نحو الوحش الذي كان معلقًا بخطاف الصنارة، نصفه مغمور في الماء وهو يتخبط.
كانت إستيل وإيدغار قد أعدّا الدائرة السحرية على أساس احتمال وزن السفينة بمن عليها أربعة أشخاص ولم يعيدا ضبطها بعد استخدامهما لها قبل قليل.
لذا، من الطبيعي أن تفقد الدائرة فعاليتها حين التصق بها ذلك الوحش الضخم.
تبدّل بريق العينين الزرقاوين، اللتين كانتا تنظران إلى إستيل دومًا بعطف، إلى حدّة قاتلة.
حدّق سيدريك بالوحش الذي كان يثير أمواجًا هائلة، وقبض يده بشدة.
‘أين ذهبت إستيل؟’
تمتم:
“علينا أولًا أن نخفّف الوزن…”
‘يجب ألا أرتبك. هي امرأة متهورة لكنها جبانة في الأصل، فلا بد أنها قفزت محسوبة الخطوة وفق تقديرها الخاص.’
ومع ذلك، كان قلبه يخفق بجنون، والسيف الذي كان يجب أن يبقى ثابتًا بدأ يرتجف قليلًا.
‘هل كان ذلك سبب توترها؟’
شعر وكأن صدره يحترق.
أمر نادر أن يفقد رباطة جأشه… وحين شعر بأن طاقته المقدسة التي تغلف السيف بدأت تتفكك، ارتعش وأجبر نفسه على استعادة تركيزه.
‘لا… يجب أن أتماسك. أولًا، أنقذ السفينة من الغرق…’
قال إيدغار، بنبرة واثقة:
“آه، وهل تنوي قطع كل جسد الوحش والإبقاء على مكان الختم فقط؟ لن ينجح ذلك.”
سأله سيدريك فورًا:
“ولماذا لا ينجح؟”
في تلك اللحظة، انزلقت لوتشي ببطء نحو إيدغار بفعل ميلان السفينة.
كانت عيناها تتلألآن وهي تسأل:
“ولماذا؟”
حملها إيدغار بسهولة ووضعها على ركبتيه، ثم أجاب وهو يربّت عليها:
“الدوائر السحرية المنقوشة على كائن حي تزول عادةً بموته.”
قالت لوتشي بإصرار:
“لكن هذه دائرة سحرية كانت إستيل ستكسرها على أي حال!”
أومأ إدغار برضا، وكأنه يرى السؤال جيدًا:
“هذا في الحالة العادية… أما إذا كانت دائرة لختم شيطان، فلا أحد يعرف كيف ستتفاعل. إنها كقنبلة موقوتة والنتائج مجهولة. لو كنت مكانكم، لما مسستها أبدًا.”
كانت عيناه الخضراوان تنظران إلى سيدريك وكأنهما تقولان هل فهمت يا قائد الفرسان؟ لكن ذلك الهدوء المستفز الذي يبديه إيدغار، وكأن الموقف كله مجرد لعبة، جعل عيني سيدريك تبردان بنظرة قاسية.
وبوجه خالٍ من أي انفعال، سأل إيدغار ببطء وكأنه يتحقق من الأمر:
“إذن، ما تقوله هو أننا في الواقع لا نستطيع فعل شيء، وأن تلك المرأة التي قفزت إلى الأسفل بلا أي سلاح، هي وحدها التي عليها أن تتحمل كل ذلك… أليس كذلك؟”
—
ترجمة : سنو
حسابات المترجمين في الواتباد في خطر ويمكن ينحظر في اي وقت، جروب التيليجرام حيث كل رواياتي موجوده ملفات والنشر هناك اول
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 62"