‘هل يشعر بالحر؟ مع أن الرياح تهبّ…؟ لا بأس، شأنه.’
ثم التفتت مجددًا إلى القرويين وسألت:
“هل لي أن أسأل عن سبب رفضكم للغرباء؟”
فجاءها صوت مألوف من الخلف:
“أنا أعرف السبب.”
التفتوا ليروا إيدغار يقترب، حاملاً بين ذراعيه لوتشي النائمة شبه فاقد الوعي.
وبينما كان الناس يحدقون بشعره الوردي بدهشة، شقّ طريقه بينهم قائلًا:
“زاركم عبدة الشياطين، أليس كذلك؟”
“وكيف عرفت ذلك…؟”
“عثرت على هذا في الأعلى.”
لوّح بيده بلا اكتراث بدُمية محترقة جزئيًا، فتراجع بعض القرويين وهم يطلقون أصوات الاستنكار.
تجمّد وجه سيدريك إذ عرفها فورًا؛ إنها إحدى الأدوات التي تُستعمل في طقوس الاستدعاء التي يقوم بها عبدة الشياطين.
أما إيدغار، فلم يُعر الأمر أهمية، بل ألقى الدمية على الأرض وداسها بحذائه قبل أن يبتسم قائلًا:
“أنا ساحر من القصر الإمبراطوري. ولست كأولئك الغرباء ذوي الهويات المريبة، فهويتي مثبتة، فلا داعي للقلق.”
ثم أخرج من جيبه بطاقة اعتماد من معهد الأبحاث السحرية الإمبراطوري، ملوّحًا بها بابتسامة واسعة.
‘كنت أظنه جاء ليساعدنا، لكن…’
رمقته إستيل بنظرة ضيق، فبادلها بسخرية شدّ فيها جانب فمه، ثم سأل القرويين:
“هل سبق أن زاروكم أكثر من مرة؟”
الساحر الذي قدّم ما يثبت هويته، والمرأة التي تملك قدرة عجيبة على كسب الودّ، والرجل أسود الشعر الذي يبعث على الثقة…
نظر إليهم شيخ القرية واحدًا تلو الآخر، ثم زفر قبل أن يقول:
“في الحقيقة، زياراتهم لم تكن أمرًا نادرًا. فهذه المنطقة كانت ساحة قتال مع الوحوش، وكما تعلمون، غالبًا ما تُعدّ الوحوش في الأساطير أتباعًا للشياطين. ومنذ مقتل الساحرة العظيمة، صاروا يأتون إلى هنا بضع مرات كل عام.”
“بعد مقتل الساحرة العظيمة؟”
“…لم تكن ذكريات طيبة. ربما لأنهم ذاقوا طعم قوة المتعاقد مع الشياطين، صاروا أكثر وحشية. ذات مرة حاولوا التضحية بأحد أطفال القرية، وكدنا أن نفقده لولا أننا طردناهم. ومنذ ذلك الحين، ساد عرف غير مكتوب بطرد الغرباء.”
“كما توقعت إذن…”
وبدا على سيدريك أنه معجب بقدرة إستيل على اختراق ذلك الحاجز النفسي لدى القرية.
فرفعت ذقنها بابتسامة فخورة، وردّ عليها إيدغار بابتسامة جانبية ونطق بوضوح دون صوت “وماذا في ذلك؟”
فتحت إستيل فمها بدهشة من وقاحته، بينما كان سيدريك غارقًا في التفكير قبل أن يسأل:
“هل أبدوا اهتمامًا بالبحر أيضًا؟”
“لا، بل كانوا يفتشون غالبًا في الغابة أو الوادي حيث ظهرت الوحوش. لا أدري ما الذي كانوا يبحثون عنه بالضبط…”
تبادل الثلاثة النظرات، ثم صفّقت إستيل بإصبعها وقالت:
“ما رأيكم أن نعقد اجتماعًا صغيرًا لوضع خطة؟”
* * *
جلس الثلاثة حول جذع شجرة، يراقبون لوتشي وهي تركض بخفة خلف فراشة تطير أمامها.
قطعت إستيل الصمت أولًا قائلة:
“لقد رأيت حلمًا البارحة عن ماضي أمي.”
سألها سيدريك:
“وماذا ظهر فيه؟”
‘على ما يبدو، رأيت لحظة كان فيها والدي يوشك أن يعترف لأمي بشيء… لم يكن أمرًا أحب أن أعرفه حقًا.’
ابتلعت إستيل هذا الجزء، ثم انتقلت إلى صلب الموضوع:
“كانت أمي تتحدث مع أبي، وقالت له حينها:
“عليّ أن أستعد لمعركة بحرية.”
“ولماذا تكونين هناك؟ أليست المعركة على اليابسة؟”
“قلت لك، يجب أن أستعد لمعركة بحرية.”
إن كانت أمها هي من أرتها هذا الحلم، فلا بد أن وراءه غاية ما.
وبما أن عبدة الشياطين جاؤوا إلى هنا أكثر من مرة بحثًا عن رفع ختم والدها، فهناك حتمًا ما يربطهم بهذه المنطقة.
لكن ما يجهلونه هو أن المكان الذي يستحق التفتيش ليس البر… بل البحر.
أومأ سيدريك برأسه:
“إذًا بات مؤكدًا أننا سنتجه إلى البحر.”
“صحيح، لكن هناك ما يقلقني.”
بدت على إيدغار ملامح جدّية نادرة، وحكّ جبينه بضيق قبل أن يقول:
“رأيتم الدمية التي أحضرتها قبل قليل، أليس كذلك؟”
“رأيتها. كنتَ تلوّح بها في الهواء وتدوسها بكل حماس.”
“هل بدت لكِ وكأنها قديمة؟”
ساد صمت ثقيل، ثم تمتم إيدغار بنبرة متوجسة:
“إنها حديثة العهد. هذا يعني أن أحدهم كان هنا مؤخرًا… وربما علموا بقدومنا أيضًا. أيها القائد، هل كان هناك عبدة شياطين شهدوا بنفسهم يوم حطّمتُ تلك الدائرة السحرية؟”
“كل من كان في الموقع مات على الفور. أما الجثث، فالأرجح أن قصر غلاسيوم قد أخفاها تمامًا…”
توقف سيدريك فجأة، والتفت نحو إستيل بنظرة متوترة.
‘لا، آمل أن لا يكون الأمر كذلك…’
ثم سأل بصوت خافت مرتجف:
“أتظنين أن أحدهم تمكن من الفرار؟”
“أنا… لا أعلم. فقدت وعيي فورًا يومها.”
رمقهم إيدغار بنظرة لاذعة وأضاف ساخرًا:
“الاعتقاد بعدم وجود ناجٍ محض غرور، فدائمًا هناك من يفلت.”
استعاد سيدريك تفاصيل ما جرى؛ حتى هو نفسه كان منشغلًا بما استدعت إستيل فجأة من دوائر سحرية، ثم انشغل بعدها بالتشاور مع سيد غلاسيوم، ولم يتمكن من التأكد بعينيه إن كان هناك ناجٍ.
تسللت قشعريرة إلى ظهره.
لقد حرصوا على إغلاق المداخل وتأمين المكان، لكن لا ضمانات.
وإن كان أحدهم قد أفلت فعلًا، وبلغته قصة إستيل وهي تحطم دائرة الساحرة العظيمة وتهزم شيطانًا… فقد تكون العواقب أسرع مما يتصور.
تجمدت ملامحه:
“قد لا يكون أمامنا وقت كثير.”
قفز إيدغار واقفًا وقد رفع يديه بعصبية:
“اللعنة، كنت أتوقع هذا! فلنجهز القارب فورًا.”
“تمهّل. ألم تسمع ما قاله أهل القرية؟ إن قاد غريب لا يعرف الجغرافيا قاربًا، فالأمر خطير!”
وبينما يهرع إيدغار ومعه سيدريك، سارعت إستيل لالتقاط لوتشي، التي كانت على وشك البكاء بعد أن فقدت الفراشة من أمامها، وبدأت بتهدئتها.
عندها قال سيدريك بنبرة جازمة:
“وأنتِ أيضًا، الوضع نفسه بالنسبة لكِ.”
“لكن… هل تعرف قيادة القارب أصلًا؟”
“الأساسيات على الأقل.”
عادت إستيل تتذكر تحذيرات القرويين، أن يقود الغريب قاربًا بلا معرفة بالمياه هنا هو أقصر طريق للموت، وإن كان هذا الغريب لا يجيد سوى الأساسيات، فاحتمال الهلاك أكبر.
لكن سيدريك دقيق في مثل هذه الأمور… فمن أين له بهذه الثقة؟
ابتسم سيدريك ابتسامة غامضة وأشار إلى مؤخرة رأس إيدغار الوردية:
“لدينا رجل يمكنه صنع الرياح والأمواج، أليس كذلك؟”
كان في ابتسامته ما يوحي بأنه وجد فرصة للانتقام، فتنهدت إستيل وكأنها ترثي لإيدغار، الذي اكتفى برفع كتفيه قائلًا:
“ماذا؟ ولماذا تنظرين إليّ هكذا؟”
“لا بأس، آن الأوان لتتذوق بعض العناء.”
ضحك إيدغار باستخفاف وردّ بوجه بارد:
“ولِم عليّ أن أتعذب؟ سبق أن قلت إن مهمتي الوحيدة هي تعليمك، أيتها الغبية.”
وبعد أربعين دقيقة بالضبط، كان إيدغار واقفًا على سطح قارب صغير، وملامحه توحي وكأنه يبتلع المرارة.
زمجر الساحر وهو يحدق في سيدريك بعينين تتوعدان بالقتل، لكن سيدريك قابله بهدوء ساخر:
“ما الذي تنتظره؟ اصنع الرياح.”
“أيها القائد.”
“هل لديك طريقة أخرى يا ساحر؟”
‘أمزقه الآن وانتهي؟ لا، صراحةً لا أملك فرصة أمام هذا الرجل في قتال مباشر.’
زفر إدغار بضيق وبدأ يرسم دائرة سحرية بامتعاض.
‘اللعنة، لم أكن أنوي مساعدتهم إلى هذا الحد.’
تابعته لوتشي بابتسامة مسلية وقالت:
“عقلك وجسدك يعملان كلٌ على حدة يا ساحر.”
“اصمتِ.”
“أسرع بصنع الريح!”
وبعد أن تأكدوا من خلو المكان من الناس، عادت لوتشي إلى هيئة التنين، وصفعت ساقيه بذيلها في ضربة خفيفة جعلت إيدغار يبتلع أنينه ويبدأ بإنتاج الرياح.
مدّت إستيل خريطة البحر الداخلي التي حصلت عليها من العمدة بعد الكثير من التودد، وبجوارها وضعت دفتر مذكرات الساحرة العظيمة، ثم أخذت نفسًا عميقًا:
“حسنًا… لنبحث عن أي خيط يقودنا.”
بحسب كلام القرويين، لا توجد أي جزيرة في البحر الداخلي، لكن هناك مناطق قليلة العمق متفرقة.
وربما كان شيء ما قد دُفن هناك.
انحنت تقرأ يوميات أمها، تبحث عن أي إشارة.
———
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 54"