في المذكرات، كانت الصفحة الأولى مليئة بتأملات والدتها الفلسفية، لكن إستيل كانت تفكّر في شيء مختلف تمامًا.
صحيح… أفهم أنّ المرء حين يقترب من تحقيق هدف حياته قد يشعر بالارتباك بشأن ما يفعله لاحقًا.
‘لكن مع مَن كانت تتعارك إذن؟’
ومهما يكن ما ستفعله والدتها لاحقًا، فهي الآن لا تريد أي دراسة إضافية!
وهي تعبث بأصابعها، فتحت فمها بحذر وقالت:
“مع وحشٍ… ورج…ـل؟”
“همم…؟”
ارتسمت على وجه إيدغار ملامح استغراب، وكأن الجواب لم يكن في الحسبان.
عندها تدخّل سيدريك، الذي كان يصغي بصمت حتى هذا الحين:
“لا أرى أن جوابها بعيد عن الحقيقة.”
“لكن السؤال أنا من طرحه.”
“فملك الدولة المجاورة الذي استغلّ الفوضى التي أثارها الوحش لمحاولة خطف والدتك كان رجلاً بالفعل.”
من دون أن تشعر، بدأت إستيل تشجّع سيدريك في سرّها، قابضةً قبضتها وهي تراقب جدال الرجلين، بينما بدا إيدغار غير المقتنع عاقدًا حاجبيه.
“لو قلتِ ‘خاطف’ لربما تقبّلتُ الإجابة، لكن ‘رجل’… أنتِ بذلك تحدّدين نصف سكان الأرض، وكأنكِ أصبتِ بالصدفة!”
“إجابتي كانت بعد التفكير في يوميات أمي، لم أقلها عشوائيًا!”
حينها ضاق إيدغار بعينيه وكأنه ضبطها متلبّسة، أما سيدريك فهزّ رأسه مستسلمًا وكأن لا سبيل لإيقاف الأمر.
وبينما كانت إستيل في حيرة، ألقى ظلّ الساحر المرعب فوقها وقال:
“آه… إذًا كنتِ تغشّين؟”
“أ-أنا؟ لا، هذا ليس غشًّا!”
“ليس غشًّا؟”
“بل… مجرد استعانة بالملاحظات…”
سخر إيدغار ضاحكًا، ثم أفرغ من حقيبته كومة كتب، منها كتاب يحتوي على الثمانين دائرة سحرية التي علّمها لها صباح اليوم في العربة.
“لا… لا، أرجوك!”
قالت وهي تلوّح برأسها نافرة، وقد شحب وجهها، لكنه ابتسم كشيطان وقال:
“احفظيها.”
“لن أستطـ…”
“كرّري ورائي. ستنجحين.”
‘هل الأمر يستحق كل هذا العناء…؟’
تنهدت إستيل بعمق وتمتمت بصوت حائر:
“كنتُ أريد أن أكون شخصًا ينجح فيما يفعل… كيف انتهى بي المطاف إلى هذا الحال…؟”
كانت كلماتها هذه كفيلة بأن تُحرّك قليلًا مشاعر إيدغار، الذي لا يتأثر عادة بأي عذر.
فأغلق كتاب الدوائر السحرية وأعاده إلى الحقيبة، وعاد إلى الموضوع الأصلي:
“على أي حال… صحيح أن معارك الوحوش هي التي دُوّنت غالبًا في كتب التاريخ، لكن الساحرة العظيمة خاضت أيضًا خلافًا شخصيًا مع ملك الدولة المجاورة، وكان الأمر يتعلق باختطاف الآنسة إيزابيلا بايليس، التي أصبحت فيما بعد دوقة.”
عندها تذكرت إستيل محادثة سابقة بينها وبين إيزابيلا:
“إيلين أنقذتني حين حاول ملك الدولة المجاورة خطفي لإجباري على الزواج. كنتُ حينها في السابعة عشرة، وقد تحدّت دولة كاملة من أجلي.”
‘هل كان هذا هو الحدث نفسه إذن؟’
وهي تفكر، قال سيدريك هامسًا:
“ما تفكرين فيه صحيح.”
“إذًا في ذلك الوقت…”
“نعم، سمعتُ أن والدتي عانت بعض الشيء. فقد خُطفت، لكن والدي أنقذها في اللحظة الحاسمة.”
لم يكن سيدريك يعرف التفاصيل بدقة، إذ لم يروِ ميكاييل وإيزابيلا القصة له بتفصيل، لكنه كان يعلم أن لقاءهما المثير شاع في كل مكان.
‘أها…’
أومأت إستيل، ثم تذكرت بداية الحوار، ورفعت رأسها:
“لكن ما علاقة هذا بالسمك؟”
“المعركة مع الوحش وقعت على البر، لكن المواجهة التي خاضتها الساحرة العظيمة شخصيًا كانت في البحر، لأن الآنسة بايليس… أي الدوقة الحالية، كانت قد اختُطفت على متن سفينة.”
في الواقع، حينها كان الوضع حرجًا للغاية، ورأى معظمهم أن على الجميع التركيز أولًا على القضاء على الوحش.
لكن الساحرة العظيمة التي توقعوا أن تقلب الطاولة اعتراضًا على ترك صديقتها فاجأت الجميع بانتظارها بصبر… إلى أن وصلت فرقة الفرسان المقدسين.
وعندها، وكأن كل ما صبرت من أجله كان لهذه اللحظة، خطف أحد الفرسان على الفور وتوجّهت به إلى سفينة المملكة.
وهكذا، وجدت إيزابيلا نفسها وقد اختُطفت هذه المرة على يد إيلين، لتلتقي هناك بمخلّصها وشريكها المستقبلي ميكاييل.
ليست قصة بالغة الأهمية، لكن…
“خلاصة ما يقصده إيدغار، أنه إذا أخذنا في الاعتبار تحرّكات الساحرة العظيمة والواقعة الغريبة المتعلقة بالأسماك… فربما لا ينبغي أن نركّز بحثنا على هذه المنطقة وحدها.”
فتح سيدريك الخريطة، وأشار أولًا إلى اليابسة، ثم حرك إصبعه نحو نقطة في عرض البحر:
“أي… قد يكون الأمر في البحر. وربما كذلك.”
* * *
أمواج البحر الهائجة تعلو، وشعر إيلين الأحمر يتمايل بخفّة أمام البحر العظيم.
وبينما تتساقط قطرات دماء الوحوش من جسدها، وُضعت فجأة يد على رأسها.
ابتسمت بخفة، ورفعت رأسها لتحدّق في الرجل الواقف خلفها.
“تريستان؟”
عندها فقط أدركت إستيل… هذا حلم آخر.
كان تريستان بلانشيه الذي يطل من علٍ على والدتها ذات السبعة عشر ربيعًا، قد أصبح أطول منها بكثير.
وتريستان وهو يراقب البحر المظلم الذي غطاه الليل، سأل بتحفّظ:
“ما الذي تفعلينه هنا؟ المعركة كانت على اليابسة.”
“قلت لك من قبل، أنا أستعد لمعركة بحرية.”
ها نحن نعود إلى قصة المعركة البحرية مجددًا.
غير أن تريستان لم يستغرب، بل أومأ متفهمًا.
أصدرت إيلين طقطقة بأصابعها وسألت بصوت شارد:
“إيزابيلا؟”
“بخير.”
“هكذا إذًا… لم يحن الوقت بعد على ما يبدو.”
“ألستِ متأكدة أنكِ هذه المرة رأيتِ مستقبلاً خاطئًا؟ أي هراء هذا عن ملك يحاول خطفها…”
ارتفع حاجبا إيلين باستهجان، وكأنها تقول أحقًا لا تدرك السبب؟
“ولِم لا يكون ممكنًا؟ فالأوضاع الأمنية مضطربة هذه الأيام، وحوادث اختطاف النساء تزداد… ثم انظر إلى وجهها.”
“التي تستحق القلق من هذه الناحية هي أنتِ.”
“هاه.”
انفجرت إيلين ضاحكة حتى دمعت عيناها، ولما مسحت الدموع علقت بوجهها لطخة دماء، فعبست في اشمئزاز.
لكن تريستان مد يده على الفور، ومسح دماء الوحش عن وجنتها بلا تردد.
وبينما كان الدم يتلاشى على بشرتها البيضاء، ظل يحدّق فيها وكأنه مسحور.
أما إيلين، فكانت تفكّر في شيء آخر تمامًا:
‘ما الذي يقوله هذا الآن؟ ألا يضع نظارة بدلًا من هذا الكلام الفارغ…’
لقد قضت الأيام الأخيرة مغطاة بدماء الوحوش، ولم يكن هذا أمرًا يسرّها، فهي كانت تفضّل قتالًا أنيقًا لو أمكن، لكن لا توجد طريقة نظيفة للتعامل مع وحوش تهاجم أي بشري تراه.
“اهتم بمن يستحق القلق، وحافظ على سلامة إيزابيلا.”
توقفت قليلًا، ثم مدّت يدها بمرح ومسحت وجنته بدم الوحش.
ابتسمت بخبث وتمتمت:
“لقد نشأتَ فتىً مهذّبًا، أظن أن إيزابيلا كان يمكنها أن ترتبط بك بدل ميكاييل…”
“ماذا؟”
قطّب تريستان وجهه في انزعاج، أما إيلين فاكتفت بابتسامة هادئة.
“قلت لك ألا تأتي في هذه المهمة، فلماذا أصررت على المجيء؟”
في القصة الأصلية، كان تريستان مهووسًا بإيزابيلا إلى حد أنه كان مستعدًا أن يصير ملك الشياطين ويدمّر العالم من أجلها.
لكن هذه المرة، وبوجودها إلى جانبه، خفّ هذا الجانب المتطرف كثيرًا، بل بدت فكرة ارتباطهما معًا منطقية إلى حد ما… لكن فجأة، التقت بنظرته الباردة.
“أتسألين لأنكِ لا تعرفين؟”
“أسأل لأنني أعرف.”
“لا، أنتِ لا تعرفين.”
‘ماذا؟’
نظر تريستان إلى صديقته التي حازت لقب الساحرة العظيمة وهي في السابعة عشرة.
مدّ يده، فوضعت إيلين يدها فوقها كأنها معتادة على ذلك.
كانت يدها بسيطة بلا زينة وملوّثة بدماء الوحوش.
ظل يلاعب أصابعها ويتمتم:
“كم أنتِ صغيرة.”
“بل أنت الضخم بلا داعٍ.”
“لا، بل أنتِ الصغيرة.”
تلطّخ كمّ قميصه الأبيض بالدماء، لكن إيلين تمتمت:
يمكنه أن ينظفه بالسحر، فلماذا يتركه هكذا؟
ثم بدأت ترسم دائرة سحرية، لكن يده أمسكت يدها فجأة.
رفعت حاجبها في دهشة، لكنه مال نحوها وكأنه يتوسل:
“لا أعلم أي مستقبل ترغبين فيه، ولا أي قدر تحاولين تغييره.”
“ليس أنت وحدك، بل لا أحد يعلم.”
رمقتها عيناه الذهبيتان، العميقتان بلا نهاية.
قبض على يدها برفق وحرص، ثم جذبها ليضمّها إلى صدره.
“سأفعل أي شيء من أجلك.”
ابتسمت إيلين وكأنها تعرف مسبقًا ما سيقوله:
“أعلم.”
“وإن كان المستقبل الذي تريدينه هو زواجي بتلك الفتاة، فسأتزوجها حتى لو لم أكن أحبها.”
‘هاه؟! لا، هذا ليس ما أردته أصلًا!’
ارتبكت إيلين ونفت سريعًا:
“ماذا؟ لا، ليس هذا المعنى…”
“يكفيني أن تعترفي بي.”
قبل أن تدرك ما يحدث، كانت في أحضانه، وعينا صديقها، الذي أبقته بجانبها أملًا في أن يبتعد عن قدره، متوهجتان بالحرارة، وخده محمرّ.
“…آه.”
وكأنها اكتشفت شيئًا للتو، اتسعت عيناها.
عندها ابتسم تريستان بخفة وقال:
“ألآن فقط ترينني؟”
لقد بدأت ترى مشاعر لم تلحظها من قبل، لأنها كانت منشغلة بالنظر إلى القدر والمستقبل فقط.
ارتجفت أصابع إيلين قليلًا، لكنها ظلت تحدّق في ملامحه التي صارت أكثر رقة.
لم تكن ساذجة لدرجة ألا تعرف ما هذه المشاعر، فهي رغم كل شيء تعيش حياتها للمرة الثانية… ومع ذلك…
‘هل سيكون هذا حقًا… على ما يرام؟’
* * *
في صباح اليوم التالي، انطلقت إستيل مع سيدريك إلى الساحة حيث تجمع أهل القرية.
أما إيدغار، فحمل لوتشي التي لم تفق تمامًا، وقال إنه سيلقي نظرة حول المكان.
لكن ما إن أعلنت إستيل رغبتها في الخروج إلى البحر حتى جاء رد فعل القرويين جميعًا واحدًا:
“أجننتِ؟ أتريدين الموت؟!”
“آه يا صغيرتي، حماسك جميل لكن كفي عن هذا.”
“هل ترغبين في الموت يا فتاة؟”
أجابت إستيل بامتعاض على السؤال الأخير:
“لا، أريد العيش… وبأطول مدة ممكنة، حتى يحين وقت طلاء الجدران…!” ( هي بتسخر يعني بدها تعيش لين تعجز وتصير متل اهلنا يوم الجمعه لمه يغيروا لون الحيطان)
“إذًا لا تذهبي إلى البحر!”
“ولمَ لا، مع أن القوارب كثيرة؟”
أجاب شيخ مسن بصرامة وهو يعقد ذراعيه:
“أتدرين كم هو عميق هذا البحر؟ إن جهلتِ مياهه، فركوبك سفينة يعني موتًا محتومًا!”
“أه حقًا؟ رائع! إذًا ليكن معنا شخص محلي يعرف مياهه جيدًا. من يتطوّع؟”
لكن… لم يرفع أحد يده.
هل لم يسمعوني جيدًا؟ رفعت إستيل يدها مجددًا وهي تبتسم بمرح:
“من يتطوّع؟”
—-
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 53"