تلفّتت بحثًا عن إيلين كعادة تفعلها في كل مره، لكنها توقفت متجمدة عندما رأت والدتها في هيئة فتاة صغيرة لا تتجاوز العاشرة من عمرها، بوجه شاحب وشاب جدًا مقارنة بعمرها.
‘ آه، هذا مختلف عن الأحلام السابقة…’
هذا هو ماضي والدتها.
كانت الفتاة ذات الشعر الأحمر تتفقد المكان بتعبير بارد لا يناسب عمرها.
رفعت رأسها للأعلى وهمست بابتسامة ساخرة لنفسها:
“…كما هو مكتوب في الرواية.”
رغم مراقبتها الدقيقة، وقعت الأمور كما هو مقدّر لها.
تريستان بلانشيه الذي لمس كتابًا وضعه الشيطان عن طريق الخطأ في مكتبة الأكاديمية لجلب ساحر قوي، قد انتقل إلى هنا. وماذا الآن؟
إيلين، التي كانت تراقب الموقف، فكرت أن الوقت قد حان لتفعل ما كان يجب أن تفعله منذ وقت طويل.
بعد أن أجابت نفسها بهذا، أطلقت يإلين أصابعها بصوت طقطقة، وبدأت تمشي ببطء.
المضي عبر آلاف الكتب التي تفوح منها رائحة قاتمة كأنها لا شيء، رفعت رأسها بثقة وقالت:
“من الأفضل ألا تنظر إلى ذلك الكتاب.”
التفت الصبي ببراءة متسائلاً:
“لماذا؟”
كان شعره أبيض ناصع يلمع في الظلام، وعيناه البنفسجيتان اللامعتان كالجواهر، وجماله يجبر حتى أكثر البشر برودًا على الإعجاب به.
عرفته إستيل على الفور.
كان تريستان بلانشيه، والدها.
“لماذا؟”
“لأن قراءة ذلك الكتاب لن يفيدك بشيء. هل تعرف ما هذا المكان؟”
“حارس الباب قال إنه أرض الحقيقة التي لا يمكن دخولها إلا من قبل المختارين…”
عاد بريق عينيه المتشتت إلى اللمعان، وابتسم بنقاء:
“إيلين، هل اجتزتِ الاختبار أيضًا؟ يبدو أنك تستحقين ذلك!”
ضحكت إيلين كأنها تجد الأمر مسليًا، ثم أمعنت النظر فيه بوجه صارم ومخيف.
“هل قتل حارس الباب أيضًا جزء من الاختبار؟”
“…ماذا؟”
“لقد قطعت رقبته وقتلته لئلا يمنعني من الدخول، هل يعني هذا أنني صنعت مؤهلاتي بنفسي؟”
ضحك الصبي وكأنه يظن أنها تمزح، لكن تعبير إيلين الجاد جعل تريستان يتجمد في مكانه.
ثم أطلقت ضحكة فارغة وهمهمت بغضب:
“هذا ليس حارسًا، إنه شيطان يا أيها الغبي.”
تفاجأ الصبي من كلامها الغاضب ونظر إليها بقلق، ثم نزل من السلم واقترب منها.
“هل أنتِ غاضبة؟ يا إيلين، لا يوجد شيء اسمه شيطان. تلك مجرد كائنات خرافية لا وجود لها.”
تريد قتله فورًا قبل أن يكبر الأمر ويتحول إلى تهديد لا يمكن السيطرة عليه.
“لماذا دخلت هنا؟ كتب الشيطان لا تنقل أي شخص، بل تنقل الأقوياء فقط، أو من يريد شيئًا. ماذا تمنيت؟ أن تقتل الجميع؟”
تفاجأ تريستان من عدائية إيلين المفاجئة، فظل صامتًا.
دفعت الرمح أقرب وصرخت فيه:
“ماذا تمنيت؟!”
لم يردّ الصبي لفترة طويلة.
ثم ابتسم ابتسامة مرّة، وعندما مدّت إيلين أصابعها إلى الأمام، بدأ الرمح الحاد يخترق جلد رقبته الرقيق ببطء.
صرخ تريستان بوجه شاحب:
“أنا… أنا…”
“ماذا؟”
“أتمنى أن يكون لدي حليف، أي شخص يقف إلى جانبي.”
توقفت يد إيلين عن الحركة، فكان جوابًا أضعف من أن يشعل غضبًا.
كانت عائلة بلانشيه قاسية وخالية من المشاعر.
وكان تريستان قد أخبر إيلين، التي كانت مقربة منه، عن همومه وأحزانه، وكان معظمها عن الوحدة بسبب برود أفراد عائلته.
تجمدت إيلين.
“لا تكذب عليّ. أنت تخفي شيئًا أكبر من مجرد هذا الكلام، صحيح؟ هناك أمر مهم تريد تحقيقه عندما تدرك الحقيقة. هل تعتقد حقًا أن كل ما تريده هو فقط هذا؟”
“هل تقولين إن ما أريده قليل جدًا؟”
التفت الصبي الصغير إليها بنظرة حادة، ثم انهمرت دموعه وهو يصرخ:
“أنت لا تفهمين، هذا ليس قليلًا بالنسبة لي.”
اتسعت عينا إيلين الذهبيتان بإعجاب.
هو طفل ضعيف وإنساني، بلا رغبة في الدمار أو كراهية، فقط يحتاج إلى محبة.
كل ما يريد هو حليف واحد فقط.
ابتلعت ريقها بشدة وسحبت الرمح.
كان قلبها ينبض بعنف كأنه يريد أن يخرج من صدرها.
‘ربما يمكنني أن أفهمه. وربما أستطيع أن أصلحه. وربما أستطيع أن أجعله يعيش حياة أخرى، ليست حياة الشرير الذي يصبح ملك الشياطين فقط لأنه يريد البطلة إيزابيلا، ثم يُهزم ويموت على يد البطل ميكاييل، بل حياة يكون هو فيها البطل.’
بدأت إيلين تمشي ببطء نحو تريستان الذي قد يصبح ملك الشياطين يومًا ما، لكنه حتى الآن ليس سوى طفل عادي.
أمسكت بوجهه المبلل بالدموع بين كفيها واحتضنته بقوة.
تفاجأ تريستان بالاحتضان وفتح عينيه على وسعهما.
“حسنًا، سأساعدك.”
“ماذا؟”
“مهما حدث، سأكون إلى جانبك. بدلًا منك.”
أخرجت إيلين من بين ذراعيها ورقة، وبدأت عيناها الذهبية تتلألأ.
“وعدني بشيء واحد فقط. ألا تطمع أبدًا في معرفة أسرار هذه الغرفة.”
رأت تريستان الذي كان في حضنها عينيه تترددان، لكنه رفع ذراعه مترددًا وعانق ظهرها بإحكام.
همست إيلين بينما كانت تلمس ظهره:
“إذا حفظت هذا الوعد، سأبقى إلى جانبك إلى الأبد.”
احمر وجه الصبي.
ضربات قلبه كانت تتسارع، دون أن يدرك ذلك، وبدأت إيلين تكتب العقد.
التقت عينا الساحر الصغير اللامعتان بعيني إستيل.
وفي تلك اللحظة، فتحت عينيها فجأة.
“ها!”
استيقظت إستيل وهي تحتضن لوتشي الذي تمسك بها بشدة ولا يريد الانفصال عنها، وهمست بصوت مكتوم:
“آه، هذا العقد، هذا العقد…”
***
جلس الثلاثة معًا في مختبر إيدغار الذي أصبح أكثر ترتيبًا مقارنة بالماضي، ومعهم تنين واحد، يشربون مشروباتهم.
قدموا الشاي للبشر، وللتنين الذي لديه ذوق طفل، قدموا له حليبًا مخلوطًا بالعسل الحلو.
نظرت إستيل حول المختبر الذي كان يسود فيه الصمت على عكس السابق، وسألت:
“اليوم لا توجد أوراق طائرة، أليس كذلك؟”
“لقد استقلت من عملي. وأستلم بروفيسور آخر تلك المهام.”
“أوه، هذا جيد!”
“لكن الأمر لم يكن سهلاً على ذلك البروفيسور.”
ضحك إيدغار بخفة وهو يحرك الملعقة في الشاي الخالي بلا هدف.
كان إيدغار، بموافقة إستيل قد تلقى كل المعلومات التي يعرفونها.
رفع ذقنه مائلًا وقال مازحًا:
“هل يعني هذا أن قائد فرسان المقدسين قرر أن يثق بي بعد يوم واحد فقط؟”
“ليس أمرًا يعجبني.”
“يا للهول، هل ستقتلني فورًا إذا فعلت خطأ صغيرًا؟”
“لدي نية لذلك.”
كان سيدريك يتصرف بعدائية واضحة، متجاهلاً كل ألقاب الاحترام التي كان يلتزم بها مجبرًا حتى الآن.
تدخلت إستيل بينهما بسرعة لوضع حد للتوتر وقالت:
“كفى، لننظر إلى هذا معًا.”
وضعت إستيل دفتر الملاحظات على الطاولة، واتكأت على ظهر الكرسي وضمّت ذراعيها.
بدأ إيدغار يتصفح الدفتر الأول وهمس:
“هكذا كانت تعمل آلية التنبؤ بالمستقبل.”
“ألا يدهشك ذلك؟”
بالرغم من دهشة إيدغار، إلا أنه كان سريع التكيف.
“كونها كائنًا من عالم آخر يفسر هذا الإنجاز الغريب. إذن اللغة المستخدمة في الدوائر السحرية رقم 1 و28 هي لغات من عالم آخر فعلًا. لأن السيدة الساحرة العظيمة هي فعلاً إنسانة من عالم مختلف.”
تأملت إستيل الدوائر السحرية بتمعّن.
‘هل تركتها والدتي لي؟’
“أرني ذلك مرة أخرى.”
“ماذا؟”
“الدائرتين رقم 1 و28!”
كانت تتوقع مقاومة، لكنها تفاجأت بأن الدوائر وضعت أمامها دون عناد.
نسختها على دفترها وحدّقت في الرموز التي لم يتمكن أحد من تفسيرها.
كأنها معجزة تحمل معنى خاصًا لها…
“لكنها لم تحدث.”
ظنّت أنّ بإمكانها المضي بسهولة بما غرسته أمها في رأسها من معرفة… لكن لم يكن الأمر كذلك.
وضعت ورقة سقطت من مذكرات التجسّد التي حصلت عليها بالأمس على الطاولة.
“ووجدت هذا بالأمس أيضًا.”
قرأ سيدريك الوثيقة التي على الطاولة، التي تقول “تريستان بلانشيه لا يطمع في معرفة مكتبة الشيطان.”، وقال:
“إنها عقد. عقد أبرم بين إيلين إيفرغرين وتريستان بلانشيه.”
تغيّرت ملامح سيدريك بجدية.
فحص إيدغار الورقة المدمرة بالرماد وخلص إلى:
“إنه عقد ملغى.”
“كيف تعرف ذلك؟”
“تأكدنا أولًا من أن تريستان اقتحم المكتبة وسرق الكتب، والأهم أن الورقة محترقة.”
أومأ سيدريك برأسه مشيرًا إلى آثار الاحتراق وقال:
“هذه أدلة الإلغاء. العقود التي تُبرم بالسحر تترك آثار حرق على الوثيقة إذا ألغى أحد الطرفين العقد من جانبه.”
قالت إستيل وهي تقرأ التاريخ الموجود أسفل الورقة:
“إذاً، أبي كان قد أبرم عقدًا مع أمي بعدم دخول المكتبة، لكنه هو من ألغاه. تاريخ العقد هو 30 يونيو سنة 762.”
تذكرت الحلم الذي رأت، ومسحت وجهها متسائلة:
“لماذا فعل ذلك؟”
“لقد حلمت بالأمس.”
“بحلم السيدة الساحرة العظيمة!؟”
“كان عن ماضي والدتي… وقصة كيف تم توقيع هذا العقد بين الاثنين.”
تغيّرت تعابير الحاضرين بعد سماع قصة تريستان الصغير التي سردتها إستيل.
عبس إيدغار وقال بنبرة استهزاء:
“هل هذا حلم سخيف؟”
نظرت إستيل إليه بدهشة، وضرب إيدغار الطاولة بقلق وقال:
“لا يمكن للإنسان أن يفسد فجأة دون حادثة صادمة، البشر لا يتغيرون أساسًا. هل تريستان الذي قتل المئات بعد عقده مع الشيطان كان بريئًا كطفل؟ لقد أخطأت السيدة الساحرة العظيمة في حكمها.”
حينها تحدث التنين الذي كان صامتًا.
رفع لوتشي رأسه عن وعاء الحليب وقال:
“القلب الذي قرأته عند ذلك الدخيل لم يكن شريرًا.”
تعجبت إستيل من رد التنين وهو يعاتبها كأنه أب صارم على طفل صغير.
بدا لوتشي متضايقًا وبدأ يحك الطاولة بمخالبه.
“لكن، لقد اعتذر.”
“اعتذر؟”
“قال إنه آسف لما حدث.”
صمت الثلاثة مذهولين.
إذا كان كلام لوتشي صحيحًا، فهذا يعني أن تريستان لم يكن شخصًا سيئًا حتى في لحظة فساده.
احتضنت إستيل التنين الذي بدا محبطًا وجلسته على ركبتيها وسألته بلطف:
“إذا لم يكن قلبه شريرًا، ماذا كان؟ ما المشاعر التي قرأتها عنه؟”
استدارت عينا التنين الرماديتان وكأنهما تبحثان في الذاكرة، ثم ابتلع ريقه وأجاب:
“كان يائسًا.”
—-
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 48"