“ما الذي يوجد هناك بالداخل؟“
— “لا أستطيع أن أخبرك. حسبما قالت إيلين، هناك أشياء خطيرة… خطيرة للغاية! لذا طلبت مني أن أمنع أي شخص من الدخول ما عداها. حتى أنها علمتني كيف أنفث النار!”
كان التنين قد أشار إلى فمه الذي قذف منه النار بشجاعة، لكنه بدا مكتئبًا من جديد. استغربت إستيل من أن مخلوقًا يشبه السحلية يمكنه التعبير عن هذا الكم من المشاعر، لكن دهشتها لم تدم طويلًا، إذ تجمدت عند سماع كلماته التالية.
— “لكن قبل فترة، فشلت في منع شخص ما… لقد دخل إلى هناك في النهاية، وكان قويًا جدًا لدرجة أنني فقدت وعيي. لو لم تمنحني إيلين الثانية بعضًا من قواها السحرية، لما استيقظت أبدًا!”
إيلين الثانية؟ هل يقصدني أنا؟ يا له من وقح، يعامل الناس وكأنهم نسخ مكررة… وبينما كانت إستيل تفكر في ما إذا كان عليها أن تضربه ضربة خفيفة، جلست القرفصاء لتتبادل النظرات مع التنين الجالس على الأرض.
“هل يمكن أن تدعني أدخل هناك؟“
— “لكنك لست إيلين!”
“أنت قلت إنني إيلين الثانية، أليس كذلك؟“
بمجرد أن نطقت إستيل بهذه الجملة، بدا أن عقل التنين أصيب بحمل زائد، فأغلق فمه بإحكام. وإستيل تمسك بيده وتلعب بها كما لو كانت تداعبه، ثم سألت بلطف:
“هناك أمر يجب أن أحله ويبدو أنه متعلق بما يوجد هناك. وبما أنك تحرس هذا المكان بمفردك، فلا بد أنك قوي للغاية، أليس كذلك؟ ساعدني ولو قليلاً فقط.”
ربما لأن المديح راق له، بدأ التنين يصدر أصواتًا صغيرة واحمر وجهه. وما أثار الدهشة أن جسده أصبح أكثر حرارة بينما كانت إستيل تمسك به. “هل ينوي انفاث النار مجددًا؟” فكّرت بخوف وتراجعت للخلف قليلاً. وبعد لحظة من الصمت، قال التنين:
— “إيلين قالت إنه إذا جاء أحد غيرها وطلب الدخول، فعليّ أن أطرح عليه سؤالًا تركته لي…”
“ما هو السؤال؟“
— “لماذا تريد الدخول إلى هناك؟“
كان السؤال أبسط مما توقعت. فأمالت إستيل رأسها في حيرة، وأجابت:
“قلت لك، هناك أمر عليّ حله…”
— “أخبريني، لماذا تريدين حله؟“
“لأن الأمر مرتبط بنهاية العالم! إذا لم نحلّه، سيموت الجميع!”
هل هذا كافٍ؟ لكن التنين ظل واقفًا ينظر إليها، وكأنه ينتظر منها قول شيء آخر. ما القصة؟ وبينما كانت إستيل تشعر بالحيرة، سحب سيدريك يدها التي كانت تمسك بيد التنين، وهمس:
“أظنه يسأل عن السبب الحقيقي.”
“السبب الحقيقي؟“
“لماذا تريدين إنقاذ العالم؟“
إستيل لم تستطع الرد، واكتفت بالنظر إليه بذهول، فسارع سيدريك لتوضيح ما يقصد:
“هل ترغبين في لقب منقذة العالم؟ أم في الثروة التي وعدك بها الإمبراطور؟ يبدو أنه يسأل عن شيء من هذا القبيل.”
أثار سكوتها حيرته. ألم تكن هي من قررت خوض هذه الرحلة؟ لما لا تجيب؟ نظر إليها وهي متيبسة وكأنها تواجه سؤالًا لم تكن تعرف أنه موجود، فناداها محاولًا تحفيزها:
“إستيل؟“
نظرت إستيل نحو التنين بحرج. “لماذا أريد إنقاذ العالم؟” لا يوجد سبب خاص. لأن عليّ أن أفعل ذلك، فقط. إذا كان الجميع سيموت إن لم أتحرك، فكيف أبقى متفرجة؟ إنه… ببساطة، شيء بديهي.
نظرت إلى التنين الذي تركته إيلين هنا، وسألت بصوت مرتجف:
“هـ…هل تسألني لماذا لا أترك الجميع يموت؟“
— “لأن العالم لم يكن لطيفًا معك.”
اتسعت عينا إستيل من الذهول، وتيبّس سيدريك بدوره من وقع كلمات التنين الصريحة التي بدت كأنها تخترق القلوب. وتابع التنين، بعينين واسعتين تنضحان بالفضول:
— “بفضل القدرة التي منحتني إياها إيلين، أستطيع أن أقرأ مشاعرك. أنتِ، إيلين الثانية، لم تحصلي على الكثير من هذا العالم. فلماذا تريدين إنقاذه؟ قولي الحقيقة.”
“أنا…”
— “وإلا، سأضطر إلى إحراقكما.”
فتح التنين فمه على مصراعيه، وكأنه يستعد لنفث اللهب. فاندفع سيدريك ليحمي إستيل بين ذراعيه، لكن بدلاً من أن تُسحب إلى الخلف، تقدّمت إستيل خطوة إلى الأمام وقالت:
“حتى لو لم يمنحني العالم شيئًا، هذا لا يعني أن عليّ أن أتخلى عنه.”
نظر إليها سيدريك بدهشة. رأى كتفيها الصغيرين يرتجفان قليلًا من الخوف، لكنها كانت واقفة بكل شموخ. كانت تغمرها الظلمة، ومع ذلك، بدا ظهرها الأبيض وكأنه يشع نورًا.
قبضت إستيل بيدها بقوة، ثم رفعت رأسها وقالت:
“أنا لست شخصًا بارد القلب.”
لا تتذكر كيف كانت قبل أن تُمحى ذاكرتها، لكنها تعتقد أن العالم كان قاسيًا عليها بعض الشيء. حتى إن كانت جرائمها بسيطة، فقد عانت كثيرًا وهي تعيش من خلال أعمال غير قانونية. لم تَسلَم من الشتائم، بل وتعرضت للضرب أكثر من مرة.
لم يكن هناك مكان واحد يمكن أن تتلقى فيه الحماية. وللبقاء على قيد الحياة كامرأة غريبة سقطت فجأة في زقاق مظلم.
تعلمت إستيل أن تتصرف بذكاء وأن تكون اجتماعية. ومع ذلك لم تستطع دائمًا أن تتلقى المساعدة، وكانت بعض الأوقات عصيبة.
نعم، العالم الذي تعرفه لم يكن دافئًا. ومع ذلك…
“أنا لا أريد أن أعاقب العالم.”
كان سيدريك ينظر إليها بنظرة غامضة وكأنه لم يعد يفهم ما في قلبها. فردّت عليه بابتسامة خفيفة.
“مجرد أنني لم أتلقَ اللطف، لا يعني أنه لا يجب أن أكون لطيفة.”
“ولا أريد أن أنتقم. إن كنت أستطيع فعل شيء، فسأفعله. أنا فقط… هكذا.”
ساد صمتٌ قصير.
هل كانت هذه الإجابة خاطئة؟ هل عليها الهرب؟ وبينما كانت تفكر بذلك، سمعت صوت باب حجري ثقيل يتحرك على الأرض. كان الباب الذي بدا وكأنه لن ينفتح أبدًا ينفتح ببطء.
ركض التنين نحو مدخل القاعة المظلمة وقفز بحماس قائلًا:
“مرحبًا بك في مكتبة الشيطان!”
هاه؟ جواب صحيح؟ لحظة، ماذا قال؟ مكتبة… الشيطان؟!
تجمد كل من إستيل وسيدريك في مكانهما، متفاجئين من اسم هذا المكان المرعب، وتبادلا نظرة سريعة قبل أن يخطوا ببطء داخل الظلام.
* * *
كان الداخل مظلمًا لدرجة يصعب عليهما رؤية ما أمامهم، لكنه بدأ يضيء شيئًا فشيئًا. ربما لأن أعينهم اعتادت على الظلام، ولكن أيضًا لأن المصابيح الجدارية بدأت تومض وتبعث الضوء بمجرد دخولهم.
في أجواء موحشة لا تطاق، التصقت إستيل بجانب سيدريك دون شعور وبدأت ترتجف.
“فقط للاحتياط… لا، لا، لا تسحب سيفك مهما حصل…”
“كفى، توقفي عن الالتصاق بي…”
“آه، آسفة… لكنني خائفة، ماذا أفعل؟!”
اهتزت عينا إستيل عندما رأت سيدريك ينظر إليها من أعلى بنظرة صارمة.
‘ه–هل تجاوزت الحدود مجددًا؟ لكنني أتصرف هكذا دائمًا، أليس من الأسهل لك أن تعتاد على الأمر؟‘
رغم ما كانت تفكر به، بدأت تتحرك مبتعدة عنه بحذر، محاولة أن تلتقط إشارات من تصرفاته، إلا أنها شعرت فجأة بشيء دافئ يغطي ظهرها.
لقد وضع عليها سيدريك عباءته. أصبحت الآن تمامًا في حمايته، فرفعت رأسها نحوه بدهشة فرأت أنه يعض شفتيه وكأن شيئًا ما يزعجه، ثم قال بنبرة خشنة:
“أفعل هذا فقط لأنك ضجرتني.”
إستيل لم تجد ما تقوله، واكتفت بفتح فمها بإحراج.
‘واو… هل… هل اهتم لأجلي؟ هذا الشخص الفظ؟!’
لم تجد ما يعبر عن شعورها سوى أنها تأثرت. كان الأمر أشبه بقط متوحش فتح قلبه ومدّ كفه. ابتسمت بمزاح وقالت:
“لماذا لم تكن لطيفًا هكذا منذ البداية؟“
لكن عندما لم تتلقَ أي رد، التفتت نحوه بحيرة. لم تستطع أن ترى تعابير وجهه بوضوح بسبب الظلام، لكنه كان يغطي وجهه بيده وكأنه يخفي شيئًا، ثم تمتم بصوت خافت:
“ابتعدي… فورًا.”
“هاه؟“
“قلت، فورًا ابتعدي.”
‘مهلًا، ألم نكن على وفاق منذ قليل؟! كيف تقطع العلاقة بهذه السرعة؟‘
ورغم أنه لم يفلت يدها، أسرعت إستيل بالابتعاد عنه. ولوّحت بيدها التي كانت تمسك به وضحكت بخفة:
“آه، آسفة! لكن كما قلت سابقًا، الأمر لا يزعجك، صحيح؟ سأحافظ على هذا المستوى من القرب فقط! لا تريد أن تتألم، صحيح؟“
“… كنت لأختار الألم بدلًا من هذا.”
علّق سيدريك بصوت باهت شاحب، وإستيل لم تفعل سوى أن ضحكت ضحكة جافة. فقبل قليل، قالها بنفسه: أن تعابير وجهه دائمًا ما تكون جدية، ويبدو وكأنه يكره كل شيء
‘رغم أنه لم يقلها تمامًا هكذا، لكن فلنتجاوز الأمر.’
يعني ذلك أن تصرفاته التي ظنتها دليلًا على الكره… لم تكن كذلك في الحقيقة، أليس كذلك؟ هذا الإدراك أشعل ثقة إستيل بنفسها.
أن يصرخ بها لتبتعد… يعني أنه يكره العناق فقط، لا القرب. وأن يقول إنه يفضل الألم… يعني أنه يستطيع تحمل الوضع بصعوبة. يا له من شخص معقد! لكن على الأقل بدأت أفهمه!
“نعم، نعم، لنبقَ على علاقة طيبة من الآن فصاعدًا! نحن…”
‘وإن صدقت نبوءة أمي، فنحن سنتزوج… لا، لا، لا! ليس هذا ما كنت أقصده!’
سارعت إستيل بمحو نبوءة إيلين من رأسها وابتسمت ابتسامة مشرقة:
“نحن زملاء!”
“… زملاء.”
ردد سيدريك الكلمة بشرود، ثم تجمد وجهه فجأة وتسارع في مشيته.
‘ما معنى هذا الوجه؟ على الأقل لا يبدو رافضًا، هذا جيد، أليس كذلك؟‘
راحت إستيل تدندن خلفه بمرح.
كانت المكتبة غريبة بعض الشيء، فقد اتخذت شكلًا حلزونيًا. بينما كانت إستيل تمشي في الممرات المصنوعة من رفوف الكتب، لاحظت أمرًا غريبًا، فعقدت حاجبيها.
‘مهلاً، كلما توغلنا أكثر….’
“ازدادت الرفوف الفارغة؟“
“بالفعل، هذا صحيح.”
“هذا غريب!”
كالطفل وهو يبكي “أوااانغ“، انطلق التنين مسرعًا نحوهم وبدأ يفتّش أرجاء المكتبة هنا وهناك.
ما به؟
وبينما كان يحلّق بجنون، أدار رأسه فجأة ثم انفجر بالبكاء وهو يصرخ “أوااانغ!
“الكتب اختفت―!!”
ترجمة : سنو
انستا : soulyinl
واتباد : punnychanehe
التعليقات لهذا الفصل " 44"