“هاه!”
قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، شعرت وكأن أحدهم نفخ الهواء بداخلها.
استفاقت إستيل وهي تسعل بشدة، وأخذت تتلفّت من حولها بارتباك.
كانت في فضاء واسع حالك السواد لا يحتوي على شيء. وبينما كانت تتحسس الأرض وسط هذا الظلام، فوجئت فجأة بشيء صلب لامس أطراف أصابعها، فشهقت بفزع.
‘م–ما هذا؟ لا يكون شيطانًا؟ أم وحشًا؟‘
“آآآه! كيااااااه!”
“…مزعجة.”
إنه يتحدث مثل البشر…؟ وبينما كانت تغمض عينيها بإحكام، أخذت إستيل تنخز الشيء الصلب أسفل يدها بتردد وسألت بصوت مرتجف:
“سـ…سيدريك؟“
“نعم، أنا هو.”
آه، الحمد لله. لم ننفصل، وجئنا معًا! لكن ملامح الابتسامة الواسعة التي ارتسمت على وجه إستيل ما لبثت أن تجمدت بتعبير مشوّش. سحبت يدها بسرعة من الشيء الذي كانت تنخزه وسألت:
“أعتذر، لكن… ما الذي لمسته من جسدك يا سيدريك؟“
“كتفي.”
“آه، الحمد لله أنني لم ألمس شيئًا مريبًا…!”
تنفّست إستيل الصعداء بارتياح، بينما نظر إليها سيدريك بتعبير غريب وسأل بنبرة تشكك في جديّتها:
“أهذا أول ما تفكرين به؟“
“طبعًا، لا يمكن أن أجعلك تشعر بعدم الارتياح! مؤخرًا، أكبر همومي هو كيف أجعلك تشعر براحة أكبر معي!”
“أحد أكبر همومك، تقولين…”
تمتم بشرود بينما كان ينهض.
ربما اعتادت عيناه على الظلام، إذ بدأ يرى وجه الفتاة التي تبتسم له ببشاشة. وفجأة تساءل: هل يمكن أن ترى وجهي وسط هذا الظلام كما أراها الآن؟ أتمنى ألا يكون كذلك… لأنني بمجرد أن سمعت أنها تهتم لأمري كثيرًا، شعرت بوجهي يسخن.
حاول أن يستعيد رباطة جأشه، وهزّ رأسه كما لو كان يطرد الأفكار عنه، وسأل بنبرة حاول أن يجعلها باردة قدر الإمكان:
“حتى في مكان مجهول لا نعلم ما هو، ولا إن كنا نستطيع الخروج منه… هل هذا ما يشغلك الآن؟“
رمشت إستيل عينيها وقد بدا أنها تنبهت للأمر، ونهضت لتلقي نظرة على ما حولها. كانت كتفاها قد انكمشتا مثل شخص خائف، وأخذت تعبث بأصابعها وهي تتمتم:
“أممم… صحيح. هذا ما يجب أن أقلق بشأنه الآن. أين نحن؟“
بدأ سيدريك يسترجع ما يتذكره. كانت إستيل قد غضبت، ثم هدأت نوعًا ما بينما كانا يتحدثان في المكتبة، ثم فُتح كتاب غريب، وخرج منه دخان أسود، وقد جذبهما ذاك الدخان…
كان على وشك التوصل لاستنتاج بناءً على ما يتذكره، لكنه اضطر إلى كتم أنفاسه بكمّه. شعر وكأن شرًّا باردًا يحطم عموده الفقري. كانت طاقة شريرة لاذعة تتفجّر حوله.
“لا أعلم التفاصيل، لكن من المؤكد أن هذا المكان له علاقة بالشياطين.”
“ه–هل تشعر بشيء؟“
وقبل أن يجيب، سقط سيدريك على الأرض وهو يئن من ألم شديد كأن قلبه يُعتصر. وما إن شعرت طاقة المكان بالقوة المقدسة في جسده، حتى بدأت المانا تحاول اقتحام جسده بشراسة.
“أوغ…”
عندما رأت إستيل حالته المتدهورة، شحب وجهها. وبينما كانت تنظر إليه وهو يترنح، سألته بصوت مذعور:
“ما هذا؟ لماذا؟ ظننت أنني أنا الضعيفة هنا!”
“هذا المكان معادٍ جدًا لمن يمتلكون القوة المقدسة.”
م–ماذا أفعل؟ أخذت إستيل تدور حول نفسها بقلق، وفي النهاية، عندما رأت العرق البارد يتصبب من سيدريك، أمسكت برأسها بارتباك وقلق.
“ماذا أفعل؟ هل أنت بخير؟ ألا يوجد شيء يمكنني فعله؟“
“لا أدري… ربما علينا قتل الشيطان.”
“وآآآه! كيف لي أن أفعل ذلك…!”
صاحت إستيل بصوت مرتجف، فابتسم سيدريك ابتسامة خفيفة. كان يقصدها كمزحة ساخرة. ثم تابع، محاولًا تهدئة تنفسه:
“أعني، فعليًا… لا يوجد ما يمكنك فعله.”
بصراحة، لم يكن خائفًا. صحيح أن الألم كان فظيعًا، لكنه يعلم أنه لن يموت. فـ“المانا” مجرد طاقة، ومهما هاجمت، فهي غير قادرة على إلحاق ضرر حقيقي بجسده المحصّن بالقوة المقدسه ما لم يكن هناك مستخدم يتحكم بها. كل ما في الأمر أنه سيعاني من ألمٍ لا يوصف جسديًا ولن يصاب، لكنه سيتعذّب روحيًا بشدة. وهو يعرف ذلك تمامًا، ولكن…
‘هذا الألم… فظيع فعلًا.’
لقد مرّ بالكثير من الإصابات في حياته، لكن لم يشعر بألم بهذا الشكل من قبل. وبينما كان يغوص في هذه المعاناة، رفعت إستيل رأسها بعزم بعد أن كانت تقضم أظافرها بقلق.
“لا. لا بد أن هناك شيئًا ما يمكن فعله. أي شيء…”
“لا… كح! لا يوجد. علينا فقط إيجاد طريقة للهروب…”
“المانا؟ قلت إن المانا تهاجمك، أليس كذلك؟ لأنها تتفاعل مع القوة المقدسة في جسدك؟“
تجاهلت إستيل ما قاله وأخذت تسأله بسرعة، فأومأ لها برأسه متعبًا.
‘المانا… أليست هي الطاقة التي يستخدمها السحرة؟‘ قبضت على يدها بقوة وهمست:
“لا يمكنني ترك شخص يتألّم هكذا. يجب أن أفعل شيئًا، أي شيء…!”
“إستل، حقًا، لا داعي لـ—”
لكنه لم يُكمل. قبل أن يمنعها، كان هناك شيء دافئ قد اندفع إلى صدره. لم يدرك إلا بعد لحظات أن إستيل قد اندفعت إليه واحتضنته.
ما هذا؟ لماذا تفعل ذلك فجأة؟ لكنه لم يبقَ في حيرته طويلًا، لأنه سرعان ما أدرك أن الألم قد اختفى. لقد تلاشت المانا التي كانت تخترق جلده. أحسّ كأن آلاف الإبر التي كانت تغرز جسده قد انسحبت فجأة، وبدأ جسده المتيبس يتحرك مجددًا.
“…ما الذي فعلتِه للتو؟“
ما الذي حدث بالضبط؟ من المفترض أنها لا تعرف بعد كيف تستخدم المانا بشكل صحيح…؟
انحنى سيدريك برأسه نحو إستيل وهو في حيرة من أمره، لكنه تجمّد في مكانه فور أن شعر بشيء ما.
في لحظةٍ ما، كانت يد الفتاة قد تسللت تحت قميصه المرفوع. يدها البيضاء الناعمة انزلقت بين القماش، وبدأت تلامس بلطف عضلات خصره المشدودة التي كانت ترتجف من الألم.
عقله توقف تمامًا عن العمل. امتلأ رأسه بعلامات استفهام لا تحصى.
يد هذه الفتاة؟ تلامس خصري؟ وعلى الجلد مباشرة؟
كان على وشك أن يبعدها وهو يسألها “ما الذي تفعلينه؟“، لكنه تجمّد مجددًا هذه المرة لأسباب أخرى.
رموشها البيضاء التي كانت منسدلة وكأنها في تركيز، ارتجفت قليلاً، ثم انعطفت برقة مع ابتسامة.
إستيل، التي ابتسمت ابتسامة مشرقة أظهرت أسنانها البيضاء بالكامل، قالت بحماس:
“آه؟! التشنج توقف! أنت بخير الآن، صحيح؟ واو! هل أنا عبقرية؟ لقد نجح الأمر فعلاً! فقط فكرت في أنني ‘أمتصه‘ وهكذا حصل! واو!!”
ما الذي يفترض بي قوله لها الآن؟ “أحسنتِ“؟ “أنت مذهلة“؟ أم أن عليها أن تزيح يدها فورًا؟
في خضم ارتباكه، أغمض سيدريك عينيه بقوة. أما إستيل، التي بدت وكأنها فخورة بإنجازها، فابتسمت ابتسامة خفيفة وضغطت يدها مجددًا على خصره العاري وهي تركز، فكادت أظافرها غير المقصوصة أن تخدش جلده، مما جعل سيدريك على وشك إطلاق أنّة خافتة.
ثم مدّت يدها الأخرى وعانقته بشدة، قبل أن ترفع وجهها وتنظر إليه بسعادة وتشرح:
“بما أن المانا هي من تهاجمك، وكوني أنا ساحرة، فكرت أنه ربما يمكنني التحكم بها! وضعت يدي وتخيلت ببساطة أنني ‘أمتصها‘… ونجح الأمر! الشعور رائع فعلًا!”
فكّه القوي ظل مشدودًا، ولم ينطق بكلمة.
‘ما باله؟ هل لا يزال يتألم؟‘
بينما كانت تميل برأسها في حيرة، أدركت أخيرًا ما كانت تفعله.
‘يا إلهي، لقد لمسته مجددًا!’
“آه! آسفة! كنت في عجلة من أمري…! لكنني كنت فقط أحاول مساعدتك، لذا أرجو أن تتجاوز عن الأمر قليلًا… ااه؟“
وبينما كانت تعتذر وتحاول الابتعاد عنه، فوجئت بذراع سيدريك تطوق خصرها وتسحبها نحوه.
فتحت عينيها بدهشة، ونظرت إلى وجهه الذي لم تظهر عليه أي تعبيرات واضحة، لكنها سرعان ما ضحكت.
“آه! ربما إذا ابتعدت، سيؤلمك مجددًا؟ حسنًا، سأمسك يدك بدلًا من ذلك…”
“لو كنت حقًا أكرهك…”
خرج كلامه فجأة، وكأنما عودة لموضوع قديم.
إستيل، التي كانت على وشك أن تضحك لتخفيف التوتر فتحت فمها بدهشة عند سماع كلماته التالية:
“لو كنت أكرهك فعلًا، لكنت دفعتك بعيدًا ما إن لمستني حتى وأنا أتعذب.”
“هاه…؟“
“ولو كنت أظنكِ غير كفؤة لما تبعتك إلى هنا من الأساس، وكنت سأبحث عن حل آخر. قد ترينه موقفًا باردًا، لكن… هكذا أنا بطبعي.”
“هكذا أنا بطبعي…”
ردد الجملة في داخله، ثم رفع رأسه وتابع:
“أنا لست شخصًا متهورًا يتحرك فقط لأنه شعر بالشفقة.”
ما هذا؟ حتى إستيل، التي تتقن التلاعب بالكلمات، لم تعرف بماذا ترد في هذه اللحظة.
بينما كانت تفكر في ما ستقوله، انفرج فمه ببطء.
شفتاه الحمراوان، بشكل غير مألوف لرجل تحركتا بتردد وكأنه ينطق بلغة جديدة لأول مرة:
“أنا… لا أكرهك. ولا أحتقرك. ولا أندم على اختياري.”
“ماذا…؟“
“فقط، لم أردك أن تفهميني بشكل خاطئ.”
أمسك بيدها الموضوعة على خصره وأحكم قبضته عليها، ناظرًا إليها بوجه يحمل تعبيرًا معقدًا.
لقد حاول كثير من الناس الاقتراب منه، وكان يبعدهم لأسباب عديدة دون أن يشعر بأي ذنب.
أما هذه المسألة، فهي كما قالت إستيل: تورّط فيها بشكل شبه قسرًا.
سيدريك نظر في عينيها المتألقتين وسط الظلام.
‘ظننتها وقحة تحاول تقييدي باسم نبوءة الساحرة العظيمة، لكن… يبدو أنها كانت تحاول التصرّف بحذر قدر الإمكان.’
لا، لا! هذا ليس المهم الآن!
حاول إسكات ذلك الصوت الداخلي الذي بدأ يبحث عن كل شيء يمكن مدحها عليه.
على أي حال، ليس هناك مشكلة في أن يعاملها بجفاء.
هكذا عاش طوال حياته: إذا لزم الأمر تقرّب، وإذا لم يكن كذلك، ابتعد—علاقات عقلانية بحتة.
ومع ذلك… لم يفهم لماذا يقول لها هذا الكلام الآن. لماذا يشعر بالحاجة لأن يشرح نفسه؟
لكنه كان متأكدًا من شيء واحد:
دفء يدها في كفه… لم يكن مزعجًا على الإطلاق.
إستبل التي كانت تستمع إليه بصمت، قطبت حاجبيها قليلًا وسألت بتردد:
“…حقًا؟ هممم؟ لا يبدو الأمر كذلك.”
ترجمة:سنو
انستا:soulyinl
واتباد: punnychanehe
التعليقات لهذا الفصل " 42"