لم يأتِ أي رد من سيدريك.
‘آه، هذا الإنسان غريب حقًا، ضيّق الخلق في أمور صغيرة.’
حتى هي التي كانت تفكر في تجاوز الأمر بشكل ودي لأنها تتحمّل بعض اللوم، بدأت تغلي غضبًا تدريجيًا.
وفي اللحظة التي كانت على وشك أن ترد عليه بكلمة لاذعة، سمعت صوت سيدريك المرتبك بعض الشيء من مكان ما.
“هل تظنين أنني سأهتم بالشائعات بهذا الشكل؟ وهل تعتقدين أني سأكرهك لمجرد أنني لمستك قليلاً؟“
هو في الأصل لا يهتم بالشائعات، فهل هذا يعني أنه لا يريدها؟
هذا الإنسان حقًا مبالغ.
عقدت إستيل جبينها بغضب وسألته بصوت مظلوم:
“إذًا، ما السبب الحقيقي؟“
قالت إستيل وهي تقضم شفتيها بنبرة خجولة غير معتادة:
“هل…هل ندمت؟“
تتسلل خصلات شعرها الفضي من تحت قبعة الرداء، تلمع بلون فضي تحت ضوء القمر.
في عينيها الذهبيتين اللتين ورثتهما من الساحرة العظيمة، يمكن رؤية ارتعاش القلق.
عض شفتيه بقوة ثم عبث بعصبية بشعره.
الشائعات؟
إستيل لم تكن تعرف، لكن سيدريك كان معروفًا بالفعل بالكثير من الشائعات.
كان هناك أناس يحملون ضغينة تجاهه بعد أن رفضت عائلة الدوق إرنيست طلب الارتباط بهم، وكان من بينهم من يطلق شائعات خبيثة بدافع “إذا لم أستطع الحصول عليه، فسأدمّره“.
أن إستيل فتحت باب الغرفة ودخلت دون خوف أثناء نومه؟
أمر مزعج لكنه شيء يمكن التغاضي عنه قائلاً: “حسنًا، هي أصلاً هذا النوع من الأشخاص“…
ولكن، لماذا.
بينما كان سيدريك غارقًا في التفكير، سألت إستيل، عابسة:
“أنت تجد صعوبة في إنكار كلام صحيح، أليس كذلك؟
لقد تعبت من الارتباط بشخص غير كفء مثلي، ومنزعج لأن الشائعات قد تنتشر وتربطني بك، أليس هذا السبب؟“
رغم نبرتها التي حملت بعض الحزن، ظل وجه سيدريك بلا تعبير.
لكنه بدا مترددًا كأنه يريد أن يقول شيئًا.
“ليس هذا…”
“بصراحة أنت تكرهني، أليس كذلك؟
نعم، أنا أعلم ذلك. أنت تكرهني.
لقد أُجبرت على تحمل عبء لم أرغب به.
وبما أن القضية مهمة، فأنت تتعاون على نحو معقول، لكنك في الحقيقة تريد التخلص مني فورًا، أليس كذلك؟“
لأن هناك أمور يجب عليها إنجازها، ولأنها تعلم أنها غير كفوءة، كانت مشاعرها المكبوتة تظهر بطريقة قبيحة.
رأى سيدريك إستيل الحساسة هذه للمرة الأولى فتردد.
“ليس هذا ما أعنيه، أنا…”
نسي سيدريك ما كان ينوي قوله، وظل يحدق باندهاش في وجهها المشتعل بنار المشاعر، وهو غير معتاد على ذلك.
بدت ملامح الفتاة حزينة قليلاً، وكانت تشبه الوحدة التي أظهرتها بعد أن رحبوا بها والديه، مما دفعه إلى امتلاك رغبة مفاجئة في مد يده واحتضان وجنتها.
يبدو أن برد هذا الشتاء يظل عميقًا داخلك أكثر من أي مكان آخر.
كتم قبضته ومنع ذراعه من الامتداد.
وكأنها استعادت وعيها، رمشت عينيها الذهبيتان، ثم ابتسمت إستيل بشكل محرج كما لو لم تكن قد أظهرت مشاعرها الحقيقية من قبل.
“على أي حال، ما أريد قوله هو… حتى لو كنت تكرهني، أرجو ألا تظهر ذلك كثيرًا.
سنظل نلتقي سواء أحببنا ذلك أم لا…”
وقع صوت قوي في صدره، كأن صخرة كبيرة سقطت عليه وضغطته بشدة.
‘لا، ليس هذا ما يحدث.’
ابتلع كلامه وهو يتردد، فعض شفتيه بقوة ليمنع نفسه من الكلام، ثم تمكن بصعوبة من أن يبعد نظره عنها
كان على وشك أن يقول لها إنه من المحير أن يكون مواقف كان يجب أن يكرهها مع الآخرين، لا يكرهها معها وأن هذا هو سبب فقدانه السيطرة على نفسه.
* * *
على الرغم من أن المكتبة كانت خالية تمامًا من الطلاب، إلا أنها كانت مفتوحة.
لم يكن هناك ما يدعو للقلق من الضوضاء، لذا كان يمكنهم التحدث بهدوء، لكنهم كانوا يسيرون في صمت متجهين مباشرة إلى ركن علم النبات.
كانت إستيل هي التي شعرت بالإحراج أولًا. فبالرغم من غضبها من تقلبات سيدريك، إلا أن جزءًا من غضبها كان نتيجة التوتر الذي تعيشه في تلك الظروف.
‘هل عليّ أن أعتذر مرة أخرى؟
لكن ماذا لو قرر هذا الإنسان، بغض النظر عن عذر الاعتذار، أن يبتعد عني تمامًا؟‘
بينما كانت تُغلق دفتر يوميات والدتها وتفتحُه بلا هدف وتُقلّب صفحات الورق، انطلق من سيدريك صوت خافت قائلاً:
“لقد وصلنا.”
“ماذا؟“
تفاجأت إستيل ونظرت حولها. بالفعل كانت هناك لافتة قديمة معلقة على السقف مكتوب عليها “علم النبات“.
ومنذ أن انفجرت غضبًا قبل قليل لم تستطع أن تنظر إلى وجهه مباشرة فتمتمت:
“لا يوجد شيء مميز.”
“…دعينا نبحث.”
بدأ الاثنان يبحثان بين الرفوف بصمت.
حل الصمت بينهما بينما يتصفحان الكتب عشوائيًا.
ثم سمعا سعالًا خفيفًا خلف إستيل، التي كانت تضع كتابًا يتحدث عن أنواع الفطر السام.
“لماذا— آآه!”
استدارت إستيل، ففوجئت بسيدريك الذي كان أقرب مما توقعت، فتراجعت إلى الوراء واصطدمت بالرف مما تسبب في سقوط مجموعة من الكتب كانت موضوعة بشكل غير مرتب.
مد سيدريك ذراعه بسرعة ليحمي رأسها وسألها:
“هل أنتِ بخير؟“
“أ–أوه، لقد أخفتني! نعم أنا بخير. أوه، كل هذه الكتب سقطت.”
انحنت إستيل لالتقاط الكتب من الأرض لكنها توقفت فجأة متجمدة.
‘لحظة، أليس هو الذي تصدى لهم بدلاً مني؟!’
كانت الكتب المكدسة ثقيلة، فلا بد وأنه قد تألم!
شهقت بصدمة وبدأت تدق قدميها.
“ذراعك! هل هي بخير؟ لا بد أنها تؤلمك…”
“الأمر ليس خطيرًا.”
تراجع خطوة عندما امتدت إستيل يدها تلقائيًا، فتوقف مرتبكًا.
‘آه، صحيح، لا يحب أن ألمسه.’
بينما كانت تحاول سحب يدها المحرجة في الهواء، قال سيدريك بصوت حاسم:
“هل تعتقدين أنني أكرهك؟“
ترددت إستيل وتجنبت نظره ونظرت إلى الأرض.
تابع هو بصوت جاد:
“قلت لك إن هذا كان اختياري.”
“لكن ليس بالضرورة ألا تندم على اختيارك.”
توقع سيدريك أن توافق على كلامه لكنه تفاجأ بجديتها. ابتسمت إستيل وقالت:
“وحتى الاختيار الذي يُجبر عليه المرء، يبقى اختيارًا.”
لم يكن بوسع سيدريك أن يعارض ذلك لأنه كان صحيحًا إلى حد ما.
قبل أن يفتح فمه للرد، قاطعت إستيل حديثه بابتسامة محرجة.
“أنا أعلم أنني لا أملك حق الغضب! لقد تحملت مسؤولية أمر لا أستطيع إنجازه بمفردي، وبالصدفة أنت بجانبي قوي وذكي جدًا، لذا تمسكت بك، لكن أن أطلب منك ألا تكرهني فهذا طلب مبالغ فيه. رغم أنني أعرف ذلك… لكني تصرفت هكذا من عادة.”
“……..”
“انفعلت فجأة، وأنا آسفة. ستسامحني، أليس كذلك؟“
توقف سيدريك عن الكلام، ونظرت إليه إستيل بابتسامة بينما كانت ترفع كمها بعزم وقالت:
“على أي حال… سأبذل جهدي. دعنا نحاول إنقاذ العالم مرة واحدة على الأقل! لذا لا تكرهني كثيرًا. حتى لو ندمت سيكون الأوان قد فات. لن أتركك بسهولة.”
استدارت بسرعة وبدأت تتصفح الكتب مرة أخرى.
وقف سيدريك بجانبها يتصفح الكتب أيضًا، لكنه كان يمرر يده على الصفحات دون قراءة، وكانت عيناه تتابعانها فقط.
ابتلعت عينيه الزرقاوين بلبلة، وبعد تفكير طويل، قال:
“أنا…”
هل تعتقدين أنني أكرهك؟ حقًا؟
هذا ما كان يود أن يسأل عنه بإلحاح.
كان محتارًا من نفسه لأنه يلاحظ أنه يلين فقط تجاه إستيل،
وفي الوقت نفسه، كانت هي تتعاطى بارتباك مع احتقار هادئ تلقاته لأول مرة.
أدرك مرة أخرى أنهما عاشا في عوالم مختلفة تمامًا.
من طلب الإذن إلى اقتحام غرفته بدون إذن،
كان من الممكن أن يوبخها بصوت بارد لو كان أي شخص آخر.
لكن اكتفى فقط بالتذمر عليها لأن ذلك كان من فعلها.
حتى هو لم يكن يفهم لماذا يلين هكذا مع إستل، لكنه كان متأكدًا من شيء واحد:
لم يكن يكرهها أبدًا…
أغمض عينيه بهدوء وهو يعيد التفكير في أفعاله.
‘لماذا أفكر هكذا بحق الجحيم؟‘
كان الأمر يشغل باله، حتى أن اهتمامه بهذا الأمر كان يشغل باله.
بالنسبة لرجل صارم يقطع حتى التعبير عن المحبة لأهله،
كانت معاملة إستيل له بمثابة لطف عظيم.
لكن من المحزن أن تكون هي مخطئة وتظن أنه يكرهها وتشعر بالاستياء.
كان على وشك أن يشرح الأمر عندما لاحظ غلاف الكتاب الذي رفعته إستيل في تلك اللحظة ونسي كل ما كان يفكر فيه.
مد يده بسرعة وأمر:
“ضعِ هذا فورًا جانبًا.”
“ماذا؟“
لأنه كان مستخدمًا للسحر، شعر بما يشبه القشعريرة التي تجتاح جسده كما لو أن دمه يُسحب.
تحرك جسده تلقائيًا وحمى إستيل بذراعيه،
ورأى دخانًا أسود يتصاعد من صفحات الكتاب المفتوح.
كان الدخان يتصاعد من الكتاب الواقع على الأرض ويشدّ أقدامهما.
“ماذا، ما هذا؟!”
صاحت إستيل وهي تعانق سيدريك بقوة.
في المكتبة الهادئة بدأ دوار ورياح عاصفة تعصف.
تمسكت إستيل بجسد سيدريك كأنها تتعلق بشجرة، وصرخت:
“لماذا يحدث هذا؟!”
“أظن أننا لمسنا شيئًا خاطئًا!”
كان من الصعب سماع بعضهم بسبب صوت الرياح التي كانت تضرب أذنيهما.
وفي حالة من الارتباك، كانت إستيل تحدق في صفحات الكتاب التي تبتلعهم ببطء.
سمعت صوت سيدريك يهمس ببطء:
“ربما هذا ما كنا نبحث عنه…”
كانت هذه آخر ذكرياتهم.
انجذب الاثنان المتشابكان ككتلة واحدة داخل الكتاب الصغير بحجم كف اليد.
انغلق الكتاب فجأة، وعاد إلى مكانه على الرف كما لو لم يكن أحد هناك.
لم تبقَ سوى بعض الكتب الملقاة على الأرض دليلًا على وجود أحدهم في المكتبة.
ترجمة : سنو
انستا : soulyinl
واتباد : punnychanehe
التعليقات لهذا الفصل " 41"