بينما كانت مستلقية وتقرأ اليوميات بفتور، تجمّدت إستيل في مكانها.
“لحظة، ما كان اسمه؟“
سقط الدفتر الذي كانت تمسكه من يدها ووقع على وجهها. أزاحته سريعًا لتتضح لها الرؤية، وتمتمت:
“تريستان بلانشيه…”
تريستان بلانشيه، إن نظرنا إلى شجرة العائلة فهو زوج الساحرة العظيمة إيلين إيفرغرين، ووالد إستيل. أما من منظور التاريخ، فهو أكثر نذلٍ شهرة كاد أن يدمّر الإمبراطورية بأكملها.
ترددت إستيل قليلًا ثم أعادت النظر إلى داخل اليوميات.
“لكن، ملك الشياطين…؟“
ملك الشياطين يعني زعيم الشياطين، أليس كذلك؟ لكن ألم يكن تريستان بلانشيه مجرّد شخص عقد عقدًا مع شيطان؟
ملك الشياطين… ملك الشياطين، همست إستيل بالكلمة وهي تديرها بين شفتيها. لم تسمع بهذا المصطلح من قبل.
تمامًا كما أن إيزابيلا التي كان يُفترض أن تعيش حياة شقية حصلت على حياة سعيدة بفضل تدخل إيلين، فهل يا ترى تغير مستقبل تريستان أيضًا؟
طيّت إستيل زاوية الصفحة لتضع علامة وانتقلت إلى الصفحة التالية. وما إن قلبت الورقة حتى جلست فجأة من هول ما رأت. قلبها أخذ يخفق بعنف.
ما هذا؟ هذا…
「اتبعني」
كانت تلك الكلمات مكتوبة بحبر أحمر فاقع أسفل الصفحة المكتظة بتدوينات اليوميات.
في لحظة، شعرت بقشعريرة تسري في جسدها. أمسكت إستيل بذقنها بيديها المرتجفتين كي لا يسقط من الذعر ونظرت من النافذة.
ليالي الشتاء تحمل رهبة لا توجد في ليالي الفصول الأخرى. قشعريرة زحفت على كامل جسدها.
اتبعني… اتبع ماذا؟ لا… لا أستطيع الذهاب. لا يمكنني الذهاب وحدي أبدًا.
نظرت مرة أخرى إلى تلك الحروف الحمراء التي بدت وكأنها تحذرها.
وكأنها تقول: “وإذا لم تتبعيني، فماذا ستفعلين؟“
“آآاااه!”
صرخت إستيل من ضيق صدرها، وأمسكت اليوميات بيد مرتجفة.
حسنًا، أولًا عليّ أن أعرف ما الذي يطلب مني أن أتّبعه. لا بد من قراءة المزيد.
「10 مايو، عام 762
ذلك الفتى يأتي إلى المكتبة كل يوم تقريبًا.
بدأت أتساءل، هل لاحظ أنني أنوي قتله؟ لكن يبدو أن الأمر ليس كذلك.
إنه… فقط، يعاملني بلطف غير محدود.
سألني كيف انتهى بي الأمر إلى تنظيف النحل، فقلت له إنني ألقيت تعويذة تجعل المتنمرين يجلسون على الصبار كلما رأوه.
ومن طريقته في النظر إليّ بعد ذلك، يبدو أن لديه ضميرًا سليمًا ولا يعاني من خلل أخلاقي.
همم.
لماذا؟
لا أستطيع أن أفهم.
كيف انتهى به المطاف إلى أن يصبح ملك الشياطين؟
فلنفكر. لا بد أن هناك سببًا. لماذا؟ متى؟ ماذا فعل؟ ما هو الدافع؟」
「11 مايو، عام 762
لا يبدو أن هناك مشكلة في علاقته بعائلته.
يقال إن عائلته صارمة بعض الشيء… لكن لو أن كل شخص نشأ في منزل صارم تحول إلى ملك شياطين، لكان العالم قد دُمّر منذ زمن.」
「12 مايو، عام 762
لا أعلم. لا أفهم شيئًا. ما السبب؟ إنه لأمر مزعج.」
「13 مايو، عام 762
الآن فهمت لماذا كان يعرف مكان قسم علم النباتات.」
كانت عبارة “اتبعني” مكتوبة عند هذه النقطة بالضبط.
نقرت إستيل على الحروف الحمراء بأطراف أصابعها وقالت بهمس:
“يعني… اتبعني إلى قسم علم النباتات في المكتبة، إذًا…”
نظرت مجددًا من النافذة. هوووووه.
الريح العاتية التي ضربت زجاج النافذة، وكأنها تحاول إخافتها عمدًا، أصدرت صوتًا مرعبًا.
لا أريد الذهاب…
بوجه يكاد ينفجر بالبكاء نزلت من على السرير وهي تتمتم:
“لـ… لم يُشترط أن أذهب وحدي، أليس كذلك؟“
انتعلت حذاءها المنزلي على عجل وهي تجرّ كعبيها، ولفّت كتفيها بشال سميك، ثم بدأت تمشي ببطء نحو جهة ما.
* * *
طرقت الحديدات، طرقت الحديدات…
سمعت صوتًا مزعجًا كاحتكاك معدن بمعدن. كأن مفتاحًا دخل في القفل بشكل خاطئ، فلم يُمكن إخراجه أو تدويره، وبقي القفل مغلقًا.
فتح سدريك عينيه بشعره المتناثر ونظر بجمود نحو الباب حيث يأتي الصوت. ما الوقت الآن؟ نظر إلى ساعته بعيون نصف مغلقة وعبس في وجهه.
الثانية صباحًا، ما هذا الوقت…
أراد أن يستيقظ دون تفكير لكنه تذكر شيئًا فتجمد في مكانه. رغم أنه حرص على السرية إلا أنه ربما قد تم تسريب شيء ما. ماذا لو تسلل عبّاد الشياطين إلى الأكاديمية التي أمانها أقل من القصر أو منزل الدوق، وكانوا يستهدفون إستيل؟
“سيكون الأمر مزعجًا.”
حسب بسرعة الطريق الأقصر للوصول إلى غرفة إستيل، وحسب المسافة بينه وبين سيفه. في اللحظة التي همّ فيها بالسير صوب السيف بهدوء انفتح القفل بصوت طقطقة واضحة.
انفتح الباب على مصراعيه وقفز سيدريك خارجًا. ماسكًا بالشخص الغريب الذي لم يستطع تحديد هويته، وأمسكه أرضًا وهو يصرخ:
“من أنت؟“
“آه! ما هذا!”
أدرك متأخرًا أن هذا الغريب جسمه ليس ضخم أو عضليًا، بل كان نحيفًا جدًا لدرجة تثير الدهشة.
تسلل ضوء من فتحة الباب المفتوح وأضاءهم. إستيل التي ممسك يدها من قبل سيدريك بدأت تصرخ بوجه مبلل بالدموع وكأنها تتألم:
“لقد طرقت الباب لكن لم يرد أحد! دخلت لأوفر عناء فتح الباب! آآه انت تؤلمني!”
“…إستيل؟“
“آه، أرجوك أتركني! آآه، أوه!”
سمع سيدريك صوتها وفقد تركيزه فبدأت إستيل تتلوى أكثر.
الارتباك الذي أصابه عند اكتشافه أن الطرف الآخر غير متوقع بالإضافة إلى استيعابه أن هذه ليست عدواً، جعل جسده يرتخي فجأة مما أدى إلى تمايله للحظة. مد ذراعه ليستند بجانب رأس إستيل ليستعيد توازنه ثم توقف عن التنفس للحظة.
لكن، ما هذا.
كان وجه إستيل قريبًا جدًا من أنفه مباشرةً. نظرت إستيل بصمت إلى شفتيهما وأنفهما اللذان كادا يلامسان بعضهما، ثم بدأت تتلعثم وهي تتحدث.
“ما–ماذا يعني هذا؟“
هل ربما أخطأت في تقدير هذا الشخص؟ كنت أظنه مثالياً، لكن هل كان منذ البداية يعلم بكل النبوءات وخطط ليبتلعني تماماً؟ وهو ينظر إلى وجه إستيل الشاحب أطلق تنهيدة خافتة وقال في نفسه: ما الذي تفكر فيه هذه الفتاة الآن…
“هذا سوء فهم، اهدئي وانزلي.”
حاول سدريك أن يجلس مبتعدًا عنها، لكن حركاتها القوية دفعته للخلف قليلًا. أثناء محاولته ليوازن نفسه لتجنب الاصطدام بها بدأت إستيل تتكلم بسرعة دون أن تركز على كلامها.
“لقد قلت إنك ستكرس حبك لامرأتك المقدرة، ولذلك لا يمكننا الاقتراب؟ هل هذه خدعة؟ كنت تنتظرني أن أتهاون… لم أكن مخطئة، هذا الشخص المهووس بالنبوءات يطاردني…”
“هذا غير صحيح.”
“تخطط للقبض عليّ وأكلي…”
“ليس صحيحًا!”
ماذا تقول؟!
بعد أن انفصل عن إستيل، شعر سيدريك بالضعف يتسرب إلى جسده. استلقى بجانبها بلا حول ولا قوة وسأل بصوت خافت:
“أعتقد أنني قد أغلقت الباب…”
“آه! صحيح! لكنني فتحت القفل بهذا.”
أخرجت إستيل قطعة سلك رديئة، نظر إليها سدريك ببرود وأخذها بسرعة. لم تبدي أي تردد وتركته يرمى السلك.
لم يعرف من أين يبدأ الحديث فصمت للحظة. وبعد تفكير بسيط بدأ الكلام وهو يصر على أسنانه:
“كان بإمكانك طلب من الخادم أن يوقظني.”
صفقت إستيل بيدها موافقة وقالت:
“كنت أفكر في ذلك أيضًا، لكن هذا كان يبدو أكثر متعة.”
“هل أنتِ مجنونة فعلاً؟“
“وأخاف أن يسألني الخادم ‘لماذا تستدعين رجلاً في هذا الوقت المتأخر؟ هل تخططين لمناقشة نهاية العالم؟‘”
“أي خادم غبي سيحب أن يتورط في مثل هذه الأمور؟“
رمى سيدريك السلك بغضب إلى الجانب، وجلست إستيل بجانبه ببطء. همست له بصوت منخفض:
“هلا تسمعني للحظة؟“
شعر سيدريك بتوتر بسبب نبرتها وصوتها الحالم، فارتجف قليلاً.
لا، لا. تصرفاتها ليست عادية. إذا كان رجل وامرأة يجلسان قرب بعضهما في هذا الوقت وهم يهمسون لكان بالتأكيد على شكل مغازلة. لكن حسب معايير إستيل الأمر مجرد سرية.
فكر سدريك: “لا أظن أن علي أن أفكر بطريقة خاطئة.”
ومال ببطء صوبها حسب طلبها. تلألأت عينا إستيل في الظلام وهمست:
“هل تود الخروج لنزهة ليلية؟“
… هل فعلاً لا يوجد نية خبيثة؟
شعر إن وجهه يحترق حرارة شديدة. نظر مرة إلى الفراغ ومرة إلى إستيل ثم مرة أخرى إلى الفراغ… كان مشوشًا جدًا.
دخلت النزهة الليلية بهذه الطريقة؟ حسب عقليتي هذا تصرف غير سوي تمامًا، لكنها كانت تحدق فيه وكأنها تقول: “ما المشكلة إن فعلت ذلك؟“
“هل كل هذا يحدث فقط بسبب كلامك هذا…؟“
“لدي مكان يجب أن أذهب إليه.”
حين بدأت إستيل الكلام ابتعد سيدريك قليلًا مظهراً رغبته في إفساح المجال. رفعت إحدى حاجبيها متسائلة:
“ماذا يعني هذا؟“
“تحدثي هنا.”
“ماذا؟ هل سأأكلك؟ لا، في الحقيقة كنت أنا من تعرضت للهجوم…”
“ما هذا الكلام!”
تجاهلت كلامه وأخرجت إستيل دفتر يومياتها فجأة.
لم يجد سيدريك وقتًا للرد فبدأ يقرأ الدفتر ونسي ما حدث قبل قليل.
قرأ مرة أخرى الكلمات الحمراء المكتوبة فوق اليوميات، وسأل بصوت خافت:
“أنت لم تكتبي هذه الكلمات، أليس كذلك؟“
“بالطبع لا! من تظنني؟“
ترجمة : سنو
انستا : soulyinl
واتباد : punnychanehe
التعليقات لهذا الفصل " 39"