1
الفصل الأول
«كـيـــــــــاااااه! تمسّكي جيدًا هناك يا لويلّا!!»
كان إعصارٌ عاتيًا يضرب بقوة لا تُتيح حتى القدرة على الوقوف. راحت السفينة السياحية الضخمة تتأرجح بشدّة وتتمايل يمينًا ويسارًا.
لقد اصطدمت بالفعل بصخرة بحرية، فامتلأ الجزء السفلي بالماء، وبدأت السفينة تميل أكثر فأكثر.
تشبّثت لويلّا بالسياج وهي تبكي بحرقة. وحين تأكدتُ من أنها لم تُصب بأذى، أمسكتُ بالسياج أنا أيضًا بقوة.
كانت قوارب النجاة تظهر واحدًا تلو الآخر فوق سطح البحر البارد.
علينا فقط أن نركب واحدًا منها!
بكل ما تبقى فيّ من قوّة، سحبتُ لويلّا معي وتقدّمنا ببطء. وقفنا في الصف المؤدي إلى قارب النجاة، غير أنّ أحد البحّارة وقف في وجهنا.
«لم يتبقَّ سوى مقعدٍ واحد! يجب على الأخرى أن تنتظر القارب التالي!!»
قالت لويلّا وهي تتشبث بذراعي:
«ميلينا، لا! لنبحث عن قاربٍ آخر معًا.»
كان وجهها الصغير الجميل غارقًا بالدموع.
قارب نجاة آخر؟ أي قارب؟ علينا أن نصعد الآن ما دام هناك مقعد! ماذا لو لم يبقَ سوى مقعدٍ واحد في القارب التالي أيضًا؟
عضضتُ على أسناني ودَفَعتُ لويلّا باتجاه البحّار.
«سأركب أنا التالي. اذهبي أنتِ أولًا!»
«ل-لا! إذًا سأركب أنا التالي، ميلينا!»
«ستستمرّين بالعناد؟ جسدك ضعيف. اصعدي الآن! أنتِ بذلك تعطلين الآخرين أيضًا!»
قال البحّار مؤيّدًا:
«صحيح يا آنسة لويلّا! ستجدين مقعدًا في القارب التالي سريعًا!»
«أرأيتِ؟!»
ترددت لويلّا قليلًا، ثم أمسكت بالسلم المؤدي إلى قارب النجاة. وبينما كانت دموعها تنهمر بغزارة، صرخت بي بحرارة:
«يجب أن تركبي فورًا! ميلينا، سنلتقي في الأسفل!!»
«قلت لكِ فهمت!»
بعد أن غادرت لويلّا، استدرتُ، لأرى الفوضى وقد بلغت ذروتها. هاه… ظننت أن كل شيء سينتهي الآن.
كنت في عالم رواية رومانسيّة للكبار +18، وكنت ألعب دور الشريرة التي تعذّب البطلة ثم تُعدَم في النهاية.
لا يمكنني أن أعيش هكذا.
لهذا اجتهدتُ كثيرًا لأصبح صديقة مقرّبة للبطلة، ومنذ ذلك الحين ظننت أن الطريق أمامي أصبح ممهدًا.
أسرة لائقة، والدان يهتمان بي بطريقتهم، وأخ مزعج لكنه كُفؤ.
اعتقدت أن كل ما بقي هو أن أجد رجلًا جيدًا وأعيش حياة سعيدة.
لكن من كان يتوقّع أن رحلة سياحية مع لويلّا ستنتهي بكارثة كهذه؟
«تماسكي يا ميلينا. لقد وصلتِ إلى هنا بشقّ الأنفس!»
هززتُ رأسي وتمسكت بالسياج. وبينما كنت أبحث عن قارب نجاة آخر، مالت السفينة فجأة بزاوية تسعين درجة، وبدأت تغرق رأسًا على عقب.
«كـيـــــــــــــااااااه!!»
لا أريد أن أموت هنا!
***
ظننت أنني سأموت… لكنني لم أمت. لحسن الحظ نجوت.
وكان ذلك قبل ثلاثة أسابيع بالضبط.
جرفتني الأمواج إلى قارة مجهولة تمامًا.
المكان الذي وصلت إليه يُدعى إمبراطورية سييرن، وهي في الجهة المعاكسة تمامًا من الإمبراطورية التي كنت أعيش فيها، إمبراطورية لويكارون.
لغة مختلفة، ثقافة مختلفة، ولا تبادل بينهما مطلقًا. المسافة الشاسعة بينهما إضافة إلى بحر الوحوش الذي يفصل القارتين جعل كل طرف يقطع اهتمامه بالآخر تمامًا.
كنت أعرف فقط أن إمبراطورية سييرن موجودة، لكن دون أي معلومات عنها. قوة الاندماج (البينغ ـــ انتقال الروح) التي كنت أملكها لم تعد ذات فائدة. في سييرن كنت كمن يضرب رأسه في صخرة. ولحسن الحظ أنني كنت أجيد لغة سييرن… تخيّلوا لو لم أفعل. آه…
وإن كان هذا حسن حظٍ أم سوءه، فأنا لم أكن وحدي من جرفته الأمواج إلى هنا.
«……كلها خاطئة يا دوق كايسا. لم تتمرن على الإملاء، صحيح؟ قلت لك يجب أن تكتب كل جملة عشر مرات عندما أقرأها عليك. لكنك لم تفعل، أليس كذلك؟»
حين يتصرّف هكذا أشعر أنه سوء حظ.
حدّقتُ فيه بحدة، فعدل كايسا ناظريه إلى الجهة الأخرى، ومدّ شفتَيه الوسيمتين قليلًا.
«كنت مشغولًا. المهمة كانت صعبة.»
«حتى لو كان الأمر كذلك، كان عليك أن تجد بعض الوقت! هكذا لن تتقن اللغة أبدًا.»
نفخ الدوق كايسا خدّيه باستياء، فتنهدتُ طويلًا. كان رجلًا وسيما بحق، يكفي النظر إليه ليُبهج العين… حتى ذلك التعبير يبدو لطيفًا عليه.
…أفيقي! هل هذا وقت التفكير بهذا؟ متى سنتمكن من العودة إذًا؟!
***
لم نجد كايسا وأنا بعضنا في إمبراطورية سييرن، بل قبل ذلك.
كنا نطفو مع حطام السفينة حين عثرت علينا سفينة تابعة لسييرن وأنقذتنا.
فإمبراطورية لويكارون وسييرن تقعان في طرفين متقابلين من العالم، والمسافة شاسعة لدرجة تكاد تجعل السفر بينهما مستحيلًا.
ناهيك عن بحر الوحوش الفاصل بينهما.
لا يمكن عبور البحر إلا بضعة أيام في السنة حين تهدأ الوحوش نسبيًا.
لذا كان قليلاً جدًا من يحاولون عبوره. فلماذا يغامر المرء بحياته من أجل رحلة واحدة؟
أما من يخاطر بحياته لإنقاذ من ضلّوا في البحر… فهذا أشبه بمن يقول: «أنقذتك، هات ما في جيبك».
لذا تبعنا البحارة الذين أنقذونا إلى سييرن مرغمَين.
لم يكن معي سوى الثياب التي أرتديها، وبعض الحلي على أذني ويدي. وكذلك بضعة قطع معدنية كانت عالقة بثياب الدوق كايسا. كان من حسن الحظ أنها لم تضِع وسط الأمواج.
لقد صرنا معدومَي الحال بين ليلة وضحاها.
العودة إلى لويكارون تحتاج مالًا كثيرًا. كان علينا أن نوفر الطعام والمأوى طوال الفترة التي سنمكثها هنا، وأن نجد سفينة تعبر البحر.
لأول مرة منذ قدومي لهذا العالم بدأت أقلق بشأن المال.
إلا أنّ بصيص أمل بقي.
فالطاقة الجماعية تتضمن مجانين في كل مكان، كما أخبرنا البحارة.
قالوا لنا:
«هناك سفينة تهريب—تأتي مرة واحدة في السنة—تعبر بين سييرن ولويكارون. يمكنكم المحاولة، لكن الأجرة باهظة.»
لم أتخيل يومًا أن أشعر بالامتنان لمهربي البشر.
لكن لم يكن أمامنا خيار. أمامنا ستة أشهر حتى وصول السفينة، وخلالها علينا جمع الكثير من المال. وللقيام بذلك، يجب أولًا تأمين الطعام والمأوى.
قال كايسا:
«سأبيع سيفي.»
«لا، قطعًا لا!!»
منعتُه بكل ما أستطيع. فشيئان فقط يملكان قيمة عند الدوق: وجهه و سيفه.
وعلى السفينة اكتشفت أن لديه موهبة صفرية في تعلّم اللغات، وربما لن يتقن لغة سييرن أبدًا.
فقلت له:
«سأبيع مجوهراتي. إنها غالية بما يكفي لنعيش لفترة.»
«……سأردّ لكِ هذا الجميل بلا شك.»
«آمل ذلك.»
جمعنا كل ما نملك من حليّ وذهب. ولم يكن شراء منزل بالأمر السهل.
قال صاحب محل المجوهرات وهو يتفحص القطع:
«هنا شقّ، وهذه كأن ماء البحر أفسدها. لا أستطيع دفع ثمن جيد لهذه الجودة.»
قلت بإصرار:
«لكنها من أرقى الجواهر!»
«ربما… لكن مثل هذه الأحجار منتشرة هنا في سييرن. هل جئتما من دولة أخرى؟»
وكان على صدره بروش فخم يضاهي أفضل ياقوتة كنت أمتلكها.
لحسن الحظ دفع لنا بسخاء مقابل الذهب، فتمكّنا من استئجار بيت.
و”بيت” هنا يعني حمامًا واحدًا، غرفة صغيرة، وغرفة جلوس ضيقة متصلة بالمطبخ. كان أفضل ما تمكّنا من إيجاده بعد يوم كامل من البحث سيرًا على الأقدام.
وبعد شراء بعض الثياب والطعام… نفد المال كله.
كانت أيامًا مريرة…
…وها قد مرّ على ذلك ثلاثة أسابيع.
التعليقات لهذا الفصل " 1"