“إنّها كاميرا تصوير سحريّة؟”
“نعم. الكاميرا السّحريّة ضروريّة جدًّا للأدلّة. اشتريتها مع كرة التّسجيل الصّوتيّ.”
“أليست هذه باهظة الثّمن جدًّا؟”
“إنها باهظة بالفعل. لكنّها شيء أحتاجه بشدّة.”
عندما رأيتُ تعبير ميا المذهول، تذكّرتُ وجه العمّ سكوت و هو في حالة ذعر.
أشعر بالأسف قليلاً تجاه العمّ سكوت، لكنّني هذه المرّة بعتُ كميّة كبيرة من المجوهرات دفعة واحدة لأحصل على المال.
بفضل ذلك استطعتُ شراء كرة التّسجيل و الكاميرا السّحريّة معًا، ولأنّ الكاميرا كبيرة الحجم نسبيًّا، طلبتُ توصيلها متخفيّة كمستحضرات تجميل. وها هي الآن أمامي بالضّبط.
لقد وصلت أسرع ممّا توقّعت. كنتُ أظنّ أنّها ستصل بعد فترةٍ طويلة.
نظرتُ إلى الكاميرا السّحريّة المغلّفة بعناية داخل الصّندوق و فكّرتُ. أداؤها أقلّ من الأغلى سعرًا، لكنّ هذا المستوى كافٍ تمامًا.
الكاميرا السّحريّة تكلّف عدّة أضعاف كرة التّسجيل، لذا لشراء الاثنين معًا كان لا بدّ من اختيار الرّخيصتين منهما. لديّ مجوهرات، لكنّ لها حدّ أيضًا، فلا يمكنني تبذيرها.
لحسن الحظّ تمكّنتُ من اقتنائها بسرعة.
شكرًا مرّة أخرى أيها العم.
وجّهتُ له شكرًا آخر في قلبي، ثمّ أمسكتُ الكاميرا ببطء و ضغطتُ زرّ التّشغيل. أصدرت الكاميرا صوت خفيفًا، ومضت مرّة واحدة ثمّ ركّزت العدسة.
“ميا، هل يمكنكِ مساعدتي في التقاط بعض الصّور الآن؟”
“نعم. ماذا أفعل؟”
“أوّلاً، سأخلع ملابسي لأصوّر الأماكن التي عليها كدمات زرقاء.”
“نعم؟هل ستخلعين ملابسكِ؟”
“أجل. الأجزاء الظّاهرة من جسدي سليمة تمامًا.”
“آه… نعم.”
بدت ميا مذهولة من فكرة خلع الملابس، ثمّ تصلّبت ملامحها للحظة عند سماع “الأماكن المُزرقّة”، لكنّها سرعان ما ضبطت تعبيرها و تحرّكت.
بمساعدة ميا، خلعتُ الفستان كاملاً و وقفتُ بملابسي الدّاخليّة فقط، مخفية صدري بذراعيّ.
هل يجب أن يظهر الوجه أيضًا؟
لم يطـل التّردّد. إذا قمت بتصوير الجسد فقط، قد يدّعون أنّه جسد شخص آخر.
“صوّري الوجه أيضًا بالكامل.”
“هل حقًّا لا بأس بذلك؟”
يبدو أنّ ميا قلقة من أن يراها كثيرون إذا استُخدمت كدليل.
“نعم. لا بأس. يجب أن أكون مستعدّة لهذا الحدّ.”
أنا أيضًا لا أريد أن يراها عدد غير محدّد من النّاس.
لكن لا مفرّ ليكون لها قوّة إثبات.
لا بدّ من تحمّل الخزي.
ضغطت ميا على زرّ الكاميرا السّحريّة و صوّرت جسدي المُزرقّ بعناية. عدد الصّور التي يمكن حفظها حوالي 20 صورة.
“أظنّ أن هذا يكفي.”
قلتُ ذلك عندما صوّرت ميا حوالي عشر صور. من الأفضل الاحتفاظ بالباقي للمستقبل.
أطفأت ميا الكاميرا وسألت:
“أين أضع الكاميرا؟”
“همم… هل يمكنكِ حفظها داخل خزانة الملابس في صندوق آخر؟”
“نعم.”
الكاميرا السّحريّة تعرض الصّور في الهواء. بمعنى أنّه لا يوجد مكان تخزين منفصل، فإذا فُقد الجهاز فُقد كلّ شيء، ممّا يجعلها سيّئة جدًّا من حيث التّكلفة مقابل الأداء رغمَ سعرها الباهظ.
لكنّها أقوى من الرّسومات بكثير.
أخفت ميا الكاميرا جيّدًا في الخزانة، ساعدتني في الاستعداد ثمّ خرجت.
استلقيتُ على السّرير لأوّل مرّة منذُ مدّة وأنا في مزاج جيّد.
لقد جمعتُ دليلين بالفعل.
شعرتُ فجأة بالأمل يغمرني. الأمور تسير بشكلٍ أسهل ممّا توقّعت، فشعرتُ بالحماس دون سبب.
ربّما الطّلاق هو إرادة السّماء.
إذ تتوالى يـد العون إلي هكذا.
يقولون إنّ السّماء تساعد مَنْ يساعد نفسه. كانت ليلة تشعرني أنّ شيئًا جميلا قادم.
* * *
يبدو أنّ إمبراطور إمبراطوريّة نيسيان جادّ جدًّا في اللّهو و التّرف. السّلطة الإمبراطوريّة ضعيفة، لكنّ الحفلات تُقام بكثرة. و في موسم المجتمع الرّاقي بالذّات، تُقام حفلة كلّ يوم تقريبًا. تمامًا كما في هذه الأيّام.
أو ربّما صحيحٌ أنّه مغرم بالخمر و النّساء.
لكن لا دليل يدعم هذه الشّائعة أيضًا. الإمبراطور الحالي لم يتّخذ عشيقة سوى الإمبراطورة. و لا توجد شائعات عن علاقات سرّيّة مع نساء أخريات.
الشّائعات غريبة حقًّا.
غريبة كانت أم لا، كان لا بدّ من حضور الحفلة. إيلارد نادرًا ما يتغيّب عن الحفلات أو التّجمعات الأرستقراطيّة.
تردّدتُ للحظة في أخذ كرة التّسجيل، لكنّني قرّرت تركها. حجمها ليس صغيرًا جدًّا، لذلك سيكون مزعجًا.
نزلتُ إلى الطّابق الأوّل بعد أن انتهيتُ من التّحضير، فوجدتُ ليليث كالعادة تمسك ذراع إيلارد و تهزّه وهي تتوسّل إليه.
“ستذهب إلى حفلة أخرى؟ لماذا تُقام الحفلات كثيرًا لهذه الدّرجة؟”
“لأنّ الإمبراطور يحبّ الحفلات.”
“إذن سأبقى وحدي مجدّدًا!”
“لا خيار لديّ.”
“متى ستعترف بي رسميًّا؟ أريد أنا أيضًا حضور الحفلات! أريد ارتداء فستان جميل وأحذية أنيقة!”
“هااه… سنتحدّث عن ذلك لاحقًا. ألا يجب أن نتحلّى بالحذر الآن؟”
تنهّد إيلارد و هو يجيب على إصرار ليليث. مهما كان اتّخاذ العشيقات قانونيًّا في الإمبراطوريّة، فلا يجب أبدًا أن تقف الزّوجة و العشيقة معًا في مناسبة رسميّة.
و هي بالتّأكيد تعرف ذلك.
ما الذي تفكّر فيه حقًّا؟
رآني إيلارد أقترب فأخرج ذراعه من يد ليليث و قال:
“سأذهب الآن، فكّري فيما تريدينه. إذا أردتِ شيئًا يمكنكِ أن تطلبيه مني.”
“أيّ شيء؟”
أومأ إيلارد برأسه قليلاً و هو يرافقني، فردّت ليليث بالسؤال.
لم أرَ تعبير ليليث التي خلفنا، لكنّني كنتُ أعرفه. عينان تلمعان بالتّوقّع بلا شك.
ركبنا العربة ولم ينطق أحد بكلمة. وصلنا إلى قاعة الحفل في القصر الإمبراطوري وسط الصّمت، و ما إن نزل إيلارد من العربة حتّى ارتدى تعبيرًا لطيفا.
معظم الأزواج الأرستقراطيّين يبدون كأزواج شكليّين، لكن هل يصل الأمر إلى هذه الدّرجة؟ مَنْ لا يعرف الخفايا سيظنّه ألطف زوج في العالم.
لو لم يكن كذلك، لما كنّ جميع النّساء في القاعة سواي ينظرن إليه بعيون مبهورة. و لما كنّ ينظرن إليّ بنظرات الحسد و الإعجاب.
ما إن دخلنا حتّى اقترب الأرستقراطيّون من حولنا يقدّمون التّهنئة.
“سمعتُ الخبر السّار. تهانينا. قريبًا سيمتلئ قصر الدّوق ببكاء الأطفال.”
“شكرًا، بارون فيرتوين.”
ابتسم إيلارد بسعادة و أجاب، فغطّت سيّدة بجانبه فمها بمروحتها و تظاهرت بالدّهشة:
“يا إلهي، إذن بالفعل الدّوقة…!”
“لا يزال الأمر مبكّرًا، لذا أرجو من الجميع التّحفّظ.”
“بالطّبع!”
“لا تقلق يا سموّ الدّوق.”
لمعات عيون مَنٔ يحيطون بنا و هم يتملّقونه، وكأنّ إيلارد يلبّي توقّعاتهم، خاطبني بلطف:
“لا بدّ أنّكِ متعبة، اجلسي و ارتاحي. سأحضر لكِ شيئًا تشربينه.”
“…حسنًا.”
أجلسني على الطّاولة ثمّ ذهب بنفسه ليحضر المشروب. كادت نظرات الحسد من السيّدات و الآنسات حولي أن تخترق وجهي.
لقد قرّر اليوم أن يبالغ حقًّا.
أردتُ أن أقول أنّ هذا ليس صحيحًا، لكنّ التّوقيت غير مناسب، فاضطررتُ لموافقته. الأفضل أن أصمت، سيظنّون أنّني متعبة من الحمل ويتفهّمون.
بينما أشرب المشروب الخالي من الكحول الذي أحضره، اقتربت منّي بعض السيّدات.
جلسن معي على الطّاولة، تبادلن التحيّات و الأخبار، ثمّ سألنني بطريقةٍ غير مباشرة:
“إذن سموّ الدّوقة، هل فكّرتِ في عرّابة للطّفل؟”
آه…
هذا الموضوع…
صراحة كان مزعجًا جدًّا. إلى درجة أنّني لم أستطع ضبط تعبيري.
تظاهرتُ بشرب المشروب مجدّدًا لأخفي انزعاجي و أجبتُ:
“…لا يزال الأمر مبكّرًا جدًّا.”
“يا إلهي، الوقت يمرّ بسرعة، من الأفضل أن تناقشي الأمر مع سموّ الدّوق مسبقًا! علاقتكما قوية لهذه الدّرجة!”
“هل تبدو كذلك؟”
“بالطّبع! إنّه الزّوج الذي تحلم به كلّ امرأة.”
“صحيح. وسيم ، و قوي ، و ذو لقب عالٍ. بل و يُعامل زوجته بلطف و اهتمام. كما تعلمين يا سموّ الدّوقة، كانت هناك العديد من الآنسات اللواتي يعشقنه سرًّا.”
“حتّى الآن هناك الكثير من الآنسات يعانين في صمت.”
“صحيح، صحيح.”
كانت السيّدتان تثرثران بحماس كأنّهما تتّفقان على الإيقاع.
تملق السيّدات هذا لم يكن لمرّة أو مرّتين.
أردتُ أن أقول: عِشنَ معه يومًا واحدًا و ستعرفن، لكنّني تحملت بقوّة. ليست كلّ السيّدات يعشن بسعادة.
“إذن سموّ الدّوقة، إذا لم يكن لديكِ شخص محدّد في بالكِ للعرّابة…”
اقتربت إحداهما التي كانت تتحدّث بحماس و قالت بطريقةٍ غير مباشرة:
“أنا مستعدّة للقبول في أيّ وقت.”
“آه، أنا أيضًا. لا أعرف إن كان صبيًّا أم فتاة، لكنّ أيا كان المولود سيكون رائعًا.”
“…سمعتُ كلامكما جيّدًا. اعذراني، يجب أن أذهب لإعادة تسريح شعري.”
يبدو أنّ قدراتي في التّمثيل لا تزال ناقصة. لا أستطيع قول كلمات كاذبة كأنّها حقيقة.
اضطررتُ أخيرًا إلى تغيير الموضوع ومغادرة المكان.
لأنّهنّ لسن صديقات مقربات أصلاً.
طمعهنّ واضح جدًّا، فشعرتُ بالنّفور.
نهضتُ لأذهب إلى مكان آخر، فاقتربت سيلينا مع آنسات أخريات و قدمن التحية:
“ابنة الكونت مونتانا الكبرى، سيلينا مونتانا، تحيي سموّ الدّوقة.”
“الآنسة سيلينا.”
ما الذي يريدونه مني هؤلاء أيضًا؟
لماذا أتين إليّ؟
لم أفهم السّبب، لكنّني استقبلتُ تحيّتهن بهدوء. انتهت التّحيّة، فتحدثت سيلينا و هي تبتسم بخفّـة.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 12"