يبدو أنني بدأت بقسم قوي جدًا، لأن جيف قرر أن يلتزم الصمت منذ اللحظة الأولى.
فتحتُ عيني قليلًا لأنظر إليه، فإذا به مغمض العينين بشدة، ووجهه يزداد احمرارًا حتى أصبح كالطماطم.
كررت له القسم مرة أخرى، وألححت عليه أن يردّده ورائي بسرعة.
لكن جيف بقي صامتًا حتى النهاية.
فقلت بنبرة حزينة:
“أنت… لا تريد أن تكون صديقي، أليس كذلك؟ آسفة، لم أكن أعلم…”
ما إن بدا أن الجو أصبح ثقيلًا وجديًا، حتى فتح جيف عينيه بخجل وأخذ يراقبني.
“ليس الأمر كذلك.”
“إذًا، لِمَ لا تردّد ما قلت؟”
“سواء قسم الصداقة هذا أو هذه الصلاة… لا وجود لأشياء كهذه.”
في مثل هذه الحالات، الوقاحة هي السلاح الأقوى.
“أراهن أن لم يسبق لك أن كوّنت صديقًا من قبل، أليس كذلك؟ كل الأصدقاء الجدد يفعلون هذا.”
رغم أنني لم أملك صديقًا واحدًا في حياتي السابقة ولا الحالية… لكن من يهتم؟
مجرد التفكير بأن جيف سيفكر بي ثلاث مرات في اليوم جعلني أشعر بسعادة غامرة.
رغم ذلك، حتى أنا كنت أشك في أنه سيصدق شيئًا وقحًا كهذا.
لكن فجأة…
“أحقًا يجب أن أفعل كل هذا؟”
يا إلهي، هذا الفتى سيقضي عليّ!
كلما ازدادت براءته، زادت معها وقاحتي تلقائيًا.
“هل تتهمني بالكذب الآن؟”
نظرتُ إليه بانتصار، فما كان منه إلا أن ردّد القسم حتى النهاية، ثم بدأ يكتبه على الورقة.
هكذا تبدأ الخدع شيئًا فشيئًا حتى يقع الشخص في الفخ.
“ثانيًا، عند مواجهة أمر صعب، نبوح به أولًا للصديق.”
…
…
…
“تاسعًا، نقول الحقيقة فقط، ونتشارك الأسرار.”
“عاشرًا، نحلم بصديقنا كل يوم.”
رغم أنني من اخترعت هذه البنود، لم يسعني إلا الاعتراف بأنها عبقرية!
ومع كل بند غريب كنت أضيفه، بدا جيف مذهولًا أكثر فأكثر، حتى احمرّ وجهه تمامًا.
“كيف يمكن للمرء أن يحلم بشيء بإرادته؟!”
بالطبع، لا يمكن التحكم في الأحلام.
لكن ما لا يمكن تحقيقه، يصبح ممكنًا وفقًا لمبادئ طائفة الزعيمة بريل.
بما أنك أصبحت تابعًا فعليك أن تؤدي واجبك على أكمل وجه.
تمسكت بهيئة الزعيمة وتحدثت بوجه جاد.
“إذا فكّرت بي قبل النوم، فسوف أظهر في حلمك.”
بالطبع كان كلامًا فارغًا.
لكن تمثيلي الجاد دون أن أبتسم أعطاه انطباعًا قويًا وثقة أكبر.
قد يقول البعض إنني أفسد هذا الطفل…
لكن ردة فعله كانت لطيفة جدًا، فلم أستطع التوقف!
جيف لطيف ووسيم حقًا… خاصة عندما يحمرّ مثل الطماطم.
وفي خضم هذا كله، سألني بوجه جاد جدًا.
“لكن ماذا إن لم تظهرين في حلمي رغم ذلك؟”
كيف لي أن أتوقف وهو يسألني بهذه البراءة؟
“أتعني أنك فكرت بي بشدة، ورغم ذلك لم ترني في الحلم؟”
تردد جيف للحظة، ثم أجاب على مضض:
“…نعم.”
نظرت إليه بعينين متّقدتين بالحماسة، وابتسمت ابتسامة مشرقة:
“إذًا لم تكن تفكر بي بصدق.”
أخذ يتذمر بانزعاج واضح:
“لكنني كنت أفكر بك بصدق! ماذا إن لم تظهرين رغم ذلك؟!”
يا تابعي العزيز، في مثل هذه الحالات…
“أغمض عينيك بهدوء.”
“ثم؟”
أجاب بسرعة وهو يحدق بي بجديّة.
“عد للنوم مجددًا… إلى أن تراني في الحلم.”
“…ماذا؟”
لم أستطع كبح ضحكتي حين رأيت وجهه المصدوم.
“حسنًا، آسفة. هذه المرة سأعلمك الطريقة الحقيقية.”
اتخذت مظهرًا جادًا في لحظة، وجيف المسكين ركّز عليّ مجددًا بكل انتباهه.
“في تلك الحالة، كفّارة لما حدث، عليك أن تصفع خدك صفعة قوية ثم تردد الشعار.”
وضع جيف يده على خده وهو يبدو مشوشًا.
“شعار؟ أي شعار؟”
استحضرتُ كل سنواتي الماضية كمهووسة في حياتي السابقة، وأطلقتُ الهتاف بحماسة مشبعة بروح المعجبة، مرافقة إياه بحركات مدروسة.
“أورينا(محبوبتنا)، لطيفة جدًا! رياح نهر المجرة، امحِ كل الأعشاب البحرية!”
(مثل معجبين الآيدول’ز والعباره معناها مثل دعوا طاقتنا السحرية تقضي على كل ما هو مزعج! )
نظر إليّ تلميذي الأول بنظرات متشككة، لكنه ردّد بعدي رغم ذلك.
“بصوت أعلى!”
تمامًا كما يُقاس حب المعجبين بصوتهم، فإن صدق الإيمان يقاس بالصوت أيضًا.
وهنا بدأ الجزء الأهم.
أغمض جيف عينيه مجددًا بوجه جاد، بينما أنا…
قرصت فخذي المليء بالعلامات حتى شعرت أنه سينزف.
وبعد أن كبحت ضحكتي بألم، أخذت زمام المبادرة بصوت الزعيم:
“جمال الإله، أناقة لا تضاهى،
من الوجه المقدس يفيض النور،
الاعتراف من اليسار، والاعتراف من اليمين،
تدحرجي يا قنينة البحر، دحرجةً دحرجة!”
(عم تقول طلاسم بس منشان تبدو وكأنها منجد طقوس)
وما إن فتح جيف عينيه… حتى رأيته يزحف بهدوء باتجاه الباب!
كانت تلك اللحظة الحاسمة لهروب أول تابع للطائفة!
فصرخت بسرعة، مستأنفةً الهتاف:
“ارجعي يا قنينة البحر، دحرجةً دحرجة!
عُد حالًا وفورًا في هذه اللحظة!”
عندها ارتسمت على وجه جيف ملامح الفزع، فعاد إلى مكانه على الفور دون أي مقاومة.
أدركت أنني وصلت للحد، وإن تماديت أكثر فقد لا أراه مرة أخرى.
ابتسمت له بلطف، وأخرجت شيئًا من جيبي.
“هاك، ارتدِ هذا.”
“ما هذا؟”
خاتم ثنائي.
قضيت وقتًا طويلًا أبحث في محلات المجوهرات داخل المقاطعة لاختيار هذا الخاتم وأنا أفكر به.
والسبب؟ أعجبتني عبارة الترويج التي وُصفت به…
[يحقق لك الحب.]
بالطبع، صبي في العاشرة لا يعرف معنى حجر “لازورد”، لذا كان من السهل تغيير معنى الخاتم.
“إنه خاتم الصداقة.”
“……..”
“الرفقاء الروحيون عادةً ما يرتدون مثل هذه الخواتم معًا.”
لم يبدُ جيف مقتنعًا، فنظر إليّ مرة ثم إلى الخاتم مرة.
وقبل أن أعطيه فرصة للتفكير، مددت له إصبعي البنصر.
“ماذا تنتظر؟ هيا، ضعْه في إصبعي.”
تردد قليلًا، ثم ما إن التقت أعيننا حتى أسرع في وضعه في إصبعي.
وأنا بدوري، وضعت نفس الخاتم –رغماً عنه تقريبًا– في إصبعه.
أخذ يهمس بخجل:
“إنه… كبير عليّ قليلًا.”
“أعرف، لقد اشتريته كبيرًا عن قصد.”
“ولِمَ ذلك؟”
“لأنه… عندما تكبر ويصبح مناسبًا عليك تمامًا… سأخبرك حينها.”
راقبتُ جيف وهو يبلع ريقه بقلق، ثم قلت له بوجه وقح لا يخلو من الثقة:
“سأتزوجك.”
ظل جيف صامتًا، يبدو أن وقع الصدمة قد أسكته تمامًا.
فاستغليت الفرصة بسرعة لأغرز آخر وتد في قلب القضية:
“من الآن فصاعدًا، لا تنظر حتى لأي صديق من الجنس الآخر، فهمت؟”
عندها فقط، بدا أن جيف بدأ يستوعب ما يحدث، وراح جسده يرتجف قليلًا.
“لكن… أليست هذا مجرد خاتم صداقة؟”
“بلى، هو كذلك. ولكن ألم تتذكر البند الخامس؟ لا خيانة.”
“وما علاقة الصداقة بالتعامل مع الجنس الآخر؟”
“تلك بالذات هي الخيانة يا عزيزي.”
‘لن أسمح بأن تنشأ على هذا النحو. ليس طالما أنا هنا.’
يبدو أن جيف أخيرًا فهم ما كنت أقصده، وظهر عليه الذهول كأن صاعقة ضربته.
جسده المتخشب ووجهه الشاحب كانا يشيران إلى أنه أدرك للتو أن حياته قد انتهت رسميًا.
جيف لطيف في العادة، لكن حين يُفاجأ، يصبح من الظرافة بحيث يُغري قلبي بقرص خديه فورًا.
ولم أتمالك نفسي من الضحك، فقد ارتسمت على وجهي ابتسامة واسعة دون إرادتي.
“أنا وحدي كافية، أليس كذلك؟”
ولم أفعل شيئًا خارقًا، ومع ذلك… الليل حلّ علينا كأن كل شيء قد خُطّط له.
لاحظت جيف يختلس النظر إلى الساعة أكثر من مرة، وفي كل مرة كنت أضبطه.
ورغم ذلك، لم يتجرأ على أن يقول إنه يريد الانصراف.
فأقنعتُ نفسي قائلة ‘لا شكّ أنه لا يرغب في الرحيل، أليس كذلك؟’ ثم قلت:
“هيا، لنذهب.”
طوال الطريق من لافي إن روز إلى حيث كانت العربة تنتظر، لم تهدأ حمرة أذني جيف.
وما إن لمحت العربة حتى ركضتُ نحوها كعادتي، وصرختُ بابتسامة مشرقة:
“غدًا نلتقي مجددًا في لافي إن روز، نفس الموعد!”
كالعادة، وقف جيف يحدق بي مذهولًا، لا يعرف كيف يتصرف.
فلوّحتُ له بيدي التي ترتدي “خاتم الصداقة”، ثم صعدتُ إلى العربة.
* * *
وفي اليوم التالي بخلاف المعتاد اقترب منّي كايمون.
على ما يبدو كان ذلك بسبب المهمة السرّية التي أوكلتُها إليه بالأمس.
لكنه على غير عادته بدأ حديثه بكلام طويل غير معتاد:
“هل صحيح أن ذلك الوغد ضربه؟”
_____________
ترجمة : سنو
فتحت جروب روايات في التيليجرام يمديكم هنيك تقرأو الروايات بدون نت🌟!
اكتبو في البحث تبع التيلي :
@snowestellee
واتباد :
@punnychanehe
واتباد الاحتياطي:
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"