الرغبة في التملّك… إنها تنبع من أعماق الشعور، من أبسط الانفعالات.
لهذا السبب يجب أن يكون جيف لي وحدي، هو لا يعرف سواي.
لكن لا تسيؤون الفهم، ليس لأنني أشعر بالغيرة من أحد أو أخشى أن يأخذه مني أحدهم.
لا أريده أن يُنتزع مني لمجرد أنه أصبح مشهورًا فجأة، حتى أنه قد لا يجد وقتًا ليكون مُلهَمي بعد الآن.
في تلك اللحظة رفع رأسه والتقت نظراتنا.
حرك شفتيه كأنه على وشك أن يقول شيئًا.
بدت عليه النية للرحيل مجددًا فبادرت أنا هذه المرة.
“ابقَ مكانك.”
طرقتُ بجانبي لأدعوه للجلوس، فجاء وجلس كما لو أنه مُسَيَّر لا بإرادته.
مع أنه لم يكن من النوع الذي يُطيع بسهولة من قبل…
حتى عدتُ بصندوق الإسعافات الممتلئ بالأدوية لم يتحرك قيد أنملة.
كان كجرو صغير مطيع.
تنهدتُ وغَمَستُ أطراف أصابعي في الدواء.
“وجهك.”
تردد قليلاً، ثم اقترب بخفة.
الجرح لم يكن عميقًا كما ظننت، وعندما بدأت أدهنه بلطف أشاح بنظره مرتبكًا.
“ذراعك.”
هذه المرة، مدّ ذراعه دون تردد.
كانت مختلفة عن الذراع البيضاء الناعمة التي كنت أعرفها… سمراء قليلاً وسوداء من أثر الشمس.
وما إن وقعت عيناي على الدم الذي يغطيها، حتى شعرت بوخز مؤلم في صدري.
لم يكن كالأذرع البيضاء النقية التي اعتدت رؤيتها… وكان ذلك كافيًا ليهزّ مشاعري من الأعماق.
وحين دققت النظر لاحظت آثار جروح قديمة باهتة هنا وهناك.
ترى… هل اعتاد على هذا النوع من الألم؟
أخفيت اضطرابي وتظاهرت بالهدوء بينما واصلت وضع الدواء بهدوء شديد.
‘لا أريد أن تترك هذه الجروح ندوبًا.’
لا بد أن الأمر يؤلمه كثيرًا…
لكن المفاجأة أن جيف لم يتحرك حتى، كقطة صغيرة راضية بالعلاج.
أن تتلقى العلاج على يديّ؟ يجب أن تعتبره شرفًا لك.
بينما كنت أعيد الأدوية إلى الصندوق، بدا أنه ظن أن الأمر انتهى فقام من مكانه.
لكنني أعدته إلى جواري وأدرت وجهه نحو الجرح الذي لم يُعالج بعد.
بدا عليه التوتر للمرة الأولى، لكنه استسلم بمجرد أن أمسكت به.
وظل طوال الوقت يحدق فيّ باندهاش.
حتى عندما نفخت عليه في النهاية، لأخفف عنه الألم.
كل تركيزي كان منصبًا على جراحه فقط.
‘لن تترك ندبة، أليس كذلك؟’
رفعت رأسي، واصطدمت عيناي بعينيه الزرقاوين المرتجفتين.
أردت أن أقول له الكثير… أشياء لا تُحصى.
لكني اختزلت كل شيء في كلمة واحدة خرجت من أعماق قلبي:
“أنا آسفة.”
لا أعلم كم مرة مرّ بمواقف كهذه… ولا من فعل به هذا.
كان لدي الكثير من الأسئلة لكنني ابتلعتها جميعًا.
“سأجعلهم لا يقتربون منك مرة أخرى، أبدًا.”
بل سأفعل أكثر من ذلك، لكني فضّلت عدم البوح بكل شيء.
لكن جيف اكتفى بالتحديق فيّ دون أن ينبس بكلمة.
كانت على وجهه تعابير غريبة يصعب تفسيرها.
“الشقر العيون الواسعة… أولئك الذين ضايقوك في المرة الماضية، أليس كذلك؟”
لم يُجب. وصمته لم يكن إلا علامة خوف.
أي يدٍ تلك التي تجرأت على ضرب شخصٍ نقيّ مثله؟
شعرت بقبضتي تنغلق، واشتعل داخلي حماس لا يوصف.
“سأجعلهم يختفون من حياتك تمامًا.”
وضعت يديّ على خاصرتي، وزفرت بغضب.
فجأة، سمعت صوته يهمس بهدوء:
“أنتِ……؟”
كانت نظراته تشي بالشك… وكأنه لا يثق بي إطلاقًا.
“رأيتَ بنفسك، أليس كذلك؟ كيف لم يجرؤ أحد منهم على النطق بكلمة أمامي؟ كلهم طأطأوا رؤوسهم.”
وضربت صدري بفخر وأنا أضيف:
“أنا شخص له هيبة.”
وحين التفت إليه رأيت على وجهًا لم أره من قبل…
‘إنه يبتسم!’
نعم… جيف كان يبتسم.
ذلك الوجه الحزين الذي بدا وكأنه لا يعرف طعم الضحك، أضاء فجأة بابتسامة بيضاء براقة.
لكن مهلاً، لماذا يبتسم في موقف كهذا؟!
“لماذا تضحك؟”
تغير تعبيره فجأة، وأدار وجهه بعيدًا.
“لا، لم أضحك! متى ضحكت؟!”
هاه… هل يسخر مني؟! أشبه بممثل طفل بارع!
بصراحة، لم يتجرأ أحد على معاملتي بهذه الطريقة من قبل.
لا رجل ولا امرأة ولا شيخ ولا طفل… فمن يجرؤ على التعامل مع شابة من عائلة نبيلة مثلي بهذا الشكل؟
خصوصًا في هذه البلدة الصغيرة البعيدة عن العاصمة… كنت أشبه بكائن من عالم آخر، أعلى منهم جميعًا.
في كل حفلة أو مناسبة، كان الناس يتدافعون نحوي.
لكن لم يكن بينهم أحد صادق.
لذلك كان اهتمامي بالحفلات الاجتماعية معدومًا.
فهي مجرد ساحات يتقاتل فيها الناس بالعقول والمصالح.
كل شيء يُقاس بالمكانة الاجتماعية، وكل نظرة تُبنى على منصبك.
الزمن فقط هو ما تغيّر… أما المضمون، فبقي كما في حياتي السابقة.
وربما لذلك، لم أجد صعوبة في التكيّف هنا.
في حياتي السابقة، كنت أُعوِّض بالفكر والموهبة… أما الآن، فقد حالفني الحظ.
وهكذا، كنت أواسي نفسي…
لكن فجأة، جاء جيف، هذا الحجر الصغير، وألقى بنفسه في بحيرتي الهادئة
الفتى الوحيد الذي يعاملني دون تردد أو حذر…
كان جيف.
كان مختلفًا تمامًا عن أي شخص آخر قابلته في حياتي حتى الآن.
“بالمناسبة، كم عمرك؟”
عند النظر إليه لا يبدو أصغر مني، ومع ذلك كان يحدثني منذ البداية بطريقة غير رسمية.
رغم أنني قضيت وقتًا لا بأس به في إمبراطورية كاروتيا، إلا أن حياتي السابقة كانت أطول بكثير.
ولهذا السبب… كنت صارمة بشأن فروق السن. كـ”عجوز تقليدية” نوعًا ما.
لكن…
“عمري عشر سنوات.”
ماذا؟! نحن بنفس العمر؟
هذا يفسر حديثه غير الرسمي… لم يعد لدي حجة الآن.
“متى عيد ميلادك؟”
“في الشتاء.”
“الشتاء كله يوم عيد ميلادك؟”
ما إن قلتها حتى أدركت خطئي.
كثير من عامة الناس لا يعتبرون عيد الميلاد يومًا مميزًا.
ففي حياة مليئة بالكفاح، لا وقت لترف كهذا.
‘ماذا لو لم يكن يعرف متى وُلد؟’
‘هل أكون قد تسببت له بالحرج…؟’
لكن سرعان ما قال بصوت خافت:
“…العاشر من ديسمبر.”
تنفست الصعداء وعاد إليّ هدوئي.
العاشر من ديسمبر؟! إنه أصغر مني بكثير!
صحيح أنني سألته بدافع الفضول والممازحة، لكن في الحقيقة كنت أريد معرفة عيد ميلاده حقًا.
“إذًا أنت أخي الصغير، من الآن فصاعدًا نادني أختي!”
أشحت بوجهي بعيدًا في محاولة لإخفاء شعوري بالذنب، لكن جيف لم يكن طفلًا سهل المراس.
“كم عمرك أنت؟”
“عشر سنوات.”
أجبته بثقة تامة، فبدت الدهشة على وجهه.
“نحن بنفس العمر، وتريدينني أن أناديك أختي؟”
“أنا من مواليد العاشر من مارس!”
“…”
“يعني أنا سبقتك بتسعة أشهر، أي أنني أكلت 810 وجبات أكثر منك!”
“…”
“وهذا وحده يكفي لأكون أختك الكبرى، أليس كذلك؟”
تأملني جيف بنظرة حادة، لكنني تجاهلتها.
هل تظن أن بقوتك تستطيع مجاراة خبرة 810 وجبة؟!
على كل حال، إن لم تعجبك فكرة الأخت الكبرى… سأمنحك خيارًا بديلًا.
“حسنًا، إن لم يعجبك مناداتي بالأخت، نادني بالآنسة الجنية.”
ساد الذهول وجه جيف.
“…ماذا؟”
في حياتي السابقة، كنت مولعة بجذب الانتباه، لذا لم أكن أجد حرجًا في مثل هذه الأمور.
“أنا جنية الربيع كما تعلم.”
“وهل كل من وُلد في الربيع يصبح جنية؟”
“بالطبع لا! فقط انظر إليّ.”
تأملني بعينيه الزرقاوين كزرقة البحر خلفي، وكانت نظراته تملؤها الدهشة.
أنا التي وضعت كفي تحت ذقني كزهرة متفتحة.
“جميلة، أليس كذلك؟”
“……!”
“سأمنحك الخيار. نادني بما شئت: جنية أم أخت.”
تردد قليلًا، ثم أغلق عينيه.
“…أخت.”
همف، كنت أتمنى أن يختار جنية، لكن لا بأس.
وجود أخ صغير جميل مثله يُعد مكسبًا بحد ذاته.
ظل صامتًا بعدها، وكأنه لا يصدق ما يحدث.
شعرت أن الوقت مناسب لإنهاء هذا المزاح.
الطمع يجلب المتاعب.
والحصول على لقب أخت اليوم يُعد إنجازًا طيبًا.
كنت على وشك إخراج شيء من حقيبتي عندما سمعت صوته المرتبك:
“أنتِ… تنزفين.”
ماذا؟ يحاول مجاراتي؟
وضعت يديّ على خصري لأُظهر له هيبتي كأخته الكبرى، لكن حين نظرت إلى فستاني…
أدركت أنه كان مُحقًا. لقد تمزق الفستان تمامًا، وظهري يقطر دمًا، وكذلك كعبي اللذين تضررا من الركض بالحذاء.
“آه، هذا…”
كنت مشغولة بإصابة جيف، فلم أفكر بحالي إطلاقًا.
كنت أشعر بوخز خفيف، لكنني تجاهلته… وها أنا أنزف فعلًا.
حين سحبت قدمي خجلًا، انحنى جيف على ركبته وسحب قدمي إليه.
نزع حذائي بحذر، ثم وضع قدمي على ركبته.
فتح علبة الدواء وأخذ القليل من البودرة البيضاء، ثم بدأ بدهن الجرح بلطف.
كانت حركاته ماهرة، وكأنه قام بهذا كثيرًا من قبل.
شعرت بوخز خفيف في أنحاء جسدي، لكنه لم يكن مؤلمًا.
بل، كانت لمسته باعثة للطمأنينة كنسيم ربيع دافئ يلامس الخد.
بعد أن ألصق الضمادة، أعاد قدمي بهدوء إلى الأرض.
وفي خجل، أسرعت بارتداء الحذاء.
بينما كان يعيد الأدوية إلى مكانها، بدأ يتفقد المكان.
“أين نحن؟”
حتى أنا لا أصدق أن هذا البيت كان هدية عيد ميلادي وأنا في الخامسة.
لكنني قررت تقديمه بطريقة بسيطة:
“هذا مكاني الخاص… لافي إن روز.”
“……!”
طبعًا. ردّ فعله طبيعي تمامًا.
أراهن أن فكرة أن نصبح أصدقاء أصبحت تلوح في ذهنه الآن.
ظل يتأمل المكان بفم مفتوح، وكأن المنظر قد سحره.
كان ينظر إليه نظرة طويلة لدرجة جعلتني أشعر بالغيرة من الجدران!
لكنني تركته يستمتع.
كان يبدو كطفل حقيقي، وهذا أمر نادر في جيف.
ثم خطر في بالي… لا أعرف حتى أين يسكن.
هل أطرح السؤال الآن؟ أم أن الوقت غير مناسب؟
لقد ترددت.
لكن عاجلًا أم آجلًا، كان لا بد من سؤاله.
كما يقولون، الأفضل أن تواجه الأمر باكرًا.
قلت ببساطة:
“أين تعيش أنت؟”
كادت الكلمات تكمل: “العنوان غير مذكور في سجل التوظيف”، لكنني أمسكت لساني.
إن قلتها، سيعرف أنني كنت أبحث عنه.
نظر بعيدًا عن التراس، وقد ظهر عليه شيء من المرارة.
“أسكن عند حافة منحدرات جبال كايلهوف.”
جبال كايلهوف تقع في أقصى حدود مقاطعة يوستيس، وهي منطقة وعرة.
قليلون يعيشون هناك، وعلى منحدر؟!
كنت أشتبه أنه عاش حياة صعبة… لكن الأمر يبدو أعمق مما توقعت.
ساد صمت ثقيل للحظة.
فكرت في تغيير الجو.
“تعال إلى هنا.”
جلست إلى الطاولة وربّتُ على الكرسي المقابل، فجاء وجلس.
أغمضت عيني نصف إغماضة، وأخرجت شيئًا من أعماق حقيبتي.
“حين تغرب الشمس… يحين وقت…”
نظر إليّ جيف بنظرة “ما الذي تنوين فعله الآن؟”
“وقت أداء الطقوس!”
انفجر ضاحكًا من تغير نبرة صوتي المفاجئة.
“بما أننا أصبحنا أصدقاء، لا بد من إقامة طقس الصداقة.”
أومأ، وكأنه تذكر كلامًا سابقًا.
نظرت إليه بعينين مليئتين بالحماسة، وفتحت ورقة وأعطيتُه قلمًا.
“هيا اكتب ما أقوله.”
أمسك القلم منتظرًا كطالب مجتهد.
“وثيقة عهد الصداقة بين برَيل وجيف.”
ويُشار إلى برَيل بلقب ‘الزعيمة الجنية’.
كنت مبتهجة بانضمام أول تابع لي، فبدأت بتلاوة القوانين التي قضيت يومًا كاملًا في ابتكارها:
“أولًا قبل كل وجبة بثلاث مرات في اليوم، يجب الدعاء لصديقي.”
راح القلم يتحرك على الورق حتى توقف عند كلمة “دعاء”.
“أنا لم أُصلِّ في حياتي من قبل.”
“لا تقلق، سأعلمك بنفسي.”
“……”
“ضع يديك هكذا، أمام صدرك.”
رغم شكه الواضح، أطاعني جيف وكأنه قطة مطيعة.
“والآن أغلق عينيك.”
بينما كان مغمضًا العينين، ضربت فخذي من الضحك، لكن عندما فتح عينيه فجأة، تصنعت الجدية وأغلقت عينيّ أيضًا.
“ردد ورائي مع إغلاق عينيك.”
فزع، ثم أغلق عينيه مجددًا.
“يا إلهي… شكرًا لأنك أرسلت لي برَيل لتكون صديقتي.”
_____________
ترجمة : سنو
فتحت جروب روايات في التيليجرام يمديكم هنيك تقرأو الروايات بدون نت🌟!
اكتبو في البحث تبع التيلي :
@snowestellee
واتباد :
@punnychanehe
واتباد الاحتياطي:
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"