وتابعت آنيت بنظرة عدم موافقة.

“لقد كان المواطنون مثلنا هم الذين ناضلوا من أجل الاستقلال، والآن يريد هؤلاء المواطنون انتخاب رئيسهم وبناء دولة! بصراحة، لقد كانت وقاحة هؤلاء النبلاء كبيرة… إنهم يجعلونني أرغب في إيقاظ والدي وإخوتي من قبورهم”.

“…”

“إنهم يمتلكون الجرأة ليعودوا زحفًا بعد هروبهم إلى بلد آخر عندما كنا نناضل من أجل الاستقلال. والآن يريدون إعادة فرض نظام الطبقات؟ من يظنون أنفسهم؟ بصراحة، حتى لو لم يكن الأمر يتعلق بليلي، فأنا ما زلت سأتدخل”.

تذمرت آنيت، وكان سلوكها متناقضًا تمامًا مع شخصيتها اللطيفة والهادئة المعتادة، ثم نظرت إلى ليليانا.

“حسنًا! لا تقلقي كثيرًا! بالنظر إلى مجرى التاريخ، فإن هؤلاء العجائز لا يمثلون شيئًا. فالرجال الذين يضايقونكِ سوف ينهارون قريبًا. ولكن بما أنكِ تكافحين، فأنا أريد مساعدتهم على الانهيار بشكل أسرع. لقد أخبرتكِ أنني أعرف الكثير من الأشخاص في هذا المجال. وسأكون أفضل من أي شخص آخر في جمع المعلومات. وقد رأيت وسمعت ما يكفي لأعرف كيفية التعامل مع مواقف مثل هذه.”

“آنيت…!”

نظرت إليها ليليانا بامتنان، ولوحت آنيت بيدها رافضةً، وهي تشعر بالخجل فجأة.

“يا إلهي، إنه ليس بالأمر الكبير… أنا فقط أعرف الكثير من الأشخاص في تلك الدائرة، ليس الأمر وكأنني سأركض هنا وهناك للقيام بالعمل الميداني.”

لقد ضحكت بشكل محرج.

“آنسة آنيت، أشكركِ على لطفك، لكن هذا ليس بالأمر الذي يمكن الاستخفاف به. قد تتعرضين للأذى…”.

حاول داميان أن يثنيها عن ذلك، لكنها أشارت له بالابتعاد.

“هل كانت حركة الاستقلال آمنة؟.”

بدا قرار آنيت حازمًا. تأوه داميان وحك رأسه. كانت ليليانا تحدق في داميان المضطرب، وتمتمت،

“إذن هل يجب علينا أن نرحل؟ ربما يكون من الأفضل لنا أن نرحل ونعيش في مكان آخر بدلاً من أن تتورط آنيت في هذا بسببنا.”

قفزت آنيت وأمسكت بكتفي ليليانا.

“لا، ليلي! من فضلك اسمحي لي بالانضمام إليكم! لقد أخبرتكِ! إذا استمر هذا، فسوف ينهض والداي من قبورهما! الآن بعد أن عرفت هذا، لا يمكنني تجاهل هؤلاء الأشخاص! هذا أمر يتعلق بفخر عائلتنا!”.

“أوه… ولكن…”.

وبينما ترددت ليليانا، اتسعت عينا أنيت.

“لقد أصبحت متورطة بالفعل. والآن بعد أن أصبحت متورطة، لا يمكنني التظاهر بأنني لا أعرف شيئًا. إذا كنت في خطر، يمكنكم حمايتي، أليس كذلك؟”

“هذا صحيح. آنيت محقة. الآن بعد أن اكتشف الغولم مكان وجودنا، أصبحت آنيت متورطة بالفعل. في هذه الحالة، من الأفضل لها أن تكون معنا بدلاً من أن تُترك وحدها.”

عند شرح كيسي، عبست ليليانا وتنهدت.

“أنا آسفة جميعًل، بسببي…”.

عندما رآها مكتئبة بشكل واضح، قال داميان بحزم،

“هذا ليس خطأ ليليانا.”

“هذا صحيح! ليلي، لم تفعلي أي شيء خاطئ!” قالت آنيت. وضع كيسي رأسه بين يديه، متكئًا إلى الخلف على الأريكة.

“لكن الأمر ليس وكأننا لا نملك أي تدابير مضادة. يمكننا شراء المزيد من السحر من سولييل. نحتاج إلى إرباكهم بشأن موقع هذا المنزل. وبينما نحن في هذا، يمكننا طلب السحر لحماية آنيت.”

“هل تعرف سولييل؟”.

“بالطبع، اشترت باسكال مطر النسيان من سولييل.”

“ما هو مطر النسيان؟”

“…”

سقط وجه كيسي وهو ينظر إلى داميان. حدق داميان في كيسي للحظة، منزعجًا، ثم أوضح ببساطة، “عندما هربت ليليانا من المكان الذي كانت تختبئ فيه من قبل، استخدمنا السحر لطمس ذكريات الناس في تلك القرية. هذا هو مطر النسيان”.

“كيف عرفت ذلك؟”.

“أخبرني كيسي.”

ضيّقت ليليانا عينيها، ونظرت ذهابًا وإيابًا بين داميان وكيسي، ثم سألت، “هل سمعت أي شيء آخر من أخي لا أعرفه؟”.

“لا.”

سألت ليليانا داميان مرة أخرى، مع عدم الثقة الواضحة في نبرتها، “ماذا سمعت؟”.

“فقط حول ما كنت تفعله هناك.”

“هذا “فقط” هو الكثير من الأشياء التي لا أعرفها!”

“اسألي كيسي للحصول على مزيد من التفاصيل.”

عندما أغلق داميان فمه بقوة، تنهدت ليليانا بعمق. شعرت بالخيانة من وجود داميان وكيسي في نفس الجانب. ولكن حتى لو غيرت أهدافها وسألت كيسي مرة أخرى، لم يبدو شقيقها مختلفًا عن داميان.

ابتسم كيسي بمرح لليليانا، الذي كانت تحدق فيه، وغيّر الموضوع بطريقة كانت واضحة للجميع.

“بما أننا نتحدث عن هذا الموضوع، هل نذهب إلى متجر سولييل غدًا؟”.

لم تستطع ليليانا أن ترفض، وذلك لأن آنيت كانت تنظر إلى كيسي بعينين متلألئتين.

“ساحرة؟ هل سنذهب لرؤية ساحرة؟”.

“نعم نعم.”

“خذني معك.”

“حسنًا… كنت أخطط لأخذك على أي حال. نحن نشتري السحر لآنيت. هل هذا مناسب؟”.

نظر كيسي إلى داميان وكأنه يطلب الإذن، وهز داميان كتفيه.

“لا يبدو أن شيئاً كبيراً سيحدث.”

“حقا؟! شكرا لك!”.

“و أريد أن أظهر هذا الغولم إلى سولييل.”

وضع كيسي الغراب الميت الذي كان يمسكه عند قدميه على طاولة القهوة.

قام الجميع باستثناء كيسي بفحص الغراب بعناية.

“أليس هذا مجرد غراب؟”

لقد وخزت آنيت الغولم بأطراف أصابعها، والذي كان من الصعب تمييزه عن الغراب العادي. لقد بدت ملمس الريش حقيقيًا بشكل لا يصدق.

“من المحتمل أن القاعدة هي غراب حقيقي.”

مد كيسي يده إلى داميان، الذي فهم بسرعة نيته وأعطاه سكينًا.

قام كيسي بفتح بطن الغراب بالسكين. وكما قال، فإن الجلد الأساسي والهيكل العظمي يبدو وكأنهما من غراب حقيقي، ولكن بدلاً من الأعضاء الداخلية، كانا مملوءين بمادة تشبه الرمل.

“ما هذا؟”

فرك داميان الرمال بين أصابعه، فكانت أنعم من الرمال العادية، وكانت تتلألأ بلون ذهبي.

“هذا مجرد حشو، وليس له أهمية.”

قام كيسي بالبحث عن مكان قلب الغراب وأخرج منه شيئًا ما. بدا وكأنه حصاة عادية بها رصاصة داميان عالقة في وسطها.

“كيف ضربت ذلك عندما لم تتمكن حتى من رؤيته؟”.

صرخت آنيت بإعجاب، لكن داميان تجاهل الأمر بتعبير غير مبال.

“هل هذا هو الحجر السحري؟”.

أومأ كيسي برأسه على سؤال داميان.

“سوف تعرف سولييل أين وكيف تم صنع هذا الحجر السحري.”

“ما هو الحجر السحري؟”.

سألت آنيت، وأجابت ليليانا: “إنه حجر ذو قوة سحرية مكثفة. ببساطة، إنه مثل بطارية سحرية. يستخدم لإلقاء التعويذات وكمصدر للطاقة للعمالقة مثل هذا.”

“إذن هذا هو الغولم الذي أرسله الساحر للعثور علينا؟”

حك داميان رأسه.

“إذا كانت هذه هي طريقتهم، فكان الأمر مجرد مسألة وقت قبل العثور علينا. يمكن للطيور أن تذهب إلى أي مكان. ويبدو أنه لم يكن هناك واحد أو اثنان فقط منهم.”

وتذكر الغراب الآخر الذي نجا من نيرانه.

“لقد قبضنا على واحد، ولكن الذي هرب لابد أنه أبلغ سيديل بموقعنا، أليس كذلك؟”.

“هممم… مع ذلك، لا أعتقد أنهم يعرفون الموقع الدقيق لهذا المنزل. لقد هرب قبل أن يتمكن من متابعتنا لأنني أمسكت به.”

كيسي نقر لسانه.

“لقد أكدوا شكوكهم في وجود ليلي في العاصمة. إنها مسألة وقت، لكن لا يزال لدينا الوقت للاستعداد. لذلك كنت أفكر في إظهار هذا الحجر السحري لسولييل ومحاولة تعقبهم بدورهم.”

“ألن يكون الأمر خطيرًا؟” سألت ليليانا وهي عابسة.

أومأ كيسي برأسه وأجاب: “بالطبع إنه أمر خطير. لكنه خطير حتى لو لم نفعل شيئًا”.

“إنه على حق، ليليانا. الأمر يتعلق بمن يقوم بالخطوة الأولى. علينا أن نقبل المخاطرة التي تأتي معها”، قال داميان بحزم، وأومأت ليليانا برأسها على مضض.

“دعونا نذهب إلى سولييل غدًا ونضع خطة بناءً على ما نكتشفه.”

قام كيسي برمي الحجر السحري برفق لأعلى ولأسفل عدة مرات.

“هل لديكم أي اعتراضات؟”.

لم يعترض أحد.