2
‘…أن يكون إن وو تايك هو الطرف المقابل؟’
هل هذا معقول أصلًا؟
“تصادف أن العجوز طلب مني أن أبحث له عن معالج يلازم وو تايك. بسبب مرضه، كما تعلمين.”
بدأت سوجونغ تسترجع في ذهنها ما كانت السيدة هيو قد أخبرتها به ذات مرة عن المرض المزمن الذي يعاني منه إن وو تايك.
“…يقال إنه ضحية لصدمة نفسية سببها حادث مروّع مرّ به في طفولته، لدرجة أنه لا يتذكره. يعاني من الأرق المزمن، وأحيانًا تصيبه نوبات ضيق تنفّس في أي وقت، ليلًا أو نهارًا. ولهذا، لم ينشأ يومًا وهو بمفرده، إذ كان دائمًا بحاجة إلى من يكون إلى جانبه على مدار الساعة.”
ولم يكن هذا فقط، بل إن تأثير تلك الصدمة امتدّ إلى شخصيته، إذ قيل إن وو تايك يعاني من حالة شديدة من الحذر تجاه الآخرين، ويميل إلى الانعزال، مما يجعله يواجه صعوبات في التعامل مع الناس.
وقد كان مرض حفيده هو الهمّ الأقدم والأثقل على قلب الرئيس إن.
“قال الطبيب المعالج للعجوز إن العلاج بالفن هو الحل الأنسب لحالته…”
قيل إن أطباء مختصين من معاهد أبحاث دماغية مرموقة في أمريكا شاركوا في علاجه، ولكن طالما أن التحسّن لم يطرأ، فقد بدا أن التركيز قد تحوّل الآن نحو العلاج النفسي.
“لذلك، ادّعيت أنكِ إحدى خريجات مؤسستنا الفنية، ورشحتكِ له.”
تابعت سوجونغ الاستماع بصمت إلى حديث هيو حتى النهاية.
“لذا يا سوجونغ، عليكِ أولًا أن تُدخلي والدتكِ إلى منشأة إعادة التأهيل. ألَم يوسّع العجوز سابقًا مصحًا في مونغيوبك، حيث الهواء نقي والبيئة مريحة؟ سأكلّف المدير تشوي باتخاذ جميع الترتيبات لنقل والدتكِ إلى هناك، وسنوفّر لها ممرضة محترفة أيضًا.”
بدت هيو مرتاحة البال وهي تنهض من مقعدها، ثم ربتت على كتف سوجونغ بلطف وكأنها تشجّعها.
“الأسبوع المقبل، تعالي إلى المقر الرئيسي في كانغنام وكأنكِ آتية لمقابلة توظيف. سأجعل تشوي ينتظركِ هناك، وكل ما عليكِ هو تنفيذ ما يُطلب منكِ… آه! كدت أنسى.”
ناولتها هيو بطاقة عمل فاخرة مطبوعة على ورق أسود لامع، محفور عليها اسم: “نا سوجونغ” بخط أنيق وبارز، إلى جانب رقم هاتفها المحمول وعنوان بريد إلكتروني.
“خريجة قسم الجماليات – كلية سونغ غوانغ للفنون بدرجة الامتياز. محاضرة لدى أكاديمية سيؤول للفنون والثقافة. مختصة بالعلاج النفسي بالفن، والعلاج الواقعي، والعلاج بالفن التشكيلي.”
وقفت عينا سوجونغ طويلًا على جزء المؤهلات المدرج في البطاقة، تتأمل ما كُتب بعين غائمة.
***
“لحظة، من فضلك.”
توقّف أحدهم عند أبواب المصعد التي كانت على وشك أن تُغلق.
“……”
كان وو تايك يتحدث عبر الهاتف المحمول حين التفت بهدوء إلى المرأة التي دخلت.
“…أستأذن بالدخول.”
انتقل نظر وو تايك إليها بشكل طبيعي. لاحظ على الفور أنها لا تحمل بطاقة موظف حول عنقها.
كانت امرأة ذات ملامح شابة يانعة، بشرة وجهها بيضاء شاحبة وكأنها خالية من الدماء، وشعرها المسترسل حتى أطراف كتفيها بدا مصففًا بعناية.
وكانت ترتدي فستانًا رماديًّا داكنًا بسيطًا بتصميم أنيق أبرز رشاقتها دون بهرجة.
انتقل نظر وو تايك إلى خصرها النحيل، ثم إلى حقيبتها، قبل أن يعود مجددًا.
“طالبة جامعية؟”
استعاد وو تايك ما تلقّاه مؤخرًا من تقارير عن إعلان التوظيف للمتدربين الذي تم توزيعه على عدد من الجامعات، فأتمّ في ذهنه تخمينه الحرّ حول الفتاة أمامه.
ثم صرف اهتمامه العابر عنها، وعاد يركّز مجددًا في المكالمة التي كان يجريها.
‘كيف تعطل المصعد المخصص لكبار التنفيذيين الآن تحديدًا…؟’
كان اليوم مزدحمًا باجتماعات خارجية تلي وقت انتهاء الدوام، غير أن مصعد كبار التنفيذيين قد توقف عن العمل بسبب عطل مفاجئ. ولذلك اضطر إلى استخدام المصعد العام، وكان هذا مزعجًا بالنسبة إليه.
“حسنًا، إن انطلقت الآن فلن أتأخر كثيرًا…”
لكن وقبل أن يُنهي مكالمته…
اهتزّ المصعد بعنف مفاجئ.
فقدت الفتاة، التي كانت واقفة أمام الباب، توازنها فجأة ومال جسدها جانبًا.
“… اللعنة.”
مدّ وو تايك ذراعه على الفور ليمسك بخصرها ويسندها، ثم ارتكز بيده الأخرى، التي كانت تحمل الهاتف، على جدار المصعد ليمنعهما من الانقلاب.
اصطدمت جسداهما مصادفة داخل المصعد الذي اهتز بقوة، فقال لها وو تايك وهو لا يزال ممسكًا بها:
“هل أنتِ بخير؟”
“نعم.”
رغم الموقف المحرج، بدت الفتاة منزعجة من التلامس القريب، لكن بخلاف ذلك لم يظهر عليها ضرر، فشعر وو تايك ببعض الارتياح.
“سأترككِ الآن.”
ما إن هدأ المصعد حتى أسرعا بالابتعاد عن بعضهما.
لكن لم يكد يمضي وقت طويل حتى دوّى صوت ارتطام آخر، أقوى من سابقه، وميل المصعد بشدة إلى جهة واحدة.
“تبًا، ما هذا بحق الجحيم…؟”
بسرعة، أحاط وو تايك بالفتاة بذراعيه ووقاهما من السقوط بالارتماء معها على الأرض.
“هل أصبتِ؟”
“لا.”
أجابت وهي تلهث من التوتر، ولكن بنبرة هادئة، بينما كانت مستلقية فوق جسده مباشرة.
وفي ظروف عادية، كان الموقف بالغ الإحراج، لكن لم يكن هناك متسع لذلك وسط ما يحدث.
“حتى مصعد التنفيذيين معطّل…”
تفقّد وو تايك سقف المصعد وجدرانه بعين حذرة، أول ما تأكد منه كان أن أزرار المصعد قد انطفأت بالكامل.
“ابقِي كما أنتِ.”
قال ذلك وهو لا يزال يسندها، وتابع بصوت منخفض حذر:
“في مثل هذه الحالات، من الأفضل ألا نتحرك إطلاقًا.”
فلو أن المصعد سقط الآن فعلاً…
دفع تلك الفكرة المفزعة بعيدًا، ثم التقط هاتفه.
“اللعنة…”
لاحظ أن الإشارة قد اختفت بالكامل، فظهر عليه بعض الارتباك.
“عذرًا، لكن… هل يمكنني…؟”
طلبت الفتاة بلطف أن يسمح لها بالحركة.
“قلتُ لكِ ألا تتحركي.”
لم يستطع وو تايك إخبارها بأن المصعد قد يكون على وشك السقوط. لم يكن من الحكمة بثّ الذعر فيها.
“كنت أودّ الضغط على زر الطوارئ فقط.”
لكن وو تايك رفض:
“سأتولى ذلك بنفسي.”
كان يُصغي منذ البداية إلى ذلك الصوت الآلي الغريب، صوت ميكانيكي مزعج يوحي بالخطر القادم.
“دعكِ من الزر الآن… معكِ هاتف، أليس كذلك؟ جربي الاتصال، لنرَ إن كانت إشارتك تعمل.”
رفع هاتفه بقدر استطاعته، لكن الإشارة ظلت مقطوعة.
أما الفتاة، فامتثلت لكلامه وتفقّدت هاتفها، ثم تنهدت بأسف:
“يبدو أن المكان خارج نطاق التغطية…”
وراحت تتحرك وهي مستلقية فوقه محاولة التقاط الإشارة بلا جدوى.
“إذًا، فلنجرب التحرك قليلاً.”
لكن، بالكاد أنهى جملته حتى اهتز المصعد مجددًا بعنف أشدّ.
“هاه…”
شدّد وو تايك ذراعيه حول الفتاة أكثر.
“لا يبدو أنه سقوط كامل بعد.”
زمّ ما بين حاجبيه، وهو يفكر:
‘هل يُعقل؟ هذا غير منطقي إطلاقًا.’
شركة سونغ غوانغ، التي تُعد من أرقى شركات البناء والطاقة والبتروكيماويات في البلاد، هل يعقل أن يتسبب أحد مصاعدها في حادث بسبب عطل بسيط؟! هذا لا يُصدق.
“سيصل أحدهم قريبًا. وحتى ذلك الحين، يجب أن نحافظ على هدوئنا ونبقى متيقظين.”
في مثل هذه الحالات، الخوف لا ينفع، بل يضر.
ومن المرجّح أن قسم إدارة المبنى قد رصد العطل وبدأ بالإجراءات اللازمة لإنقاذهم.
كما أن المرافقين الذين كانوا بانتظار وو تايك في الأسفل، لا بد أنهم لاحظوا تأخّره وأدركوا ما يجري.
لم يمضِ وقت طويل، حتى خيّم السكون على المكان، ولم يعد يُسمع سوى أنفاسهما المتلاحقة داخل الفراغ المغلق والمخيف.
‘ما هذا؟’
في تلك اللحظة، أدرك وو تايك رائحة خفيفة وغريبة تفوح من الفتاة.
عطر زهري ناعم، لا يشبه شيئًا يخصه، كان صادرًا من شعرها، لا شك في ذلك.
أُطفئت أنوار المصعد فجأة.
وكانت الشمس قد غربت، فحلّ ظلام سبتمبر الكئيب في كل الأرجاء.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"