“اقطع ذراعك اليمنى، فينريك. بيدك أنت. أمام عيني.”
ما الذي سمعته للتو؟
شحب وجه بريسيبي كليًا.
“أن تعيش بذراع واحدة… أمر غير مريح أكثر مما تتخيل. أليس كذلك؟”
دون أن يهتم بردة فعل بريسيبي، واصل إيفان حديثه وهو لا يزال يشد شعرها بإحكام.
“ألن تشعر بالظلم؟ أن تكون الوحيد من بيننا الذي يعاني؟”
“……”
“لهذا السبب… عليك أن تقطعها.”
صدر صوت احتكاك أسنان فينريك ببعضها بين شفتيه المطبقَتين.
لم تكن مجرد تهديدات.
إيفان كان من النوع الذي يستطيع إيذاء بريسيبي بكل سهولة، بل أكثر من ذلك.
وفينريك كان يعرف هذا جيدًا. يعرف تمامًا ما حدث لبريسيبي في مسار إيفان داخل اللعبة. بل لقد رأى كل شيء بأم عينه. لأن فيدار أراه كل ذلك.
“هناك شيء واحد أعدك به فقط.”
تابع إيفان مبتسمًا ابتسامة ملتوية:
“إذا قطعت ذراعك بنفسك فعلًا، فلن أؤذي بريسيبي.”
“……”
“وإلا، فـ…”
دفع فجأة وجه بريسيبي نحو اللهب المشتعل.
“آاااه!”
صرخت بريسيبي مجددًا من شدة الحرارة التي لم تحتملها. أرادت أن تصمت، لكنها لم تستطع تحمّل الألم الشديد.
كان شعرها الفضي المبعثر يحترق مطلقًا رائحة خانقة، وخدّاها الطريّان صارا ملتهبين بشكل لا يُوصف.
“سوف نرى وجه بريسيبي يصبح أقل جاذبية. إن كان هذا ما تريده، فافعل ما تشاء.”
نعم، هكذا كان إيفان دائمًا.
في مسار اللعبة الخاص به، استخدم السحر لتجميد أطراف بريسيبي كي لا تستطيع الحراك، زاعمًا أن ذلك سيجعلها تشتاق إلى لمسته.
ولهذا، فإن كيّ وجهها بالنار لن يكون أمرًا صعبًا عليه على الإطلاق.
بل قد يُسعده الأمر أكثر. لأنه بتلك الهيئة لن يجرؤ أي رجل آخر على النظر إليها، وسيمكنه حينها أن يقول بثقة: “أنا الوحيد المتبقي لك.”
“……”
لم يردّ فينريك بكلمة. فقط ظل يحدّق في إيفان بوجه جامد متصلّب.
“ما الأمر؟”
قال إيفان وهو يضحك بخفة:
“هل خِفتَ حين وصلت للحظة الحقيقة؟”
“……”
“هل رأيتِ ذلك، بريسيبي؟ في النهاية، أنا الوحيد الذي يهتم بك حقًا. أما هذا الرجل، فكل ما يفعله هو التظاهر بالكلام فقط!”
يا له من معتوه… لو فكرت بكلامه مرة ثانية فقط، لربما قُطِّعت إربًا من القرف.
“أه…!”
تحت تأثير الدخان الخانق والألم، بدأت الدموع تتساقط من عيني بريسيبي البنفسجيتين، وظهر وجه فينريك واقفًا أمامها بهدوء.
لكن فينريك، كما ظهر في عينيها، لم يكن خائفًا على الإطلاق.
بل كان يبدو وكأنه غارق في تفكير عميق.
هل يُعقل…؟
“……”
شدّ فينريك قبضته على سيفه بيده اليمنى.
كان حدس بريسيبي في محلّه. لم يكن متجمّدًا من الخوف من قطع ذراعه.
فينريك لم يكن يفكر إن كان سيقطع ذراعه أم لا، بل كان يفكر في شيء آخر…
بعد أن يقطع ذراعه…
إلى أي مدى يمكنني القتال بذراعي اليسرى فقط؟
كم من الوقت يمكنني كسبه؟
هل يمكنني انتزاع بريسيبي وإنقاذها حتى وأنا بذراع واحدة؟
إن هاجمت فورًا بعد أن أقطع الذراع، فربما أمتلك فرصة للنجاح.
ما كان يمنحه بعض الأمل، هو أنه يجيد استخدام السيف بكلتا اليدين. لذا، لم يكن الأمر مستحيلًا تمامًا.
لم يعد هناك مجال للتردد.
“حسنًا.”
خصوصًا وهو يرى بريسيبي تتلوى أمام عينيه وهي تحترق من الألم.
“سأقطعها الآن فورًا.”
قالها فينريك، وهو ينقل سيفه إلى يده اليسرى.
“……”
تجمد وجه إيفان هذه المرة، وكأن ردّ فينريك كان خارج توقعاته. لم يبقَ أثر للضحكة الساخرة التي كان يطلقها كالمجنون.
“لا! لا تفعل هذا!”
فوق عيني بريسيبي المملوءتين بالذهول، ظهر فينريك وهو يشد سيفه من جديد نحو ذراعه اليمنى.
… لقد رأته بالفعل في المكتبة. كيف كان فينريك يصقل سيوف التخزين بعناية شديدة.
وإذا كان يهتم حتى بالسيوف التي لا يستخدمها، فما بالك بسيفه الذي يحمله كأنّه جزء من جسده كل يوم؟ من الواضح أنه يعتني به أكثر من أي شيء.
وفوق ذلك، كانت بريسيبي تعرف جيدًا طبيعة فينريك.
ربما في مواقف أخرى، كان سيتردد، لكنه حين يتعلّق الأمر بسلامة بريسيبي، فإنه جاد إلى أقصى حد. لا يتراجع أبدًا، ولا يقبل بأي خطأ ولو كان بسيطًا.
لذا، حتى لو كان الحديث عن ذراعه… فلن يتردد في قطعها.
إذا كان هذا هو السبيل الوحيد لحماية بريسيبي.
“أغمضي عينيك للحظة، آنسة بريسيبي.”
قالها فينريك بصوت خالٍ من التردد، وهو يشدّ على سيفه بقوة.
“لن تكون مشهدًا يستحق النظر إليه.”
هذا خطأ.
ليس هناك سبب يجعل الدوق يضحي بذراعه من أجلي.
… إلى متى سأدع الدوق فينريك يعاني بسببي؟
ارتجفت يد بريسيبي، التي كانت مستلقية على فخذها.
انسابت دموعها، واشتعل الغضب في صدرها.
ولم يكن ذلك بسبب الدخان الخانق، أو الألم الناتج عن الحروق، أو حتى جنون إيفان المستمر.
بل كان غضبًا موجّهًا نحو نفسها، لعجزها التام رغم كل ما يحدث.
‘لا… الوضع الآن مختلف عن السابق.’
في الماضي، لم أكن أستطيع فعل شيء، أما الآن، فالأمر اختلف.
أستطيع أن أتكلم بإرادتي، وأن أتحرك كما أريد.
[اجمعي قبضتك.]
مرّ صوت فينريك الهادئ في أذنها، كصدى لطيف.
[كلما كانت المسافة أقصر، كان تركيز القوة أفضل.]
شعرت بريسيبي بقوة تتسلل إلى يدها المرتجفة.
“افتحي عينيك وشاهدي جيدًا، بريسيبي!”
صرخ إيفان وهو يهزّ رأسها بعنف.
“من الصعب أن تحصلي على متعة بهذه القيمة في أي مكان آخر!”
امتزج صوت إيفان المليء بالغضب، مع صوت فينريك الدافئ الذي يتردد في أذنيها:
[إذا كان هناك شيء يمكنكِ الإمساك به، فاستخدميه.]
لكن لم يكن هناك ما يمكن الإمساك به. بعد تردد قصير، أحكمت بريسيبي قبضتها وأخفت إبهامها داخلها.
[عليكِ استخدام وزنك. بذلك ستكون النتيجة أفضل.]
عضّت بريسيبي شفتها بإصرار، ثم فجأة، بذلت أقصى ما في وسعها ودفعت إيفان بكل قوتها…
ثم وجهت له لكمة مباشرة على وجهه وهي تصبّ فيها كل غضبها.
“شاهدي هذه اللحظة جيدًا—آاااه!”
توقفت كلمات إيفان القذرة والمقززة فجأة.
لم يُسمع في المكان سوى صوت الضربة، وهو يدوّي داخل أنقاض الكنيسة المهجورة.
“……”
فينريك، الذي كان على وشك أن يقطع ذراعه، توقف ونظر إلى بريسيبي. أما إيفان، فقد جلس في مكانه مذهولًا ورأسه ملتفّ إلى الجانب.
بدا أنه لم يستوعب بعد ما الذي حدث له.
أطلق ضحكة قصيرة من شدة الذهول، ثم التفت إلى بريسيبي بنظرة مصدومة:
“… هل ضربتني للتو؟”
“……”
“كيف تجرئين… أنتي…”
رغم أن تعبير وجه بريسيبي ما زال يحمل بعض الخوف، إلا أنها لم تكن ترتجف كما كانت قبل قليل.
“يا ابن الكلب… الوغد الحقير السافل…”
“ماذا قلتِ؟”
“افعل ما تشاء لوحدك! أيًّا كان!”
صرخت بريسيبي بصوت غاضب، هذه المرة هي من كانت تصرخ.
“أنا لن أفعل أي شيء معك بعد الآن!”
“……”
“لو كان عليّ أن أفعل شيئًا معك، فأنا أفضل أن أعض لساني وأموت!”
وما إن أنهت كلامها، حتى قفزت واقفة في لحظة واحدة.
حاول إيفان استخدام السحر لتقييدها ومدّ يده نحوها، لكنه تأخر.
فقد سبقت بريسيبي وقامت، وركلت بطنه بكل ما أوتيت من قوة وهو لا يزال جالسًا.
“آخ…!”
إيفان تدحرج على الأرض، صارخًا من شدة المفاجأة، بينما انطلقت بريسيبي وسط ألسنة اللهب دون أن تنظر خلفها.
“آنسة بريسيبي!”
باتجاه فينريك، الذي كان يركض نحوها ويمدّ يده إليها كذلك.
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 96"