كان آخر مكان شوهد فيه إيفان هو الزقاق القريب من السوق.
“…….”
وقف فينريك أمام الزقاق، يسترجع المعلومات التي تلقاها من فارس من فرسان الفيلق.
[شاهده أحد الباعة أثناء تحضيره لبسطته في الصباح. بالطبع لم يكن يعلم أنه إيفان، لكن ملامحه كانت مألوفة، وعندما صدرت مذكرة البحث عنه، أدرك أنه هو، فتوجه فورًا للإبلاغ.]
صحيح أن البلاغ جاء بعد صدور المذكرة، لكن الحادثة بحد ذاتها حدثت منذ عدة أيام، تحديدًا عندما كانت بريسيبي برفقة فينريك في الغابة المحرّمة.
[قال إن حالته كانت سيئة للغاية، لذلك لفت انتباهه، لكن بعد مرور وقت طويل من بقائه داخل الزقاق دون أن يخرج، قرر التحقق من الأمر، فوجده قد اختفى تمامًا.]
كان زقاقًا مسدودًا بالكامل. لا مخرج له على الإطلاق.
واختفى فجأة؟!
“……من المستحيل أن يكون قد قفز فوق هذا السور.”
تمتم فينريك وهو يتحسس السور المرتفع.
كان السور المحيط بالزقاق أعلى بكثير من قامة رجل بالغ.
وما زاد من صعوبة الأمر هو حالة إيفان وقتها.
فقد كان قد فقد ذراعه اليمنى مؤخرًا، وظل محبوسًا في السجن لعدة أيام. من المستحيل أن يكون في حالة تسمح له بالقفز فوق هذا السور.
ربما كان يمكنه استخدام السحر، لكن في ظل حالته تلك، فلا شك أن مخزونه من الطاقة السحرية كان قد استُنزف تمامًا.
وفوق كل ذلك، لم يظهر أي أثر له منذ يوم هروبه حتى الآن، رغم مرور عدة أيام.
“…….”
تأمل فينريك السور العالي، ثم خرج ببطء من الزقاق وهو غارق في تفكير عميق.
هناك طرف ثالث.
شعر بذلك يقينًا. لا بد أن شخصًا ما ساعد إيفان على الاختفاء.
وإلا لما استطاع أن يختفي بهذه الطريقة.
فهل كان ذلك الطرف قد ساعده منذ لحظة فراره من السجن؟
[سمعت أن فيدار جاء إلى العاصمة فور علمه بهروب الساحر الأعظم، وكان يطارده بنفسه.]
تذكّر فجأة حديثًا دار بينه وبين هانا يوم عودتهم من الغابة المحرّمة.
[لكنهم لم يجدوا له أثرًا حتى الآن. قال إنه سيأتي فور حصوله على طرف خيط، وطلب منا أن نكون حذرين…]
“…….”
كانت المعلومات تتداخل في ذهن فينريك. ما قالته هانا، وما يجري الآن، وحتى العلاقة غير المفهومة بين فيدار وإيفان.
قال زيغفريد إن لا دلائل حاليًا سوى هذا الزقاق، لذا بدأ التحقيق من هنا.
وفينريك لم يكن يعارضه.
في هذه اللحظة، كان من الضروري إيقاف إيفان أكثر من أي شخص آخر، حتى من زيغفريد أو ديتريش.
ثم إن زيغفريد، بعد أن استعاد وعيه كشخص مستقل، لم يبدُ مهووسًا ببريسيبي كما كان يُظن. ربما كان ذلك بدافع شعور بالذنب أو بسبب وهم العدالة… لم يكن الأمر غامضًا بالنسبة لفينريك.
لكن إن كان فيدار هو من ساعد إيفان في الهرب فعلًا، فإن تحقيقات زيغفريد والفرسان ستكون بلا قيمة.
فما دام الأمر ليس بقدرة بشرية، كيف يمكنهم العثور على أثره؟
“……يا للصداع.”
كشر فينريك وهو يزفر بغضب، ويتمتم لنفسه.
على كل حال، كان بحاجة لبعض الوقت ليرتب أفكاره.
وفيدار لم يكن ممن يبتعدون عنه لفترة طويلة دون سبب، لذا من المؤكد أنه سيظهر مجددًا قريبًا.
لكن كم من المعلومات يمكنه أن يستخرج من فيدار، ذلك الشخص الغامض الذي لا يظهر نواياه أبدًا؟
“…….”
خرج فينريك من الزقاق بخطوات واسعة، وتفقّد الوقت.
كان قد أرسل قبل قليل بعض الحراس وعربة إلى القصر، لذا يفترض أن بريسيبي تكون قد وصلت قريبًا.
كان يخطط للتجول معها في السوق، وشراء خنجر صغير يسهل عليها حمله واستخدامه، ثم يعودان سويًا في العربة إلى القصر.
لكن مهما انتظر، لم يظهر لها أثر.
ولا حتى الحراس الذين أرسلهم معها.
“الدوق فينريك!”
لم تكن بريسيبي من ظهر، بل كيفن.
كان وجه كيفن يوحي ببعض الريبة، واقترب من فينريك قائلًا:
“ما زلت هنا؟”
“……ماذا؟”
“ظننت أنك قد التقيتِ بآنسة بريسيبي بالفعل.”
ثم قال شيئًا لم يتوقعه فينريك إطلاقًا.
“تلقيت للتو تقريرًا من أحد الفرسان الذين كانوا يفتشون في الجهة المقابلة من السوق. قال إنه رأى العربة تمر مع بعض الحراس منذ قليل.”
كان زيغفريد قد وزع الفرسان إلى مجموعات لتفتيش كل الطرق المؤدية إلى السوق.
فينريك كان يحقق في الزقاق الذي شوهد فيه إيفان، بينما توجه كيفن إلى الجهة المعاكسة تمامًا، وتلقى هناك تقريرًا من مجموعة فرسان كانت تفتش الطريق المؤدي من القصر إلى مركز السوق.
“لذلك ظننت أنك قد التقيت بها بالفعل…”
“……”
“أم أنك أرسلتِ الآنسة بريسيبي إلى مكان آخر أولًا؟”
“……”
“الدوق؟”
لم يُجب فينريك على سؤال كيفن.
بل تأكد بسرعة من وجود سيفه على خصره، ثم انطلق راكضًا من دون أن يلتفت إلى الخلف.
فلم يكن هناك سوى احتمال واحد لسبب اختفاء بريسيبي.
—
بعد أن أُنزِلت من العربة بالقوة، أخذها إيفان وسار بها بلا توقف.
لم تكن تعلم إلى أين يأخذها، ولا أي الطرق سلكاها، فقد كان إيفان ماكرًا بما يكفي ليُغطي عينيها أثناء التنقّل.
كان الشيء الوحيد الذي استطاعت استشعاره هو رائحة الأعشاب. هل كان هناك غابة في الطريق المؤدي إلى السوق؟ حاولت بريسيبي استرجاع خريطة كانت قد رأتها في مكتبة فينريك، لكن من المستحيل أن تتذكر شيئًا وسط هذا الموقف العبثي.
وعندما فتحت عينيها أخيرًا، كانت قد دخلت إلى مبنًى غريب.
“…….”
ما هذا الآن؟
نظرت بريسيبي من حولها بتوتر.
أول ما لفت نظرها كان تمثالًا متآكلًا، مكسورًا ومتشقّقًا.
كان يشبه كثيرًا التمثال المحطم الذي رأته سابقًا في الكنيسة.
هل هذا مكان ديني إذًا؟
لكن لا يبدو أن أحدًا تواجد هنا منذ زمن، إذ لم يكن هناك أدنى أثر لأي حياة.
لهذا السبب جلبني إلى هنا، على الأرجح.
فكرت بريسيبي وحدها.
“اجلسي.”
قال إيفان بابتسامة ساخرة، غير مكترث لما تفكر فيه.
“لا تريدين؟”
أجل، وكأن هذا سيسعدني.
“هل أُجلسك بنفسي إذًا؟”
“…….”
“قد فقدت ذراعي، لكن ساقي ما زالتا سليمتين. هل تفضلين الجلوس هنا؟”
ربّت إيفان على فخذه الأيسر بيده اليسرى الوحيدة، فنظرت إليه بريسيبي نظرة اشمئزاز تلقائية.
ثم تنحت جانبًا وجلست بهدوء في أحد الأركان.
“لم تلك النظرة؟ أليست هذه أول مرة نلتقي منذ مدة؟”
انخفض على ركبتيه ليكون بمستوى نظرها، وسألها مبتسمًا:
“ابتسمي قليلًا. أظهري بعض اللطافة.”
هل تظن أن أحدًا يبتسم في موقف كهذا؟
“أو ابكي على الأقل. تلك هي طريقتي المفضلة.”
الموت أفضل من مجاراة أذواقك.
“لا بأس، يمكنني أن أدرّبك على ذلك لاحقًا. المهم، لا تثيري غضبي اليوم. اتفقنا؟”
“…….”
“أنا أتصرف بأدب معك حاليًا، وأتوقع منك أن تقدّري ذلك.”
ومن السهل أن نفهم ما الذي قصده بكلمة “أدب”.
فهو لم يستخدم السحر عليها كما فعل مع الحراس سابقًا، لم يتلاعب بعقلها بعد.
لكن خلال محاولتها لاختراق مسار إيفان في اللعبة، لطالما قال هذا النوع من العبارات، قبل أن يبدأ تدريجيًا بتحطيم الشخصية ببطء، كما تفعل الديدان داخل ثمرة فاسدة.
“…….”
انعكست على عينيها البنفسجيتين، المملوءتين بالتوتر، ملامح وجه إيفان الذي بدا أكثر هزالًا من المرة الأخيرة التي رأته فيها.
طبيعي، فقد سُجن، وبُترت ذراعه، ثم فرّ…
لكن طالما أصبح نحيفًا هكذا، ألم يكن من الأفضل لو مات مريضًا؟
…لماذا لم يتغير؟
فجأة خطرت في بالها صورة من ذلك اليوم حين جاء إيفان إلى القصر، وظهرت أمامها خيارات النظام المُعطّلة والمليئة بالأخطاء.
ديتريش، زيغفريد، وحتى الأمير أتاري—جميعهم، بعد أن اختارت تلك الخيارات، استعادوا شيئًا من ذاكرتهم السابقة.
ورغم أن أتاري مات سريعًا، فإن ديتريش وزيغفريد اكتسبا حتى وعيًا ذاتيًا، وتغيرت شخصياتهم عن المعتاد في اللعبة.
لماذا هذا الوغد وحده لم يتغير؟
عبست بريسيبي وهي تحدّق فيه، لكنه كان ينظر إلى كمّ سترته الأيمن المتدلّي حيث كانت ذراعه المبتورة.
“هل تعلمين؟”
رفع رأسه ونظر إليها بابتسامة باردة:
“عندما تفقدين شيئًا كنتِ تملكينه، تشعرين بغضب لا يُطاق.”
قطعوا ذراعك، هل كنتَ ستفرح بذلك؟ بالطبع ستغضب.
كادت الكلمات أن تفلت من فمها، لكنها ابتلعتها بصعوبة.
“إنه أمر يثير الغضب بشدّة، أكثر مما تتصورين.”
وماذا تريدني أن أفعل بهذا؟ اذهب واشتكِ لديتريش إن شئت.
ثم تابع:
“وأنتِ أيضًا، لا يقتصر الأمر على الذراع فقط.”
“……ماذا؟”
“كنتِ لي، في الأصل.”
“…….”
“لكني رأيتكِ تُسلب منّي مرارًا أمام عيني، فهل تتخيلين كم هو شعوري مقرف الآن؟”
اختفى كل أثر للابتسامة من وجه إيفان، ونظر إليها بنظرات مشتعلة بالغضب وسألها من جديد.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 93"