في أرجاء المكتبة الواسعة، سادت أجواء غريبة غير مألوفة.
“…….”
رغم أن بريسيبي قضت وقتًا غير قليل مع فينريك من قبل، إلا أنها لم تكن قد واجهته بهذه المسافة القريبة من قبل. لذا، أخذت تحدّق فيه وكأنها واقعة تحت تأثير سحر ما.
وخدّا بريسيبي قد احمرّا، تمامًا كلون عيني فينريك اللتين كانتا تحدقان فيها بثبات.
وما أعاد بريسيبي إلى وعيها، لم يكن يد فينريك التي كانت تمسك بخصرها، ولا عينيه اللتين كانت تثبت نظرها بشدة.
بل كان صوت قلبها، الذي أخذ ينبض بعنف مفرط وغير مبرر.
“آ-آسفة!”
أفاقت فجأة مذعورة، ونهضت بسرعة.
“ذاك… أعتقد أنني كنت خرقاء بعض الشيء لأنني أول مرة أتعلم شيئًا كهذا. سأواصل التمرين بمفردي، لذا لا تقلق كثيرًا.”
فينريك لم يرد بشيء.
بل حدّق للحظة في يده التي كانت قبل قليل تمسك بخصرها، ثم نهض وكأن شيئًا لم يكن.
رغم أن الاضطراب قد غمر داخله هو الآخر، إلا أن بريسيبي لم يكن بوسعها معرفة ذلك.
“……سيأخذ الأمر وقتًا حتى تعتادي عليه، لذا سأعطيكِ سيفًا للدفاع عن النفس في الوقت الراهن.”
توجه فينريك إلى زاوية من زوايا المكتبة حيث كان هناك خزانة كبيرة موضوعة.
تبعته بريسيبي وهي تراقبه بحذر، تمد رقبتها قليلًا لترى ما يفعله.
من الخارج، بدت وكأنها خزانة ملابس، لكن عندما فُتحت لم تكن تحتوي على أي ملابس.
كانت مليئة بالسيوف.
سيوف بأحجام مختلفة تمامًا، جميعها مشحوذة ومصقولة بعناية، حتى بريسيبي، رغم جهلها الكامل، استطاعت أن تلاحظ حدتها البارزة.
“هذا مناسب.”
اختار فينريك في النهاية سيفًا صغيرًا وخفيفًا، بحيث تتمكن بريسيبي من استخدامه بسهولة دون عناء.
“يفضل أن تبقيه معك دائمًا. لكن لا تشهريه عبثًا. استخدميه فقط في أسوأ الحالات. إن سُلب منكِ، فقد يُستخدم ضدك.”
“…….”
“رغم صغر حجمه، إلا أنه حاد، فكوني حذرة في التعامل معه.”
“…….”
“آنسة بريسيبي؟”
أخذ فينريك يشرح بجدية، لكن بريسيبي لم ترد. عندها، التفت ليتبع نظرتها.
كانت عيناها معلقتين على شيء موضوع في أعمق زاوية من الخزانة.
سيف مغلف بقطعة حرير سوداء، بحجم الساعد، يبدو وكأنه شيء ثمين جدًا.
“ما هذا؟”
سألت بريسيبي وهي تنظر إلى فينريك.
“جميع السيوف الأخرى كانت موضوعة في أغمادها بشكل عادي، فلماذا هذا وحده ملفوف هكذا…؟”
“……لا شيء.”
أجاب فينريك باختصار، وأعاد إغلاق باب الخزانة.
ما قصته؟
هل يحمل ذلك السيف معنى خاصًا؟
مالت بريسيبي برأسها قليلًا، متسائلة.
“جربي أن تمسكي به.”
وقف فينريك أمام الخزانة، ومدّ السيف نحوها، فتلقّته بريسيبي أخيرًا وهي تصرف نظرها عن السيف الأسود الملفوف.
ربما بسبب صغر حجم يدها أو ضعف قوتها، شعرت أن حتى هذا السيف الخفيف صغير الحجم كان ثقيلًا عليها. لم تستطع حمله بيد واحدة، بل شعرت بأن ذراعها تهدلت تحت ثقله.
“……ربما سيكون من الأفضل أن نشتري واحدًا جديدًا.”
وقد كان كذلك بالفعل.
“غالبًا، سيصلني تقرير من فرسان الحرس بحلول صباح الغد. سأرسل عربة مع بعض الحراس لأخذك من القصر، فهل ترغبين في الذهاب معي لاختيار سيف مناسب؟”
“أوه، نعم. يبدو جيدًا.”
أجابت بريسيبي وهي تهز رأسها بالإيجاب.
“لكن أشعر ببعض القلق. يبدو أن المعلم ماهر جدًا، لكن الطالبة لا تملك شيئًا تقريبًا.”
قالت ذلك وهي ترتسم على وجهها ابتسامة خفيفة محرجة.
“في النهاية، القتال ليس مجرد قوة عضلية، بل يتطلب فهماً شاملاً للسياق والموقف، أليس كذلك؟”
“……آنسة بريسيبي؟”
“لكنني أفتقر إلى هذه المهارة. كما يقولون، لا تنظر إلى الشجرة فقط، بل انظر إلى الغابة، أليس كذلك؟ لكنني لا أجيد ذلك. كالغبية تمامًا.”
لأنها لا تستطيع أن تتذكر أي شيء من حياة “يون جو يون”، لم تكن تعرف كيف كانت في الواقع. لكن منذ أن دخلت داخل اللعبة، كانت دائمًا هكذا.
ظنت أن كل ما عليها فعله هو اغراء خمسة رجال فقط لتخرج من اللعبة، ولم تفكر أبدًا في الأمور الخفية داخل القصة، مثل وصية فانيسا أو حقيقة والدها.
حتى الآن، كانت تفكر فقط في “تدمير النظام”، لكنها لم تستطع أن تحدد ما الذي يجب أن تفعله لتحقيق ذلك. لم تستطع حتى فهم الوضع الراهن بشكل صحيح.
لطالما اعتقدت أن بريسيبي داخل اللعبة كانت حمقاء ساذجة تخرب حياتها بيديها، لكن عندما تنظر لنفسها مقارنةً بها… ربما لم تكن أفضل منها بكثير.
“أنا لا أعتقد ذلك.”
لكن فينريك هز رأسه وقال:
“بالطبع، أفهم مغزى القول: لا تنظر إلى الشجرة، بل انظر إلى الغابة. وهو قول صائب. لكن أحيانًا، من الممكن أن ترى الأمر من زاوية مختلفة.”
“كيف ذلك؟”
“أحيانًا، شجرة واحدة فقط كافية لتحرق الغابة كلها.”
“…….”
“الأمر لا يتعلق بالحجم، بل بالمنظور. قد يسخر الناس منكِ لأنك تركزين على تفاصيل صغيرة يظنونها تافهة، لكن في بعض الأحيان، تكون هذه التفاصيل الصغيرة هي الخيط الحاسم لحل الأمور.”
…هل يمكن أن يكون ذلك صحيحًا؟
بريسيبي، وهي تتمعّن في كلمات فينريك، رمشت بعينيها عدة مرات ثم ابتسمت بخفة وحدها.
“لم أكن أقصد أن أسخر منك، فقط.”
“انت لا تسخر أبدًا!” ردّت بريسيبي وهي تلوّح بيدها نفيًا.
“فقط… فكرتُ أن دوق فينريك بارع حقًا في التعبير عن نفسه. وبعد أن سمعت كلامك، شعرتُ أنني لستُ بذلك الغباء بعد كل شيء.”
“…يبدو أن آنسة بريسيبي اكتسبت هواية جديدة مؤخرًا، ألا وهي السخرية مني.”
لكن صاحب العبارة نفسه ابتسم أيضًا، مما أفقد كلماته تأثيرها تمامًا.
“لا بد أن هناك شيئًا مفرحًا قد حدث!”
وفي تلك اللحظة تحديدًا دخلت هانا إلى المكتبة، وقد اتسعت عيناها وهي تنظر بين الاثنين بالتناوب.
“الفرح جميل، لكن قد حان وقت العشاء.”
“مم. شكرًا لأنكِ أتيتِ لأخذي، هانا.”
“لا شكر على واجب. على كل حال، آنسة بريسيبي قد أصبحت نحيلة جدًا، لذا عليكِ أن تتناولي قدرًا جيدًا من الطعام اليوم. لقد طلبتُ مسبقًا تجهيز أطعمة غنية بالسعرات قدر الإمكان. آه! لكن لا تشعري بالحرج إن لم يناسبكِ شيء، لهذا السبب طلبتُ منهم تنويع الأصناف أيضًا.”
هانا ظلت تثرثر دون توقف، وفينريك بدوره أبدى ملامح تشير إلى بعض الضجر، في حين بدا الاثنان مألوفين ومريحين لدرجة دفعت بريسيبي إلى الابتسام مرة أخرى.
بعد أن تناولت العشاء مع فينريك، عادت بريسيبي إلى غرفتها.
أخرجت “كتاب النبوءة” الذي كانت تخفيه تحت سريرها، وجلست على السرير لتستغرق مجددًا في التفكير.
لنفكر من جديد.
هل فاتني شيء؟
ما هي المعلومات التي جمعتها منذ أن دخلت عالم اللعبة؟
رغم أنها كانت تلوم نفسها باستمرار منذ أن اختفى أثر “ملك الشياطين”، إلا أن الغريب أنها لم تكن مكتئبة كما كانت سابقًا.
ربما يعود الفضل في ذلك إلى ما قاله دوق فينريك.
لقد شعرت بالامتنان لطيبته. كلماته التي بدت وكأنها قيلت عرضًا، كانت تشكل دعمًا كبيرًا لها بطريقة ما.
وعلى الرغم من أن التفكير في تلك الأجواء الغريبة والصمت الذي ساد في المكتبة كان يجعل وجهها يحمر مجددًا، إلا أن بريسيبي تجاهلت تلك الأفكار وبدأت بإعادة ترتيب المعلومات التي تعرفها واحدة تلو الأخرى.
ثم غرقت في النوم مع اقتراب الفجر.
—
توقع فينريك بأن يتلقى تقريرًا من فرسان الحرس قبل الظهر بدا دقيقًا تمامًا.
بحسب ما قالت هانا، فقد غادر فينريك القصر باكرًا في الصباح برفقة أحد الفرسان الذي جاء لرفع تقريره.
“قال إنه سيذهب بنفسه لتفقد آخر مكان شوهد فيه كبير السحرة. التحقيق بدأ للتو، لذا قال إنه لن يستغرق وقتًا طويلًا.”
في النهاية، ولأنه كان يطارد خيطًا قد يؤدي إلى كشف الأثر، كان لا بد أن يتوجه بنفسه إلى هناك.
“سيُرسل إليكِ عربة وبعض الحراس في فترة بعد الظهر. سأخبركِ فور وصولهم.”
قالت هانا وهي تحضر الشاي إلى غرفتها، فردّت بريسيبي بالموافقة، ثم عادت لتفحّص المعلومات التي رتبتها ليلة أمس مرة بعد مرة.
وعند الثانية بعد الظهر تقريبًا، وصلت العربة والحراس.
“هل ترغبين أن أرافقك؟ أنا قلقة عليكِ يا آنسة بريسيبي…”
قالت هانا بنبرة يظهر فيها القلق بوضوح وهي تودّعها، لكن بريسيبي أجابت بأنها ستكون بخير.
فقد كانت تعلم أن لدى هانا أعمالًا كثيرة داخل القصر، ولم ترغب في أن تزعجها أو تشغل وقتها دون داعٍ.
“هناك حراس معي، فلا داعي للقلق. سأعود قريبًا، هانا.”
“نعم! عودي سالمة.”
وهكذا، ركبت بريسيبي العربة التي أرسلها لها فينريك، وألقت نظرة من النافذة لترى عدداً من الحراس يمتطون الخيول ويقتربون من العربة لمرافقتها.
“بما أن آخر مرة شوهد فيها إيفان كانت عند مدخل السوق، فإن الدوق موجود هناك أيضًا. نحن في طريقنا إليه الآن.”
قال أحد الحراس وهو ينحني قليلًا نحو النافذة موجّهًا كلامه لبريسيبي.
“لن يستغرق الأمر طويلًا، لذا يمكنكِ أن ترتاحي قليلًا.”
وبعد أن قال ذلك، أغلق النافذة، واستندت بريسيبي إلى مقعدها داخل العربة واستغرقت مجددًا في التفكير.
‘الآن بعد أن أفكر بالأمر… بدأ نظام اللعبة ينهار فعليًا منذ ظهور الأمير أتاري.’
رغم وجود بعض الأخطاء الطفيفة من قبل، لم تكن هناك فوضى بهذه الدرجة.
‘ومع استمراري باختيار الخيارات المليئة بالأخطاء، لم أعد قادرة على الاطلاع على أشياء مثل “كتاب الذكريات” أو “سجل الأحداث”.’
…لكن لماذا كان “كتاب الذكريات” معطلًا منذ البداية؟ لم يكن لديها أي فكرة حتى عن ذلك.
‘في كل الأحوال، كلما خرجت عن المسار الأصلي والقصة الأصلية، كلما انهار النظام أكثر. إذن، حتى أدمّر النظام بالكامل، يجب أن أفعل شيئًا يفوق كل الأخطاء السابقة.’
بما أن أتاري ونواه قد ماتا، ومع ذلك تستمر اللعبة، فمن الواضح أن القتل وحده لا يكفي.
طبعًا، لم تكن تخطط للقتل… على الأقل ليس بعد…
وبينما كانت تستغرق طويلًا في أفكارها، تمسح ذقنها وتفكر بعمق، اهتزت العربة فجأة وبعنف.
كما لو أنها كانت تسير في طريق وعر للغاية.
“…همم؟”
لكنهم في طريقهم إلى السوق، فهل هناك طريق كهذا؟
مهلًا.
ألم يمضِ وقت طويل منذ أن ركبت العربة؟
اعتدلت بريسيبي بسرعة ونظرت من النافذة.
فشاهدت منظرًا لم تكن تتوقعه أبدًا.
وجوه الحراس وقد فُقدت الحياة من أعينهم وكأنهم مسحورون، وطريقٌ وعر منعزل بين الأشجار الكثيفة.
“إلى… إلى أين تذهبون؟!”
صرخت بريسيبي وقد فتحت النافذة برعب، لكن لا الحارس ولا السائق أبديا أي استجابة لكلامها.
هناك خطبٌ ما.
يجب أن أهرب.
فكرت بريسيبي بذلك ومدّت يدها نحو الباب لتقفز منه، لكن…
في تلك اللحظة بالتحديد، توقفت العربة فجأة، وانفتح الباب المغلق بقوة.
“مرحبًا، بريسيبي.”
وظهر شخص، لم تكن ترغب برؤيته مجددًا ما حييت.
“مر وقت طويل.”
انعكس وجه إيفان، وهو يبتسم بابتسامة شريرة رافعًا زاوية شفتيه، فوق عيني بريسيبي البنفسجيتين.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 92"