بملامح شاردة قليلاً، سارت بريسيبي ببطء نحو النافذة. أو على وجه الدقة، نحو الطاولة الموضوعة أمام النافذة.
“سيدة بريسيبي، يمكنكِ تبديل ملابسكِ بهذه…”
كان فينريك قد استدار ممسكًا بقميص أسود، لكنّه توقف فجأة في منتصف جملته.
“…مزهرية.”
تمتمت بريسيبي وهي تحدّق في المزهرية الموضوعة على الطاولة، وقد أمسكتها بين يديها.
“إنها… تشبه مزهريتي تمامًا.”
كانت المزهرية أمامها مماثلة لتلك التي بقيت في منزل التاون هاوس. تلك التي وُضعت بجانبها عندما كانت حبيسة البرج، ولم تكن تعرف من الذي تركها هناك.
“……”
فينريك لم ينطق بكلمة، بل اكتفى بالنظر إليها وهي تحمل المزهرية.
يوم لقائهما الأول… لم ينسَ أبدًا كيف كانت بريسيبي تحب الزهور.
لذلك، قبل أن تعود من سجن الجليد إلى البرج الغربي، ترك تلك المزهرية هناك مع الزهور، آملاً أن تكون عزاءً صغيرًا لها.
حينها، لم يكن قد التقى بفيدار بعد، ولم يكن يعلم كيف يقترب منها، فكان ذلك أفضل ما يستطيع فعله.
ووضع نفس المزهرية تمامًا في هذا الكوخ.
[“كنت آتي أحيانًا، عندما يثقل رأسي بالهموم.”]
لم يكن يكذب حين قال ذلك لبريسيبي. كان يأتي إلى هنا كلما اختنق قلبه، كلما شعر بالعجز والغضب لعدم قدرته على الوصول إليها. وكان يجلس في الكرسي المهترئ أمام النافذة، لا ينظر إلى البحر الجميل الممتد أمامه، بل إلى المزهرية فقط.
خلافًا لمزهرية بريسيبي التي ملأها بالزهور، فإن مزهريته ظلّت دائمًا فارغة، بلا أي فائدة تذكر. لكن ذلك لم يكن مهمًا بالنسبة له. فالمزهرية كانت رمزًا لوصلة خفية تربطه ببريسيبي، وجود وحيد يجمع بين عالمه وعالمها، حتى وإن كانت بريسيبي لا تعرف أنه هو من أهداها إياها.
“رؤية مزهرية مطابقة هنا أمر غريب حقًا.”
لكن بريسيبي لم تكن لتعلم القصة خلف المزهرية.
تفاجأت قليلًا برؤيتها، لكن ذلك كان كل شيء بالنسبة لها. فمن منظورها، لا توجد أي صلة بين من ترك المزهرية في البرج وبين فينريك.
“من الأفضل أن تبدّلي ملابسكِ أولاً.”
ناولها فينريك القميص الذي في يده، فأومأت برأسها موافقة.
“هناك غرفة صغيرة من ذلك الاتجاه، يمكنكِ استخدامها.”
كان الجو متوترًا قليلًا منذ البداية، فهل كان من الخطأ أن تتحدث عن المزهرية؟ تساءلت في داخلها، وندمت قليلاً على فعلها وهي تتوجه نحو الغرفة.
“……”
بقي فينريك وحده، ينظر إلى المزهرية الفارغة الموضوعة على الطاولة.
مرر يده عليها بصمت، مسترجعًا في ذاكرته كل الأوقات التي قضاها هنا وهو يفكر في بريسيبي.
وبعد مرور وقت قصير، سمع صوتًا خافتًا قادمًا من خلفه. يبدو أن بريسيبي قد انتهت من تبديل ملابسها.
“كيف تبدين…؟”
بدأ فينريك بالكلام، لكنه توقف فجأة وهو يراها، ولم يكمل.
“كما توقعت، لا يمكن أن يكون مقاسها مناسبًا لي.”
قالت بريسيبي وهي تبتسم بخجل.
“فرق الطول بيني وبينك كبير… ناهيك عن البنية الجسدية.”
حين ارتدت قميص فينريك ونظرت إلى نفسها، فهمت فورًا أن هناك شيئًا غير صحيح. القميص كان واسعًا جدًا وطويلًا جدًا. أما الطول الزائد فكان مقبولًا… بل وأيضاً؛ يمكن أن ترتديه كفستان قصير بدلًا من قميص. أفضل من شيء قصير للغاية. لكن العرض كان كارثة.
رغم محاولاتها لإغلاق الأزرار وضبط شكله، ظل القميص يتدلّى بشكل فوضوي.
والأكمام؟ طويلة لدرجة مبالغ فيها، وكأنها تنتمي لقرد طويل الذراعين.
ببساطة، كانت تبدو كمجنونة ارتدت كيس بطاطا ضخمًا. خصوصًا مع شعرها المبتل والمبعثر من المطر، بدا شكلها أسوأ.
لكن لم يكن بيدها شيء. ففستانها مبلّل بالكامل، وليس من المفيد تجربة ملابس أخرى ما دامت كلها بقياس فينريك.
“أعتقد… أنني لم أفكر جيدًا.”
همس فينريك، وقد أدار نظره عنها فجأة.
“لكن ابقي به الآن. سيفيدك حتى يجف الفستان.”
صوته بدا كما هو، هادئًا كعادته. لكن بريسيبي لم يغب عنها ارتعاش خفيف في شفتيه.
“سيدي الدوق فينريك.”
“نعم، قولي ما تريدين.”
“اضحك فقط… سيكون ذلك أقل إحراجًا.”
“……”
“وأنا كذلك، أبدو كالمجانين بعض الشيء.”
بكلمات صريحة دون مجاملة، قالتها بريسيبي.
فانفجر فينريك ضاحكًا. ولحقت به بريسيبي، تضحك معه.
‘من الأفضل هكذا.’
رغم أن شكلها كان مضحكًا، إلا أن التوتر الذي خيّم عليهما منذ الشاطئ بدأ يتبدد.
وشعرت وكأن شيئًا ما انزاح من على قلبها… ولو قليلًا.
“……”
‘أنا لم أضحك لأنكِ بدوتِ كمجنونة، بل لأنكِ كنتِ لطيفة… ‘
وصلت تلك الكلمات إلى طرف لسانه، لكنه اختار ألا يقولها.
بدلًا من ذلك، اقترب فينريك منها ومدّ يده، وبدأ يطوي الأكمام الطويلة جدًا والتي كانت تتدلّى من القميص كأنها ستلامس الأرض.
“بهذا الشكل، سيكون من الأسهل عليكِ الحركة.”
أمسك فينريك بمعصمها الرقيق بلطف، وقادها نحو المدفأة، وأجلسها على السجادة أمامها.
“دعيني أُجفّف شعركِ.”
“آه، لا بأس… سيجفّ لو تركته هكذا.”
“ليس لدينا ما نفعله على أية حال. ثم إنه لو جفّ بشكل صحيح وتمّ ربطه جيدًا، فلن تبدي كما وصفتِ نفسكِ قبل قليل.”
كان على حق.
“بالطبع، أتمنى أن تعرفي أنني لا يمكن أبدًا أن أراكِ كمجنونة، بغضّ النظر عن حالة شعركِ.”
ثم تناول منشفة كان قد أعدّها مسبقًا، وبدأ بتنشيف خصلات شعرها الطويلة التي كانت ما تزال مبلّلة تمامًا.
صحيح أن فينريك لم يكن ماهرًا كما الخادمات في القصر أو كما تفعل هانا، لكن لمسته كانت حانية ودافئة… تمامًا كما اعتاد أن يكون دائمًا معها.
“……”
تألق ضوء اللهب المنبعث من المدفأة فوق عيني بريسيبي البنفسجيتين، بينما ظلّت تحدّق فيه بصمت، مأخوذة بشروده.
“دوق… هذه قصة من طفولتي.”
نطقت أخيرًا بصوت خافت.
“كان هناك من سلّمني جروًا صغيرًا، وقال إنه سيعود لأخذه لاحقًا.”
رغم أنها بالكاد استعادت اسمها الحقيقي، فإنها لم تنسَ تلك القصة أبدًا.
“جرو؟”
“نعم، لكنه لم يكن لي. كان عليّ فقط الاعتناء به لبعض الوقت، ثم كان يجب أن نفترق.”
كانت تتحدث مجازًا.
هي لم تعد قادرة على كتم ما تشعر به، فقد اختلطت مشاعرها كثيرًا بسبب ما أظهره فينريك مؤخرًا.
وأرادت أن تسأل، أن تسمع رأيًا… وكم تمنّت أن يأتي من الشخص الذي سبّب تلك الفوضى نفسها.
“في البداية لم أشعر بشيء. لكن مع مرور الوقت، اعتدت عليه، وارتبطت به. وكان هو أيضًا… لا أعني… كنا على وفاق تام.”
ثم أردفت، وهي تتنفس ببطء:
“لكن الوقت الذي يمكننا قضاؤه معًا بدأ يتناقص، وفي النهاية كان لا بد أن نفترق، أليس كذلك؟”
“حين يرحل الجرو، سأشعر بفراغ… وربما هو أيضًا سيتذكّرني، حتى وهو عائد إلى صاحبه.”
لو نجحت بالخروج من هذه اللعبة، فقد تعود إلى حياتها الأصلية، إلى كونها نفسها، لا هذه النسخة المزيفة من بريسيبي.
لكن بريسيبي الحقيقية مختلفة عنها تمامًا، خصوصًا في شخصيتها…
ولهذا، حتى لو بقي فينريك بجانب بريسيبي الأصلية، فقد يتذكر هذه “النسخة”، هي، من وقت لآخر.
“وما يزيد الأمر سوءًا، هو أنني أعلم أننا لن نلتقي مجددًا أبدًا. فالمسافة التي بيننا شاسعة جدًا… وإن تعلّق أحدنا بالآخر، فلن نجني سوى الألم.”
“……”
“لذا، كنت أُجبر نفسي على عدم التعلّق. كنت أقنع نفسي أن هذا هو الأفضل للجميع.”
قالتها بصوت متهدّج.
“إن كنت مكاني يا دوق… فماذا كنت ستفعل؟”
“لو كنتَ مكاني، هل كنت ستتعلق بذلك الجرو أيضًا؟”
“……”
“نحن على وشك أن نصبح غرباء من جديد. لا معنى لأي شيء بيننا.”
هل سيختلف جوابه عن رأيها؟ هل هناك شخص عاقل في هذا العالم يمكن أن يعطي إجابة أخرى؟
كانت تنتظر… بصمت.
لكن ما قاله فينريك أخيرًا، لم يكن شيئًا توقّعته بريسيبي أبدًا…
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 87"