“……بريسيبي؟”
 
عندما بدأت بريسيبي تتحرك ببطء، ألقى فينريك نظرة متفاجئة قليلًا.
 
ثم وقفت أمام الكرة البلورية مباشرة.
 
“لا تلمسيها بتهور، قد تكون خ–”
 
لكن حركة بريسيبي كانت أسرع.
 
مدّت يدها وأمسكت بالكرة البلورية السوداء التي كانت تحيط بها هالة معتمة، دون تردد.
 
ثم بدأت تمشي بخطى حازمة.
 
إلى الجدار المقابل، حيث لا شيء سوى رفوف كتب فارغة.
 
“دوق فينريك، أيمكنك إزاحة ذلك الرف من فضلك؟”
 
لم يفهم تمامًا ما الذي تنوي فعله، لكن فينريك لم يسأل. بل أومأ برأسه بصمت ومد يده.
 
وبجهد بسيط، أزاح الرف جانبًا.
 
“انظر هنا.”
 
قالت بريسيبي وهي تحدق في الجدار كما ينعكس في سطح الكرة البلورية، ثم أشارت لفينريك بالاقتراب.
 
اقترب فينريك، ناظرًا إلى داخل الكرة السوداء حيث كان ينعكس الجدار.
 
وبوضوح، ظهر باب صغير على الجدار المنعكس في البلورة.
 
“……”
 
قطب فينريك حاجبيه وحدّق مجددًا إلى الجدار الحقيقي… لكن لم يكن هناك شيء.
 
“يبدو أن الكنيسة لم تكتشف هذا.”
 
لكنه لم يسألها “كيف عرفتِ؟” لأنه يعرف الجواب.
 
فكما عانت من الآخرين، كانت بريسيبي ضحية مستمرة لإيفان أيضًا.
 
وربما، من بين جميع من في أتيلويّا، لم يكن هناك أحد يعرف إيفان أكثر منها. شاءت أم أبت، فقد قضت وقتًا طويلًا معه.
 
وهذا الإدراك جعل فينريك يشعر بغضب مكتوم، فعضّ شفتيه بصمت.
 
“……”
 
كان على وجه بريسيبي تفكير عميق.
 
كانت تعرف أن لإيفان مخبأين سريين: أحدهما في قصره الخاص، والآخر خلف ذلك الباب.
 
لو أن هروبه كان مخططًا، لكان أخذ أغراضه إلى القصر.
 
لكن بما أنه اعتُقل ثم هرب فجأة، فالأرجح أن ما تركه من معلومات مهمّة سيكون هناك.
 
ولفتح ذلك الباب…
 
[لا أحد يمكنه الدخول لهذا المكان غيري.]
 
“……”
 
[لأنه لا يُفتح إلا بقوتي.]
 
“آه…”
 
تمتمت بريسيبي وهي تتذكر.
 
“قلتَ من قبل إن الكرات البلورية تحتفظ بأثر من استخدمها، صحيح؟”
 
“نعم، هذا صحيح.”
 
“هل يشمل ذلك طاقته السحرية؟”
 
“……على الأرجح، نعم.”
 
“همم…”
 
شدّت بريسيبي قبضتها حول الكرة.
 
ثم فجأة، رمتها بكل قوتها نحو الجدار.
 
تحطمت الكرة بصوت حاد، ومن شظاياها المتناثرة خرج ضوء خافت.
 
وسرعان ما بدأت نقوش معقدة تظهر على الحائط الخالي.
 
تلك النقوش اتخذت شكل باب، وظهر مقبض عليه كأنه سحر.
 
(أكره هذا… لا أصدق أنني سأدخل إلى هذا المكان مجددًا.)
 
كادت تشعر بالغثيان، لكنها كانت تعرف أن الأمر يستحق.
 
“سأفتحه.”
 
تقدّم فينريك فجأة، وأمسك مقبض الباب دون تردد وفتحه.
 
لم يكن من الضروري أن يسبقها بهذا الشكل… فبمجرد فتح الباب، لم يعد هناك ما يستدعي الحذر. لا فخاخ، لا سحر خفي.
 
وقفت بريسيبي خلفه للحظة، ثم دخلت الغرفة فورًا.
 
“……”
 
الغرفة الضيقة، الخالية من أي نوافذ، كانت تمامًا كما تذكرتها من نهاية مسارها مع إيفان.
 
مليئة بأدوات سحرية محرّمة، وغبار متراكم، وهواء ثقيل خانق.
 
لكن كان هناك شيء جديد.
 
صندوق صغير لم تره من قبل.
 
تحركت بريسيبي بسرعة نحوه، وأخذته بين ذراعيها، ثم نظرت إلى فينريك وسألته:
 
“لكن… كيف سنبرّر تحطم الكرة البلورية؟”
 
‘كيف كان إيفان يخفي ذلك الباب؟’
 
لم تكن تعرف تمامًا الطريقة، فتوقفت لحظة تفكر.
 
لكن لم يكن هناك داعٍ للقلق.
 
بمجرد خروجها مع فينريك من الغرفة وإغلاق الباب، اختفى تمامًا كما لو لم يكن موجودًا من الأساس. بلا أي أثر.
 
وبينما كانا يغادران البرج، اقترب منهما الكاهن الذي تحدث إلى فينريك في البداية، وسأله إن كانا وجدا شيئًا.
 
فأجابه فينريك بأنه لم يجد شيئًا مميزًا، لكن الكرة البلورية لإيفان تحطمت.
 
طبعًا، لم يذكر أن بريسيبي هي من رمتها بكل قوتها، بل قال إنها بدأت تشع فجأة ثم تحطّمت من تلقاء نفسها.
 
لو كان صاحب الكرة شخصًا عاديًا، لأثار الأمر الشك. لكن الجميع يعلم من هو إيفان، المجرم الذي قتل رئيس الأساقفة وهرب.
 
لذا لم يجد الكاهن سببًا للريبة، بل اكتفى بالقول إنه سيجمع الشظايا للتحقيق فيها، وسمح لهما بالمغادرة.
 
استقلّت بريسيبي العربة مع فينريك، وبعد قليل، وصلا إلى المكان الذي بات مألوفًا لها…
 
منزل فينريك في العاصمة.
 
“بريسيبي!”
 
ما إن نزلت من العربة حتى سمعت صوتًا مفعمًا بالحيوية.
 
“هانا.”
 
كان وجه هانا محمرًا وهي تنظر إلى بريسيبي وتبتسم، كأنها جرو صغير بقي وحده في المنزل ينتظر عودة صاحبته بفارغ الصبر.
 
لكن مع ذلك… هل يجوز أن ترحب بي أكثر من الدوق نفسه؟
رغم هذا الخاطر، كانت بريسيبي مسرورة لرؤية هانا، فابتسمت وأخذت تمسح على شعرها.
 
“كنتِ بخير، أليس كذلك يا هانا؟ اشتقت إليكِ.”
 
“وأنا أيضًا! لكن… يا إلهي… وجهك أصبح نصف ما كان عليه!”
 
تمتمت هانا بأسى وهي تنظر إليها.
 
“من الأفضل أن تدخلي وتستريحي. أو… هل تريدين شيئًا تأكلينه؟ أعلم أن الوقت متأخر، لكن يمكنني تحضير وجبة لكِ. أو ربما تودين الاستحمام؟ لقد جهّزت الماء سلفًا. أي شيء تريدينه، بريسيبي–”
 
“هانا.”
 
ناداها فينريك بنبرة خفيفة، مقاطعًا حديثها المتحمّس.
 
“بريسيبي، من الأفضل أن نفتح الصندوق معًا. من أجل السلامة.”
 
في الواقع، لم يكن من الممكن التكهّن بما قد يكون داخل هذا الصندوق. خصوصًا مع جنون إيفان وطبيعته الغامضة.
 
لكن لم يكن لبريسيبي عذر لفتحه بمفردها، فاستدارت تنظر إلى فينريك وأومأت موافقة.
 
“ماذا عن فتحه في مكتبك؟ أعتقد أنه أنسب مكان.”
 
“كما تشائين.”
 
لم تكن تنوي تسليم ما وجدت للكنيسة على الفور.
 
فإن حالفها الحظ، قد تكتشف أين فرّ إيفان، أو كيف تمكن من الهرب. وبعدها يمكنها مشاركة تلك المعلومات مع الكنيسة في الوقت المناسب، ثم ملاحقته وقتله.
 
“أوه… دوق فينريك.”
 
أوقفت هانا فينريك وهو يهمّ باتباع بريسيبي. خفضت صوتها واقتربت منه قليلًا وهمست:
 
“هناك أمر أردت إخبارك به…”
 
“لاحقًا.”
 
“لكنه بخصوص ذلك الرجل الغريب.”
 
تغيّرت ملامح فينريك للحظة عند سماع عبارة “ذلك الرجل الغريب”.
لكنه توقّف ونظر إلى هانا بصمت.
 
—
 
كان المكتب هادئًا تمامًا.
 
“……”
 
جلست بريسيبي أمام المكتب، وضعت صندوق إيفان فوق الطاولة بحذر.
 
“كان يتبعني… لماذا لم يصل بعد؟”
 
نظرت إلى الباب في حيرة، لكن لم يُسمع أي صوت.
 
هل أفتحه الآن؟
 
رغم أن فينريك قال إن الأفضل فتحه معًا لأسباب أمنية، لم تتوقع بريسيبي أن إيفان قد وضع فيه فخًا.
 
فذاك المجنون المتعجرف لم يكن يتخيل أصلًا أن أحدًا قد يعثر على الغرفة السرية في برج السحر.
 
‘ثم… قد يحتوي الصندوق على شيء محرج لا أريد أن يراه فينريك.’
 
وفينريك يظن أصلًا أن سبب بحثها المحموم هو والدها، ولا يعرف شيئًا عن “البطل الحقيقي” أو “ملك الشياطين”. فماذا لو خرج شيء يربطها بذلك؟ ستكون في ورطة.
 
“……”
 
نظرت مجددًا نحو الباب، وحين تأكدت من غياب أي حركة، مدت يدها نحو الصندوق وفتحته ببطء.
 
“ما هذا…؟”
 
ما وجدت بداخله جعلها تشعر بالحرج من توترها.
 
مجموعة من التقارير والوثائق القديمة.
 
‘كنت أظن أنه سيخفي شيئًا خطيرًا على الأقل…’
 
قطّبت جبينها وأخذت تقرأ بإهمال.
 
“تقرير عن أضرار الوحوش في المنطقة الغربية. سنة 997. نسبة ظهور الوحوش زادت 40% عن العام السابق. الأضرار جسيمة.”
 
بدت بريسيبي محبطة وهي تقرأ.
 
“سنة 998… أنواع الوحوش وأعدادها في الغابة المحرمة خلال السنوات الثلاث الأخيرة… وسنة 999، انخفضت نسبة ظهورها بنسبة 80% مقارنة بالعام السابق…”
 
‘كل هذا أعرفه أصلًا!’
 
دفعت بالأوراق جانبًا وبدأت تبحث أعمق داخل الصندوق.
 
وجدت قائمة بأسماء الأشخاص الذين دخلوا الغابة المحرّمة خلال العشرين عامًا الماضية، من ضمنهم فانيسا.
 
‘إذًا… كان ينوي استخدام هذه المعلومات للسيطرة عليّ؟’
 
تمتمت وهي تشعر بالازدراء.
 
“مجنون لا يملك حتى شيئًا مهمًا… كل ما لديه هو الثرثرة!”
 
لكن فجأة، توقّفت يدها.
 
فقد رأت شيئًا شدّ انتباهها.
 
مخطوطة قديمة بالية… ومعها ورقة مترجمة.
 
“…سِفر النبوءة؟”
 
همست بريسيبي بدهشة وهي تحدّق بالورقة.
 
 
الانستغرام: zh_hima14
             
			
			
		
		
                                            
التعليقات لهذا الفصل " 82"