[◆ اقتل زيغفريد.]
ظهرت نافذة الاختيار الوحيدة، محاطة بنقوش مذهبة، تتلألأ بوميض كئيب ومخيف.
“…….”
وقفت بريسيبي تحدّق في تلك النافذة، ملامحها مشوشة تمامًا.
(ما هذا… بحق الجحيم؟)
لو كانت هناك خيارات متعددة كما في السابق، لربما استطاعت أن تختار شيئًا أفضل. لكن أن يكون هناك خيار واحد فقط… والخيـار هو القتل؟!
صحيح أن زيغفريد كان يثير غضبها، بل وأحيانًا تتمنى موته حقًا.
وإن تذكّرت العذاب الذي مرّت به بسببه في النهاية، فإنها تشعر أكثر بكرهها له.
حتى الآن، مجرد تذكر نهاية زيغفريد يجعلها تتذكر الألم الذي سببه لها عندما أجبرها على تناول السم.
لكن، رغم كل شيء… لم يكن هذا ما تريده.
أن يموت لوحده؟ ربما.
لكن أن تكون هي من تقتله بيديها؟ لا.
[إشعار: إن لم يتم تحديد اختيار خلال ??? ثوانٍ، سيتم فرض ??? عقوبة غير معروفة.]
ومع ذلك، ظهر إشعار جديد مليء بعلامات الاستفهام، كأن اللعبة لم تعد تعمل بشكل طبيعي.
تمامًا كما حدث يوم مهرجان التأسيس، حين بدأت الأعطال تنهار على النظام.
ربما بسبب هذه الأعطال، لم تعد اللعبة تُعيد ضبط نفسها بالكامل عند تجاهل الاختيارات.
فهل يعني ذلك أنه يمكنها تجاهل هذا الخيار وعدم قتل زيغفريد بيدها؟
(لا أريد أن أرتكب جريمة قتل… ليس بيدي…)
كادت تبكي من اليأس، لكن جسدها لم يكن يستجيب لها.
“بريسيبي… سيدة بريسيبي…”
[إشعار: إن لم يتم اتخاذ القرار خلال 3 ثوانٍ، سيتم إعادة ضبط اللعبة.]
ومن خلف نافذة الإشعار، كانت ترى زيغفريد يحدّق بها بتعبير متوتر، لا يفهم شيئًا.
(لا… لا خيار لدي…)
ربما النظام بدأ ينهار فعلًا، لكن لا دليل مؤكد.
وحتى لو حدث الانهيار، فلا أحد يعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك.
بريسيبي، وقد بدا عليها الجمود، اقتربت من زيغفريد خطوة بخطوة، وعيناها ما تزالان خاليتين من التعبير.
ثم… اختارت الخيار الذهبي المتلألئ.
وبدون تردد، داست قدم بريسيبي على يد زيغفريد المتشبثة بحافة الجرف.
“آااااااه…….”
صرخة قصيرة خرجت من زيغفريد، وكان ينظر إليها بعينين ممتلئتين بعشرات المشاعر غير القابلة للوصف.
ولكن…
“قائد الفرسان!”
دخل عدة فرسان إلى المشهد، بملامح متعبة، يبدو أنهم تعرضوا لهجوم مستمر أثناء الهرب.
“هاه…”
أخيرًا، استعادت بريسيبي السيطرة على جسدها، وانهارت جالسة على الأرض وهي تلهث.
بدأ بعض الفرسان في قتال الوحوش، بينما اقترب البعض الآخر لإنقاذ زيغفريد، الذي كاد أن يسقط من الجرف.
“أ-أنا آسفة… سيدي القائد…”
قالت بريسيبي بصوت مرتجف، قبضتها مشدودة على نفسها، ونبرة صوتها تتقطع.
“كنت أريد مساعدتك، لكن… أعتقد أنني تجمدت من الخوف والارتباك…”
عذر مرتجل. فهل سيصدقونه؟
رغم ذلك، شعرت بشيء من الاحتقار لنفسها.
كل ما فعله زيغفريد بها كان كافيًا ليجعله يستحق الموت، لكن…
(كل هذا كان جزءًا من إعدادات شخصيته، أليس كذلك؟…)
كانت تعتقد أن الجميع مجرد شخصيات في لعبة، ليسوا بشرًا حقيقيين.
لكنهم لم يعودوا يبدون كذلك.
لقد بدؤوا يشعرون، ويتصرفون، ويتألمون… مثلها تمامًا.
ما فعلته للتو بدا لها وكأنه محاولة قتل حقيقية.
وبما أنها اختارت خيار البَـغْ، يبدو أنها أصبحت قادرة الآن على التحدث مع زيغفريد بإرادتها…
“سيدة بريسيبي! ماذا تفعلين هنا؟!”
ظهر فينريك، يلهث ويجري نحوها، وقد بدا مصدومًا من رؤيتها في الغابة المحرمة.
وما إن اقترب منها حتى ضمّها فجأة إلى صدره بقوة.
“هل أنتِ بخير؟ هل أُصبتِ؟!”
هل رأت هذا الرجل مذعورًا بهذا الشكل من قبل؟
قطعًا لا.
لطالما بدا متعجرفًا، واثقًا بنفسه، يستطيع التلاعب حتى بالإمبراطور دييتريش.
لكن من العجيب أن بريسيبي، ما إن وجدت نفسها في حضنه، حتى هدأت رعشتها.
كأن جسدها أدرك أنها أصبحت في أمان.
“كيفن! اقتلوا الوحوش مع الفرسان! لسنا بحاجة للقضاء عليهم جميعًا، فقط افتحوا لنا طريقًا للفرار!”
صرخ فينريك بأمر حازم نحو كيفن، بعد أن أدرك أن الوضع لم يعد يسمح بتحقيق أهدافه الأصلية.
يبدو أن أولئك الفرسان الذين ظهروا هم من القادمين من الجهة الشمالية الشرقية، كما كان متوقعًا.
عددهم كان غريبًا، غير مناسب للقضاء عليهم جميعًا دفعة واحدة.
وبما أن بريسيبي الآن معهم، فلا بد من إيجاد طريقة للعودة إلى القرية بأمان مهما كلف الأمر.
“أجل. سيدي الدوق، احمِ السيدة بريسيبي، وسأتولى أمر الوحوش معهم.”
أومأ كيفن باختصار، ثم انضم إلى الفرسان القلائل المتبقين ليشقوا طريقًا عبر جموع الوحوش.
“……”
وبينما كان زيغفريد يلهث بتنهيدات متقطعة، بعد أن نجح بصعوبة في الصعود من حافة الجرف بمساعدة الفرسان، كان يحدق بهدوء في بريسيبي.
بعينين مملوءتين بالشك.
—
بريسيبي، وفينريك، وزيغفريد، وكيفن، والفرسان القلائل الناجين، تمكنوا أخيرًا من الخروج من الغابة المحرمة.
وكما لاحظ زيغفريد، لاحظ فينريك أيضًا شيئًا غير متوقع طوال طريقهم للخروج:
الوحوش لم تهاجم بريسيبي، قط.
صحيح أنه قاتل بكل قوته لحمايتها، لكن مع عدد الوحوش المهول الذي واجهوه، كان من المستحيل منع أي ضرر عنها لو كانت هدفًا.
ومع ذلك، كل تلك الوحوش… لم تلمسها.
اكتفوا فقط بالنظر إليها بعينين باردتين، ثم صرفوا أنظارهم.
زيغفريد لا بد أنه أدرك ذلك أيضًا.
بل إن فينريك سمع بوضوح ما قاله اثنان من الفرسان وهما يتساندان ويغادران الغابة مثخنين بالجراح:
[تلك الفتاة… حاولت قتل القائد زيغفريد. لم تساعده، بل داست يده!]
[قالت إنها كانت مذعورة وتصلبت من الخوف، لكن من يصدق ذلك الهراء؟]
لم يعد فينريك قادرًا على توقع ما ستؤول إليه تبعات ما حدث اليوم.
في النهاية، زيغفريد هو أحد رجال دييتريش، ومن المؤكد أن هذا الخبر سيصل إلى مسامعه.
وما إن خرجوا من الغابة أخيرًا، حتى تلقوا خبرًا سيئًا آخر بانتظارهم عند المدخل:
لم تكن فرقة فينريك وحدها من تعرضت لهجوم الوحوش.
بل تجاوز عدد القتلى نصف القوات.
الجميع أجمَعَ على أمرٍ واحد:
مؤخرًا، كانت وتيرة ظهور الوحوش قد انخفضت كثيرًا… فما الذي تغيّر فجأة؟
لم يستطع أحد الإجابة.
وبالطبع، أُعلن وقف التحقيق في الغابة المحرمة.
زيغفريد، المصاب بجروح بالغة، عاد إلى خيمته مع الفرسان الناجين.
أما فينريك، فقد اصطحب بريسيبي وعاد بها إلى القرية.
—
“…….”
في غرفة مظلمة وقد أُطفئت أنوارها، جلست بريسيبي على السرير، محتضنة نفسها، وجهها شاحب وجاف.
(ما كان عليّ الاستماع لذلك اللعين.)
كان عليها أن تعود مباشرة إلى القرية منذ البداية.
فما الذي حصلت عليه من ذهابها إلى ما يُسمى بـ”حبل الوحوش السري”؟
لم تجد أدنى دليل عن موقع ملك الشياطين.
بل وواجهت زيغفريد، وأثارت شكوكه، وعرضت فينريك للخطر.
بل كاد زيغفريد يموت بسببها فعلاً.
آثار موت آتاري هانان ونواه دوڤير لم تؤثر بها كثيرًا، لأنها لم تقتلهم بيدها.
لكن عندما يكون القتل بيدها هي… الأمر مختلف تمامًا.
حتى إن زيغفريد، رغم ما فعله بها، قاتل بجنون ليحميها.
(ولو لم يُجبر على القتال من أجلي، لكان خرج بحالة أفضل…)
قالوا إن الوحوش هاجمت قبل وصولهم، ولكن ذلك لم يُخفف من ذنبها.
العار كان يغمرها كموجة جارفة لا تنتهي.
(لابد أن فينريك لاحظ الأمر أيضًا. أن الوحوش لم تهاجمني قط.)
صحيح أنه سألها بلطف عمّا إذا كانت تبحث عن والدها،
لكن لا بد أنه شكّ فيها حين رآها وسط أعتى مناطق الغابة المحرمة، والوحوش لا تقترب منها.
ماذا كان يدور في ذهنه حين رآها تقف هناك بكل هدوء؟
(ماذا لو صار ينظر إليّ كما ينظرون إلى الوحوش؟)
أغمضت بريسيبي عينيها بقوة، ترتجف في صمت.
ثم، سُمِع صوت باب يُفتح بهدوء.
رفعت رأسها ببطء، كانت ما تزال تغطي وجهها بيديها.
وحين أبعدتهما، التقت عيناها بعيني فينريك، الذي كان يقف هناك… يحدّق بها بصمت.
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 69"