آخر ما رأته هو مشهد فينريك وهو يغرس سيف فانيسا في قلب فيدار.
“فينريك!”
لكن العالم من حولها غمره السواد من جديد، ولم يبقَ شيء يُرى.
لا فينريك، ولا فيدار.
لم يعد هناك أثر لهما، ولا حتى صوتٌ يصل إليها.
عالقةً في الظلام، بدأت بريسيبي تركض، تركض بلا توقف إلى الأمام، كأنها تؤمن أن الركض وحده سيجعلها تفلت من هذا المكان.
لكنها أدركت سريعًا أن كل جهدها بلا جدوى.
فالمشهد لم يتغير مهما ركضت.
لقد كانت وحيدة داخل عالم متوقف عن الدوران.
“…….”
بوجهٍ يعلوه القنوط جلست بريسيبي على الأرض، ساقطة بلا حول.
… هل ماتوا جميعًا؟
هل سأبقى هنا هكذا، حبيسة هذا المكان، أعيش أبدًا دون أن أموت أو أحيا؟
وحيدة؟
حتى الدموع لم تعد تنزل من عينيها.
نظرت بريسيبي أمامها، بعينين فقدتا كل بريق، شاخصةً إلى الظلام الحالك.
وتردّد في داخلها:
كل هذا بسببي.
إنه خطئي أنا.
بسببي انتهى كل شيء على هذا النحو.
لكنها كانت تعرف في أعماقها أن ما حدث لم يكن ذنبها وحدها.
ومع ذلك، لم يكن بوسعها في هذه اللحظة سوى أن تلوم نفسها، وتلقي على عاتقها كل الوزر.
تغرق في العذاب بصمت…
ربما كان هذا كله عقابًا مستحقًا.
ولهذا السبب لا تستطيع العودة إلى الواقع، ولهذا السبب عالقة هنا، في هذا العالم الوهمي، تائهة إلى الأبد.
بعد أن فقدت حتى من كانت تحب.
دموع امتلأت في عيني بريسيبي البنفسجيتين، العالقتين في الظلمة.
[بريسيبي في القفص.]
وفجأة، في تلك اللحظة، تناهى إلى سمعها من بعيد صوت يون جو يون.
[بريسيبي التي جرى في دمها دم الوحوش، وفقدت مكانتها، وتعرضت للخيانة فلم تعد تثق بأحد، هي التي حبست نفسها داخل قفصها، لتخرج في النهاية وتواجه العالم.]
“…….”
[عنوان “القفص” لا يعني قفصًا حقيقيًا، بل هو الجدار الذي شيّدته بريسيبي حول قلبها الجريح.]
نعم.
هذا هو النوع من القصص الذي كنت أريد أن أكتبه.
بريسيبي التي تختلف عني في الشكل والاسم والصوت، لكنها تشبهني في أشياء كثيرة، تعيش النهاية التي لم أستطع عيشها.
قصةٌ عن الخروج من القفص الذي صنعته بيديّ، والعيش في سعادة، ولو كانت الحياة حزينة أحيانًا، مؤلمة أحيانًا، قاسية أحيانًا.
قصةٌ عن الاستمرار والمقاومة والعيش مثل سائر البشر.
بريسيبي ضمّت جسدها بذراعيها وأجهشت في بكاءٍ مكتوم.
نعم… كنت أريد أن أكون سعيدة.
لا أن أعيش حياة مطاردة بالقتل والخذلان والاغتصاب وإلحاق الأذى بالآخرين، حياة تتكرر فيها المآسي إلى ما لا نهاية.
كنت أريد شخصًا يراني حقًا، يحتاج إليّ.
وإن أمكن، أن أحتوي آلامه كما احتواني هو.
كما كنت منذ أن سقطت في هذا العالم الملعون.
لا أُساق بخياراتٍ مجبرة أو إعدادات مفروضة أو نظام لا مفر منه، بل أعيش وفقًا لاختياري أنا.
تمامًا كما فعلت في البداية، عندما كسرت مسار اللعبة لأول مرة وأعطيت فانيسا سيفها إلى فينريك.
هل كان خطأً أنني اتخذت ذلك القرار؟
لو لم أفعل، هل كان كل هذا الألم سيقل؟
لكن فينريك قالها بوضوح:
حتى لو عاد إلى تلك اللحظة ألف مرة، سيعيد الاختيار ذاته، وستتكرر الأحداث كما هي.
وكذلك بريسيبي… لم تكن مختلفة عنه.
في هذا العالم القاسي، إن كان بوسعها أن تلقاه مرة أخرى… فلتعد كل هذه المعاناة.
[بريسيبي.]
في لحظة، هبط على مسامعها صوتٌ لطيفٌ وحنون، كأنه يواسيها، يطمئنها.
[كل شيء سيكون على ما يرام.]
لقد كان صدى ذكرى بعيدة.
تمامًا كما كان في أول لقاء… كما في يوم ذهبا معًا إلى المهرجان.
[أعلم أنكِ خائفة ومضطربة. لكن هذا كله مجرد مرحلة. فلا تدعي الخوف يعزلُكِ وحدكِ.]
… الآن، لم تعُد بريسيبي وحدها.
مع الصوت المنخفض الذي هبط برفق، صوت فينريك الهادئ، لاح أمامها نورٌ باهت في البعيد.
بريسيبي نهضت مترنّحة، وكأن قوة خفية جذبتها.
[بريسيبي، أنتِ شخصٌ ثمين بالنسبة لي. هذه الحقيقة وحدها لم ولن تتغير أبدًا. بالنسبة إليّ.]
كل خطوة كانت تخطوها، كان صوتٌ من الماضي يتردد في أذنها.
[أنا فقط… أحبكِ. وأستطيع أن أهب حياتي كلّها، إن كان ذلك يقربني إليك.]
كأن ذلك الصوت يواصل تشجيعها.
[سأنتظرك. مهما طال الزمن. حتى تنظرين إليّ بالقلب نفسه، ذلك ما أجيده أكثر من أي شيء آخر، وما فعلته دومًا، ولن يتغير بعد الآن.]
“…….”
[أحبيني.]
إن لم يكن كل شيء قد انتهى بعد…
إن كان هناك سبيلٌ آخر للقاء…
خطوات بريسيبي راحت تتسارع شيئًا فشيئًا.
[لطالما قلتها لك. أنني سأحميك. مهما كان خصمك، لا يهم. هذا في الماضي، والحاضر، والمستقبل. عليك فقط ألّا تنسي ذلك. فأنا، في أي زمان أو مكان، سأجدك من جديد.]
دائمًا كان يجدها، مهما التبست الطرق وتشابكت الأحداث.
يراقبها، يحميها، ويقترب منها.
فهل يُمكن أن يحدث ذلك مجددًا؟ أم أن هذا النور المنهمر مجرد وهم صنعته هي؟
لكن تلك المخاوف لم تستطع أن تُقيد بريسيبي في الظلام أكثر.
وحين استعادت وعيها، وجدت نفسها تركض كالمجنونة.
نحو ذلك الضوء، الذي لم يعد خافتًا، بل يزداد وضوحًا كلما اقتربت.
ولم يطل الأمر حتى اجتاحها ضوءٌ ساطع كالشمس، يبتلعها من كل الجهات.
لم تعد هناك ظلمة، بل امتلأ كل شيء بالضياء.
لكن القوة التي حملها ذلك النور كانت هائلة، تمزق كيانها من الداخل.
شهقت بريسيبي بشدة، وأغمضت عينيها بقوة.
وآخر ما سمعته كان……
[أريد أن أبقى إلى جانب الدوق.]
كان صوتها هي.
[هل… هل يُسمح لي بذلك؟]
[نعم.]
[طالما أنه اختياركِ أنتِ، فهذا وحده يكفي.]
كان هذا رد فينريك، بصوته الحنون الدافئ.
وكان ذلك آخر ما وصلها.
لم تعد تسمع شيئًا، لم تعد تشعر بشيء.
وفي ذلك الصمت الغامر، فتحت بريسيبي عينيها المثقلتين.
بأقصى جهد.
“بريسيبي.”
كان الصوت الذي أيقظها صوتًا مألوفًا جدًا، لا يُمكن أن تخطئه.
“بريسيبي؟”
لم يصل جواب، فراح الصوت ينادي اسمها مرارًا.
ثم طرق الباب بخفة.
“المعذرة، لكن سأدخل.”
انفتح الباب بصرير، وحينها استعادت بريسيبي وعيها أخيرًا.
ورأت أمامها إيلا، ثم تطلعت سريعًا حولها.
إنه البرج.
… ما الذي حدث؟
هل عادت إلى البداية مرة أخرى؟
هل أعاد فيدار الزمن بآخر قواه… قبل أن يتمكن الدوق فينريك من قتله؟
إذن، ماذا عن الدوق؟
وماذا عن بقية الشخصيات؟
انعكست على عيني بريسيبي المربكتين ملامح إيلا، التي نظرت إليها بشيء من الاستغراب.
وحينها أدركت بريسيبي الحقيقة.
لقد عادت إلى نقطة البداية المعتادة…
لكن الاختيار الذي كان يظهر دومًا قبل أن تطرق إيلا الباب، لم يظهر هذه المرة.
“… إيلا.”
ثم إنها الآن قادرة على الكلام والحركة بإرادتها، رغم أن اللعبة قد بدأت مجددًا.
“جلالتكم أمرتني أن أحضر بريسيبي حالًا… بريسيبي!”
لم تُكمل إيلا كلامها.
فبريسيبي اندفعت تدفعها من كتفها، وركضت بجنون إلى الخارج.
“بريسيبي! انتظري… بريسيبي!”
إيلا المذعورة لحقت بها، لكنها لم تستطع مجاراتها.
«الدوق… الدوق فينريك…»
هل أصابه مكروه؟
لكن إن كنت أنا قد عدت حيّة، فلا بد أنه بخير أيضًا.
لم يمت… لا بد أنه بخير.
راحت بريسيبي تتمتم في داخلها بذلك الرجاء مرارًا، وكأنها بإصرارها هذا ستجعله يظهر أمامها سالمًا.
وعندها تمامًا…
“آه!”
ارتطمت بريسيبي بأحدهم، وأطلقت صرخة قصيرة وهي تتعثر.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات