“هل أدركت الآن يا فيدار؟ منذ البداية كنت مختلفاً عنك.”
“……”
“إعدادات اللعبة أو النظام… ليست سوى أعذار لا أكثر.”
في عتمة حالكة، انسكب صوت فينريك العميق ببطء فوق سكون ثقيل.
لم تقل بريسيبي شيئاً، واكتفت بالنظر إلى فيدار الواقف بلا حراك.
كان يبدو وكأنه غارق في الفوضى… أو ربما في اليأس. لا، بل ربما في الاثنين معاً.
ورغم ذلك، كان مظهره أقرب إلى طفلٍ حُشر في زاوية، يائس لكنه ما زال يريد العناد والبكاء، الأمر الذي جعل بريسيبي تعجز عن العثور على كلمة مناسبة.
ما الذي يفكر فيه حقاً؟
هل ما زال يملأه الحقد ويريد قتلها؟
لم يكن ممكناً أن تعرف.
“لا… ليس هكذا.”
وبعد زمن ليس بالقصير، حرّك فيدار شفتيه بصوت متحشرج، كمن يحبس شيئاً في صدره.
“هل تدرين ماذا يعني أن تعيش آلاف السنين… مجبَراً على حياة لم تخترها قط، بلا أي صلة بإرادتك؟”
في النهاية، أنتم لم تفهموا شيئاً. لم تفهموا وحدتي، لم تدركوا غربتي، ولا حتى ربع معاناتي.
…ربما، فكّر فينريك، ربما كان فيدار على حق.
هو نفسه قد عاش مع بريسيبي تكرارات لا تُحصى، لكن كل تلك الدورات لم تساوِ نصف ما عاشه فيدار وحده.
وهو، ومعه سائر الشخصيات الأخرى من الرجال، كانوا يعيشون بين الناس.
أما فيدار فقد قضى عمره في حرب لا تنتهي مع بشرٍ لم يكفّوا عن مهاجمته.
حياة كهذه… لا يمكن لفينريك أن يفهمها.
لكن ما يهم في النهاية…
“لو كنتُ أملك قوتك منذ البداية… لا، لو كنتُ أنا مكانك.”
قال فينريك بصوت ثابت لا يعرف التردد:
“لما تركت بريسيبي تموت.”
“……”
“كما لم أفعل هذه المرة أيضاً.”
كان سيجد حلاً مهما كلّف الأمر. ولو انهارت اللعبة برمتها.
ولو اضطر أن يقتل كل شخصية فيها بيديه.
لكنه لم يكن ليسمح أن تذبل بريسيبي وحدها مثل زهرة مهملة حتى تفنى.
لم يكن ليقف متعالياً، يراقبها من بعيد وكأنه يملك كل الأجوبة، مكتفياً بالحراسة الصامتة.
حتى لو حدث أن تمرّدت بريسيبي في النهاية وأصرّت على أن تتركه لتعود إلى واقعها…
فهو على يقين أنه كان سيحميها. لو فقط امتلك قوة فيدار.
“……”
لم يكن على وجه فيدار، الواقف أمامهم، أي تعبير.
كان وجهه أشبه بورقة خريفية جافة، تتفتت لو لامستها أصابعك.
لم يكن أنه لم يفهم كلمات فينريك، بل الغريب أنها كانت كأنها تتطاير مع الريح قبل أن تبلغ أذنيه.
كان يستوعبها… لكنه لا يستطيع أن يستوعبها.
…كيف يمكن أن يكون هذا ممكناً؟
لا يحصي كم مرة أعاد ترديد الأمر داخله.
ذلك التوق إلى من لم يظهر له ظلّ ولو مرة واحدة، رغم طول الانتظار.
تلك الليالي التي لم يكن فيها اسماً يناديه بصوت عالٍ، فلم يجد إلا أن يحدّق في بدرٍ موحش ليبتلع يأسه.
كل ذلك… لم يقدر فيدار أن ينساه.
ولهذا، لم يستطع أن يغفر لبريسيبي.
لكن…
[لقد عبثوا بكل الشخصيات كما أرادوا. لم تكن قصتي الأصلية بهذا السواد.]
رنّ فجأة في أذنه صوت يون جو-يون، ذاك الصوت الذي سمعه في الوهم من قبل.
[أنا فقط أردت أن أكتب حكاية سعيدة.]
فإن لم تكن كل هذه اللعنة موجهة أصلاً إلى بريسيبي…؟
أدرك فيدار بحدسٍ خفي أنها، هي الأخرى، لم تكن سوى ضحية.
…فما الذي كنتُ أقاتل من أجله حتى الآن؟
ماذا حصلتُ عليه؟
وماذا فقدتُ؟
[أياً تكن إعداداتي، لا يهم. فأنا سأصنع كل شيء بنفسي.]
وربما كان في تلك اللحظة التي أدرك فيها اختلافه التام عن فينريك… قد عرف الحقيقة.
أنه لم يحقق شيئاً.
لم ينل شيئاً.
وأن كل ما فعله هو الخسارة… أن يفقد بريسيبي إلى الأبد.
لكنه لم يملكها يوماً… فكيف فقدها؟
“فيدار…”
بريسيبي كانت تحدّق في فيدار بوجه غارق في مشاعر شتى.
أي كلام ينبغي أن تنطق به؟ أي حديث يمكن أن يبدأ؟
أنا ما زلت غير قادرة على أن أعطيك الجواب الذي تريد.
ألن تبدو كلماتي في عينيك مجرد رياء؟
“……”
وفيدار هو الآخر كان يواجه بريسيبي بلا أي حركة.
لوم، كراهية، شوق، حزن، حب.
مشاعر لا اسم لها كانت تتلاطم وتخنق أنفاسه.
ومع ذلك، فيدار كان يعرف جيدًا.
كما قال فينريك، هو يختلف عنه تمامًا.
ولذلك فإن النهاية بين بريسيبي وبينه، كما بين بريسيبي وفينريك، كانت مرسومة سلفًا.
“تعرفين ذلك…؟”
قال فيدار بصوت مبحوح.
“أحيانًا يكون بعض اللوم… غامراً وعميقاً إلى درجة أنه ينقش في الروح. نعم، تماماً مثل الوشم على صدر فينريك. ولذلك، حتى وإن بذلت المستحيل، فلن تتمكني من محوه.”
نعم، تماماً مثل مشاعري نحوك.
ابتسم فيدار بسخرية باهتة.
“أنا لست كفينريك.”
“……”
“ولذلك لن أسامحك أبداً، حتى النهاية.”
لم يعد يعرف.
ما الفرق بين ما يسميه الناس حبًّا يربط بريسيبي وفينريك، وبين هذا الحقد؟
الاثنان يطلبان الشيء نفسه، فلماذا؟
لقد نسي منذ زمن بعيد كيف يتوقف عن كراهية بريسيبي.
ولذلك لم يعد هناك سبيل للعودة.
لا، بل لو لم يحتفظ في قلبه حتى بهذه المشاعر العفنة، فلن يبقى له شيء على الإطلاق.
وذلك وحده كان بغيضاً إليه.
“……بريسيبي، أتمنى أن تظلي دوماً في عذاب.”
تابع فيدار كلامه ببطء.
“أنك متِّ في الواقع.
وحتى لو حاولتِ إغواء البطل الحقيقي، فلن تستطيعي الهرب من هذا العالم.”
“……”
“ثم أيضاً…”
وعلى عينيه الزرقاوين انعكست الجروح المتعفنة تحت عظمة الترقوة.
حتى لو أعاد اللعبة مرة أخرى إلى بدايتها بآخر ما يملك من قوة، فقد يختفي إلى الأبد.
فالجراح التي سببها ما لا ينتمي إلى هذا العالم لن تندمل حتى بالعودة إلى نقطة الصفر.
“……انسِي كل ما مضى، وامضِ في عالم يخلو مني، تبحثين عني بلا نهاية.”
أن تبقي عاجزة، لا تفعلين شيئاً سوى الانتظار.
وحيدة، وفي عذاب دائم.
كما كنتُ أنا.
عندها فقط، سأبقى عالقاً في أعماقك.
كما فعلتِ أنت بي.
ومن أطراف أصابع فيدار، بدأ الضباب الأسود يتدفق مجدداً.
هبت عاصفة رملية عاتية، وتعالت أصوات منسيّة.
أتاري هانان، نواه دفيرن، إيفان، زيغفريد، ديتريش.
“آه، لا…”
في كل مكان، مشاهد مألوفة أخذت تختلط وتطفو.
رأس زيغفريد وديتريش وهو يتدحرج مفصولاً.
لقائي بفينريك من جديد.
قرية فانيسا وهي تتعرض للهجوم.
فيدار وهو يختطفني.
البرج الغربي من القصر الإمبراطوري وهو ينهار بعد أن التهمته النيران.
إيفان يضحك وهو يمسك بشعري.
لحظة الدعاء مع فينريك.
وحتى موت أتاري هانان، أول خلل في هذه الدورة، كان يعاد مشهداً بمشهد، وكأنه يُبثّ بالعكس.
“……”
مثلما حدث حين اختفى كتاب الذاكرة، بدا فيدار وكأنه قد يتلاشى إلى غبار إذا لامسه أحدهم بقوة.
جسده كان يتسرب منه الضوء عبر ثقوب متناثرة، كأن النيران التهمته.
لم أُرِد هذا.
كرهتك، لكنني لم أرد أن ينتهي الأمر هكذا…
وبريسيبي تبكي بصمت، تختنق بالمشاعر.
في تلك اللحظة، ضمّتها ذراعان دافئتان بقوة.
“ألم أقل لك دوماً؟”
إنه صدر فينريك.
“أنني سأحميك.”
“……”
“أيًّا يكن من أواجه، لا يهم. كان ذلك في الماضي، وهو كذلك الآن، وسيظل كذلك في المستقبل. يكفي ألا تنسي هذا.”
“دوق فينريك…؟”
“سأجدك مجدداً، أينما كنتِ، ومهما كان الثمن.”
وكان ذلك الختام.
ابتسم فينريك ابتسامة هادئة، ثم طبع قبلة على شفتيها.
قبلة قصيرة جداً.
“فينريك!”
مدّت لتتمسك به، لكن حركته كانت أسرع بكثير.
قبض على سيف فانيسا بإحكام، وانقض مباشرة على فيدار.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات