مكتب صغير لا يتسع سوى لوضع حاسوب محمول واحد، وعدة أكياس دواء تتدحرج على الأرض. رائحة خانقة تفوح من المكان لغياب التهوية.
بريسيبي، التي عادت إلى هذا المكان المألوف الآن، وقفت تحدّق بصمت في “يون جو-يون” الجالسة أمام المكتب.
“هذا مختلف عما قلته في البداية! كيف يمكنك أن تغيّري القصة كما يحلو لكِ؟”
<كتاب إعدادات “بريسيبي في القفص”>
في يد “يون جو-يون” التي كانت تتحدث بالهاتف، كان هناك دفترٌ سبق أن رأته بريسيبي.
“لعبة حريم عكسي مأساوية؟”
<……نهاية كل شخصية رجالية ستكون سعيدة أيضًا، لكن بما أن فيدار هو البطل الحقيقي، يجب أن يكون له شيء مميز.>
أطلقت “يون جو-يون” ضحكة جافة، وكأنها لا تصدّق ما تقرأ في كتاب الإعدادات.
[بهذا الشكل، سيزداد تأثير البطل الحقيقي أكثر.]
“لكن هذا يختلف تمامًا عن القصة التي كتبتها.”
[ربما لا تعرفين، لكن في هذا المجال، الأهم ليس القصة المحكمة أو الحبكة المتقنة. بل أن تكون القصة صادمة ومثيرة.]
وعبر الهاتف العتيق، انبعث صوت رجل. تجعّدت ملامح “يون جو-يون” بأقصى ما تستطيع، ثم قالت بحدة وكأنها لا تستطيع تقبل ذلك:
“إذن، ألم يكن من المفترض أن تخبروني منذ البداية؟ أن القصة قد لا تسير حسبما كتبتها؟ وأنها قد تتعرض لتعديلات جذرية؟ على الأقل كان عليكم إعطائي تلميحًا. لم يُذكر أي شيء من هذا في العقد!”
[الآن وبعد أن وُقّع العقد، ما الفائدة من التمسك به؟ السوق يريد الإثارة، ونحن لا نملك إلا أن نتشبث بالسوق.]
“…….”
[بصراحة، مجرد الاحتفاظ بشخصية فيدار يُعتبر مكسبًا. هذه الشخصية فقط سنتركها تمضي وفق القصة الأصلية. هذا وعد.]
“لا، انتظر لحظة…….”
[سأغلق الخط الآن. اعتني بصحتك.]
أرادت “يون جو-يون” أن تقول شيئًا آخر، لكن الرجل أنهى المكالمة ببرود دون أدنى تردد.
حدّقت هي في الهاتف المقطوع بذهول، ثم رمت به بإهمال على المكتب. بعدها خفضت رأسها وهمست:
“هذا لا يُعقل… كيف يمكن أن أفعل بشخصياتي التي صنعتها بنفسي مثل هذا…….”
ها.
ارتجفت أطراف أصابعها قليلًا.
“هراء يسمونه مأساة. إن كانوا يريدون هذا النوع من الكتابة، لكان عليهم أن يطلبوا من شخص آخر غيري. لماذا أنا بالذات……!”
ضربت المكتب بقبضتها بعنف، فانزلق <كتاب إعدادات بريسيبي في القفص> وسقط متدحرجًا على الأرض.
“لم أرد أن أكتب شيئًا كهذا…….”
إذن؟
ماذا كنتِ تريدين أن تكتبي؟
بريسيبي حدّقت إليها بعينين شاردتين.
“……كح.”
من بين شفتي “يون جو-يون” التي كانت ترتجف من الغضب، خرج سعال خافت. التقطت الدواء بسرعة كما اعتادت دائمًا، ثم أطلقت تنهيدة طويلة وهي تحدّق في كيس دواء فارغ.
“……كنت أريد فقط أن أتأكد من موعد الحجز.”
ـتمريرـ
وبيدها الهاتف، أجرت “يون جو-يون” اتصالًا ما، تتحقق على عجل من موعدٍ بدا وكأنه موعد مع المستشفى.
وبعد أن أنهت مكالمتها، لم تستطع أن تترك الهاتف من يدها. أخذت تتصفح سجل الأرقام، تبحث عن أحد.
لكن هاتفها لم يكن يحوي تلك الأرقام المعتادة.
لا أم، ولا أب. لا أخت، ولا أخ. لم يكن هناك أي أثر للعائلة.
فقط رسائل متراكمة، باردة، متوعدة، تخبرها بأنها متأخرة في السداد.
“الآخرون، في مثل هذه اللحظة، يتصلون بأحد ليشكون همومهم. أما أنا، التي وُلدت بلا والدين ولا أصدقاء، فلا أجد سوى مرارة تجعل الحياة لا تُحتمل.”
ارتسمت على وجه “يون جو-يون” ابتسامة ساخرة مليئة بالخذلان. ثم ما لبثت أن أراخت جسدها فوق المكتب، تتمتم وحدها:
“حقًا…… أكره هذا…….”
حدّقت بريسيبي بوجهٍ خالٍ من التعبير في يون جو-يون التي كانت تهذي وكأن روحها غابت عنها.
كان ذلك غريباً حقاً.
فأشعة شمس الصيف المتدفقة من نافذة صغيرة بحجم كف اليد غمرت وجهها بالضياء، والغرفة الضيقة التي بدت سابقاً مظلمة ومحبوسة لم تكن الآن سوى مشرقة.
ومع ذلك، كانت جو-يون تبدو وكأنها تبكي، رغم أنها لم تذرف دمعة واحدة.
“……”
لم تقل جو-يون شيئاً آخر.
بدلاً من ذلك التقطت كتاب الإعدادات الذي كان يتدحرج على الأرض، وضمتَه إلى صدرها بوجهٍ يفيض أسى.
ثم ما إن أغمضت عينيها وفتحتهما، وجدت بريسيبي نفسها في الشارع.
…أين أنا؟
بينما كانت تدير بصرها بتوجس، وقعت عيناها على مستشفى ضخم يلوح في الجهة المقابلة.
وما لبثت أن التفتت حتى رأت جو-يون تمشي على بُعد خطوات أمامها.
هل عادت تواً من المستشفى؟
لا تدري كم مضى من الزمن، ولا أيّ شتاء تتابع بعد ذلك، لكنّ الأرض وكل الأفق كان مغطّى بالثلج الأبيض.
كان البرد لزاماً أن يكون قارساً، لكن جو-يون لم تكن ترتدي سوى سترة خفيفة بالية، تمشي بلا مقصد، تحمل في يدها كيساً بلاستيكياً شفافاً يضم أدوية.
كانت شاردة الذهن، كأنها غابت عن هذا العالم.
لماذا هي هكذا؟
اقتربت بريسيبي منها بخطوات مترددة، لكنها توقفت فجأة.
كان وجه جو-يون شاحباً جداً.
لونها باهت، وجسدها بدا أضعف وأنحف مما كان عليه من قبل.
والسعال لم يكن يتوقف، حتى إنها كانت تكتم فمها بيدها النحيلة وتصدر أنيناً خافتاً.
أما المارة فقد رمقوها بعيون متأففة، ومع ذلك كانت تنكمش أكثر فأكثر.
“……”
وبينما كانت تمشي بخطوات متعثرة، توقفت فجأة.
كانت عيناها مثبتتين على مكان ما أمامها.
كان ذلك متجراً.
وعلى واجهته عُلّق ملصق كبير كتب عليه:
<صدور لعبة بريسيبي في القفص!>
وكانت على الملصق وجوه مألوفة لـ بريسيبي.
<اللعبة الأشد ظلاماً من نوع الهاريم المعكوس. لا أحد يستطيع النجاة بسهولة. الآن… جرب أن تغزو قلوب شخصياتك>
وكذلك تلك العبارات الجارحة.
“……”
ارتجف بصر بريسيبي وهو يحدق في الملصق، بلا بصيص من نور.
ثم تابعت سيرها مترنحة، متظاهرة بأنها لم ترَ شيئاً.
“كح، كح…”
لم تكن سوى لحظة سرحت فيها بعينيها نحو الملصق، حتى وجدت بريسيبي نفسها مجدداً داخل تلك الغرفة الضيقة، مع جو-يون الممددة على السرير.
كانت جو-يون تحاول النهوض مترنحة، لكنها بدت بائسة وكأنها ستسقط ميتة في أي لحظة.
ومضى وقت لا تعرف بريسيبي مقداره، حتى مدت عنقها لتنظر من خلال النافذة نصف المفتوحة.
لم يكن هناك أثر للثلج الأبيض الذي رأته سابقاً.
كان كل ما يطير في الهواء مجرد أوراق جافة ذابلة، تشبه جسد جو-يون المنهك.
“……”
بأصابعها الهزيلة التي لم يبقَ فيها سوى العظم، أسدلت الستائر كيفما اتفق، ثم ابتلعت الدواء كما اعتادت أن تفعل بلا مبالاة.
بعدها جلست بصعوبة أمام مكتبها.
وكانت شاشة الحاسوب مليئة بالمقالات ذات العناوين نفسها:
<خارج القفص: بريسيبي يفشل في المبيعات خلافاً للتوقعات>
<شكاوى متتالية تطالب بالاسترداد بسبب أخطاء في اللعبة>
<إفلاس نهائي لشركة تطوير خارج القفص: بريسيبي>
التعليقات كانت أقسى:
أي لعبة قمامة هذه؟ حتى لو صُنعت بالأقدام لكانت أفضل من هذا.
“……”
الحبكة كلها مشوهة، والشخصيات مجنونة. خدعونا بالحديث عن بطل ذكري رئيسي، لكن كل شيء كان عبثياً.
[لأكون صريحاً، على الأقل شخصية “فيدار” ستبقى كما في القصة الأصلية. هذا وعد.]
لكن كان كذباً، لا أكثر.
استعادت بريسيبي صدى صوت ذلك الرجل المجهول عبر الهاتف.
“لديك طرد.”
جاء الصوت فجأة، فالتفتت بريسيبي، وكذلك فعلت جو-يون.
ترنحت الأخيرة واقفة، ثم أخذت الطرد الصغير الذي تركه عامل التوصيل عند الباب، وعادت به إلى الداخل.
جلست على الأرض وبدأت تمزق الغلاف.
مزّقت الملصق بشراسة، وقصّت الشريط اللاصق.
“هُه…”
وانهارت تبكي بصمت، دون صوت.
“لم أكتب هذه القصة لأسمع مثل هذا الكلام…”
ارتجفت السكين الصغيرة بين أصابعها.
“أنا فقط… أردت أن أكتب قصة مثل قصتي…”
قصة مثل قصتها؟
تعثرت أنفاس بريسيبي حين سمعت كلماتها.
الآن فقط بدأت تتذكر بوضوح.
لماذا صنعت تلك اللعبة؟
ولماذا كتبت هذه القصة الملعونة؟
<بريسيبي في القفص: فتاة تحمل دماء الوحوش، جُردت من مكانتها، وخانتْها الحياة حتى لم تعد تثق بأحد. لكنها، وقد سجنت نفسها داخل قفصٍ صنعته بيديها، تقرر أخيراً أن تخرج لتواجه العالم.>
“……”
<القفص هنا ليس مجرد كلمة، بل جدار نفسي بنته بريسيبي حول قلبها المجروح.>
حياة بائسة بلا عائلة ولا أصدقاء.
كل ما كانت تجيده هو الهروب إلى القصص المتخيلة، علّها تواسي نفسها بها.
تُركت منذ طفولتها، فلم تعرف معنى الثقة، ولا عاشت علاقات بشرية طبيعية.
وكان جسدها ضعيفاً حتى اللعنة، ولم يكن هناك من يمد لها يد العون.
ومع الوقت، اعتادت على تلك الحياة.
نعم، فما الذي يهم؟ أنا لا أحتاج أحداً.
لكن… ربما كانت وحيدة بالفعل.
رغم أنها لم تفهم ما هو ذلك الشعور.
ربما لهذا أرادت أن تكتب قصتها — عن بريسيبي التي حُبست في قفص صنعته لنفسها، ثم تجرأت أخيراً لتخرج وتلتقي بالآخرين…
“…سأتأكد بنفسي.”
حينها، أمسكت جو-يون شيئاً كان بداخل الصندوق.
كان قرصاً لامعاً كُتب عليه بخط واضح:
<بريسيبي في القفص>
“سأرى بعيني… بنفسي!”
وهي تعض على شفتيها بعزم، جلست جو-يون أمام الحاسوب، وعيناها الحمراوان تحترقان.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات