ثم فجأة، ارتفع عاليًا في السماء الضبابية، على عكس ما كان يفعل طوال الطريق.
كان يطير بعيدًا، لكنه يعود ليلتفت نحوه مرارًا.
هل يطلب منه الانتظار؟
لو كان يريد منه أن يلحقه، لما تركه وحيدًا.
ورغم أن الأمر بدا جنونًا، قرر فينريك أن يستسلم لحدسه.
كما فعل حين خرج وحده من المعسكر، متكلًا فقط على هذا الطائر الصغير حتى قاده إلى هنا.
“……”
الليل على ضفاف البحيرة كان هادئًا على نحوٍ مخيف.
لم يُسمع سوى صفير الرياح، وعواء وحش بعيد في أعماق الغابة.
وقف فينريك وحده أمام الماء، ينظر إلى انعكاس وجهه على سطح البحيرة.
متى كانت آخر مرة رأى نفسه هكذا بوضوح؟
منذ اختطاف بريسيبي، لم يعرف سوى مطاردة فيدار بجنون داخل الغابة.
لم يترك لنفسه لحظة واحدة ليلتقط أنفاسه.
والآن، بدا وجهه المنعكس غريبًا عليه.
لم يكن يبتسم أبدًا.
ماتت ملامحه، كأنها وجه جثة بارد لا حياة فيه.
كما كان قبل أن يلتقي بريسيبي.
“……”
عيناه الحمراوان، اللتان كانتا تحدّقان في انعكاس وجهه على سطح الماء، امتلأتا بضوء البدر الخافت المنعكس على صفحة البحيرة.
ببطء رفع فينريك رأسه.
ثم رفع بصره نحو القمر المكتمل الذي كان يملأ السماء الليلية المغطاة بالضباب.
… في أتلويـا كان البدر رمزًا مشؤومًا. في الماضي، كما هو الآن.
فعلى خلاف الشمس التي تضيء وتدفئ وتحمي كل ما في هذا العالم، كان القمر يُقال إنه يفتن القلوب ويزعزعها، ويُخرج الكائنات غير البشرية والملعونة لتتزاحم في عالم الأحياء. لذلك عُدّ نذير شؤمٍ لا جدال فيه.
لذا، لم يكن في أتلويـا من يحب الليالي التي يسطع فيها البدر.
لكن فينريك، حتى الآن، كان لا يزال يحب اكتمال القمر.
لأن كل أيامه مع بريسيبي كانت تحت ضوء البدر.
[… هل لي أن أساعدك؟]
نعم، في ذلك اليوم الذي ظهرتِ فيه لأول مرة.
[لو قتلتهم جميعًا. بحيث لا يبقى في خياراتها سواي… عندها سينجح الأمر، أليس كذلك؟]
في اليوم الذي اتخذتُ فيه ذلك القرار.
[اطمئني… نامي متى شئتِ، واستريحي متى رغبتِ. لقد أحضرتك إلى هنا من أجل ذلك.]
في اليوم الذي نجحت فيه أخيرًا في إخراجك من القصر الإمبراطوري، وأتيت بك إلى القصر معي.
[الفتاة التي تولد في ليلة يصل فيها القمر إلى كماله، ستخدع جذورها، وتعيش في أكثر مواضع الإمبراطورية بريقًا، وهي الأكثر اضطهادًا.]
… وحتى يوم مولدك، كان القمر مكتملًا.
بينما كان أهل أتلويـا يكبرون القلق والخوف تحت نور البدر، كان فينريك يربي شيئًا آخر.
كان للمرة الأولى في حياته يحلم، ويحدد غاية، ويصنع لنفسه أملًا.
لكن كما يختفي القمر عند بزوغ النهار، كانت بريسيبي دائمًا بعيدة المنال، لا تجلب له سوى التوق الذي لا يُشبع.
وحتى الآن لم يتغير ذلك.
“أجل…”
إذن لا مفر من الأمر، أليس كذلك؟ أن أرتكب هذه الحماقات، وأجازف في كل مرة.
ابتسم فينريك ابتسامة باهتة لا تشبهه.
وكان ذلك بالضبط، حين دوّى صوت حركة قادمة من بعيد.
“…….”
بغريزةٍ سريعة، سحب سيفه وهو يحدّق بحذر نحو الأمام الملبّد بالضباب.
ولم تمضِ سوى لحظات حتى…
“ريك، شكرًا جزيـ…”
ظهرت بخطوات متعجلة، متجهة نحو ضفة البحيرة— بريسيبي.
“… آنسة بريسيبي.”
ارتعش قليلًا صوت فينريك وهو يلفظ اسمها.
أما بريسيبي، فبدت مذهولة بدورها، كأنها لا تكاد تصدّق عينيها ولا تدرك من الذي تراه أمامها.
“تشيك.”
في تلك اللحظة، حلق ريك من كتف بريسيبي ليستقر فوق كتف فينريك.
“فينريك الدوق…؟”
“… هذا الطائر هو الذي دلّني على الطريق.”
ريك؟
اتسعت عينا بريسيبي دهشة وهي تنظر إليه.
“لم أكن أعرف اسمه لأشكره حق الشكر، لكنني الآن علمت.”
“…….”
“ريك.”
وما إن سمع اسمه حتى أطلق ريك زقزقة راضية.
“اسمه قريب جدًا من اسمي.”
“آه، ذلك لأن…”
“هل هي مجرد صدفة؟”
لم تستطع بريسيبي أن تتفوّه بإجابة. لم تفعل سوى أن تنظر إليه بخجل، وقد ازداد وجهها احمرارًا.
“اشتقت إليك.”
قالها بصوت خافت، وهو يواصل كلامه:
“اشتقت إليك كثيرًا… حتى إنني رغبت، على الأقل، أن أنطق باسمك كما أشتهي.”
“…….”
“لهذا السبب اخترت له هذا الاسم. ريك.”
هذه المرة كان فينريك هو العاجز عن الجواب.
اكتفى بأن يحدّق فيها بعينيه الحمراوين وقد ازدادت بريقًا، بينما هي تبادله النظر.
“اقتربي مني، آنسة بريسيبي.”
تمتم فينريك بصوت متحشرج.
“إلى جانبي.”
عينا فينريك الحمراوان اللتان تتأملانها، لم تختلفا عن آخر مرة رأتها فيها.
لا تزالان دافئتين، عطوفتين، رفيقتين.
لكن…
“آنسة بريسيبي…”
صوته المفعم بالرجاء جعلها تعض شفتها بقوة.
ثم خطت نحوه بخطوات متعجلة، حتى وقفت أمامه.
وبنفس اللحظة، طوقها فينريك بذراعيه، وكأن كل صبره لم يكن سوى استعداد لهذه اللحظة.
“…….”
في حضنه، مدّت بريسيبي بدورها يديها لتعانقه.
سمعت دقات قلبه القوية، وهمسه وهو يردد اسمها في أذنها.
وفي حضنه، لم يتغير شيء: الدفء ما زال يحتويها.
(أنا…)
كل هذا بسبب ذلك الحضن وحده…
ارتجفت يد بريسيبي البيضاء وهي تحيط بظهره.
لكنها لم تلبث أن أبعدت ذراعيها عنه ببطء.
ثم رفعت بصرها نحوه بعيون صافية، وقد غمرتها مشاعر شتى.
“يا دوق… لدي الكثير من الأسئلة التي أود أن أطرحها…”
قالتها بشفاه جافة مرتعشة.
“لكن مهما تعددت، فإن جميعها يقود إلى طريق واحد فقط.”
“وما هو؟”
إن كنت، كما سمعتُ من حديثك مع فيدار، تعلم كل شيء منذ البداية…
“قل لي.”
وإن كنت قد حصلت على إذن منه لتقترب مني…
فهل يعني هذا…
“هل كانت كل لحظة بيننا صادقة؟ هل كنت مختلفًا عن سائرهم حقًا؟ هل كان الأمر مجرد قلبك فقط؟”
“…….”
“أم أنك، كما فعل الآخرون، أردت فقط أن تقيدني وتحبسني؟”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات