الليل كان يزداد عمقًا، لكن على عكس بريسيبي، لم يغمض فيدار عينيه للحظة.
جلس بعيدًا عنها قليلًا، يكتفي فقط بالنظر إليها بصمت. حتى حين ارتفع القمر عاليًا في السماء، وحتى عندما بدأ نور الفجر يتسلل شيئًا فشيئًا.
“…….”
انعكست صورة صغار الغريفون النائم بين ذراعي بريسيبي في عيني فيدار الزرقاوين.
ارتعشت حاجباه قليلًا وهو يراقب ذلك المخلوق الصغير يتقاسم دفء بريسيبي وكأنه أمر طبيعي تمامًا.
كان الأمر كذلك مع فينريك، ومع ذلك الوحش أيضًا. كيف يمكن لها أن تمنح الجميع حضنها بسهولة هكذا، بينما هو نفسه لم يُسمح له حتى بجزء يسير من ذلك؟
شعر بشيء من الضيق.
هل أقتله وحسب؟
حدّق فيدار مطولًا بصغير الغريفون، ثم مد يده ببطء.
لكن الصغير، وكأن خطرًا خفيًا أيقظه، فتح عينيه فجأة وأطلق صرخة حادة صغيرة، ثم انكمش أكثر في حضن بريسيبي محتميًا بها كي لا تصل إليه يد فيدار.
“…….”
خطرت بباله فكرة أن ينتزعه بالقوة، لكنه أدرك أن ذلك قد يوقظ بريسيبي، فقرر تأجيل قتل المخلوق مؤقتًا.
رفع رأسه ببطء، وألقى بنظره نحو السماء.
لقد بدأ الفجر يلوح في الأفق. السماء كانت تشتعل بحمرة خفيفة، وظل فيدار يحدق فيها دون حراك.
كم مرة رأى السماء عند بزوغ الفجر من قبل؟ لم يعد يتذكر بدقة.
لكنه كان يتذكر جيدًا شعور الوحدة القاتل الذي كان يلازمه في تلك اللحظات، ويتذكر أيضًا كم كان عليه أن يتشبث بالوجود، ويقاوم، ويصمد مرارًا وتكرارًا.
لكن الآن… لن يكون الأمر كذلك. لأنكِ جئتِ.
ألقى فيدار نظرة قصيرة على بريسيبي، ثم أخرج شيئًا من بين متاعه.
كان “كتاب الذكريات” الذي أخذه معه عندما غادر البرج.
[إرشاد: هل ترغب بفتح كتاب الذكريات؟ كلمة السر هي اسم البطل الحقيقي.]
“فيدار.”
[إرشاد: جاري استدعاء كتاب الذكريات.]
بمجرد أن نطق اسمه، انفتح الكتاب دون أي مقاومة.
ظل فيدار يحدق فيه بصمت لحظة، ثم أعاد نطق اسمه.
“اشرح لي عن فيدار.”
[إرشاد: فيدار. ملك الشياطين الذي عاش آلاف السنين في الغابة المحرمة غرب أتالويا. في السنة 999 من التقويم الإمبراطوري، قابل بريسيبي بعدما نُبذت من القصر، واتبعت وصية فانيسا، لتجد طريقها إلى الغابة المحرمة حيث تلتقي به…]
كان فيدار قد تصفح مرارًا وتكرارًا ما كُتب عنه في الكتاب منذ أن سرقه.
[لقد عاش حياته كلها منتظرًا بريسيبي وحدها. هو الوحيد القادر على تقبّل حقيقتها الممزوجة بدماء الوحوش، وهو كذلك الكائن الوحيد الذي يمكنه التواصل معها بصدق.]
لكن ذلك كان غريبًا.
فإن كانت هذه الحقيقة، لماذا تخشاه بريسيبي؟ لماذا اختارت فينريك بدلًا منه؟
ألم يكن هذا العالم مجرد مسرح وُجد ليلتقيا فيه؟
“يوم الاختيار…”
الآن حين يفكر، لم يتبق الكثير على يوم الاختيار.
ومع ذلك، ورغم أنه جلب بريسيبي إلى جانبه، كان هناك شعور بالقلق يتنامى بداخله بلا سبب واضح.
هل الأمر كله معلق بخيارك أنت؟
حتى بعد أن وصلنا إلى هنا؟
انغمس فيدار في تلك الأفكار، إلى أن…
“أه…”
ارتجف صوته عند سماع أنين خافت. فالتفت سريعًا نحو مصدره.
كانت بريسيبي، تعض على شفتيها وتغلق عينيها بشدة، بينما تمسك صدرها الأيسر وكأنها تتألم.
“…….”
هل ترى كابوسًا؟ أم أن شيئًا يؤلمها حقًا؟
اقترب فيدار منها بخطوات بطيئة، وأمال رأسه طويلًا ليتفحصها عن قرب.
وفجأة، فتحت بريسيبي عينيها بحدة.
“آآاااه!”
انفجر صراخها المرتبك في أرجاء الغابة المحرمة. نظرت إليه مذعورة، وقالت متلعثمة:
“مـ… ما الذي تفعله؟”
ارتجفت بشدة، وتراجعت للخلف غريزيًا، لكن فيدار أمسك بمعصمها فجأة.
“لماذا تبتعدين؟”
“…….”
“لم أفعل شيئًا.”
كان وجه فيدار يحمل تعبيرًا حقيقيًا من الجهل بما يجري، مما جعل بريسيبي تزداد حيرة.
صحيح أنه لم يفعل شيئًا، لكن من ذا الذي لن يرتعب إذا استيقظ ليجد شخصًا يحدق فيه بهذا القرب طوال نومه؟
“كنت فقط أنظر إليك.”
أضاف فيدار ببرود:
“هل هذا خطأ كبير إلى هذا الحد؟”
لم يفهم أبدًا رد فعلها.
هو لم يفعل شيئًا، لم يمد يده، فقط اكتفى بمشاهدتها وهي نائمة.
فلماذا إذن ترتعب هكذا وتبدو وكأنها تكرهه؟
“…….”
كانت عينا بريسيبي البنفسجيتان، البعيدتان عن فيدار، تغمران بالارتباك.
نعم، لقد ارتعبت مما حدث، لكن ما زادها اضطرابًا هو محتوى ذلك الحلم الذي رأته للتو.
‘ما الذي كان ذلك بحق السماء؟’
لحسن الحظ، لم تعد تشعر بذلك الألم الخانق الذي كان يعصر قلبها. تمامًا كما كان يحدث في اللعبة دومًا…
“…….”
بينما غرقت بريسيبي في حيرتها، كان فيدار يراقبها بصمت. لم يكن يعرف ما هو التصرف الأنسب في مثل هذا الموقف. فاستحضر في ذهنه مشهدًا رآه من قبل؛ المشاهد التي كان فينريك فيها يحتضن بريسيبي الخائفة ويهدّئها.
فمدّ يده ببطء. وقبل أن تتمكن بريسيبي من التراجع عنه، ضمّها فجأة إلى صدره.
“…….”
وجدت بريسيبي نفسها محاصرة في حضنه. حاولت الالتفاف والتملص، لكن بدا أن فيدار لا ينوي مطلقًا تركها. بل حتى لو حاولت بكل قوتها، هل كانت لتنجو منه أصلًا؟ ولماذا يفعل هذا فجأة؟
قال وكأنه يقرأ تساؤلاتها المذهولة:
“أنا لا أعرف لماذا أفعل هذا.”
“…….”
“ولا أعرف حتى كيف يجب أن أفعل.”
“…….”
“إنما أقلّد فقط ما رأيته. لكنني أظن أن هذا سيفيدك.”
كان يعتقد أنه بما أن فينريك حين كان يعانقها تهدأ سريعًا، فسيحدث الشيء نفسه إن فعل هو ذلك.
لكن وجه بريسيبي وهي بين ذراعيه لم يظهر أي ارتياح. بل ازداد ارتباكها أكثر. لم يكن هناك أي أثر لذلك الشعور بالطمأنينة الذي غمرها حين كانت بين أحضان فينريك. ما أحست به الآن لم يكن سوى رفض واضح أخذ يتصاعد بداخلها حتى شعرت أن أنفاسها تُنتزع منها.
صحيح أنها كانت تعلم أن فيدار هو “البطل الحقيقي”، وأنه قد قُدِّر لها أن تكون معه. لكن ذلك لم يخفف من شعورها بالاختناق.
وقبل أن تدفعه بقوة بعيدًا عنها، توقفت فجأة. فقد وقعت عيناها على شيء مألوف خلف كتفه.
كان كتاب الذكريات مفتوحًا على الأرض. وما إن وقع بصرها عليه حتى بدأ يصدر وهجًا خافتًا. ثم ظهر إشعار أمامها:
[إشعار: هل ترغبين في تصفح الصفحة التالية؟]
‘الصفحة التالية؟ لكنني لم أفتحها بعد؟’
وفجأة شعرت بريسيبي بوضوح أن جسد فيدار الذي كان يضمها قد تجمّد للحظة، تمامًا كما فعلت هي قبل قليل.
‘هل يستطيع… أن يرى؟’
هل يرى كتاب الذكريات؟ الإشعار أيضًا؟
فيدار؟
[لم أخبر إيفان بأي شيء. لا شيء على الإطلاق.]
[لكن ذلك كان فقط لحمايتك من فينريك.]
وفوق ذلك… أحقًا قال “أنا فقط أقلّد ما رأيت”؟
إذًا لم يكن يخدعها منذ البداية وهو يعرف كل شيء؟
كان يعلم ويترقب بصمت طوال الوقت؟
الشكوك التي حامت حول فيدار، مع الصور الغامضة من الحلم، اجتمعت كلها في رأسها، تمزق ذهنها تمزيقًا. حتى أنها شعرت بالغثيان.
لكن رغم كل ذلك، لم تُظهر أي شيء. على خلاف ما اعتادت فعله، لم تسأله، ولم تطالبه بأي تفسير.
اكتفت بدفعه بعيدًا عنها ببطء، محافظة على ملامح هادئة قدر ما استطاعت.
قالت:
“… أنا بخير الآن. لقد كان مجرد حلم سيئ، هذا كل ما في الأمر.”
“…….”
“هذا كل شيء.”
لم يرد فيدار بشيء. ظلّ يحدّق بها مطولًا، لكنه لم يبدُ وكأنه أدرك أن كلماتها كانت كذبًا.
ومع عدم فعل أي منهما شيئًا، بدأ الضوء الذي كان يتسرب من كتاب الذكريات يخبو شيئًا فشيئًا، حتى اختفت أيضًا نوافذ الإشعار المتلألئة.
“…….”
سادت بينهما لحظة صمت بارد. الصوت الوحيد الذي كسر السكون كان زقزقة صغير الغريفون في حضن بريسيبي.
قالت:
“أنا جائعة.”
ثم أضافت، كاسرة الصمت أولًا:
“لم آكل شيئًا منذ أول أمس. بما أنك جلبتني إلى هنا، ألا يجدر بك على الأقل أن تهتم بهذا؟”
لم يكن فيدار يعرف حقًا معنى الجوع. فقد كان قادرًا على العيش من دون طعام أو شراب. لكنه تذكر أن البشر يزعجون أنفسهم دومًا بتناول الطعام مرارًا كل يوم. لا بد أن بريسيبي أيضًا تحتاج إليه.
قال وهو ينهض ببطء:
“انتظري هنا. سأجلب لك شيئًا مناسبًا.”
أومأت برأسها بدلًا من الرد، وبعد لحظات بدأ فيدار يبتعد، متجهًا بعكس اتجاه قرية فانيسا في الشرق.
“…….”
بقيت بريسيبي وحدها. انتظرت فترة ليست بالقصيرة وهي تراقب الأجواء من حولها. لكن على غير المتوقع، لم يعد فيدار بسرعة.
وكان ذلك أمرًا جيدًا.
بتحركات شديدة الحذر، نهضت بريسيبي من مكانها وهي تحاول ألا تُصدر أي صوت. ثم أخذت كتاب الذكريات من الأرض، وضمت الغريفون الصغير إلى صدرها، وبدأت تهرع مبتعدة بكل ما تملك من سرعة.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 129"