لم يكن الأمر يشبه المرة الماضية حين اضطر للخروج بأمرٍ من ديتريش.
أنهى فينريك استعداداته وغادر القصر مباشرة، يقود الجنود التابعين له متجهًا إلى خارج العاصمة.
كم من الوقت سيستغرق الوصول إن سار بأقصى سرعة؟ ثلاثة أيام؟
حين ذهب مع بريسيبي لم تكن هناك حاجة للعجلة، لذلك كانوا يتوقفون أحيانًا ليستريحوا بلا داعٍ.
لكن هذه المرة الأمر مختلف.
كان على فينريك أن يقود عددًا كبيرًا من الجنود ويختار أي الطرق توصلهم بأسرع وقت إلى الغابة المحرّمة.
وما إن ابتعدوا قليلًا عن العاصمة حتى التحق بهم الفرسان الذين كانوا بانتظاره.
قال أحد الفرسان، ويبدو أنه ذو رتبة عالية، بعد أن أنهى التحية الثقيلة واقترب بحذر:
“بالتأكيد دوق فينريك على علم بأن عددًا من الفرسان ما زالوا متمركزين قرب الغابة المحرّمة.”
ثم واصل:
“رأينا أن الغابة وقد احترقت بالكامل، فاحتمال ظهور وحوش جديدة ضعيف، لكن القائد أمرنا أن نبلغ فورًا عند حدوث أي حركة مريبة.”
وجه فينريك تقلص قليلًا وهو يصغي بصمت.
لقد رأى بعينيه الغابة الخضراء تحترق وتتحول إلى رماد.
رأى أيضًا حبل الولادة الذي تخرج منه الوحوش، ورائحة المستنقع الخانقة التي ما زال يشعر بها بوضوح.
ولكن… حركة مريبة؟
تابع الفارس بصوت مرتجف وهو يخرج ورقة صغيرة ملفوفة:
“وصل رسول زاجل للتو.”
تناولها فينريك وبسطها بهدوء.
> حركة الغابة غير طبيعية.
بدأت تظهر الوحوش التي اعتادت مهاجمة القرى، بل وحتى وحوش قديمة لم يُرَ لها مثيل من قبل.
ظل صامتًا.
> خشية الهجوم تم إجلاء السكان، لكن المثير أن الوحوش لم تهاجم أولًا.
أما الفرسان الذين حاولوا مراقبة الوضع داخل الغابة فقد تعرضوا جميعًا للهجوم، حتى إن مدخل الغابة لم يعد من الممكن الاقتراب منه.
قال الفارس وهو يبتلع ريقه:
“لم يحدث أمر كهذا من قبل….”
ثم أضاف:
“يبدو الأمر وكأن الغابة تمنع الدخول تمامًا، ولهذا فإن حملة القضاء على الوحوش مستحيلة في الوقت الحالي.”
فواصل كلامه مرتبكًا:
“منذ انضمامي للفيلق لم أشهد أمرًا مشابهًا. أنت تعلم يا دوق أن عدد الوحوش في السنوات الأخيرة كان يقل لا يزيد. أما الآن، فيقال إن عددها ثلاثة أضعاف ما كان عليه العام الماضي!”
منع الدخول كليًا؟
ارتسمت ابتسامة ساخرة على فم فينريك.
الآخرون قد لا يعرفون السبب، لكنه يعرف.
وجود فيدار مع بريسيبي داخل الغابة المحرّمة لم يعد بحاجة لدليل أوضح من هذا.
فهو الذي صنع الوحوش، لذا فالأمر سيّان عنده: أن يقتلها ويمحوها كما فعل سابقًا، أو أن يعيد إحياءها الآن.
وكان واضحًا لماذا يستخدمها هذه المرة ليمنع أي أحد من الدخول.
لئلا تُنتزع منه بريسيبي مرة أخرى.
[الذي كان مقدرًا أن يرتبط ببريسيبي لم يكن أنت… بل شخص واحد فقط منذ البداية.]
نعم… هذه المرة، يريد أن يتحد معها دون أن يقف أحد في طريقه.
قال فينريك ببرود:
“السيدة بريسيبي في الغابة المحرّمة. أنت تعلم هذا أيضًا.”
“…….”
“جنود القصر سيلتحقون بنا. صحيح أن كثيرًا من الفرسان قُتلوا في المرة الماضية، لكن واجبنا الآن أن نُنقذها.”
حتى لو استخدم فيدار كل الحيل ليمنعهم من الدخول، فلن يتراجع.
غير أن ما قاله الفارس بعد ذلك بدا غريبًا:
“القائد قال إنكم ستقولون هذا بالضبط يا دوق.”
“ماذا؟”
“وقال أيضًا إنه سيساعدكم مهما كان الحال. ورغم إصاباته البالغة، فقد طلب أن ننقل لكم أنه سيلتحق بنا حالما يُنهي استعداداته.”
فينريك ارتسم على وجهه تعبير ساخر.
“وما الذي يستطيع فعله وهو في تلك الحال؟”
لكن الفرسان أبدوا فرحًا بسماع خبر انضمام زيغفريد رغم إصاباته.
“لقد اعتاد القتال في الغابة المحرّمة منذ صغره، لذا سيكون عونًا كبيرًا لنا.”
تمتم فينريك بلا مبالاة:
“ربما، إن حالفه الحظ.”
ثم أضاف بسخرية خافتة:
“ما لم ينضم إلينا جثةً في الطريق.”
“عفوًا…؟”
“يكفي.”
هزّ رأسه بضيق، فيما ألقى كيفن –الواقف خلفه– نظرة قلقة نحو الفرسان.
“سواء التحق القائد بنا أم لم يفعل، سنتجه الآن فورًا إلى الغابة المحرّمة. الوقت ضيق وتعلمون ما أعني.”
أومأ جميع الحاضرين بوجوه متجهمة، فأمسك فينريك من جديد بلجام حصانه.
ثم اندفع في المقدمة مثيرًا عاصفة من الغبار والرمال.
ولم تمضِ فترة طويلة حتى اصطف الباقون خلفه وتبعوه.
كان فينريك يضغط على أسنانه وهو يقود حصانه بسرعة.
وفكر في نفسه:
هل هي تبكي كما في المرة الماضية؟
هل ترتجف خوفًا؟
أم أنها ربما تقف وسط الغابة المحرّمة المليئة بالوحوش وكأن شيئًا لم يحدث؟
فالوحوش لن تؤذيها أبدًا.
ربما الخائف الحقيقي لم يكن بريسيبي، بل هو نفسه.
خائف من أن ترحل بعيدًا عنه هذه المرة إلى الأبد، وألا تعود مطلقًا.
فهي لن تجد فيه ما يستحق البقاء أصلًا…
ومع ذلك، كان عقله يعيد مرارًا وتكرارًا صوتها الخافت حين اعترفت له بحذر شديد أنها تحبه حقًا.
لكن ذلك لم يكن كافيًا لتهدئة قلقه العميق.
لذلك ظل يقود حصانه بعنف، وكأنه إن فعل ذلك فسيرى بريسيبي في الحال.
✦✦✦
عادت بريسيبي مع فيدار إلى المكان الذي كانا فيه من قبل.
وبالأصح، كان فيدار هو من قادها بعدما تاهت وسط المكان الغريب، وأخذها إلى هناك.
وأثناء سيرهما، ظل فيدار صامتًا على غير عادته، حتى بدا الأمر غريبًا وأثار في نفسها قلقًا أكبر.
العشّ الذي ربما استخدمه تنين من قبل كان غير ملائم لعيش البشر، لكن فيدار لم يفكر في ذلك على ما يبدو.
إلى متى سأبقى في مكان كهذا؟
بل ماذا أريد أن أفعل حقًا؟
ألقت نظرات مترددة على فيدار الجالس بعيدًا، ثم جلست على أبعد مسافة ممكنة عنه، مطلقة تنهيدات ثقيلة متكررة.
(إن بقيت هكذا…)
هل سأرتبط فعلًا ببطلي الحقيقي فيدار وأخرج من اللعبة؟
لا يمكن أن أنكر أن الفكرة راودتني.
لكن شيئًا ما ظلّ يعيقني.
(حتى لو كان الأمر كذلك… هل سيكفي ذلك؟)
كنت أظن أنني سأفعل أي شيء للعودة إلى الواقع.
لو طُلب مني أن أشنق نفسي لفعلت.
لو طُلب أن أقطع معصمي لفعلت.
لكن وجه فينريك ظل يلاحقني.
ذلك الوجه اليائس المليء بالقنوط وهو يحدّق بي…
لماذا بدا الدوق هكذا في تلك اللحظة؟
(حتماً سأندم…)
لو عدت إلى الواقع وتركته خلفي، فلن أكفّ عن التفكير به وعن استرجاع تلك اللحظة.
لكن إن هربت من فيدار، وفشلت في العودة للواقع؟
أليست فرضية أن أخرج من اللعبة باختيار فينريك وتدمير النظام مجرد أمل شخصي غير مضمون؟
إذن لو اخترت البقاء مع الدوق، ولم أستطع العودة إلى الواقع…
هل سيكون الندم أقل؟
ثم إنني فقدت كل ذكرياتي عن الواقع أصلًا.
لم يبقَ في عقلي سوى ثلاثة أحرف: “يون جو-يون”.
أما حياتي في هذه اللعبة، كـ “بريسيبي”، فهي أطول وأوضح بكثير من حياتي الحقيقية.
حين وصلت إلى هذه النقطة من التفكير، ضحكت بريسيبي ضحكة فارغة، ثم همست وحدها:
“لقد جننتُ فعلًا.”
لابد أنني فقدت عقلي.
وإلا، كيف لي أن أفكر بهذا الشكل؟
ثم جلست القرفصاء وأسندت رأسها إلى ركبتيها، وبقيت على حالها طويلًا بلا حراك.
لم تشعر حتى بأن فيدار، الجالس بعيدًا، لا يزال يحدّق بها بتركيز شديد.
حلّ الليل منذ وقت طويل، وازدادت الظلمة عمقًا.
وظلت بريسيبي غارقة في أفكارها بلا حيلة، حتى غلبها النعاس فجأة وهي جالسة.
[تأكيد…….]
ثم رأت حلمًا غريبًا للغاية.
[يجب أن أؤكد…….]
كان الحلم يحمل صوتها هي نفسها، صوتًا تعرفه منذ زمن بعيد.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 127"