كانت بريسيبي تواصل مراقبة الوضع، لكن ما أثار دهشتها أن فيدار استمع بالفعل إلى كلامها.
لم يتجرأ على التلصص عليها، ولم يقترب منها كما فعل من قبل.
ولم يخلع ثيابه ليرميها جانباً ثم يقفز إلى البحيرة أيضاً.
البقع الدموية التي التصقت بكثافة على وجهه وشَعره الفضي غُسلت تماماً.
ولحسن الحظ لم يتلف فستانها كثيراً.
حين اندفع الدم من عنق أحد فرسان الفيلق المقطوع، كان الأمر كله أن كتفها قد ابتل قليلاً، وذلك حين تناثر الدم على وجهها ورأسها.
لو اضطرت في مثل هذه الحالة إلى إتلاف ثيابها بالكامل، لكان ذلك كارثة حقيقية.
غسلت بريسيبي الفستان بعناية، ورغم أنه بقي مبتلاً قليلاً، إلا أنها عزّت نفسها بأن هذا هو أفضل ما يمكن فعله.
غسلت جسدها تماماً، وارتدت الفستان من جديد، ثم التقطت صغير الغريفون الذي كان جالساً بانتظارها بهدوء.
لكن ما حدث بعد ذلك كان شيئاً غير متوقع.
“الآن دورك.”
قال فيدار وهو يمسك بمعصمها عندما مرّت مترددة أمامه جالساً تحت الشجرة.
“ماذا؟”
“اجلسي.”
لسبب ما، لم ينظر إليها مباشرة، بل أمسك بكتفها وأجلسها في المكان الذي كان هو فيه قبل أن يتجه نحو البحيرة.
“……لا تقل لي إنك تطلب مني الانتظار أيضاً؟”
جلست بريسيبي تحت الشجرة بغير قصد، وبدت على وجهها علامات الدهشة الكبيرة.
كان الأمر مثيراً للسخرية.
فهي لم تطلب منه في البداية أن ينتظرها. هو من أصرّ على ذلك وحده، والآن يريد فرض الأمر عليها أيضاً؟
“حقاً، أنا…… ها…….”
لم تعرف حتى ما الذي كانت تفعله. أمالت رأسها إلى أسفل ومسحت بخصلات شعرها المبتلة بطريقة عشوائية.
ثم توقفت فجأة.
[سأجفف شعرك أيضاً.]
ذكرى مباغتة صعدت إلى السطح بلا أي إنذار.
[ليس لديكِ ما تفعلينه على أي حال. وإذا جففتهُ ورفعتهُ جيداً، فلن تبدين كالمجنونة كما قلتِ للتو.]
……حتى في ذلك الوقت كانت في هذه الحالة نفسها. مبللة تماماً تحت المطر.
[لكنني أريدك أن تعرفي أنني، على الأقل، لا أراك أبداً كالمجنونة مهما كان حال شعرك.]
وكأن الأمر حدث للتو، ما زالت تستطيع استحضاره بوضوح:
ملمس اليد الحنون وهي ترتّب شعرها المبتل بحذر.
الدفء الذي بثّ الطمأنينة.
والصوت الخافت العميق الذي كان يهمس خلفها.
“…….”
ضحكت بريسيبي قليلاً من تصرفات فيدار الطفولية الساذجة، لكن ظلٌّ قاتم سرعان ما خيّم على وجهها.
في النهاية لم يتغيّر شيء بين الماضي والحاضر.
الأوضاع كانت تسوء أكثر فأكثر، ومع ذلك لم تستطع السيطرة حتى على مشاعرها.
خصوصاً بعد أن عرفت أن الدوق فينريك، مثل بقية الرجال الآخرين، ربما حاول فعل شيء بها……
(لا بد أنه كان محتجزاً في السجن…….)
ماذا حدث له الآن؟ هل أُطلق سراحه؟
لكن البرج انهار، فكيف بقيت مباني القصر سالمة؟
وإن كان السجن قد تهدّم أيضاً، فهل تأذّى؟ ماذا لو أصيب حقاً؟ جراحه التي أصيب بها حين تعرّض لهجوم إيفان لم تلتئم بعد.
……جسده ما زال مليئاً بالندوب.
لذلك لا يجوز أن يتأذّى أكثر من هذا.
واصلت بريسيبي النظر بعيداً إلى الأفق.
طبعاً لم يكن هناك ما يمكن أن يظهر أمام عينيها.
فالمنطقة تقع عميقاً في الغابة التي لم يتمكن حتى زيغفريد ولا الفرسان من استكشافها بالكامل.
وحتى لو كانت الجهة شمال شرق كما تعتقد، فالغابة مترامية الأطراف لدرجة أن رؤية قرية فانيسا المأهولة كان مستحيلاً.
ومع ذلك، ظلت تحدّق إلى الأمام، كأنها تستطيع أن ترى القصر الملكي من بعيد.
كأنها لو فعلت ذلك ستتمكن من التأكد إن كان فينريك بخير، وإن لم يُصب بأذى.
وعلى وجه بريسيبي المليء بالأسى، تناثر فجأة رذاذ ماء.
كان فيدار.
رفعت رأسها، فإذا به يتعمّد أن يصرف نظره بعيداً.
بدا وكأنه يتجنّب النظر إليها قصداً، وهذا ما أثار دهشتها وغضبها.
“لماذا تُشيح بنظرك؟”
“…….”
“أهذا شعور بالذنب لأنك جلبتني إلى هنا بالقوة؟”
“لا.”
كان جوابه حاسماً لا يقبل الشك.
“لقد قلتِ قبل قليل إنك تشعرين بعدم الارتياح.”
لكن ما قاله بعدها كان شيئاً لم يخطر ببالها قط.
“عندما أحدّق بك.”
[لماذا لا يجوز أن أنظر؟]
[لأن ذلك يضايقني.]
المحادثة القصيرة التي دارت بينهما أمام البركة قبل قليل عادت إلى ذهنها فجأة.
“ها…….”
أطلقت بريسيبي تنهيدة ثقيلة، ومسحت وجهها بكفيها.
لو كان شخصاً يطيع كلامي هكذا حرفياً، فلماذا أخفى هويته أصلاً؟
لماذا كذب عليّ؟
لماذا جعل الأمور تصل إلى هذا الحد؟
ضغطت صدغيها بكفيها وقد غمرها الضيق.
“……ذلك كان مقصوراً على وقت استحمامي فقط. أما الآن فيمكنك النظر.”
“أفهم.”
“لكنني لم أكن أعلم أنك ستأخذ كلامي على محمل الجد إلى هذا الحد.”
“…….”
“أنت لم تفعل شيئاً سوى الكذب علي حتى الآن، أليس كذلك؟ أخفيت حقيقتك كوحش، وقلت إن ملك الشياطين قد اختفى.”
قالت بريسيبي وهي تحدّق في فيدار مباشرة.
“لماذا فعلت ذلك؟”
“…….”
“ما الذي تفكر فيه حقاً؟”
لكن لم يأت أي جواب.
ظل فيدار صامتاً، شفتيه مغلقتين بإحكام.
أما صغير الغريفون، فقد ارتجف بخوف في حضن بريسيبي، وكأنه استشعر الجو المتصلّب.
“أجبني.”
قالت بريسيبي بحدة:
“أنت أيضاً من قتل إيفان، أليس كذلك؟”
نعم، فكرت في ذلك حينها أيضاً.
الشخص الوحيد القادر على قتل ذلك الساحر العظيم إيفان، الذي قد يولد مرة واحدة في مئة عام، هو ملك الشياطين فقط.
[لقد كنت لي منذ البداية. ذلك الوغد…… لو لم يكن فينريك، لكنتِ الآن بجانبي.]
ثم بعد سماع كلام إيفان، بدأت أشك.
هل أعطى أحدهم معلومات لإيفان؟
شخص يعرف حقيقة هذا العالم كما أعلم أنا؟
وإذا كان ملك الشياطين هو من استغل إيفان وقتله، لماذا فعل ذلك؟
أو، إذا كانت استنتاجاتي صحيحة…… كيف عرف ملك الشياطين، الذي هو مجرد شخصية داخل اللعبة، الحقيقة أصلاً؟
هل أخفى نفسه عن عمد؟ ولماذا؟ من أجل ماذا؟
“…….”
عكس وجه بريسيبي المتصلب فوق عيني فيدار الزرقاوين اللامعتين في ضوء الغسق.
لم يكن فيدار قادراً على فهم مشاعر الآخرين، مشاعر البشر، إذا لم يختبرها بنفسه.
ولم يدرك أن الصمت المطبق الذي خنق أنفاسه كان مجرد شعور بالوحدة إلا بعد آلاف السنين.
ومع ذلك، كانت جهله محصوراً فقط على الأمور العاطفية.
ظل فيدار طوال الوقت يظن أن الأمور غريبة باستمرار.
[ما اسمك؟]
في أحد الأيام في الغابة المحرمة، سألت بريسيبي عن اسمه.
تردد قليلاً، ثم قال اسمه كأنه يختبرها.
لكن بريسيبي لم تتعرف عليه مطلقاً.
البطل الحقيقي، ملك الشياطين فيدار، كائن عاش آلاف السنين وما زال على الأرجح في غرب الغابة المحرمة.
كان مكتوباً بوضوح في مفكرته.
_ لأنني أنا من أعددت هذا الإعداد. كل شيء من صنع يدي. قصتي.
وبعد فترة قصيرة، أدرك فيدار حقيقة أن بريسيبي نسيت ذكرياتها الأصلية.
……هل سيكون هذا نافعاً أم ضاراً لي الآن؟
“أجبني!”
لماذا فعلت ذلك؟ ما الذي كنت تفكر فيه حقاً؟
الإجابة كانت بسيطة: اشتاق إليك بلا نهاية، انتظرتك بلا نهاية، وعندما اكتشفت في النهاية أن تلك الشوق حتى كان من صنعك، شعرت بالمرارة، ثم كرهتك بلا نهاية لأنك أمسكت يد فينريك وتخليت عني بكل بساطة.
شعرت بكل تلك المشاعر القوية لأول مرة في حياتي، ولم أستطع السيطرة عليها، جننت تقريباً، عانيت، تألمت، وعشت الألم بلا توقف.
وعندما عادت إليّ نفسيتي، كنت قد عدت إلى البداية من جديد.
“أنا…….”
حركت شفاه فيدار الجافة ببطء.
“أنا… أحبك……”
مع انخفاض صوته، اهتزت عينا بريسيبي البنفسجيتان برفق.
حين التقى وجهه بعيونها المحتجزة فيها، توقف فيدار للحظة.
هل سأبوح بكل ما شعرت به حقاً؟
لو كان هذا هو الصواب، لفعل فينريك نفس الشيء منذ البداية.
……لكن فينريك لم يفعل ذلك.
لكنه حصل على قلب بريسيبي بطريقة أخرى.
ربما…… لم يكن الصواب بالضرورة أن تكون الصراحة هي الحل؟
لذلك، حتى لو كان طريقاً طويلاً، كان يجب الكذب والمراوغة.
والأمر المضحك أنه بهذه الطريقة فقط يمكن بناء الثقة واكتساب الاطمئنان؟
“…….”
لم يقل فيدار أي شيء آخر.
بدلاً من ذلك، انحنى واقترب من بريسيبي ليصبح على مستوى عينيها.
اقترب فجأة، وبدا على بريسيبي مزيج من الحيرة والخوف، لكنها لم تتجنب نظره.
مد فيدار يده ببطء، ثم مرر بعناية خصلة من شعرها المتشابك خلف أذنها، وواصل النظر إليها.
كما لو كان الأمر قبل عدة أيام.
كما لو أنه كان يغار بشدة ولم يستطع السيطرة على نفسه، وقتل إيفان بلا رحمة، ثم تجول بلا هدف ليصل إلى بريسيبي.
كما رأى من فوق الشجرة التي تطل على غرفة نوم بريسيبي في منزل فينريك.
تماماً كما فعل فينريك.
بنفس الطريقة.
ثم ببطء شديد، حرك شفتيه.
هيما: هاي شني شو صرت أحب فيدار 😭
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 125"