اتّبعت بريسيبي الاتجاه الذي أشار إليه فيدار، ومشت طويلًا.
ولم يمر وقت طويل حتى ظهر أمامها بحيرة.
لم تعلم إن كانت هذه البحيرة قد أُعيد إحياؤها بيد فيدار بعدما أُحرقت، أم أنها بحيرة صغيرة نجت من الاحتراق الكبير بصعوبة.
(إذا نظرت إليها إجمالًا… فهي في الشمال الشرقي.)
الشيء الوحيد الذي يمكن أن يعدّ حسن حظ، هو أن هذه لم تكن المرة الأولى التي تأتي فيها بريسيبي إلى الغابة المحرمة.
فقد كانت قد ذهبت سابقًا إلى “سرة الوحوش” في شمال الغابة بعدما أغراها فيدار، وبعد احتراق الغابة عادت مع فينريك وزيغفريد والبقية لتتفقد الغرب والوسط.
أما الشرق فكان متصلًا بقرية فانيسا، لذا فمعرفته كانت أمرًا بديهيًا.
لكن الأرض التي كانت تقف عليها الآن لم تتذكر أنها رأتها من قبل.
(ربما هذا هو المكان الذي قيل إن عش التنين فيه… فينريك ذكر ذلك عندما عدنا إلى القصر. لو كان الأمر كذلك، فإن والدي “نيدهوغ” كان يعيش في هذه الجهة.)
فينريك قال إن الغابة المحرمة ضخمة جدًّا مقارنة بالغابات الأخرى.
فإن كان هذا هو الشمال الشرقي فعلًا، فكم سيستغرق وصولها إلى الشرق المؤدي إلى قرية فانيسا؟
(لكن… لماذا أشعر منذ قليل أن أحدًا يلاحقني؟)
عقدت بريسيبي حاجبيها قليلًا. لم يكن من الصعب معرفة من صاحب تلك الخطوات خلفها. لا شك أنه فيدار.
(هل يظن أنني سأحاول الهرب؟)
زفرت بريسيبي تنهيدة ثقيلة لا إرادية.
صحيح أن الحوار معه يبدو عديم الفائدة، لكن كان لا بد لها من معرفة بعض الأمور.
وأهم ما في ذلك: إلى أي مدى يعرف فيدار حقيقة هذا العالم؟
هل يعرف كل شيء مثل فينريك؟
(إنها مجرد عودة إلى الأصل.)
… فهل هذا هو السبب الذي قال من أجله تلك الجملة؟
لكن ربما أيضًا تلك الكلمات لم تكن إلا إعدادًا مبرمجًا داخل اللعبة تجسّد بلا وعي.
ومع ذلك، ما كان يربك بريسيبي حقًا هو ارتباكها الداخلي.
لم تكن تعرف ما الذي عليها فعله. والأدق أنها لم تعرف ما الذي تريده حقًا، فتاهت بين الاحتمالات.
(أنا حقًا… أحبكِ يا بريسيبي.)
لو كان فينريك قد قتل “أتاري هنان” و”نواه دفيرن” بيده فعلًا، وكان ينوي أن يقيدها بجانبه مثل بقية الشخصيات…
فماذا سيفعل حين يعلم أنها تريد الخروج من اللعبة؟ لم تستطع حتى أن تتخيل.
(ربما كان من الأفضل أنني لم أُصارحه بكل شيء…)
ارتسمت بسمة مُرة على وجه بريسيبي.
(إذن، هل عليّ أن أرتبط بفيدار إذن؟)
نعم، ربما يكون هذا هو الخيار الأكثر عقلانية.
فإذا وصلت إلى النهاية مع البطل الحقيقي، فيدار، فقد تتمكن فعلًا من العودة إلى الواقع.
لكن الغريب… أنها كلما فكرت في فينريك كلما عاد ليشغل قلبها.
صوته العميق وهو يهمس: “أنا أحبك”، واعترافه الصادق، وذراعيه الدافئتين حين احتضنها.
(ماذا عليّ أن أفعل بحق السماء؟)
ابتسمت بريسيبي ابتسامة ساخرة لنفسها، وواصلت السير ببطء.
ولم تنتبه إلا وهي تقف مباشرة أمام البحيرة.
انحنت قليلًا بحذر، وحدقت في وجهها المنعكس على سطح الماء.
كان وجهها الصافي ملطخًا بالدماء الجافة. لم يكن وجهها فقط، بل شعرها الطويل الفضي وثوبها الرقيق كذلك.
شعرت فجأة وكأن حشرات تزحف على جسدها كله.
(يجب أن أغتسل أولًا… ثم أفكر.)
لكن فجأة…
“… لماذا لا تذهب؟”
كان فيدار قد وصل خلفها مباشرة، يحدق فيها بعينين مفتوحتين على وسعهما.
“ولماذا عليّ أن أذهب؟”
“لأنني سأغتسل طبعًا! ألا ترى هيئتي؟ أنا مغطاة بالدماء.”
صرخ العصفور بين ذراعيها كأنه يوافقها.
“…….”
لكن فيدار ظلّ يحدق بها بوجه خالٍ من التعابير، ثم فجأة بدأ يخلع ثيابه.
“أأنت مجنون؟! ما الذي تفعله؟!”
صرخت بريسيبي بصدمة.
“ألم تقولي إنك ستغتسلين؟ إذن نغتسل معًا، ما المشكلة؟”
“ماذا؟! أي كلام هذا؟!”
“لكنني أنا أيضًا مغطى بالدماء.”
كان محقًا في ذلك.
“إذن اغتسل بعدي فقط!”
“ولماذا؟”
رفع فيدار حاجبيه متعجبًا.
“ما دام سنغتسل في النهاية، فما الفرق؟”
سألها وكأنه لا يفهم أصلًا ما الذي يثير غضبها.
“أم أنك تفعل هذا كي تراقبني وتمنعني من الهرب؟ إن كان الأمر كذلك—”
“لا.”
قاطعها فيدار بحدة.
“أنا لست قلقًا.”
“…….”
“فلم يعد لديكِ مكان تذهبين إليه، أليس كذلك؟”
شخص لا يعرف شيئًا على ما يبدو…… لا، بل بالنسبة لكونه مجرد مخلوق سحري، فهو يعرف جيدًا كيف يضغط على الجروح المؤلمة. نظرت بريسيبي إلى فيدار بوجه متجهم.
“لن يستغرق الأمر وقتًا طويلًا، عندما أنتهي من الاغتسال، يمكنك أن تغتسل. لكن خلال ذلك الوقت، لا تراقبني. اجلس هناك خلف تلك الشجرة أو أي مكان آخر.”
قالت وهي تشير إلى شجرة بعيدة.
“ولماذا لا أستطيع النظر؟”
حتى طفل في الخامسة من عمره يبدو أن لديه مستوى فهم أعلى من هذا. فكرت بريسيبي في أن تشرح له ثم تراجعت. لن يفيد الكلام على أي حال.
“لأن هذا يزعجني.”
ثم قالت بأكبر قدر ممكن من الوضوح وبنبرة حازمة:
“اذهب الآن. وأكررها بوضوح مرة أخرى، لا تفكر حتى في التلصص. فهمت؟”
ظل فيدار محتفظًا بتعبير يوحي بعدم فهمه لماذا عليه أن يقوم بمثل هذا الأمر المرهق، لكنه على عكس ما توقعت، أومأ بخضوع.
وبينما كانت بريسيبي تراقب ظهر فيدار وهو يبتعد بخطوات ثقيلة، أطلقت تنهيدة طويلة ومتكررة وكأنها متعبة للغاية.
لا بأس، على الأقل إنه يطيع الكلام……
“…… لا أفهم.”
أنزلت بريسيبي العصفور الصغير الذي كانت تحتضنه على الأرض. ثم بعد أن تأكدت مرات عدة من تحركات فيدار، بدأت بخلع ثيابها، واتجهت إلى مكان لا يمكن رؤيتها فيه وبدأت تغتسل.
✦✦✦
كان قصر فينريك يلفّه الصمت.
“…….”
وقف فينريك عند نافذة غرفة النوم، ووجهه بلا أي تعبير. ظل يحدق ببرود إلى الخارج قبل أن يحول ببطء نظره نحو السرير.
على السرير كانت تتناثر أكوام من الوثائق مبعثرة بلا ترتيب.
[لم يكن هناك وقت فجمعتها على عجل، لكنها كلها متعلقة بملك الشياطين.]
كانت تلك الوثائق التي سرقها زيغفريد من الكنيسة، والمتصلة بملك الشياطين.
حاول فينريك جاهدًا أن يجد طريقة للقضاء على فيدار، لكنه أدرك أن جهوده لا فائدة منها.
لقد نام منذ زمن بعيد ولم يستيقظ بعد، لكن ذلك لا يعدو كونه مجرد حالة مؤقتة.
كلما بحث أكثر، كلما ازداد إدراكه للحقيقة الواضحة.
‘تحاول كنيستنا تهدئة القلق قدر المستطاع، لكن لا أحد يعلم إلى متى يمكننا الاستمرار.’
الحقيقة كانت أنه من المستحيل القضاء على فيدار.
‘ولكن لدينا واجب مقدس في حماية أتالويا. لذا يجب على الأجيال اللاحقة أن ينقشوا في عظامهم وأرواحهم هذه السجلات، حتى يجدوا طريقة ما، قبل أن يستيقظ بالكامل ويعود.’
“هاه…….”
‘ومع ذلك يجب أن نتذكر دومًا: عندما يعود، فلن يتمكن حتى من تجسّد أسطورة عظيمة من القضاء عليه، ولن تتمكن الأسلحة المغموسة في ملاحم باكية من قتله، ولا حتى بركة أي إله ستقدر على إخماده. فكل شيء يبدأ منه وينتهي عنده.’
في النهاية، لم تفعل الكنيسة شيئًا طوال كل تلك السنين، سوى تدوين هراء يصلح بالكاد لإضحاك المارة.
إلى جانب وثائق الكنيسة التي سلّمها له زيغفريد، اكتشف فينريك شيئًا آخر.
في غرفة بريسيبي.
“…….”
كان بين يديه ورقة مجعدة.
كتاب النبوءات.
كان هو ذاته كتاب النبوءات الذي سرقته بريسيبي من غرفة إيفان.
‘ينام أبديًا لكنه لا ينام، لا يستطيع أن يموت ولا أن يعيش. حتى تجد تلك المرأة البائسة التي ليست بشرًا ولا مخلوقًا سحريًا طريقها إليه، سيكرر حياة زائفة غارقة في العذاب بلا غاية.’
هل أراد فيدار الانتقام بسبب هذا العذاب الكامل الذي عاشه لآلاف السنين؟
‘من دونه، لن تستطيع المرأة إنهاء عذابها، ومن دونها، لن يجد هو السكينة.’
بريسيبي……
هل لهذا السبب راحت تبحث عنه بلا توقف؟
لأن الشخص الذي كان مقدّرًا أن يقترن بها في هذا العالم هو فيدار وحده.
فهل كانت تنوي أن تقترن به وتطلب أمنية؟
أن تدعو أن يسمح لها هذا العالم بالرحيل؟
عضّ فينريك شفته بقوة.
[أنا حقًا أحبك. من كل قلبي. ومهما حصل فيما بعد…….]
لم تكن بريسيبي وحدها من يغرق في الحيرة بين اعترافاتهما. فينريك أيضًا كان كذلك.
بأي حجة كان عليه أن يصدقها؟ أي جزء من كلماتها كان صادقًا؟ وهل كان هناك أصلًا لحظة صدق حقيقية؟
ظل يتذكر ابتسامتها النقية، ثم أغمض عينيه بقوة.
لكن الأمر المضحك أن أقوى مشاعره لم تكن خيانة بريسيبي له، بل اشتياقه الجارف إليها.
كان يريد أن يسمع صوتها، أن يحتضنها، أن يشعر بأنفاسها. بل أراد أن يتوسل لها: ألا تتركه. أن تبقى معه إلى الأبد. وأنه على استعداد لفعل أي شيء من أجل ذلك.
ولأجل هذا، كان يعلم أكثر من أي شخص ما الذي يتوجب عليه فعله الآن.
“يا صاحب السمو…….”
دخلت هانّا، وقد بدا عليها الهزال خلال أيام قليلة، ووقفت عند الباب تتكلم بحذر.
“وصل الجنود كلهم.”
“…….”
“وفرسان الهيئة أيضًا قالوا إنهم سيقدمون كل ما يستطيعون من دعم…….”
يجب أن يعيد بريسيبي.
لم يكن مهمًا أن يسألها لماذا خدعته، أو إن كانت ستتركه حقًا، أو إن كان اعترافها مجرد كذبة.
ما كان يطارده فقط هو صورة بريسيبي، وحدها، ترتجف وحيدة.
“قولي لهم إننا سنغادر فورًا.”
“…… نعم.”
أجابت هانّا بإيجاز ثم هرولت مسرعة.
لم يمض وقت طويل حتى غرق المكان في صمت بارد، ولم يبق سوى فينريك، الذي بدأ بهدوء يستعد للخروج. ارتدى درعه، وأخذ سيفه.
وقبل أن يغادر الغرفة، توقف فجأة.
ثم التفت ببطء إلى الخلف.
“…….”
اقترب من السرير، وانحنى قليلًا، ومد يده ليلمس صندوقًا مألوفًا.
هل سيكون هذا مفيدًا؟
لم يعد يصلح كسلاح للقتال بالنسبة له، ومع ذلك، كان يشعر وكأن شيئًا ما يجذبه إليه، يمنعه من تجاهله.
فتح فينريك الصندوق ببطء، وأخذ آخر ما فيه، ثم خرج من الغرفة دون أي تردد.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 124"