تنفّس زيكفريد بعمق وهو يخرج من قاعة العرش، وقد ارتسمت على وجهه ملامح الحيرة بوضوح.
قبل ساعة بالتمام، تلقّى خبراً لم يخطر له على بال.
أحد فرسانه جاءه مسرعاً ليخبره بأن جنود الإمبراطور، وهم مسلّحون بالكامل، قد داهموا قصر فينريك.
وكان الهدف القبض عليه بتهمة قتل أَتاري هانان ونواه ديفيرن.
يكفي أن الإمبراطور حرّك قواته الخاصة بدل أن يكلّف فرسان الكنيسة، كما جرت العادة، ليدرك زيكفريد أن كل هذا من تدبير ديتريش وحده.
فلو كانت هناك أدلة حقيقية، لما كان زيكفريد، بصفته قائد فرسان الكنيسة، آخر من يعلم بما حدث.
وفوق ذلك، بات زيكفريد يعلم الآن بشغف ديتريش المريض تجاه بريسيبي، وبغيرته على فينريك في المقابل.
لم يكن ذلك غريباً عنه، فهو نفسه كاد يقع في نفس الشعور يوماً ما.
بل إنه رآه بأم عينه.
[الأمور المتعلقة بدوق فينريك ليست من شأن الكنيسة أن تتدخل فيها.]
أسرع زيكفريد إلى القصر الإمبراطوري وطلب المثول أمام الإمبراطور، لكنه لم يتلقَّ من ديتريش سوى رد بارد حد الجليد.
[بالإضافة إلى ذلك، على فرسانك من الآن فصاعداً أن يكرّسوا كل جهودهم لحراسة القصر الإمبراطوري والتخلّص من جماعات المتمرّدين.]
[… المتمرّدين؟ جلالتك، ماذا تعني؟]
[جنود دوق فينريك الخاصّون.]
[…]
[هناك احتمال كبير أن يتحالفوا مع جماعة الأمير الثاني التي لم تُصفَّ بعد، وعليك أن تتحمّل مسؤولية القضاء عليهم.]
وهنا انتهى اللقاء. أمر ديتريش بخروج زيكفريد بوجه متجمّد لا يلين، وخرج الأخير من قاعة العرش وهو في حالة ذهول.
“… دوق فينريك لا يمكن أن يفعل شيئاً كهذا.”
لو كان فينريك ينوي حقاً التمرّد كما يقول ديتريش، لما كان سيماطل بهذه الطريقة. فقد سنحت له فرص كثيرة لمهاجمة القصر الإمبراطوري أثناء الفوضى السابقة.
حتى من منظور زيكفريد، كان تصرّف الإمبراطور غير مفهوم على الإطلاق.
وفوق ذلك، كيف يمكن أن يكون فينريك هو قاتل أتاري هانان ونواه ديفيرن؟
“لم يكن لدى الدوق أي سبب ليحمل الضغينة تجاههما. لم تكن هناك أي علاقة أو صلة تُذكر، وحتى أي نقطة تواصل…”
وبينما كان غارقاً في أفكاره وهو يسير في الممر، توقّف فجأة عن الحركة.
“… بريسيبي؟”
لقد سمع زيكفريد أيضاً بما حدث في قاعة الحفل.
كان نواه ديفيرن هو من اقترب منها أولاً، وتدخّل أتاري هانان ليمنعه. بل وحاول ارتكاب فعل شنيع لا يُذكر.
لكن… هل يمكن أن يكون هذا سبباً كافياً؟
ومع ذلك، فإن أموراً غير معقولة كثيرة كانت تحدث أمامه بالفعل.
ديتريش الذي جنّ بسبب بريسيبي.
وإيفان الذي كان غارقاً في الجنون نفسه.
وزيكفريد، الذي لا يزال يرفض الاعتراف، لكنه في أحلامه كان يعلم أنه أيضاً لم يكن بريئاً من تلك المشاعر.
… وإن كان هذان القتيلان قد حملا نفس المشاعر، فهل هذا سبب قتلهما؟
[من الأفضل أن تستمر هكذا يا زيكفريد. فهذا أنسب لك.]
مرّ في ذهنه فجأة ذلك الحوار.
كان ذلك يوم سلّم فيه إلى فينريك وثائق تتعلق بملك الشياطين من أرشيف الكنيسة.
[بدلاً من أن تطمح إلى أشياء لا فائدة منها وتعرّض نفسك للخطر، أليس من الأفضل أن تعيش من أجل أتلويّا؟]
“تطمح إلى أشياء لا فائدة منها… وتعرّض نفسك للخطر…؟”
تمتم زيكفريد بوجه شاحب وهو يعيد كلمات فينريك في ذهنه.
“لا يعقل…”
انطلقت عيناه نحو البرج الغربي البعيد، حيث كانت بريسيبي سجينة.
إن كان ظنّه صحيحاً، فهل تعرف بريسيبي بالأمر؟
أم أنها بقيت مع الدوق طوال تلك الفترة لأنها لم تكن تعرف؟
وإذا حاولت، كما فعلت في السابق، أن تبتز الإمبراطور بأمنها الشخصي لتعود إلى الدوق…
أليس من الواجب أن تعرف كل شيء؟
“…”
ابتلع زيكفريد ريقه ببطء.
إمبراطور مجنون.
ودوق فينريك الذي ربما ارتكب جريمة قتل فعلاً.
وبريسيبي العالقة مجدداً في قفصها.
وبعد لحظة طويلة من التفكير فيما يجب عليه فعله، بدأ يسير بخطى سريعة نحو البرج الذي تقبع فيه بريسيبي.
“مر وقت طويل يا بريسيبي.”
ارتجفت بريسيبي عند سماع صوت مفاجئ، والتفتت لا إرادياً.
فرأت فيدار واقفاً أمام النافذة.
“…”
نهضت بريسيبي فجأة من السرير وتراجعت إلى الخلف مبتعدة قليلاً عن فيدار.
أما فيدار فظل يحدّق بها بتركيز، بينما قابلته هي بنظرات يملؤها الشك.
كان لديها الكثير من الأسئلة التي أرادت أن تواجهه بها، لكن الغريب أن فيدار اليوم بدا مختلفاً بعض الشيء عن كل المرات السابقة التي رأته فيها.
وكأنه…
“لماذا كلما نظرتِ إليّ تصنعين هذا الوجه؟”
“…”
“لقد جئت لأجلك، لأنني قلق عليك.”
كانت نبرته غريبة… مائلة للود بشكل مزعج، ولطيفة بطريقة تبعث على القلق. حتى عيناه الزرقاوان الهادئتان كالبحيرة، وصوته الخفيض الذي لامس أذنها…
تماماً مثل فينريك.
مهما كانت الأفكار التي تدور في رأس بريسيبي، بدأ فيدار يخطو نحوها ببطء. لكنها، في كل مرة يقترب منها خطوة، كانت تتراجع خطوتين، وإن اقترب خطوتين، تراجعت ثلاث.
“… من فضلك لا تقترب مني.”
“لماذا؟”
“…”
“لماذا.”
عقد فيدار حاجبيه قليلاً.
لم أفعل شيئاً… فلماذا؟
لماذا تنظرين إليّ دائماً بتلك النظرة؟
لم يكن يفهم.
لكن المفاجأة أن فيدار أطاعها هذه المرة. لم يحاول أن يقترب أكثر، وبقي على بعد بضع خطوات، يحدّق بها بصمت.
سرعان ما خيّم صمت بارد بينهما.
رغم أنها رأت بنفسها كيف وضع ديتريش حراساً مشدّدين حول المكان، إلا أن سؤال كيف استطاع فيدار الدخول لم يعد يخطر ببالها. فقد اعتاد أن يظهر بهذه الطريقة حتى في قصر فينريك.
“أنت…”
قالت بريسيبي وهي تحدّق فيه بتوتر، ثم فتحت شفتيها بصوت خافت:
“كذبتَ عليّ، أليس كذلك؟”
“…”
“في الحقيقة… أنت لست مجرد وحش، أليس كذلك؟”
تذكّرت حديث إيفان الذي كان غريباً عن الواقع… كأن أحدهم نقل له كذبة ما.
وتذكّرت أيضاً موته الغامض… فبقدر ما تعرف، لم يكن في هذا العالم أحد قادر على قتل مقاتل من مستواه، النادر ظهوره حتى مرة كل مئة عام، إلا كائن واحد فقط:
ملك الشياطين.
البطل الحقيقي لرواية قَفَص بريسيبي.
الشخص الذي بحثت عنه بلا كلل ولا ملل…
“هل تتذكرين؟”
لكن فيدار لم يجب على سؤالها، بل طرح سؤالاً آخر:
“اسمي.”
“… ماذا قلت؟”
“لقد أخبرتك به… في ذلك الوقت.”
بالطبع كانت تتذكر. لكن ما علاقة هذا الآن؟ سواء كانت تعرف اسمه أم لا، ما الذي يهمه في ذلك؟
“تحققي بنفسك.”
“…”
“عندها ستعرفين ما هي حقيقتي فعلاً.”
“لكن كيف من المفترض أن—”
توقفت بريسيبي فجأة عن الكلام.
[إشعار: عند فتح كتاب الذكريات يمكنك استخدام وظائف النظام حتى خارج البرج الغربي.]
تذكرت فجأة ما كانت قد نسيته.
[إشعار: يمكنك أيضاً استخدام سجل الأحداث وميزة استعادة الذكريات الماضية فوراً، كما يمكنك الحصول على تلميحات عن الشخصية التي تحاول كسبها. لكن، يجب فك الشيفرة لفتحها.]
ذلك كتاب الذكريات الذي لم تستطع حتى الاطلاع عليه من قبل…
[إشعار: كلمة السر هي اسم البطل الحقيقي.]
ذلك التنبيه المزعج…
هل يعرف…؟ هل يقول هذا وهو يعرف؟
لكن كيف لها أن تعرف اسم البطل الحقيقي إذا لم تتمكن حتى من فتح الكتاب سابقاً؟
امتلأت عيناها البنفسجيتان بالارتباك.
“على كل حال… أنا جئت لأساعدك. ألن تستمعي إلي أولاً؟”
تحرك فيدار مرة أخرى بخطوات واسعة نحوها. تراجعت هي من جديد، لكنها اصطدمت بالحائط هذه المرة، ولم يعد هناك مجال للهرب.
رفعت بريسيبي رأسها تنظر إليه، وعيناها ترتجفان بوضوح من الخوف.
لكن فيدار قال لها ببرود كلمات كانت صادمة أكثر من ارتباكها السابق:
“هل تعرفين لماذا قتل فينريك أتاري هانان ونواه ديفيرن؟”
“… ماذا؟”
“بسببك.”
“…”
“قتلهم بيديه… حتى يحظى بك وحده.”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 119"