تسللت نبرة فيدار المليئة بالسخرية الحادة إلى أذن فينريك.
“سترحل عنه إلى الأبد.”
… ما الذي سمعته للتو؟
حدّق فنريك في فيدار بعينين حمراوين يملؤهما الارتباك، وقد نسي حتى أن يتنفس.
“ذلك كان هدف بريسيسبي منذ البداية. وبمعنى آخر، أنت لم تكن حتى ضمن الخيارات المطروحة.”
[هل ستستمر في حبي؟ حتى لو لم يكن هناك طريق يمكننا أن نسلكه سويًا إلى الأبد؟]
تداخلت كلمات بريسيسبي، التي لم يفهم معناها بسهولة في حينها، مع صوت فيدار البارد القاسي.
[لدي مكان يجب أن أعود إليه مهما كان الأمر…]
وكذلك تذكّر جوابه حينها، عندما قال إنه يمكنهما الرحيل معًا.
“هل تتذكر ما قلته لك يا فنريك؟”
سأل فيدار فنريك، الذي كان وجهه يحمل تعبيرًا لا يمكن وصفه.
“أنت في هذا العالم… كائن لا يملك حتى دورًا واحدًا، أقل من حشرة.”
“…”
“الشخص الذي يمكن أن يرتبط ببريسيسبي لم يكن أنت. كان هناك واحد فقط منذ البداية.”
ذلك الذي انتظر بريسيسبي طوال تلك السنين، صابرًا على الوحدة والعزلة.
لذلك، كان الوحيد الذي يمكنه الارتباط بها هو فيدار نفسه.
“وبريسيسبي أيضًا تعرف هذا بالفعل.”
قتل إيفان، وتلصص على بريسيسبي والدماء تغطيه. وما زال، بنفس المظهر، يمشي في الطرقات كمن فقد وعيه، بعينين شاردتين، وكأنه مخدر.
ومع ذلك، كان فيدار يفكر باستمرار.
ما الذي أريد فعله حقًا؟
الآن بعدما أمسك ببريسيسبي، ماذا أريد أن أحصل عليه؟
كان الجواب أبسط مما ظن.
كما أراد فنريك، أراد هو أيضًا أن يكون مع بريسيسبي، وأن يحصل على تلك النظرات الحانية. أراد أن تظهر أمامها وهو مغطى بالدماء لتبكي بسببه، ولتقلق عليه.
أراد أن تمنحه قلبها. له وحده. تمامًا كما فعلت مع فنريك.
غيرة بشعة، وتعلق لا يختلف عن أولئك الرجال الذين طالما سخر منهم. رغبة جامحة في احتكار بريسيسبي بالكامل.
استغرق الأمر وقتًا طويلًا ليعترف بأن هذه هي حقيقته. لم يكن يريد تقبلها.
لكن حين اعترف بكل شيء، شعر بالراحة. وكأن هذا الطريق كان مرسومًا له منذ البداية. تلاشى الغضب الذي كان يغلي بلا هدف، وهدأ الحقد.
كان كل الأمر أن تقبل هذه الحقيقة كان صعبًا.
منذ البداية، هذا كان الصواب.
هذا كان الجواب.
ثم تعهد فيدار على الفور.
أن يعيد كل شيء إلى مكانه الصحيح، وأن يستعيد بريسيسبي.
“بريسيسبي لن ترحل.”
قال فيدار بابتسامة ماكرة وهو يكمل:
“سأحتجزها. بكل الطرق والوسائل الممكنة. حتى لا تتمكن أبدًا من مغادرة هذا المكان.”
لم يكن أبدًا ليراقب بهدوء بريسيسبي وهي تخرج من اللعبة مرتبطة بغيره.
سوف يقيدها بأي وسيلة.
لتبقى بجواره، الذي لا يموت، إلى الأبد.
ليعيشا معًا.
ليستعيد مقابل آلاف السنين التي قضاها في الانتظار…
“لكن أنت لا تملك تلك القوة. هل تعرف ما معنى هذا؟ مهما حاولت، في النهاية، أنت…”
توقف فيدار عن الكلام وتقدم بخطوات واسعة نحو فنريك.
“لا يمكنك أن تكون الشخص الذي تختاره بريسيسبي، ولا يمكنك أن تبقيها بجانبك.”
ثم همس في أذنه:
“بقوة أعطيتها لك، وبالطريقة التي علمتك إياها… هل ظننت أنك ستتمكن من إبقاء بريسيسبي بجانبك؟”
أنت الذي كنت لا شيء منذ البداية.
ابتسم فيدار ابتسامة تدل على أنه يجد الأمر مضحكًا بحق.
الآن سيعيد كل شيء إلى ما كان عليه.
لكن ليس بالطريقة التي اعتاد عليها، حيث كان يقتل كل شيء فحسب…
بل سيتبع طريقة فنريك.
ليجعل بريسيسبي تثق به.
ولتبادله نفس النظرة التي كانت توجهها لفنريك.
فكر فيدار في نفسه:
“اللعبة انتهت يا فنريك.”
ومع صوته المظلم الكئيب، غطى الدخان الأسود الكثيف المكان من حول فنريك.
وعندما فتح فنريك عينيه مجددًا، لم يكن هناك أي أثر لفيدار.
بعد لحظات، بدأ يسمع الضوضاء من حوله. أصوات عجلات العربة وهي تدور بسرعة. أحاديث الناس العابرة. وقع حوافر الخيل المارة بجواره…
لكن فنريك ظل واقفًا في منتصف الشارع دون حراك.
“…”
كانت عيناه الحمراوان، المتقدتان كالنار، تحملان مزيجًا من المشاعر.
كان ذلك غضبًا من فيدار، الذي أخفى حقيقته بوقاحة وسخر منه، وغضبًا من هذا الوضع السخيف الذي أثار حنقه حتى أقصى حد، وغضبًا من نفسه، لكونه ما زال بلا أي سلطة أو قوة في هذا العالم.
لكن ما كان يمسك بقدميه كالمستنقع العميق، ويغرقه في اليأس، كان سببًا آخر.
… الشخص الذي يمكن أن يرتبط ببريسيسبي، والذي كان واحدًا فقط منذ البداية.
ربما كان هذا الشخص هو فيدار.
هل كانت بريسيسبي تعرف ذلك منذ البداية أيضًا؟
أم ربما…
[كيف جئت إلى الغابة المحرمة؟ لا بد أن الأمر كان خطيرًا.]
[سمعت أنه قبل أن تصبح أمي جارية الملك، وُجدت فاقدة الوعي قرب الطريق الجانبي لتلك الغابة. ففكرت… ربما أجد خيطًا يقودني لشيء ما.]
… ربما كانت تبحث.
[دوقي، اصطحبني معك أيضًا. إلى الغابة المحرمة. أعدك بأني لن أكون عبئًا. أرجوك. أرجوك.]
“ما السبب الذي يجعلك تفعلين كل هذا؟ أهو بسبب والدك؟”
ربما لهذا خاطر بكل هذا الخطر، وتصرف بتلك الطريقة المستميتة.
بينما كان يكذب علي.
“إن كان حقًا قد تلقى مساعدة من أحد، فلابد أن هناك أثرًا ما. لقد هرب مباشرة من السجن دون أن يمر ببرج السحر.”
ربما كانت زيارتها لبرج السحر للبحث عن طرف خيط، لمجرد أنها كانت تبحث عن فيدار.
فالمكانان الأنسب للعثور على معلومات عن ملك الشياطين مثله هما برج السحر أو الكنيسة، لا غير.
كما كنت أنا أحاول استغلال زيغفريد…
“السيدة بريسِبي، لا تخفي عني أسرارًا.”
“أعرف جيدًا كم يتعب الدوق الكبير من أجلي، وأعرف أن عليّ أن أكون شاكرة له كثيرًا. لذلك سأحاول من الآن أن أكون صادقة قدر المستطاع.”
كذبة.
“أريد أن أبقى مع الدوق الكبير. هل هذا مسموح؟”
أين يبدأ الكذب وأين ينتهي؟ وأين يبدأ الصدق؟
ربما كان كل شيء كذبًا.
مجرد طريقة للعثور على الشخص الذي كان قدرها منذ البداية، فيدار، والذي كان يمكن أن يتحقق الأمر معه بالكامل.
“منذ جئت إلى القصر، كنت أفكر دائمًا أن الدوق رجل طيب ودافئ. ولا توجد أي طريقة في العالم لعدم الوقوع في حب شخص كهذا…”
…إذًا، هل كانت هذه أيضًا كذبة؟
لم أعد أعرف.
ولا شيئًا واحدًا.
“…”
في الشارع، وقف فينريك جامدًا بينما بدأ المطر يتساقط عليه فجأة.
كانت قطرات المطر الباردة تخفف تدريجيًا من سخونة الحروق التي تركها فيدار على عنقه، لكن الأمر بدا ساخرًا.
فالغريب أن حرارة جسده كانت تتصاعد أكثر فأكثر، حتى بدا أن الدم في عروقه يغلي، على وشك الانفجار.
حتى قلبه، الذي لم يُصب بأذى، كان ينبض بحرارة.
✦✦✦
كانت غرفة نوم فينريك هادئة.
“…”
جلست بريسِبي بحذر على السرير الكبير جدًا بالنسبة لها، ونظرت بصمت إلى النافذة التي بدأ يتجمع عليها البخار بفعل المطر المنهمر.
ثم أمالت رأسها، ونظرت إلى يديها.
في يدي بريسِبي كان هناك شيء تعرفه جيدًا.
ذلك السيف.
الذي أعطته بنفسها لفينريك خلال مرحلة التدريب.
فكرت أن تنتظره بهدوء حتى يعود إلى غرفتها، لكنها لم تستطع ترتيب أفكارها. كان قلبها لا يزال مشوشًا ومضطربًا بشدة.
لم يتغير اقتناعها بأن قول الحقيقة كاملة هو الشيء الصحيح، لكن لم تكن متأكدة إن كان ذلك حقًا في مصلحة فينريك.
وقتها، تذكرت فجأة السيف الذي أعطته له.
لحسن الحظ، كان السيف لا يزال في غرفة نومه، في مكانه.
نقله من مكتبته إلى هنا وإخفاؤه ربما كان لأنه يخشى أن أحاول الاطلاع عليه.
خشية أن يثير استرجاع الماضي أحداثًا لا يريد تذكرها.
كانت تفهم مشاعر فينريك، لكنها لم تستطع أن تفسر بسهولة لماذا تذكرت هذا السيف فجأة.
…هل كان ذلك بسبب القلق؟ خوفًا من ألا يتفهمها الدوق؟ فرغبت في إيجاد دليل.
دليل يقول: لا، هو ليس كذلك. انظر، إنه ما زال يحتفظ بهذا السيف بعناية حتى الآن، ويحميّ بأي وسيلة. لن يفعل ذلك أبدًا.
اشتدت قبضة بريسِبي على السيف.
“لو لم أمد يدي إليه في ذلك الوقت… لما التقينا أبدًا.”
كانت ستكون علاقة لم تمر حتى مرورًا عابرًا، ولم يعرف أحدهما الآخر أبدًا.
لكن بريسِبي مدت يدها، وفينريك لم ينسَ، بل بحث عنها حتى وجدها.
عندما تنظر إلى الوراء، فإن الشيء الوحيد الذي أرادت الاحتفاظ به حتى النهاية في هذا العالم القاحل، كان دائمًا فينريك.
في البرج، ذلك القفص في القصر الإمبراطوري، كان الشيء الذي تركه لها هو المزهرية.
وفي اللعبة، كان الشيء هو وجوده نفسه.
شخص مثل المسمار الغريب الذي لا يتناسب مع أي مكان داخل التروس التي تدور في هذا العالم.
شخص هدم كل شيء وأربكه، وفي النهاية أنقذها.
عندها أدركت بريسِبي.
إنها لا تؤمن بأن فينريك سيتفهمها، بل إنها تتمنى أن يفعل.
حتى بعد أن تبوح بكل الحقيقة، كانت تأمل أن يتقبلها.
أرادت أن تبقى بجانبه بصدق الآن، حتى لو كان الوقت قصيرًا.
وليس فقط من أجل تحطيم نظام اللعبة.
بل لأنها أرادت أن تقول له: مشاعري ليست مختلفة عنك، وأريد أن أكون معك حتى النهاية.
“عندما يعود…”
سأخبره.
كل شيء.
كانت يد بريسِبي التي تمسح السيف تحمل حبًا واضحًا لا يمكن إخفاؤه.
وفي اللحظة التي كانت فيها تمسح السيف، حدث ذلك.
انفتح الباب المغلق.
“…الدوق فينريك؟”
وحين التفتت، رأت فينريك يحدّق بها، مبتلًا بالمطر من رأسه إلى قدميه.
وبعينين غريبتين، فيها شيء من الغربة.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 113"