كان صوت بريسيبي الخافت يرتجف وهي تُكمل كلامها ورأسها منكّس.
… حتى لو أشار إليها أحدهم بالجبن ووجّه إليها أصابع الاتهام، لم يكن ذلك ليهمّها.
ما دامت تستطيع، ولو خلال بقائها داخل اللعبة لبعض الوقت، أن تبوح لفينريك بمشاعرها بصدق.
ما دام فينريك سيتفهّمها.
كانت تريد البقاء معه ولو قليلًا.
وفوق ذلك، كان يوم الاختيار يقترب أكثر فأكثر. فهل يُعقل أن يُطلب منها الآن أن تختار شخصية رجل آخر؟ لم تكن ترغب بذلك أبدًا. إطلاقًا.
منذ اللحظة التي أدركت فيها أن فينريك قد استحوذ على قلبها، لم يكن لديها أي خيار آخر سواه.
لكن كان هناك ما يشدّها إلى الوراء كل مرة.
إذا جاء يوم الاختيار واختارت فينريك، حتى لو انهار النظام كلّه، فلن يتغيّر فينريك.
فمشاعره نحوها لم تكن مرتبطة بنظام اللعبة إطلاقًا. لم يكن كغيره من الشخصيات التي مُنحت إعدادًا برمجيًا يأمرها بـ”حب بريسيبي بلا سبب ودون شروط”. مشاعره كانت خالصة، نابعة من إرادته.
ولهذا، إذا جاء يوم وابتعدا عن بعضهما…
فسيكون فينريك هو الوحيد الذي يحزن.
وسيظل غير قادر على نسيانها، ينتظرها.
وهذا ما كان يؤلمها… يؤلمها كثيرًا.
“هل ستستمر في حبي؟”
“…”
“حتى لو لم يكن هناك أي طريق يجمعنا إلى الأبد…؟”
رفعت بريسيبي رأسها ببطء، لتلتقي بعيني فينريك الذي كان يحدّق بها من علٍ.
وفجأة توقّفت، مندهشة دون وعي.
كانت الحمرة في عينيه متوهجة هذه المرة بلون يختلف قليلًا عمّا اعتادته.
لم يكن ذلك الحقد أو الغضب الذي شعرت به حين حاولت مع الشخصيات الأخرى، لكنه… كان غريبًا.
كانت عيناه، التي تتماوج وتضطرب وهي تحدّق بها، تبعث جوًا ينطوي على خطر خفي.
“لا أفهم ما تقولينه، يا آنسة بريسيبي.”
انخفض صوته العميق وهو يتحدث.
“كأنك تقولين إنك سترحلين إلى مكانٍ ما.”
“إلى الأبد معًا؟ إذاً ماذا تعنين بالاختفاء؟”
“أتريدين أن تتركيني وحيدًا مرة أخرى؟ إلى أين؟ ومع من؟”
“ليتني كنت قد التقيت بك في مكان آخر غير هنا، لكان الأمر أفضل بكثير.”
تغيّرت ملامح فينريك قليلًا، مع انقباض حاجبيه، وهو يسمع كلمات بريسيبي المبهمة.
“في البداية، ظننتك شخصًا خطرًا، لكن منذ جئت إلى القصر وأنا أفكر دائمًا… يا للدوق، كم أنت لطيف ودافئ.”
“…”
“لا يوجد في أي مكان طريقة لئلا يحب المرء شخصًا مثلك.”
لكن، وإن كان هذا ما لا يرغب في سماعه، لم تستطع أن تظل تخفي الحقيقة وتخدعه حتى النهاية.
“لكن… هناك مكان يجب أن أعود إليه حتمًا.”
“إذن سأكون معك، أينما كان.”
قال فينريك بنبرة حاسمة:
“أيًّا كان المكان الذي ترغبين في الذهاب إليه، حتى لو لم يكن أتلويّا، فهذا لا يهم إطلاقًا.”
“…”
“ففي النهاية، إذا لم تكوني موجودة، فلن يكون لأي مكان معنى عندي.”
ليت العائق بينهما كان مجرد بُعد مادي… لكان من السهل أن يقول لها: “إذن، فلنذهب سويًا”.
بل، كان سيجيبها فورًا بالموافقة دون أي تردد، ويأخذها معه بعيدًا.
لكن فينريك لم يكن سوى شخصية داخل لعبة، ولا يوجد أي سبيل له لمغادرة هذا العالم إلى أرض الواقع. وبريسيبي كانت تدرك هذا أكثر من أي شخص آخر.
“دوقي، أنا…”
أطبقت شفتيها للحظة، تحاول ترتيب ما يختنق في صدرها من كلمات، كي توصلها له بأوضح صورة ممكنة. كي يستطيع أن يتقبّل فكرة أنه يجب أن يتركها.
لكن قبل أن تنطق بشيء، جاء صوت طرق مهذّب من الخارج.
“دوق فينريك، أنا كيفن. أعذرني لإزعاجك، لكن قيل لي إنك هنا…”
لم يلتفت فينريك نحو الباب مطلقًا، بل ظل يحدّق ببريسيبي فقط.
“دوقي، اذهب أولًا.”
نعم، يجب أن أستغل الوقت لترتيب أفكاري حتى أشرح له الأمر بطريقة يفهمها أكثر.
قالت بريسيبي بنبرة فيها شيء من التهدئة:
“قد يكون حدث أمر في القصر الإمبراطوري، أو ربما وجدوا شيئًا في جثمان إيفان…”
“…”
“سنتحدث لاحقًا، أليس كذلك؟”
ورغم أن ملامحه أوحت بأنه لم يكن راضيًا عن الأمر، فإنه في النهاية أومأ بالموافقة.
“مفهوم.”
ارتدى قميصه الذي كان قد نزعه، بشكل عشوائي، ثم قال:
“استريحي الآن.”
ثم مرّر يده الكبيرة بخفة على خدها.
“وإلا فستكونين أنتِ أول من ينهار.”
وفعلاً، لم تعد تتذكر آخر مرة نامت فيها جيدًا منذ أيام. لكنها كانت تعرف أنه حتى لو خرج من الغرفة، فلن تنام.
أطلقت تنهيدة خافتة من خلفه وهي تراقب ظهره وهو يغادر.
✦✦✦
كان قدوم كيفن بسبب رسالة من زيغفريد.
“[قال إنه يملك شيئًا بخصوص ما تحدّثتما عنه، لكن الظرف لا يسمح، فطلب منك المجيء إلى القصر بنفسك.]”
حتى وهو يوصل الرسالة، كان كيفن قلقًا إلى حدّ ما.
ففينريك لا يحب زيغفريد أصلًا، بل وصل به الأمر لمحاولة قتله.
ولا أحد يعلم لماذا، لكن ما من سبب يجعل فينريك مرتاحًا بعد سماع مثل هذا الطلب.
لكن، على نحو مفاجئ، ما إن أنهى كيفن كلامه حتى غادر فينريك القصر فورًا، بعد أن أمره بحماية بريسيبي جيدًا.
“فكرت أن أطلب من كيفن أن يوصلك الرسالة بدلًا مني، لكن بدا أن الأمر لن ينجح.”
في قاعة الاستقبال في قصر زيغفريد، جلس فينريك مقابله، يحدّق فيه ببرود.
“كما تعلم، هناك عيون تراقب، يا دوق.”
“… نعم، هذا صحيح. وخاصة في مثل هذا الوقت.”
“لكن، لو لم يكن الأمر في وقت كهذا، لما تمكنت من إخراج هذه الأشياء. أليس هذا غريباً بحق؟”
على الطاولة كان موضوعاً…
صندوق معدني.
في داخل الصندوق، كانت هناك كومة من الوثائق، قديمة بشكل واضح من النظرة الأولى.
_ “ملك الشياطين الذي قيل إنه عاش في الغابة المحرمة.”
_ “……ها؟”
_ “هل تستطيع أن تشرح لي عن هذا الملك الشيطان؟”
حين ذهب إلى حيّ جيسينت للتأكد من جثة إيفان، سأل زيغفريد عن الأمر، لكن للأسف لم يكن لديه ما يخبر به فينريك.
وهذا كان أمراً طبيعياً إلى حد ما. فخلافاً لإيفان الذي كان يملك صلاحيات الساحر الأعظم، زيغفريد لم يكن سوى قائد فرسان تابع للكنيسة.
_ “سأحقق في الأمر. في أسرع وقت ممكن.”
على أي حال، كان عليه الذهاب إلى الكنيسة لتسليم جثة إيفان.
سلّم زيغفريد الجثة للكهنة، وأخبرهم أن في موت إيفان أمراً مريباً.
لم يكن هذا كذباً. فجثة إيفان، التي كانت قد تحطمت عظام كاحليه وأصابعه ثم تفحمت سواداً، كانت كافية لإثارة الشكوك لدى أي شخص.
وفوق ذلك، ومع موت رئيس الأساقفة وبقاء منصبه شاغراً، كان خوف الكهنة يتزايد يوماً بعد يوم. فقد كانوا يخشون أن يقوم برج السحرة، الذي صار محاصراً في الزاوية، بفعل أمر مشابه.
ومن وجهة نظرهم، كان زيغفريد وفينريك، بوصفهما من جناح الإمبراطور، أقرب إلى الحلفاء. ولهذا غضّ الكهنة الطرف عن قيام زيغفريد بالبحث في غرفة رئيس الأساقفة.
“لم يكن لدي وقت، فألقيت نظرة سريعة وجلبت ما استطعت، لكنها كلها أشياء متعلقة بملك الشياطين.”
“…….”
“أستسمح بسؤال، يا دوق.”
تحولت أنظار فينريك نحو زيغفريد.
“هل تعتقدون أن ملك الشياطين متورط في هذه الحادثة؟”
لكن، في الغابة المحرمة، لم يُعثر على أي أثر لملك الشياطين. ولذلك، كان زيغفريد يظن أن جميع الأساطير المتعلقة به ليست سوى خرافات فارغة.
ولهذا لم يفهم أكثر، لماذا شخص مثل فينريك، الذي بدا أنه أقل من يصدق تلك الأساطير، يسأل عنه الآن.
لكن بدلاً من الإجابة، طرح فينريك سؤالاً آخر:
“ما السبب الذي يدفعك لمساعدتي، حتى لو اضطررت للبحث في غرفة رئيس الأساقفة الذي كنت تحترمه كثيراً؟ يا زيغفريد.”
بصراحة، لم يكن فينريك يتوقع أن يتصرف زيغفريد بهذا الشكل، ولم يكن يطمع حتى في ذلك. ولهذا لم يفهم السبب أكثر.
عند هذا السؤال المفاجئ، لزم زيغفريد الصمت لحظة، قبل أن يفتح فمه بنظرة يغشاها شيء من الكآبة.
“كما قلتم، فقد كان رئيس الأساقفة الذي احترمته كثيراً قد مات مظلوماً. وإن لم يكن الأمر مجرد فعل من أفعال إيفان، بل كان هناك من يقف خلفه، فإني أرى أن من واجبنا كشف الحقيقة كاملة.”
“…….”
“هذا كل ما في الأمر.”
حتى بعد أن وجد ذاته، ظل زيغفريد رجلاً جاداً إلى حد الملل.
وكأن الأمر يدعو للسخرية قليلاً. ما الذي يجعله يهتم كثيراً بعالم مزيف، لا يحتوي على ذرة من الصدق، وكلّه من صنع شخص ما؟
لكن بالنسبة لفينريك، لم يكن هناك ما يخسره. بل إن تلك السذاجة العمياء كانت أكبر ما يساعده على استغلال زيغفريد. تماماً كما يفعل الآن.
كان زيغفريد شخصاً ذا قيمة للاستغلال، على نحو يبعث على الضحك.
“من الأفضل أن تواصل على هذا النحو، يا زيغفريد. فهذا أنسب لك.”
“……ها؟”
“بدلاً من أن تحاول البحث في أمور لا طائل منها فتعرّض نفسك للخطر، ألا ترى أن العيش لأجل أتلّويا أنفع لك؟”
بالطبع، هذا لا يضمن لك أن تحافظ على حياتك تماماً.
ابتسم فينريك ابتسامة قصيرة.
ظل زيغفريد محتفظاً بتعبير عدم الفهم، لكن فينريك لم يعر ذلك اهتماماً، ووقف من مكانه.
✦✦✦
كانت الظلمة قد هبطت على الشوارع.
“…….”
كان فينريك بملامح جامدة، غارقاً في أفكاره، بينما يعتلي صهوة جواده. ثم بدأ يمرّ بالشوارع التي يعبرها الناس عادة.
لكن، حتى وهو يقود الحصان، لم يكن في ذهنه سوى صوت بريسيبي يطنّ بلا توقف.
“لكن، لا بد لي من العودة إلى حيث أنتمي.”
ماذا كانت تعني بذلك؟
“يا دوق، أنا…….”
ماذا كانت تريد أن تقول؟
“منذ أن جئت إلى القصر، وأنا أفكر في الأمر دوماً. يا دوق، أنت حقاً…… شخص طيب ودافئ. ولا يوجد في هذا العالم طريقة لعدم الوقوع في حب شخص مثلك.”
هل كانت تلك الكلمات…… حقاً صادقة؟
حتى لو أنهيت كل شيء، فإن رحيل بريسيبي عني يعني أن الأمر لا قيمة له.
حتى لو قتلت آتاري ونواه، وحتى لو قتلت كل سكان أتلّويا، فإن لم أحصل على ما أريده، فكل ذلك لا جدوى منه.
“…….”
عض فينريك على شفتيه، وصار يقود الحصان بسرعة أكبر، كمن يطارده أحد.
لم يعرف إن كان المطارد هو قلقه، أو خوفه من أن ترحل بريسيبي، أو كلاهما معاً.
لكن سرعان ما توقف هذا الاندفاع.
فقد أدرك فجأة أن الشارع، الذي كان يجب أن يمتلئ بالخيول والعربات والناس، صار خالياً تماماً منذ قليل.
وكأن سحراً ما قد أُطلق.
ولم تمضِ سوى لحظات…… حتى ظهر أمام حصان فينريك شخص مألوف.
“……فِيدار.”
تمتم فينريك باسمه وهو يحدّق فيه بعينين حادتين.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 111"