رغم أنه لم يتعافَ بعد تمامًا، فإن فينريك ما إن سمع تقرير كيفن حتى غادر القصر فورًا.
“…….”
جلس داخل العربة، مكتف اليدين، وعلى وجهه ظلال من الشك العميق.
مات بتلك الطريقة؟ وفجأة هكذا؟
بالطبع، من المحتمل أن حالة إيفان لم تكن جيدة أبدًا، فقد طُعن بالسيف مثله تمامًا.
ورغم أنه رسم دائرة سحرية وغادر الكنيسة، إلا أنه لو لم يتلقَ العلاج كان وضعه سيصبح حرجًا.
لذلك، في البداية ظن فينريك أنه مات متأثرًا بجراحه.
لكن كيفن قال له:
[هذا ما ظننته أنا أيضًا عندما ذهبت إلى موقع الحادث… لكن يبدو أنه ليس كذلك.]
[ليس كذلك؟ ماذا تعني؟]
[الأمر هو…]
تردد كيفن للحظة وكأنه يبحث عن الكلمات المناسبة قبل أن يتابع:
[… من الأفضل أن تتحقق بنفسك يا دوق.]
ثم ألقى نظرة سريعة إلى بريسيبي وهانّا اللتين كانتا تحدّقان فيه بقلق، وخفض صوته قائلًا:
[فريق الفرسان يخطط لنقل الجثة إلى القصر الإمبراطوري. لكن حالة المكان الذي عُثر فيه على جثة إيفان… ليست جيدة أبدًا.]
[أرسل أشخاصًا إلى الموقع فورًا. وأخبرهم ألا يلمسوا شيئًا.]
[عفوًا؟]
[سأذهب بنفسي لأتفقده.]
صحيح أن فحص الجثة قد يعطي فكرة عن سبب الوفاة، لكن رؤية الموقع بأم العين أمر آخر تمامًا.
لذلك نهض فينريك من مكانه على الفور.
[أعتذر يا آنسة بريسيبي، لكن يبدو أنكِ ستتناولين الفطور وحدكِ. أعدك أنني سأعود قبل المساء، فارتاحي جيدًا.]
ترك لها هذه الكلمات، ثم صعد إلى العربة، وقبل أن تتحرك، همس له كيفن مسبقًا:
“إن إيفان يبدو وكأنه قد قُتل على يد أحدهم.”
“قُتل…؟”
من وجهة نظر فينريك، لم يكن ذلك خبرًا سيئًا تمامًا، فإيفان كان من الأشخاص الذين كان عليه قتله في النهاية.
لكن لم يخطر بباله أن إيفان سيموت بهذه السهولة على يد شخص آخر.
ثم إن من لا تؤثر فيه تعاويذ إيفان السحرية لا يوجد سوى هو نفسه… فمن يجرؤ إذًا على قتل الساحر الأعظم؟
“إن لم يكن إنسانًا… فهناك احتمال واحد.”
فهو نفسه لم يتأثر بسحر إيفان بفضل مساعدة فيدار.
وفي النهاية، لم يكن هناك سوى شخص واحد—أو بالأحرى، وحش واحد—يخطر بباله.
[ربما كما ساعدتني، كنت تساعد إيفان أيضًا. وربما أنت من ساعده على الهرب…]
كما قال لِفِيدار من قبل، فقد كان يشك فيه.
لكن موت إيفان؟
هل كان ذلك لإثبات أنه لم يساعده؟
“… لا.”
تمتم فينريك لنفسه: “لا سبب لديه ليبذل كل هذا الجهد ليبرئ نفسه أمامي.”
في الواقع، ربما كان هناك سبب آخر… هدف لم يخبر به أحد، لا أنا ولا أي شخص آخر، يحتفظ به فيدار لنفسه فقط.
غرق فينريك في التفكير، مكفهر الوجه، حتى توقفت العربة ببطء.
“لقد وصلنا يا دوق.”
سمع صوت كيفن، وفتح باب العربة، ليعبس على الفور.
كان ذلك بسبب الرائحة الكريهة.
“اشتعلت النيران الليلة الماضية في حي جِكسِنت.”
… رائحة احتراق.
تمامًا مثل تلك التي شمّها في الغابة المحرمة.
“كانت النيران قوية لدرجة أنه لم يتمكن أحد من السيطرة عليها، وحي جكسنت معروف بسوء سمعته، فلم يتطوع أحد لمساعدتهم.”
كان الحي الضيق والقذر مغطى بالسواد، حتى إن القول إنه أصبح أنقاضًا بالكامل لن يكون مبالغة.
وفي أرجاء متفرقة من الشارع، كانت هناك جثث متفحمة ملقاة على الأرض.
“أرسل القصر الإمبراطوري عددًا قليلًا من الفرسان، لكنهم كانوا مجرد قوة شكلية.”
بالنسبة لأولئك الذين كانوا يعيشون على التسوّل والجريمة في حي جكسنت، كانت كارثة، أما بالنسبة للإمبراطور ديتريش، فربما كان الأمر جيدًا… إذ تخلّص من تلك البؤرة المزعجة دون أن يبذل أي جهد، فالناس هناك إما ماتوا أو تفرقوا.
وفي تلك اللحظة، أدرك فينريك ما قصده كيفن حين قال: “حالة المكان الذي عُثر فيه على جثة إيفان ليست جيدة”.
“… إيفان.”
“من هذا الاتجاه.”
قاد كيفن الطريق، وسار فينريك خلفه إلى أعمق جزء من الحي.
وعندما رأى بعض الفرسان الذين كانوا يتفقدون الحي المحترق، أدّوا له التحية، فاكتفى بإيماءة صغيرة، بينما أخذ يتفقد الأنقاض المحترقة التي لم يبقَ منها شكل يمكن تمييزه.
“كما قلت يا دوق، هو بالفعل رسم دائرة سحرية وهرب، لكنه كان مصابًا إصابة بالغة فلم يستطع الابتعاد كثيرًا.”
“……”
“وبما أن حي جكسنت ليس مكانًا يزوره الناس العاديون، فقد كان مثاليًا بالنسبة له للاختباء.”
توقف كيفن بعد أن أكمل كلامه، وكانا قد وصلا إلى نهاية زقاق مغلق في أقصى عمق الحي.
“الدوق فينريك.”
كان زيجفريد بانتظارهم هناك، ويبدو أن وجهه شاحب قليلًا.
“كان عليك أن تبقى مرتاحًا في القصر… لكن الأمور أخذت منحًى غريبًا.”
نظر إلى فينريك بقلق، لكن الأخير لم يرد، ولم يلتفت إليه حتى، بل كانت عيناه تتجهان نحو ركن الزقاق.
“… ذاك هناك.”
نظر فينريك إلى الجثة السوداء المتفحمة التي لم يبقَ منها سوى العظام، وقال بصوت منخفض:
“إنه إيفان.”
“نعم، صحيح.”
أجاب زيجفريد وهو يزفر بتعب:
“لولا أن ذراعه اليمنى لم تُقطع، لما تمكنا حتى من التعرف عليه. فقد تحول تقريبًا إلى عظام فقط.”
كان فينريك قد ظن أنه قد يتمكن من استنتاج بعض المعلومات من خلال فحص موقع الحادث، لكن ذلك كان مجرد وهم. فلم يكن إيفان وحده هو الذي احترق، وكل ما يمكن الحصول عليه من مثل هذا المشهد هو شعور بالغثيان والاشمئزاز.
“…….”
نظر فينريك إلى جثة إيفان بوجه جاف، ثم انحنى ببطء، موجّهًا نظره إلى يده اليسرى وكاحله.
“إذًا هذا ما جعلكم تقولون إنه ربما قُتل.”
كانت عظام اليد اليسرى وكاحل إيفان مهشمة تمامًا.
في الكنيسة، قبل أن يحاول إيفان استخدام السحر ضد بريسيبي، كان فينريك قد كسر معصمه أيضًا، لكن ذلك لم يكن سوى كسر بسيط، ولم يحطم عظام أصابعه بهذه الدرجة.
أما كاحلاه، فقد كانا محطمين تمامًا من الجهتين، لا من جهة واحدة فقط.
كان السبب واضحًا: لقد حطّم أحدهم كاحليه لمنعه من الهرب، وسحق يده كي لا يتمكن من استخدام السحر، وربما فعل ذلك أيضًا للسخرية منه… أو لدفعه إلى حالة من الرعب الشديد قبل قتله.
“في البداية، ظننت أنه ربما دخل في شجار مع عصابات حي جكسنت، لكن حتى هؤلاء ما كانوا ليتمكنوا من جعل إيفان في هذه الحالة.”
أكمل زيجفريد كلامه:
“كنت أعلم أن إيفان هو من قتل نواه ديفيرن وأتاري هانان… فما الذي يعنيه هذا الآن…؟”
لكن فينريك لم يرد، بل نهض ببطء من مكانه، وألقى نظرة نحو كيفن والفرسان المرافقين.
“يمكنكم نقل الجثة كما هي. فبهذا الشكل المحترق لن نجد منها سوى رماد العظام.”
“انقلوا الجثة.”
وبمجرد أن صدرت أوامر زيجفريد، بدأ الفرسان بنقل جثة إيفان إلى النقالة التي كانوا قد أعدوها مسبقًا. كانت الجثة هشة للغاية لدرجة أنها كانت تتفتت بمجرد لمسها، ما جعلهم يجدون صعوبة في التعامل معها، لكن لم يكن هناك أي حل آخر.
“يا دوق، سأعود إذًا إلى القصر الإمبراطوري. أنصحك بأن ترتاح قليلًا، وسأبلغك فورًا إن ظهرت أي مستجدات في التحقيق.”
كان زيجفريد يشعر بعدم الارتياح لأن فينريك المصاب كان ينبغي أن يكون في قصره ليتعافى، لذلك أراد إقناعه بالعودة سريعًا، لكن فينريك لم يغادر، بل مد يده وأمسك بكتف زيجفريد.
“أيها قائد الفرسان.”
“نعم، يا دوق فينريك…؟”
“هناك سؤال يخطر في بالي.”
ثم طرح سؤالًا غير متوقع:
“ملك الشياطين الذي كان يعيش في الغابة المحرمة.”
“… ماذا؟”
“هل تستطيع أن تشرح لي عنه؟”
✦✦✦
كان قصر فينريك ما يزال تحت حراسة مشددة، بحيث لو حاول أي شخص التسلل سرًا، لأُلقي القبض عليه قبل أن تطأ قدماه المكان وتعرض لمصير سيئ.
لكن حتى تلك الحراسة المحكمة لم تكن ذات فائدة أحيانًا.
كما هو الحال الآن.
في حديقة القصر، كان هناك متسلل يجلس بين الزهور التي تفتحت بكثافة، ناشرةً عبيرها العطر، على قمة شجرة عالية.
كان ذلك المتسلل هو فيدار.
ومع ذلك، لم يفعل فيدار أي شيء. لم يستغل غياب فينريك لاستهداف بريسيبي كما فعل إيفان، ولم يحاول الاقتراب منها بكلمات منمقة كما فعل نواه ديفيرن.
كل ما فعله هو إقامة حاجز سحري غير مرئي يمنع الآخرين من رؤيته، ثم جلس بصمت على الشجرة، محدقًا في اتجاه واحد فقط.
“…….”
وعلى صفحة عينيه الزرقاوين، انعكس وجه بريسيبي القلق والمضطرب.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 107"