في النهاية، قضت بريسيبي الليل بطوله دون أن تنام لحظة واحدة.
“……”
بهذا الحال، ألا يمكن أن أموت من الإرهاق قبل حتى أن أجد طريق الخروج من اللعبة؟
كان هذا محتملًا، فصورتها في المرآة كانت بائسة إلى حد يدعو للرثاء. بشرتها باهتة، والهالات تحت عينيها قاتمة وكأن أحدهم عبث أسفلها بقلم شمع أسود.
“هاه…”
تنهدت بريسيبي بعمق وهي جالسة أمام طاولة الزينة، ثم حاولت تلخيص أفكارها التي قضت الليل وهي تدور في رأسها.
أولًا، الطريقة الأكثر فعالية على ما يبدو لتدمير النظام بالكامل، هي أن تختار في “يوم الاختيار” شخصًا ليس من الشخصيات الذكورية المحددة مسبقًا في اللعبة.
لم يتبقَ على “يوم الاختيار” سوى أقل من شهرين، وهو يوافق عيد ميلاد بريسيبي. في الحقيقة، الأمر لم يكن معقدًا كثيرًا.
قبل أن يظهر الخلل… أي وفق النظام الأصلي، في صباح يوم الاختيار كان يُسمح لبريسيبي باختيار شخصية ذكرية لتقضي عيد ميلادها معه.
فمثلًا، إذا اختارت ديتريش، فيكفي أن تمضي معه حتى منتصف الليل.
وبالطبع، ستظل تظهر اختيارات حتى اللحظة الأخيرة. بمعنى آخر، عليها أن تصل إلى 100% من مستوى المودة قبل حلول منتصف الليل.
لكن الوضع الآن تغيّر، فقد خرجت عن مجريات اللعبة المحددة مسبقًا منذ زمن، وحتى الخيارات لم تعد تظهر إلا مع الشخصيات الذكورية التي قابلتها لأول مرة في هذه الجولة، عدا ذلك فقد تصرفت بحرية وقامت بأشياء لم تفعلها من قبل مرات عديدة.
أما الأحداث الثابتة، فلم تقع أبدًا. فعلى سبيل المثال، كان من المفترض في هذا الوقت أن يبدأ حدث “مهرجان الصيد”، لكن بما أنها خرجت من القصر الإمبراطوري، فقد صار المهرجان وما فيه أمرًا لا علاقة له بها إطلاقًا.
وهكذا، كانت اللعبة تنحرف في اتجاه لا يمكن التنبؤ به، لكن من منظور آخر، لم يكن ذلك أمرًا سيئًا لبريسيبي.
لأنه عندما يحل يوم الاختيار، لن يتمكن النظام من إجبارها على اختيار أحد الشخصيات المحددة مسبقًا لقضاء اليوم الأخير معها.
ولو كانت جادة في تدمير النظام بالكامل، فربما كان ظهور هذا الخلل نعمة لا تنكر.
فمهما حدث، يظل يوم الاختيار هو أحد الركائز الأساسية في لعبة “بريسيبي في القفص”، إذ صُممت القصة أصلًا لتنتهي عنده.
فجوهر أي لعبة من هذا النوع هو: “من ستختار البطلة وكيف ستقوده إلى أي نهاية”.
إذن، حتى الآن، كان هذا استنتاجًا وخطة جيدة…
لكن… “ماذا عن الدوق؟”
كانت المشكلة هي فينريك.
“حتى لو قال إنه مستعد لفعل أي شيء من أجلي… أليس هذا خداعًا؟ أليس مبالغًا فيه؟”
كلما تذكرت بريسيبي وجه فينريك وهو يتوسل إليها أن تحبه، وصوته الخافت الذي تخللته رعشة، شعرت أكثر بثقل الأمر.
“…ماذا لو أخبرته بكل شيء بصدق؟”
ربما يكون ذلك أفضل.
لكنها لم تكن تعرف كيف سيرد، بل من الممكن ألا يصدقها أصلًا. وحتى لو فعل، فلن تلومه إن لم يصدقها.
ثم… إذا افترضنا أنه بعد أن يعرف كل شيء، قرر تحمّل الأمر ومساعدتي رغم ذلك…
هل سيكون قلبي بخير؟
حتى الآن، قلبي يهتز من مجرد اعترافه… فهل سأظل قادرة على التفكير ببساطة، كما كنت سابقًا، أن كل ما يهم هو أن أخرج من اللعبة؟
كان الأمر أشبه بكرة من الخيوط المتشابكة إلى حد يستحيل فكها، تتدحرج داخل رأسها بلا توقف.
والشيء الوحيد الذي شتت أفكارها قليلًا كان دخول هانّا.
“آنسة بريسيبي! أنا هانّا. هل يمكنني الدخول؟”
“ادخلي.”
وما إن أجابت، حتى أسرعت بتعديل مظهرها قليلًا، فهي لا تريد أن تقلق هانّا أكثر.
“هل نمتِ جيدًا؟ على فكرة، الدوق أخبرني! قال إنكِ بقيتِ بجانبه حتى استيقظ… أَه؟”
ضاقَت عينا هانّا وهي تحدّق بها.
“لكن الدوق قال إنكِ ذهبتِ للنوم. لماذا تبدين مرهقة إذًا؟ هل تراكمت عليكِ آثار التعب؟!”
“……”
“ربما هذا هو السبب فعلًا! الدوق ينتظرك الآن لتتناولا الإفطار معًا. وبعده، ألا ترين أنه من الأفضل أن تأخذي قيلولة؟ أظن أن هذا سيكون جيدًا.”
“……”
“آنسة بريسيبي؟”
وحين لم تتلقَ أي رد رغم استمرارها في الكلام، عقدت هانّا حاجبيها باستغراب.
“هانّا…”
“نعم! قولي لي أي شيء، وسأساعدك في كل ما تريدين…”
لم تستطع هانّا إكمال كلامها.
فقد مدّت بريسيبي يدها فجأة وعانقتها بشدّة.
“آنسة بريسيبي، لماذا…؟”
تمتمت هانّا مرتبكة وهي بين ذراعيها، لكن بريسيبي لم تتركها، بل بدأت تربت على ظهرها برفق.
“آسفة… لأنني أخذت الزهور في ذلك الوقت دون أن أدفع ثمنها.”
الفتاة الصغيرة التي كانت تبكي بحرقة خلف فينريك… يكفي النظر إلى وجهها لمعرفة كم كانت حياتها في الشوارع قاسية.
لم تكن سوى هانّا.
“وسعيدة جدًا لأنني أراكِ مجددًا. حقًا.”
كان الأمر مختلفًا قليلًا عن فينريك الذي دار في نفس الحلقة المفرغة مثلي، وتحمّل الكثير حتى اقترب مني.
أما الآن، فقد امتلأت وجنتاها المستديرتان باللحم، وأصبحت أكثر صحة، وهذا جعل قلب بريسيبي ينقبض من التأثر. كانت فخورة بها لأنها رغم طفولة صعبة كهذه، كبرت لتصبح فتاة مشرقة بهذا الشكل.
وربما كان ذلك سببًا في أنها كانت تلاحقها دائمًا مثل جرو صغير، وتكلمها بحماس دون توقف. وحتى كلماتها في أول لقاء بينهما، عندما قالت “لا تعرفين كم اشتقت إليكِ”، لا بد أنها كانت تعني ذلك فعلًا.
ومع هذا التفكير، شعرت بريسيبي بامتنان أكبر تجاه هانّا الصغيرة أمامها.
“آنسة بريسيبي…”
ربما أدركت هانّا أن بريسيبي كانت تتذكر الماضي، فتوقفت قليلًا، ثم تابعت بصوت مبحوح:
“أنا أيضًا آسفة.”
وأضافت: “حينها… كانت الزهور التي أملكها ذابلة قليلًا.”
“……”
“ظللت أندم، وأفكر أنني كان يجب أن أقدّم لكِ زهورًا أجمل.”
تنهدت بريسيبي بابتسامة لطيفة وقالت:
“كانت جميلة كما هي… لأنها كانت منكِ ومن الدوق.”
“…حقًا؟”
ابتعدت هانّا قليلًا لترفع رأسها وتنظر إلى بريسيبي.
“بالطبع.”
ابتسمت بريسيبي وهي تجيب، فقد بدت هانّا لطيفة جدًا في تلك اللحظة.
مسحت هانّا أنفها وهي تبتسم مجددًا وقالت بحماسها المعتاد:
“لا تقلقي بشأن أي شيء بعد الآن، آنسة بريسيبي.”
“…هاه؟”
“الدوق بذل جهدًا هائلًا! خاض حروبًا كثيرة… وعندما سمع أنكِ محتجزة في القصر الإمبراطوري، كان قلقًا للغاية.”
“……”
“لكننا الآن معًا في النهاية! وسنظل هكذا دائمًا. أعدكِ بذلك.”
آه… هانّا لا تعرف ما جرى بيني وبين الشخصيات الأخرى، ولا أنها كنت أكرر نفس الحلقة مرارًا.
_ ولكن… في يوم الحفل… ألقيتِ بنفسك في البحيرة أمام عيني. قفزتُ معك وأنقذتكِ، وكان ذلك آخر ما حدث.
ربما لهذا السبب؟ لأن الدوق فقط هو من كان هناك، فربما كان هو الوحيد الذي تورّط في عودتي بالزمن.
لحسن الحظ… أن هانّا لا تعرف هذه الحقيقة.
فكرت بريسيبي في نفسها.
“عليكِ أن تذهبي لتناول الإفطار أولًا!”
قالت هانّا بمرح، غير مدركة لما يجول في خاطر بريسيبي.
“الدوق ينتظركِ. كنت قد عرضتُ عليه أن أُحضر طعامه إلى الفراش ليستريح، لكنه أصرّ أن يتناول الإفطار معكِ.”
“آه… هذا…”
“هيا، انهضي بسرعة! لقد قضيتِ الأيام الماضية دون أن تأكلي جيدًا.”
ومهما كانت ردة فعل بريسيبي، فقد كانت هانّا تدفعها دفعًا للنهوض، حتى اضطرت بريسيبي في النهاية إلى القيام والسير معها خارج غرفة النوم.
✦✦✦
كان الإفطار مُعدًا على الشرفة الواسعة للفيلا.
نسيم عليل يحمل معه عبق الزهور التي ملأت الحديقة، وأشعة شمس دافئة تسطع باعتدال.
وكان فينريك، كما قالت هانّا، قد جلس ينتظرها.
“صباح الخير، آنسة بريسيبي.”
ابتسم فينريك ابتسامته المعتادة وهو يلقي التحية.
“نعم… صباح الخير فعلًا.”
ابتسمت بريسيبي بخفة وجلست بهدوء أمامه.
“انتظري قليلًا! سأطلب إحضار الطعام.”
ركضت هانّا مبتعدة، تاركةً وراءها جوًا من الصمت المربك.
صمت لم يكن يزعجها من قبل، لكنه الآن بدا ثقيلًا، لأنها باتت تدرك أنها أصبحت أكثر وعيًا بوجود الدوق.
ولكي لا تُظهر انزعاجها، كانت على وشك فتح الحديث، لكن فينريك سبقها بخطوة:
“كنت قلقًا.”
“ماذا؟ قلق بشأن ماذا؟”
“كنت أخشى ألا تتناولي الإفطار معي.”
“أنا… لم أكن لأفعل ذلك بك.”
“هذا جيد. فقد كنت قد أعددت خطة لو حدث ذلك، لكن يبدو أنني لن أحتاج إليها.”
“…أي خطة؟”
“لا شيء كبير.”
رفع كتفيه مبتسمًا: “كنت سأمتنع عن الطعام حتى تفكري: هذا المسكين سيموت، علي أن أتناول الطعام معه على الأقل بدافع الشفقة… لأنني سأكون حزينًا فعلًا. جدًا.”
“……”
“لكنني سعيد لأنكِ جئتِ.”
ضحكت بريسيبي قليلًا من هذه الخطة المضحكة، فقال هو أيضًا بابتسامة:
“وأشكركِ على هذه الابتسامة.”
كانت تدرك أن مثل هذه الكلمات المازحة كانت نوعًا من الاهتمام، فقد خفّفت الجو وأزالت التوتر.
ولأنها لا تريد أن تبقى الأجواء متوترة، قالت مبتسمة:
“لم أتوقع أنك تعرف كيف تدلّل نفسك بهذه الطريقة اللطيفة، يا دوق.”
“سأكون ممتنًا إن اعتبرتِ الأمر لطيفًا، لكن سأكون أكثر امتنانًا إن صدّقتِ أنه كان من قلبي فعلًا.”
ابتسمت بخفة، وخلال ذلك بدأ الخدم يضعون أطباقًا كثيرة على الطاولة. لم يكن الطعام في قصره يومًا بسيطًا، لكن اليوم بدا الاهتمام بالتفاصيل أوضح من أي وقت مضى.
“كُلي جيدًا.”
قال فينريك وهو ينظر إليها: “وإلا فستكون هانّا حزينة جدًا. لقد أرهقت المطبخ منذ الفجر… وبالطبع، سأكون أنا أكثر حزنًا منها.”
“حسنًا، فهمت.”
أجابت بابتسامة صغيرة، ثم مدت يدها نحو السكين والشوكة، لكن…
جاء ضيف فجأة.
“الدوق فينريك!”
كان كيفن، ووجهه شاحب كالرماد.
“ما الأمر؟”
بمجرد أن رأى كيفن وجهه، أدرك فينريك أن هناك مشكلة. سأل بلهجة صارمة مختلفة عن نبرته مع بريسيبي… فجاءه الرد الذي لم يتوقعه أحد:
“وُجد الساحر الأعظم إيفان ميتًا.”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 106"