ارتجفت عينا بريسيبي وهي تحدّق في السيف الملفوف بقطعة من الحرير الأسود.
لقد رأت هذا السيف من قبل.
…لكن أين؟ وأين كانت قد تعرفت عليه؟
“آه…”
خرج أنين خافت من بين شفتي بريسيبي وهي تحاول استعادة ذكرياتها.
ألمٌ شديد اخترق رأسها. وكأن مئات، بل آلاف الإبر تخترق جمجمتها دفعة واحدة.
وضعت السيف جانبًا، وأمسكت رأسها، تلهث بشدة من الألم.
“…”
حين تفكر في الأمر، كان الأمر دائمًا كذلك.
كلما حاولت استرجاع ماضيها، أصبحت ذاكرتها ضبابية، كما لو أن ضبابًا كثيفًا يغلف عقلها.
حدث ذلك عندما حاولت تذكّر وصية فانيسا،
وحدث كذلك في بداية الـتجسد.
وأيضًا حين حاولت تذكر كيف فقدت دفترها في الغابة المحظورة.
وكأن هناك من يتعمّد منعها من التذكّر.
لكنها لم تعد ترغب في التراجع.
لم تكن تريد أن تتراجع بلا أي خيط يقودها، كما في السابق. إضافة إلى ذلك، هذه المرة الوضع مختلف.
فما تراه أمامها حاليًا كان شيئًا تعرفه تمام المعرفة.
يدها المرتجفة أمسكت بالسيف الصغير بحجم الساعد.
سيف مرصّع بعدد كبير من الأحجار الكريمة الصغيرة، وأربع جواهر كبيرة بلون الفيروز الفاتح.
صحيح، يبدو وكأنه سيف للزينة فقط، لكنه…
> […إنه سيف يمكن استخدامه كسلاح أيضًا.]
همس صوت فانيسا، المنخفض العميق، في أذنها.
> [منذ زمن بعيد، كان هدية لأمك من شخص عزيز للغاية.]
“آه…”
> [رغم أنني لم أتمكن من حماية نفسي بهذا السيف، إلا أنني أؤمن أنك ستكونين مختلفة. لذا، احتفظي به جيدًا… عيد ميلاد سعيد، بريسيبي.]
الآن بدأت تتذكر شيئًا فشيئًا.
هذا السيف، كان هدية بريسيبي الصغيرة من فانيسا في يوم ميلادها أثناء فترة التعليمات قبل التجسيد.
وعلى الأرجح، كان نيدهوغ هو من قدّمه لفانيسا.
ففانيسا، التي كانت مجرد فتاة فقيرة من قرية معدمة، لا يمكن أن تملك سيفًا فاخرًا كهذا.
> [لا جدوى من إعطاء سيف كهذا. فلن يكون بوسعها استخدامه على أي حال.]
في نهاية المطاف، الفترة التعليمه سينتهي، وعند بدء اللعبة الأساسية، لن أتمكن من فعل أي شيء بإرادتي.
ما فائدة سيف كهذا إذن؟
تذكرت كيف كانت تهمس بذلك لنفسها وهي تشتكي. كانت تظن أنها لن تستخدمه أبدًا في حياتها.
“ديتريش…”
إلى أن جاء ذلك اليوم، عندما كانت مع ديتريش، وهربا من القصر الإمبراطوري.
> [دون أي خوف، أخفينا هويتنا وهربنا من القصر، وتهنا وسط الحشود.]
كان ذلك في الرسمة التوضيحية التي رأتها في البرج، أثناء الفترة التعليمه.
يدين صغيرتين تمسكان ببعضهما بإحكام. نعم، كان ذلك اليوم.
> [كان مهرجانًا. مهرجانًا رخيصًا يستمتع به العامة، لا يُقارن أبدًا بتلك التي تُقام في القصر.]
لأنه كان أول مرة يهربان فيها دون حتى حراسة فارس واحد، شعرا بالخوف قليلاً.
وللاحتياط، قررا أن يأخذا معهما شيئًا لحماية نفسيهما.
وعندما رأت بريسيبي ديتريش يأخذ سيف التدريب، تذكرت سيفها وأخذته هي الأخرى.
> [ضعتُ في الزحام لفترة، ثم وجدتُك مجددًا. وتشابكت أيدينا وعدنا معًا إلى القصر.]
“صحيح… لقد تهت وحدي…”
حين انفصلت عن ديتريش، ظهرت فجوة.
وظهور تلك الفجوة يعني أنها أصبحت قادرة على التحرك والتصرف بكامل إرادتها.
تاهت بريسيبي الصغيرة في الطرق المزدحمة لفترة طويلة، حتى وصلت إلى زقاق مهجور.
وهناك، كان فتى يُضرب بطريقة وحشية، وخلفه كانت فتاة تجلس منهارة على الأرض وتبكي بحزن شديد.
“لو بقي على هذه الحال، سيموت حقًا…”
رغم أن ذلك ما فكرت به، لم تستطع بريسيبي الاقتراب منهم بسهولة.
لم يكن السبب الخوف فحسب، بل لأنها لم تستطع توقع العواقب.
فما يحدث لم يكن جزءًا من مجريات اللعبة. ماذا لو تدخلت وحدث شيء غير محسوب؟
“سأتظاهر بأني لم أرَ شيئًا. على أية حال، هؤلاء أيضًا مجرد شخصيات ثانوية داخل اللعبة. ليسوا حقيقيين…”
> [أنت بخير؟]
ومع ذلك، لم تستطع بريسيبي تجاوزهم.
> […هل تسمح لي… أن أساعدك؟]
كان حال الصبي مزريًا. ملابسه أقرب إلى الخرَق منها إلى الثياب.
وجهه متورم وكأنه سينفجر. وجسده كله مغطى بالدماء.
حتى وإن كانت هذه مجرد لعبة، هذا كثير جدًا.
> [رأيتك تُضرب. أنا آسفة. كنت خائفة، فلم أستطع مساعدتك. أنا أيضًا في وضع لا يُحسد عليه.]
بينما أمسكت بيده ورفعته من الأرض، شعرت بالندم. كان عليها أن تساعده فورًا، دون تردد.
> [أنا لا أفعل هذا بدافع الشفقة. لا أستطيع شرح الأمر بالتفصيل، لكنني لست في موضع يسمح لي بأن أُشفق على أحد.]
لم تكن تعرف متى سيبدأ “اللعب الحقيقي”،
وكانت تعلم تمامًا كيف ستكون لعبة “بريسيبي داخل القفص” قاسية.
> [فقط… أردت أن أساعدك.]
نعم، بكل بساطة، كانت تريد مساعدته.
> [يجب أن أذهب. ديتر… أعني، شخص ما بانتظاري. لقد هربنا معًا، في السر.]
لكن لم يكن بالإمكان إضاعة المزيد من الوقت.
كان من الواضح أن ديتريش يبحث عنها. وإن طال هذا الفاصل أكثر، فلا يمكن توقع ما قد يحدث.
نهضت بريسيبي من مكانها، وهمّت بالابتعاد، تاركة الصبي خلفها.
لكنها لم تستطع. لو لم تتذكر ما كانت قد وضعته في حقيبتها، لكانت قد رحلت بالفعل.
[سأعطيك هذا أيضًا. هذه سيف أهدتني إياه أمي من قبل. أحضرته معي كأداة للدفاع عن النفس، بطلب من أحد المرافقين. لكنني لا أعرف كيف أستخدمه على أي حال… وربما لا فائدة من بقائه معي.]
[رغم ذلك، هل من المعقول أن تعطيني شيئًا كهذا؟]
[نعم. لأنني لا أعلم ما الذي قد يحدث لي بعد الآن.]
قالت ذلك بابتسامة باهتة، خالية من القوة.
[لكن… سأحاول الصمود، رغم كل شيء.]
ثم بدأت تهمس بكلمات لا يفهمها الصبي بسهولة.
[لذا، حاول أنت أيضًا أن تصمد. أنت أول شخص في هذا المكان أتحدث معه بكامل إرادتي.
حتى الآن، لم أكن أفتح فمي أصلًا. كنت أخشى أن أفعل شيئًا خاطئًا يؤدي إلى نتائج لا أستطيع تخيلها.]
[… ماذا؟]
[أنا لا أعرف من أنت، وربما يكون ما أفعله الآن سببًا في فشل هذا العالم…لكنك الأول. لهذا فقط، أتمنى أن تكون بخير. إن عشت بخير وصمدت، فربما أستطيع أنا أيضًا النجاح.]
كانت تدرك تمامًا أن اللعبة مليئة بالأخطاء.
ولذلك قررت ألّا تقوم بأي تصرف لا يتماشى مع مجرى القصة.
وبالفعل، منذ أن تقمصت بريسيبي شخصية اللعبة، لم تخرج يومًا عن مجرى الأحداث،
باستثناء مرة واحدة… عندما أنهت حياتها بنفسها. وحتى في الحلقات السابقة، لم تبادر أبدًا بفعل شيء غير متوقع.
ومع ذلك، مدت يدها إلى الصبي.
وتمنت له أن يعيش حياة جيدة، وألا يكون تعيسًا.
لأنها شعرت بأنه إن كان هو بخير، فستتمكن هي من الصمود كذلك.
“قد لا يكون هذا السيف سوى شيء يمكن بيعه مقابل القليل من المال…”
[… لكن، إن استخدمته في القتال بدلًا من بيعه، فقد يتغير الكثير. كل شيء يعتمد على اختيارك.]
أعادت بريسيبي كلماتها نفسها، التي قالتها لذلك الصبي في ذلك اليوم، وهي تمسك بالسيف بقوة.
[لا تعطيني صدقة. سأرد لك الجميل يومًا ما.]
وبينما كانت تقول ذلك، كانت آلام رأسها قد اختفت كليًا.
بل بدأت تتضح أمامها الذكريات بشكل جلي.
الفتى الذي كان يحدّق بها بتوتر وغضب، يتفجر من الغيظ، ذلك الوجه الشاب لفينريك.
[حسنًا. سأنتظر، حتى تعود إليّ لترد دَينك.]
وتذكرت كذلك جوابها الهادئ آنذاك.
[هذه أمنيتي. أن أستمتع بهذا المهرجان معك، السيدة بريسيبي. قد لا تتذكرين، لكنه حلمي الذي طالما تمنيت تحقيقه.]
فهمت الآن لمَ قال إن ذلك كان أمنيته. لأن لقائهما الأول كان في يوم ذلك المهرجان.
امتلأت عينا بريسيبي البنفسجيتان بالدموع.
[من يعلم؟ قد تكون ذكرى لا تُذكر بالنسبة لكِ، لكن بالنسبة لشخص آخر، قد تكون ذكرى غالية تبقى محفورة في القلب إلى الأبد.]
لقد نسيت وحدها، أما الدوق، فقد ظل يتذكرها باستمرار.
[بريسيبي… أنتِ شخص عزيز عليّ. هذه الحقيقة لم تتغير أبدًا. بالنسبة لي.]
كان يحتفظ بها في قلبه…ذكراها، والنسخة الحالية منها أيضًا.
“……”
أمسكت بريسيبي بالسيف القديم بشدة، ورأسها مطأطأ.
منذ أن تقمصت شخصية داخل هذه اللعبة، كانت تشعر بأنها وحيدة تمامًا.
حتى مع ما مرت به من معاناة، لم يكن هناك من يعترف أو يشعر بها.
والشخصيات من حولها، لم تكن تتذكر سوى “بريسيبي” بطلة اللعبة قصة القفص.
وليس هي، الروح الحقيقية العالقة في جسد بريسيبي.
لكن فينريك لم يكن كذلك. كان أول وآخر شخص أقام علاقة معها بإرادته داخل هذه اللعبة، ولا يزال يتذكر تلك العلاقة بوضوح حتى اليوم.
حتى عندما نسيتها هي،
هو لم يتغير.
وربما لهذا السبب… لم تستطع منع دموعها من الانهمار.
…لكن، متى بدأ كل هذا؟
لماذا ظهر الدوق في هذه الحلقة بالذات؟
لماذا لم يظهر في الحلقات السابقة أبدًا؟
وفي لحظة كانت بريسيبي فيها تغرق في أفكارها، امتدت فوق وجهها ظلٌّ قاتم.
“سيدة بريسيبي.”
ثم سُمِعت همسات منخفضة.
“لماذا تبكين؟”
وعندما رفعت رأسها أخيرًا، رأت وجه فينريك ينظر إليها بهدوء، بملامح متوترة لا تشبهه إطلاقًا.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 103"