1
المقدمة
دوّى صوتٌ هائل مصحوب بارتجاجٍ عنيف في الهواء.
‘ما الذي يحدث؟’
قدّم لها الكونت كيرهوف سيفًا، فتلقّته بيديها.
ثمّ لوّحت به بخفّة، خفّةٍ شديدةٍ فعلًا.
‘لكن لماذا انهار الجدار؟’
في البداية، ظنّت أنّه بناءٌ سيّئ.
‘هذا عالمٌ آخر، وهذا جسد ميناتي العاجزة، لا يمكن أن يكون الخطأ منّي.’
بعدها، حاولت أن تتجاهل الواقع. لكن المشهد أمام عينيها لم يتغيّر.
‘هممم. ماذا أفعل؟’
جلست ميناتي سيستول تفكّر بجدّية، وهي تنظر إلى الحديقة المُعتنى بها جيّدًا خلف الجدار المنهار.
‘حسنًا.’
وكان القرار الذي توصّلت إليه بسيطًا للغاية.
‘سأُغمِي عليه وأهرب.’
وكان القرار أيضًا غبيًّا.
شدّت ميناتي سيستول قبضتها، واثقةً بقدراتها.
لكن البطل الذكر كان فطنًا.
“أرجو أن لا تفكّري برمي تلك القبضة الظريفة عليّ.”
“…….”
فشلت ميناتي سيستول في الهرب.
***
الفصل الأول
“انتهينا، آنستي!”
فتحت المرأة عينيها بسرعة على صوتٍ بهيج.
تقابلت نظراتها مع عيني امرأة غريبة ذات عينين بُنيّتين.
‘من هذه؟’
أمالت رأسها قليلاً إلى اليمين،
فقلّدتها الأخرى وأمالت رأسها بنفس الطريقة.
استغرقت وقتًا حتى أدركت أنّها لا تنظر إلى شخص، بل إلى مرآة.
حرّكت يدها لتلمس شعرها المصنوع بضفائر رقيقة بلون القمح الفاتح.
وكان ملمس الشعر حيًّا واضحًا تحت أناملها.
“……ما هذا؟”
“أ-ألم يُعجبكِ؟ طلبتِ تسريحة مرفوعة، ففعلتُ ذلك… هل أُبدّل الزينة؟”
“لا وقت لهذا. لقد تأخّرنا بما فيه الكفاية.”
فُتح الباب، وقطع صوتٌ غريب المحادثة.
دخلت امرأة في منتصف العمر وقالت بنبرة عتاب.
“ميتي؟ تبدين رائعة مع هذا الفستان. تُعطين انطباعًا ناضجًا.”
انخفض صوت المرأة قليلًا بلطف، وكأنها تدفعها للخروج بهذا المظهر.
كرّرت الفتاة الاسم الذي وُجّه إليها: “ميتي”…
‘ما الذي يجري بحقّ السماء؟’
اسمي ليس ميتي.
‘اسمي هو—’
“كنتِ تغطّين في النوم طوال الوقت، يبدو أنّكِ لم تستفيقي بعد. هيا استعيدي وعيكِ. يجب شدّ الكورسيه جيّدًا. تعالي.”
وقبل أن تقول شيئًا، وقفتها المرأة وأجبرتها على الوقوف.
“أخوكِ ينتظركِ في الخارج. له ثلاثون دقيقة ينتظر.”
“آه!”
كلما شدّت المرأة الخيوط، كانت أنفاسها تنقطع.
“هكذا جيّد. أنهي كل شيءٍ بسرعة و اخرجي. فهمتِ؟”
غادرت المرأة بعد أن أنهت تعذيب أضلاعها.
‘ما هذا الشعور الخانق؟ هل هذا تعذيب؟ هل أنا أسيرة؟’
وأثناء انشغالها بتحليل الموقف، ارتدت فستانًا مليئًا بالكشاكش والدانتيل.
“انتهينا، آنستي. حان وقت الانطلاق!”
قطّبت جبينها دون قصد.
كان الفستان ثقيلًا ومزعجًا.
“الانطلاق إلى أين؟”
“هاه؟ إلى الحفلة، بالطبع.”
“حفلة؟”
“نعم، حفلة!”
“أيّ حفلة؟”
“يا إلهي، ماذا بكِ؟”
ضحكت الخادمة ضحكة رقيقة وكأنها سمعت نكتة.
“ستذهبين مع السيّد إلى حفلة عائلة كيرهوف!”
“من هو السيّد؟”
“آنستي، هل كنتِ تحلمين؟ السيّد ميرهيل، شقيقكِ!”
“أنا……!”
كادت تقول “أنا وحيدة”، لكن صوتها خفت.
“ما عندي… أخ…”
كان الأمر غريبًا.
‘والمدرسة؟ الامتحانات؟ الوحوش؟’
كان هناك فجوة هائلة بين عالمها الحقيقي وما تراه الآن.
“يبدو أنّكِ ما زلتِ ناعسة.”
أمالت الخادمة رأسها.
“انتظري لحظة. سأُحضر ماءً باردًا.”
خرجت مسرعة، تقول إنّه لا يجوز الذهاب لحفلة آل كيرهوف وأنتِ في هذا الحال.
وبقيت هي واقفةً في مكانها، مذهولة.
‘أين أنا؟’
نظرت حول الغرفة.
ثم شعرت فجأة بإحساسٍ غريب.
بشكل غريزي، أمسكت بزينة شعر طويلة من على طاولة الزينة، واستدارت بسرعة. كانت مستعدّة لطعن من يظهر.
‘من هناك؟’
لكن لم يكن في الغرفة غيرها وطائرٍ في قفصٍ على الجدار.
“ما هذا؟”
بعد أن تأكدت بعينيها، أرخَت قبضتها.
وهمّت بإعادة زينة الشعر إلى مكانها، حينها رفرف الطائر فجأة.
“يا غبيّة.”
“……ببغاء؟”
“أنا لست ببغاء! أنا كناري!”
صرخ الطائر الأصفر ذو المنقار البرتقالي وهو يرفرف داخل القفص المعلّق بالسقف.
“اصمت! اجلس هادئًا!”
صرخت بها وقد نفد صبرها وسط الفوضى في ذهنها.
“ومن المخطئ حتى تصرخين بوجهي؟”
لكن الكناري لم يستسلم.
فتح باب القفص بمنقاره وطاف حتى وصل أمام وجهها.
ثم نقر جبهتها.
“يا حمقاء! ألا تفهمين بعد؟”
مع ألم تلك النّقرة، تدفّقت مئات المشاهد إلى ذهنها بسرعة البرق.
وأخيرًا أدركت الحقيقة.
‘هذا ليس عالمي.’
نظرت إلى صورتها في المرآة.
‘وهذا ليس جسدي.’
“……ما الذي يحدث؟”
“ما الذي يحدث؟ لقد وقعتِ في قصةٍ خاطئة!”
“أنا؟”
“أجل، أيتها التائهة.”
عينا الكناري السوداوان المدورتان أصبحتا حادّتين.
‘هذا جنون.’
عادت تتأمّل وجهها المنعكس في المرآة.
كانت تشعر بالغربة من هذا الوجه وكأنّه ليس لها.
“اسمعي جيدًا. أنتِ من الآن فصاعدًا، ميناتي.”
بدأ جسد الطائر الغريب يتوهّج.
ثم أخذ شكله الصغير في التشوّه، وتمدد فجأة.
“لقد خلقكِ الإله من أجل هذه القصة.”
بدأ ذلك النور يتّخذ شكل إنسان.
كان طويلًا لدرجةٍ جعلتها ترفع رأسها كثيرًا لتنظر إليه، ولم تكن قادرة على تحديد جنسه.
“لكن حدثت مشكلة.”
بدأ الضوء المحيط بالجسد في التلاشي.
وحين أصبح بوسع ميتي رؤية الملامح، بدأ الآخر يصرخ ويشير إليها بإصبعه.
“بسببكِ! تهتِ وجئتِ إلى قصةٍ لا تخصّك!”
“إذًا، لماذا لا تعيدني إلى قصتي؟”
قالت ميتي وهي تُنزل رأسها بتوتر.
عينا الملاك الفضيتان المتوهّجتان صارتا باردتين.
“أكنتِ تظنين أن الأمر بهذه البساطة؟”
“لا يمكن؟”
“آه.”
زفر الملاك وتنهد وهو يمرر يده بين شعره.
“حين دخلتِ هذا العالم، اصطدمت العالمان ببعضهما قليلاً.”
قرّب قبضتيه من بعض وضربهما.
“فصارا غير مستقرين. ولو أعدتكِ الآن، ستصطدم العوالم مجددًا، وقد يتسبب ذلك في انهيارهما معًا.”
لوّح بأصابعه مبالغةً، وكأنه يُعبّر عن اختفاء العوالم كالغبار.
وقد فهمت هي ما يعنيه تمامًا.
أومأت برأسها ببطء، ووضعت ذراعيها بتفكير.
“لكن لا بدّ أنّك ظهرت لي لأن هناك طريقة للعودة، أليس كذلك؟”
“لكي تعودي، يجب أن يكون العالم مستقرًا كفاية لتحمّل صدمة أخرى. ولكي يحدث ذلك، يجب على الشخصيات أن
تتبع مصيرها…”
توقّف الملاك عن الكلام فجأة.
كان هناك من يقترب من غرفتها.
“على أيّ حال، اذهبي الآن! هذه المعلومات ستساعدكِ لاحقًا.”
نقر جبينها، وفي اللحظة التالية، اندفعت مشاهد كثيرة في رأسها كالشريط السينمائي.
ميناتي ترقص مع رجل.
تبكي أمامه.
وتقبّله…
التعليقات لهذا الفصل " 1"