مع ليالي الخريف الباردة ، تأججت نيران المدافئ في القصر ليعم بعض الدفء ، رغم تمتع العاصمة بمناخ جيد ولطيف وإمكانية الإحساس بمختلف فصول السنة، إلا ان حقيقة وقوع الإمبراطورية في القارة الشمالية جعل خريفها بارداً وشتائها قاسياً ، مع كون الربيع منعشاً بورود متفتحة وصيف بحرارة محتملة ، انتشرت رائحة خشب البلوط المحترق في جميع ارجاء القصر الهادئ ، تاخر الوقت بعض الشيء وقد خيم الظلام ، يبدو ان الضوضاء قد خفت بسبب انتهاء الخادمات من عملهن ورجوعهم إلى المسكن ، تراقصت اضواء الشموع على بعض المستندات التي نظر لها الإمبراطور بحرص شديد دون ان يفهم كلمة من ما كُتب ، استسلم اخيراً لحقيقة انه فقط يقوم بإضاعة الوقت ليضع المستندات جانباً وهو يعصر جبهته ليتخلص من بعض الصداع النابض ، يبدو ان ثيودور مستاء للغاية ليرفض وجبة العشاء ، ثيودور المعاقب قام بطرد جميع الخدم واعاد وجبة العشاء دون ان يلمسها ، تنهد روبرت بحسرة ، ان الندم ينهش داخله منذ وقت الشاي في الدفيئة ، او ربما قبل ذلك ، لو انه أولى هذا الطفل المزيد من الاهتام لربما لم يكن ليصبح ما اصبح عليه اليوم من غضب واستياء ، لطالما كان ثيودور طفلاً طيباً ، طفلاً مضحكاً ببعض التهور ، لطالما كان كثير الابتسام واتسم بالطيبة ، أخفى حساسيته بعناد ، لكنه الان يخفي الماً لا يقوى قلبه الصغير على مواجهته ، ثيودور الذي انتهت طفولته اسرع من اللازم ، كان قد تغير لدرجة محزنة ، يعرف روبرت جيداً ان اليانا سوف تقتله فوراً ان قابلته في الجانب الآخر لما فعله لابنها ، اليانا التي رحلت دون وداع أخذت معاها كل السعادة في حياة هذين ، وتركت جراحاً وندماً فحسب .
كان لابد من صرامة روبرت تجاه افعال ابنه الوقحة رغم علمه بان افعاله لا تعكس إلا خبيئة آلمه ، لربما هذا عذر يستطيع ثيودور الاتكاء عليه للتملص من عواقب عصبيته وافعاله لكنه ليس مبرراً للتحدث مع الضيوف بهذه الطريقة ، خصوصاً من سيصبحون قريباً عائلته ، احترام الامبراطورة المستقبلية والأميرة المقبلة شيء لابد منه ، شيء لابد له من الدفاع والحفاظ عليه ، سيسيليا ليست بشخص قد يتخلى عنه بسهولة ، عليه ضمان بقاءها بجانبه مهما حدث ، أهي انانية منه؟ ، لربما غلطته تكمن في انه لم يقم بإيضاح هذا الأمر لثيودور وقد سبب سوء الفهم ذاك ” بديلة!” فكر بالكلمة بسخرية ، ابحق ضن ثيو ان سيسيليا بديلة لوالدته؟ اهو اب قاسي لدرجة ان يفرض كون امرأة اخرى ان تكون والدة ابنه ؟ وهل ضن بأن امرأة كسيسيليا سوف تقبل برحابة صدر ان تكون بديلة؟! ، ” لابد انه اهان كبرياءها بشدة ، رغم عدم المبالاة التي أبدتها ” ضحك بخفة على تلك الفكرة ، سيكون من الممتع رؤية سيسيليا غاضبة لمرة بدلاً من مظهرها الواثق وكبريائها العالي.
استقام من كرسيه وقد عزم على إيضاح المسائل لثيودور ، الان وقد هداء غضب الاثنان قليلاً لابد لهما من إيضاح بعض النقاط والتحدث واخيراً انهاء سوء الفهم الواقع ، وعد روبرت نفسه ، بأنه سيستمع لثيودور جيداً هذه المرة ، ” انها فضيلة ان يعرف المرء ان الإنصات اهم من التحدث غالباً ” تذكرت حديث تلك الطفلة الشقراء الباسمة، ” ونترهام ليسوا بالأشخاص الذي يملكون حكمة الاستماع ، وهذه نقطة ضعفهم ، علينا فقط جعلهم يتحدثون، اكثر من اللازم ” كانت هذه اقاويل سيسيليا التي عبرت بثقة عن رأيها المعقد ، يستطيع بسهولة مطابقة الابنة بالأم من نواحي عدة .
في اروقة القصر الفارغة عبر روبرت ، بقميص الأبيض البسيط وبنطاله الداكن بدا اكثر بساطة من كلمة إمبراطور ، اشتعلت نيران الشموع والقت بضوءها الخافت على مختلف الأشياء ، شعر روبرت الأبيض الذي بدا يميل للاصفرار بفعل الإضاءة كان قد غسل بشكل جيد وقد فاحت منه رائحة بعض الأعشاب العطرية الفاخرة ، خف صداعه بذلك ، بدا متواضعاً جداً بهذه الهيئة ، فهو الان في هذه اللحظة يعتزم ان يكون بمظهر الاب اللطيف على ان يبدو بمظهر الأمبراطور المهيب ، آخر ما يريده الان هو محادثة زائفة باحترام مجبر عليه مع ابنه ، لربما يتحدث ثيودور بأريحية اكبر حين يقف أمامه روبرت بمظهر الاب لا الإمبراطور ، ، بهدوء شديد قام بطرق باب غرفته ، ( ثيودور ، انه والدك ) ، استمر الصمت يحيط في الأرجاء دون رد من داخل الغرفة ، لابد انه غاضب لدرجة ان يتجاهل نداء والده ، قام بوضع يده على المقبض وفتح الباب دون انتظاره رده اكثر ، الغرفة المعتمة التي اُنيرت فقط ببقايا نيران المدفئة كانت هادئة ، على السرير البعيد في أقصى الغرفة الفسيحة ارتسم جسد الطفل تحت الأغطية ، ” نائم” فكر بها بعبوس ، حتى انه تخطى وجبة العشاء ، كان يأمل ان يصحح الأوضاع من ابنه في أقصى سرعة ممكنة ، لكن ايحتاج ثيو المزيد من الوقت ليهدأ ؟ ، خطى بخفة ناحية السرير الساكن ، لم يتحرك ثيو حتى بعدما جلس روبرت بجانبه ، غطت الملائة جسده بالكامل عدى راسه وخصلاته البيضاء ، رغم تشابههما الشديد إلا ان ثيودور كان يميل بالتأكيد إلى الاتصاف بحيوية اليانا اكثر ، لربما الان اصبح يشببه اكثر من ما مضى ، (لم يمضي اكثر من شهرين على يوم مولدك )، همس روبرت وهو يحاول التربيت بخفة على رأس ثيودور النائم ، ( لقد أصبحت شاباً كما ارى ، كنت مخطئاً ، انه بالفعل الوقت المناسب لتعلم ومعرفة الأمور ) رغم تمسيداته الخرقاء إلا ان نبرته كانت صادقة بالفعل ، شعر بالخطأ الذي ارتكبه ، ثيودور لم يعد طفلاً ، سيكون من الجيد معاملته على هذا النحو واشماله بالأوضاع المختلفة ، رغم كون روبرت قد بدأ بالانخراط في السياسة وأخذ دروس الخلافة منذ عمر الخامسة ،إلا انه لم يتوقع ان خلافة العرش في عمر العشرين سيكون صعباً للغاية ، فكيف يستطيع ان يثقل كاهل ابنه وان يجعله يتجرع من ذات الكأس ، لربما لفترة اطول قليلاً أراد رؤيته مرتاحاً ، واجباته كخليفة ، تلك المسؤوليات المرهقة قد تنتظر اليس كذلك؟ ، لربما اخطئ في ذلك ايضاً ، هذا الاب كثير الاخطاء ، أطلق تنهيدة حزينة قبل ان يهمس لابنه مرة اخرى ( اسف ، ثيودور ، كل ما حدث كان بسببي أنا ) مع تمسيدة اخيرة رفع روبرت ثقله باقل حركة ممكنة حتى لا يزعج نوم ابنه العزيز ، بخطوات اثقل من المعتاد غادر الغرفة ليعم الصمت ارجاء القصر من جديد .
……….
( مالذي يفعله؟!) بلهجة شديدة سأل الإمبراطور خادمة الأمير دوروثيا التي احنت رأسها خائفة من النظر حتى إلى وجه الامبراطور بينما ارتجفت اطرافها قليلاً ، ( انه … ساحة التدريب … يتدرب … ) تلعثمت دوروثيا وهربت منها الكلمات بسبب موقف الامبراطور ، رغم محاولته المثابرة في اي يكون اكثر ودية مع ابنه إلا انه كان شخصاً حازماً للغاية ، كان صارماً ومخيفاً ، ببنيته العضلية التي اكتسبها من خلال التدريب الشاق والمعارك الطاحنة وبطوله الي يلقي بظلاله على جسد دوروثيا المنكمش بدا مخيفاً للغاية ، ( يتخطى الوجبات ويهلك ذاته في التدريب ، ياله من تمرد ، اهذا ما ائتمنتك عليه سيدة دوروثيا؟ ) مع اعلى قدر ممكن من الهدوء الحالي ، ومع لهجة باردة لم يستطع التحكم بها ، نهض الامبراطور وهو يواجه المربية الشابة التي بدا يقطر منها العرق البارد ، ( جلالتك ، ان الامير ، في عمر حساس لذا …) ( لذا سمحتي له بتجوع نفسه وايذاء جسده ) أطبقت دوروثيا فمها بعدما قاطعها الامبراطور، هو محق ، إهمال الأمير لنفسه بهذه الطريقة هو شيء غير مقبول ، رغم محاولة دوروثيا لاقناع الأمير إلا انه اعند من والده حتى ، تبريراتها ماكانت تزيد الأمر إلا سوءاً ، ( اسفة سموك ، سأبذل جهداً اكبر ) انحت وهي تنطق بكلمات الاعتذار بينما يغطي العرق البارد جبهتها ، لم يقصد ان يخيف الخادمة ، لانفعالته مؤخراً اسباب عدة وامتزاج مشاكل لا حصر له ، تنهد وهو يحاول ان يكون اقل انفعالاً على الشابة المرتجفة أمامه ( اعدي وجبة للأمير ) خطى بخطوات سريعة مغادراً غرفة الطعام دون ان يتناول إفطاره حتى تاركاً دوروثيا تتمتم كلمة امرك .
شاركوني رأيكم وتعليقاتكم على الإنستقرام : @yumir_a27 ❤️
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل "6"