فتح الصورة، فوجد أنها التقطت له الصورة نفسها من منظورها. مشهدان متشابهان في العبث.
كتب لها مستغربًا:
“؟”
لترد هي بمراوغة ودهاء طفولي:
“لو لم تنظر إليّ، فكيف عرفت أنني أنظر إليك؟ ألا يمكن القول إنك أنت من يضايقني؟”
صمت، ثم أسدل الستائر بعنف.
أما هي، فقد اعتادت على مثل هذه الانعزالات الصامتة منه، فتأكدت أنه لن يعاود الظهور، وغادرت النافذة عائدة إلى غرفتها.
رسالة جديدة ظهرت له بعد دقائق:
فطيرة القمر: “لقد جلسنا مرتين على المائدة نفسها، ألا يمكننا أن نصبح صديقين؟”
ردّ ببرود:
” لست بحاجة إلى أصدقاء.”
كتبت بإلحاحٍ طفولي:
” حتى بابًا صغيرًا للمصادقة لا تفتحه؟”
فأرسل إليها لقطة شاشة: [هل تريد حذف جهة الاتصال “فطيرة القمر”؟]
قفزت فورًا من سريرها:
” توقف، استسلمت! هل من الصعب أن نصبح أصدقاء؟!”
كتب:
” ظننتك لا تخافين شيئًا.”
لم تُجبه مباشرة، بل تابعت بمكرٍ ظريف:
“يمكنك تعديل اسمي في قائمة جهات الاتصال إلى “المستمعة المخلصة”، ربما تجد الحديث معي بعدها أسهل.”
قال بفتور:
” لا طاقة لي بالتعديل.”
سكن الحوار لوهلة، ثم ظهرت رسالة جديدة:
المستمعة المخلصة لتشن شي: “إذًا سأفعلها بنفسي.”
ردّ متضايقًا:
“ألا تشعرين بالخجل؟”
المستمعة المخلصة لتشن شي: ” ما دمتُ لا أشعر بالخجل، فالشعور بالخجل يقع عليك أنت.”
عضّ على أسنانه وهو يكتب:
” أعيدي الاسم كما كان.”
فطيرة القمر: “حسنًا، حسنًا.”
ثم كتب بمرارة:
“لم أرَ في حياتي فتاة مثلك.”
فابتسمت بخفة، وردّت بثقة:
” وأنا أيضًا لم أرَ شابًا مثلك. كلانا أوّل مرة للآخر.”
قطع الحوار بصرامة:
” …سأخذ القيلولة.”
“حسنًا، نهارك سعيد.”
•°•○•°•●•°•○•°•
في الرابعة مساءً، جلست غوي تينغ يوي في شرفتها، تنتظر بلهفة، كما تفعل كل يوم.
وبعد نصف ساعة، دوّى صوت الطبول عبر الحيّ، توقيتٌ دقيق كما اعتادت منه.
تنفّست بارتياح.
على الأقل لم يتأثر تدريبه بوجودي…
لكن شيئًا ما في الإيقاع بدا مألوفًا. أغمضت عينيها تهمس بالنغمة، ثم أسرعت تفتح تطبيق الموسيقى لتتحقق من حدسها.
وحين تأكدت، لم تصبر حتى لحظة واحدة وكتبت له فورًا:
“الإيقاع الذي عزفته اليوم مألوف، لأي أغنية هو؟’
أجابها:
“هل تعرفتِ عليه؟”
كتبت مترددة:
“هل هو إيقاع أغنية Girlfriend؟”
ردّ بعلامة استفهام ثم أقرّ:
” نعم، هي نفسها.”
فاستعادت حديث الغداء في ذهنها وكتبت بمشاكسة:
“هل تلمّح إلى شيء؟”
أجاب:
“ألمحتُ فقط إلى أن ضجيجك وقت الغداء كان مؤثرًا أكثر من اللازم.”
تجمدت أناملها على الشاشة، وشعرت ببرودة تتسلل إلى صدرها.
همست في نفسها محاولة تبرير قسوته:
إذًا عزفتها لأجلي… كم هو لطيف، بطريقته الغريبة.
لكن الرسائل التالية منه لم تأتِ، فكتبت هي — في سيلٍ من الكلمات — تشرح كيف بدأت تهتم بتعلم عن الطبول، تدرس أنواعها وأصواتها، وتستمع إلى موسيقى الروك…
لكن قبل أن تُرسل جملتها الأخيرة، وصلت رسالة منه كالصفعة:
“أتظنين أن الجميع عاطل مثلك؟”
توقفت أصابعها. شعرت وكأن كلمات قليلة اخترقت الشاشة وغرزت فيها صقيعًا.
خفضت رأسها ببطء، وقالت في سرّها:
‘نعم… أنا عاطلة. أنا عديمة القيمة حقًا.’
ثم حذفت كل ما كانت تكتبه، ونظرت نحو نافذته.
ستائره المغلقة بإحكام كانت تبدو كجدارٍ رماديٍّ بارد، يعزلها عن العالم، وعن قلبه تحديدًا.
بعد دقائق، وصلت رسالة مقتضبة منه:
‘لم أقصد ذلك.’
لكنها لم تعد ترغب في الحديث.
انسحبت إلى غرفتها، قضت المساء بلا ضوء، ولا موسيقى، ولا رغبة في شيء.
وفي الخارج، سألتها العمة لي إن كان تشن شي سيأتي لتناول العشاء، فأجابت بفتور:
“لن يأتي.”
“وأنتِ؟”
“لا شهية لي اليوم.”
تنهدت العمة لي وغادرت.
لكن بعد لحظات، دوّى جرس الباب. فتحت العمة لي شاشة المراقبة، فإذا به الشاب عازف الطبول نفسه، يقف أمام المبنى. فتحت له الباب فورًا، وتركَت باب البيت مواربًا ليستطيع الدخول.
وحين صعد الدرج، لم يتلفّت، بل قال بهدوء جادّ:
“أين غوي تينغ يوي؟”
“تبدو نائمة منذ فترة، لم تخرج بعد. أأناديها لك؟”
أومأ برأسه.
كانت تغطّ في سباتٍ ثقيل، وحين سمعت مناداة العمة لي، تمتمت بتذمّر:
التعليقات لهذا الفصل " 9"