Ch-011
حالما رأت غوي تينغ يوي الرسالتين الأخيرتين، ألقت الهاتف جانبًا، وضمّت ركبتيها إلى صدرها، ثم راحت تتأرجح على السرير كدميةٍ خفيفة لا تكفّ عن الدوران.
كانت سعادتها تكاد ترفعها عن الأرض.
نعم، هذا تمامًا ما يُسمّى بالسعادة المُطلقة.
أمسكت الهاتف من جديد، وعينيها تضيئان وابتسامتها مُتلألئة:
“هل أصبحتُ الآن من معجبيك؟”
ردّ عليها بعد لحظة:
“ربما تمت ترقيتك للتو.”
فدعكت أنفها بخفة وقالت:
“ألم تقل إنك لا تضيف معجبيك على وي تشات؟”
فأجاب:
“أحيانًا أستثني القاعدة.”
“لكن إن لم يعجبك، يمكننا أن نُرجعك للمستوى السابق.”
فسارعت تكتب بحماس:
“مستحيل! لقد لحمتُ بطاقة المعجبة بنفسي، غير قابلة للفكّ أو الإلغاء!
بالمناسبة… هل يمكنني أن أطلب منك طلبًا صغيرًا؟”
أرسل علامة استفهام.
قالت بسرعة:
“بما أنك أخذتني للخروج اليوم، فغدًا دوري لأصطحبك أنا. نحتفل بالقفزة النوعية في علاقتنا!”
أطفأ حماستها بكلمة واحدة:
“لن أستيقظ باكرًا.”
تجمد وجهها.
“لم أقل إننا سنخرج صباحًا!”
عندها سأل:
“إلى أين إذًا؟”
ترددت قليلًا، ولم تجد جوابًا:
“لم أفكر بعد.”
قال ببساطة:
“حين تفكرين، أخبريني.
تصبحي على خير.”
نظرت إلى الساعة بدهشة.
“هكذا مبكرًا؟”
قال:
“أرهقتِني بعويلك الليلة.”
كتبت:
“يا لك من ضعيف!”
ثم تابعت بمكر:
“وهل هذا الضعيف هو نفسه الذي يستقبل الفتيات عنده كثيرًا؟”
طال صمته، ثم كتب:
“هل أنتِ من المعجبات أم من الكارهات؟”
فأجابت بسرعة، تضع لنفسها ألقابًا مبررة:
“أنا مهتمّة بصحتك، معجبة بحياتك، ومشجعة لسلامتك… اعتبرني أمًّا معجبة.”
ثم تابعت تُغريه بخفة:
“إذًا، هل ستتشرف غدًا بوجبةٍ تُنعش جسدك النحيل؟”
أنهى المحادثة ببرود:
“تصبحين على خير.”
رغم رغبتها العارمة في الاستمرار بالحديث، لم تُلحّ.
لقد نالت من هذه الليلة ما يكفي من الفرح لتعيش عليه طويلًا.
قالت في نفسها بهدوء:
“الرضا سرّ السعادة… حسنًا، تصبح على خير.”
لكن الفضول تجاه تشن شي كان يتأجج في داخلها.
هو بلا شك عازف موهوب، لكن يبدو أنه لا يعمل… فهل يدرّس عبر الإنترنت؟
غير أن تعليم الآلات عادةً يتطلب حضورًا مباشرًا لتصحيح الوضعيات وضبط الإيقاع، لا يمكن أن يكون التعليم عن بُعد فعّالًا.
نهضت من السرير، أخرجت دفتر ملاحظاتها من الدرج، وفتحت صفحة جديدة، كتبت فيها عنوانًا أنيقًا:
🎶 ثاني إنجاز لها بعد لقائي بتشن شي
“أُعجبت بنفسي حقًا. لقد نجحت، بفضل مهارتي وصلابتي، في أن أصبح صديقةً لعازف الطبول الوسيم في البناية المقابلة…”
كانت أناملها تسير بخفةٍ وسرعة على الورق، كإيقاع الأغاني السريعة التي ملأت الليل.
واختتمت سطورها بـ:
“أعتقد أننا أصبحنا صديقين الآن.
الطبيب تينغ قال إن الخطوة الأولى دائمًا الأصعب، وما بعدها يسير بطريقه الطبيعي.
مبروك لكِ يا غوي تينغ يوي، تابعي بشجاعة.”
•°•○•°•●•°•○•°•
وفي الجهة المقابلة، كان تشن شي يحدّق في شاشة هاتفه التي خفت أضواؤها.
رفع حاجبيه قليلًا، كمن فاجأه أمر لم يتوقعه.
لم يلمس الطبل الصامت هذه الليلة، فرفقة “ملكة النشاز” كانت كافية لتنهكه عن التدريب.
استلقى على السرير، وبدافع فضولٍ غريب، فتح صفحتها الشخصية.
لم يجد شيئًا يُذكر، فقط إعداد “ثلاثة أيام مرئية”، ولا منشورات.
خلفية داكنة لسماءٍ سوداء تتوسطها هلال باهت في زاويةٍ بعيدة، حوافّه ذائبة في العتمة، يوحي بالوحدة.
لم تكن الصورة ذات جودة عالية، كأنها التُقطت بعفوية من هاتفٍ قديم.
تأمّلها طويلًا، وشيء غامض أخذ يتململ في صدره.
وفجأة، قفز إشعار جديد في الأعلى.
فتح صندوق الرسائل، فتجمّد تعبير وجهه.
رسالة من صديقه القديم كانغ شيان:
“ما الذي يشغلك مؤخرًا؟”
أجاب:
“لا شيء.”
“ألم تعد تسكن قرب جسر سونغ نان؟”
“انتقلت.”
“كنت أقول لنفسي إنك اختفيت.”
“تفضل، قل ما عندك.”
“فريق فني تواصل معي، يبحث عن عازف طبول محترف للعمل طويل الأمد.
أول من خطر ببالي هو أنت.
العرض في شنغهاي، وسأتكفل بتذكرة الطيران.”
“لن أذهب.”
“ماذا؟ هذه فرصة لا تتكرر!
مضت أشهر وأنت بلا عمل، ألهذا الحد استسلمت؟”
“دع الأمر، لا شأن لك.”
“فرقتكم البوبكورن انتهت!
لن تعود كما كانت!
إلى متى ستظل متمسكًا بجثّتها؟
تحبس نفسك بين أربعة جدران وتدّعي الوفاء؟
ستدفن طموحك بيدك!
أنت في الرابعة والعشرين، لا الرابعة والثمانين!”
حذف الرسالة بأكملها دون رد.
جلس بعد لحظات، يعبث بشعره بتوتر، يضيق صدره أكثر فأكثر.
فتح النافذة يتنفس، وما إن أزاح الستار حتى لمح عبر الشارع ظلّ فتاةٍ تقفز في شرفتها.
كانت ترتدي منامة بيضاء، ووسط سواد الليل بدت كقطيفة ثلجٍ ترقص في العتمة.
تشن شي تجمّد في مكانه، ظانًا أنه يحلم.
لكنها، كأنها تتأكد من رؤيته لها، أشعلت ضوء هاتفها وأخذت تلوّح به بعنف، كما لو كانت تحمل عصا مضيئة في حفلة موسيقية.
ثم وصلته رسالة:
فطيرة القمر: “أنت أيضًا لا تستطيع النوم؟”
خفض نظره وكتب بفتور:
تشن شي: “ماذا تفعلين هناك؟”
فطيرة القمر: “ربما لأنني سعيدة أكثر من اللازم الليلة، لم أستطع النوم، فخرجت إلى الشرفة قليلاً.”
“وأنت؟ أيضًا لا تنام؟”
تشن شي: “لا.”
“أشعر وكأن أحدهم يراقبني من نافذتي.”
فطيرة القمر: “ذلك الشخص… ربما أنا.”
أطبق عينيه بدهشة:
“…”
ألقاها بنظرة حائرة، وجدها ثابتة في مكانها، منشغلة بالكتابة.
قال بتنهيدةٍ طويلة:
“اذهبي للنوم، أيمكن؟”
فطيرة القمر: “وأنت؟ ستنام؟”
تشن شي: “نعم.”
سحب الستار فورًا.
لكن بعد ثوانٍ، عاد الهاتف يضيء:
فطيرة القمر: “سأذهب الآن.”
تشن شي: “حسنًا.”
فطيرة القمر: “أنا حقًا ذاهبة.”
تشن شي: “إذهبي.”
فطيرة القمر: “علمتُ ذلك.”
انتظر قليلًا، ثم أزاح الستار بخفةٍ ليتأكد من رحيلها، لكنها كانت لا تزال هناك، تلتقط كل حركة يقوم بها، ثم أرسلت:
فطيرة القمر: “بوووم!”
“لم تتوقع أنني ما زلت هنا، أليس كذلك؟”
زفر بضيق.
‘يا لها من طفلة! دقيقة إضافية في هذا العبث وسينخفض مستوى ذكائي.’
أغلق الستار وغادر النافذة، جلس على السرير متوقعًا سيل رسائلها اللاحق.
ولم يخب ظنّه.
فطيرة القمر: “الآن عدت فعلًا إلى غرفتي.”
ابتسم بلا وعي وكتب:
“حسنًا.”
فطيرة القمر: “لا تقلق، لا داعي لأن تظلّ تراقبني من نافذتك.”
تشن شي: “؟ لم أفعل، شكرًا.”
فطيرة القمر: “تشن شي.”
رفع حاجبيه بحذر.
“نعم؟”
فطيرة القمرة: “كنت أراجع رسائلنا قبل قليل، خاصة تلك التي تبادلناها ونحن… نتبادل النظرات عبر الشرفتين.”
كلمة “نتبادل النظرات” جعلته يختنق مرارة، فردّ ببرود:
“وماذا بعد؟”
فطيرة القمر: “فكرت أن أضيف لنفسي لقبًا جديدًا كمعجبة.”
تشن شي: “؟”
فطيرة القمر: “تلك المعجبة تحديدًا.”
تشن شي: “؟؟”
فطيرة القمر: “المعجبة العاشقة.”
“هاهاها، أليس لقبًا رائعًا؟”
تجمّد تشن شي في مكانه لحظة، ثم أغلق التطبيق بسرعة، وفتح برنامج الموسيقى، و أرسل لها أغنية واحدة فقط:
《痴人说梦》 — “حلمُ الأحمق”.
نهاية الفصل، ترجمة يوكي 💫
التعليقات لهذا الفصل " 11"