1
الفصل 1 : التدريب العَسكري الأساسي الذي لَمْ يشهدهُ حتى النخبة مِن قَبل ¹
لم يكن كلّ متكبّرٍ من النخبة، لكن من كان من النخبة فلابدّ أن يكون قد تزوّد بالغرور.
فالبيئة التي تُحيط بهم، والمسار الذي قطعوه، يضيفان الغرور فوق ثوب الثقة بالنفس بشكلٍ طبيعي.
شخصٌ تخرّج من الأكاديمية الملكية المركزية، المعروفة بأنّها المسار الملكي للنخبة العسكرية، بعد أن تمكّن من الالتحاق بها مُبكِّرًا بصفته من عامّة الشعب عبر ثقب إبرة، وتخرّج منها بمرتبة الشرف الأولى.
ثمّ بُعِث مباشرة بعد التخرّج إلى قسم العمليات الاستخباراتية التابع لجهاز استخبارات جيش الإمبراطورية، حيث حقّق إنجازاتٍ بارزة وسجّل سرعة ترقية غير مسبوقة.
كلوي، التي كانت نخبة النخبة بحق، لم تكن مختلفةً عن غيرها.
فحتى لو كانت الأكاديمية الجديدة التي ستلتحق بها، أكاديمية نورثفورت، مكانًا قاسيًا…
وحتى لو كانت سيّئة السمعة إلى درجة أنّها تُلقّب بـ”الجحيم داخل الجحيم” و”أسوأ حفرةٍ قذرة في الإمبراطورية”…
فقد اعتقدت أنّ التدريب العسكري الأساسي — الذي يجب اجتيازه قبل دخول الأكاديمية — ليس سوى بوّابةٍ تافهة بالنسبة لها.
“سنبدأ الآن التدريب العسكري الأساسي.”
صفعها الهواء القاسي، الحارّ كصحراء الظهيرة، واليابس أكثر من خرائب مهجورة.
كانت كلوي تحتضن حقيبةً عسكرية قديمة حصلت عليها من الشاحنة العسكرية، وتُحدّق أمامها. لم يكن أمامها طريق، ولا علامة، ولا أيّ شيء… مجرّد أرضٍ قاحلة ممتدّة.
وخلفها، دوّى مُحرّك الشاحنة العسكرية من جديد. أما طلاب السنة الأولى الذين وصلوا معها، فكانوا جميعًا بملامح مذهولة.
وقف المدرب الأعور أمام الطلاب الذين لم يستوعبوا الوضع بعد، وتكلّم بنبرة يابسة.
“إن لم تعودوا إلى نورثفورت خلال 48 ساعة، فسيُعتبر ذلك عجزًا عن الصمود في التدريب العسكري الأساسي، وسيتم استبعادكم. لا يوجد فصلٌ أو طرد، فلا تحلموا. أكاديميتنا تبذل قصارى جهدها حتى يتأقلم حتى المستبعدون.”
كان ذلك أشبه بتحذيرٍ بأنّ المستبعَدين ينتظرهم طريقٌ بالغ الوعورة.
“وأيّ شيء يحدث خلال التدريب العسكري الأساسي فهو مسؤولية الشخص نفسه، و—”
وفجأة ارتفع جسد أحد الطلاب في الهواء، كان هو نفسه الذي كان يصرخ أثناء مقاطعة المدرب صارخًا: هل تعرف من تكون عائلتي؟
كونغ—!
سقط الطالب على الأرض وسط سحابة غبار، وخرج منه أنينٌ مؤلم. ساد صمتٌ مُطبق.
“لا معاملة خاصة.”
نفض المدرب الغبار عن يده، وكأنّ شيئًا لم يحدث، ثم أكمل حديثه. مشهدٌ قادر على سحق أيّ نيّة للتمرّد.
“انتهى. أتمنى لكم الحظ، أيها السادة. وأرجو ألا يكون بينكم هذا العام أيُّ أحمقٍ يموت في هذا المكان النائي لأنه أراد الصمود بدل العودة ليُستبعَد.”
وبذلك التحذير المخيف، غادرت الشاحنة العسكرية التي حملتهم، آخذةً معها المدرب.
“اللعنة! هل يرموننا هنا وحدنا حقًا؟”
“توقّف! أوقفوا الشاحنة! أرجوكم، توقّفوا!”
ركض بعض الطلاب خلف الشاحنة حتى اللحظة الأخيرة، متمسّكين بخيط الأمل الأخير، لكن الشاحنة المسرعة ابتعدت أكثر فأكثر.
وحين صارت الشاحنة نقطة بعيدة واختفت، سقط من كانوا يركضون خلفها أرضًا بذهول.
نظرت كلوي إلى الأرض القاحلة بذهول، ثم نظرت إلى حقيبتها الرطبة بين يديها.
فما تعرفه عن التدريب العسكري الأساسي هو أنّه يمتد لخمسة أسابيع وفق مراحل منهجية، وليس هذا “المسار المختصر” الذي لا يتجاوز 48 ساعة.
حتى التدريب الذي خاضته سابقًا كان قاسيًا، لكن… كان هناك مدرب. وكان المكان ساحة تدريبٍ حقيقية.
أما الآن…
‘…لقد رَمَونا حقًا في أرضٍ قاحلة على أطراف الإمبراطورية؟’
أخيرًا أدركت كلوي الحقيقة.
نورثفورت هو مكانٌ لا تنفع معه المعايير العادية، مكانٌ يسخر من المنطق ذاته.
وخبرتها النخبوية لن يكون لها أيّ وزنٍ هنا.
“انظروا! آثار عجلات! لو تبعناها نصل إلى نورثفورت، أليس كذلك؟”
“ما هذا، الأمرُ سهل!”
لكن بالنسبة لطلابٍ رُميوا في الصحراء بلا استعدادٍ نفسي، فالحياة ليست بتلك السهولة.
“ذا… ذلك ما هو؟”
“لا يكون… كل هذا… رمال؟”
كان الإعصار الرملي الذي رأوه بالعين مجرّدة هائلًا. سارعت كلوي إلى تغطية فمها وأنفها بملابسها، وأغمضت عينيها بقوةٍ منحنيةً بجسدها.
“كح!”
“أوووه! الرمل دخل فمي! تِف!”
“عآآآه! عيني!”
وحين اجتاحهم الإعصار الرملي الضخم وغادر، انتشرت أصوات السعال، والتقيّؤ، والشكوى من ألم العيون في كل مكان.
أما كلوي، التي تعاملت بسرعة، فهزّت الغبار عن ثيابها وشعرها.
“آثار العجلات اختفت!”
استدار الجميع نحو المكان الذي كانت فيه آثار العجلات، وقد اختفت تمامًا تحت الرمال التي حملها الإعصار. كان آخر خيط أمل للوصول إلى نورثفورت قد دُفن بالرمال.
“اللعنة على نورثفورت! كيف يرمون الناس في مكان كهذا؟”
“الويل لي… كان يجب أن أعيش حياةً أفضل…”
صرخ أحدهم في الهواء صرخة غضب، تلتها فورًا جملة ندمٍ مريرة.
ذلك الاسم الذي يكفي أن يُذكَر حتى يبكي أطفال النبلاء أو يصمتوا فورًا… نورثفورت.
أكاديمية نورثفورت، الواقعة على أطراف إمبراطورية دراكنيا، لم تكن مجرد أكاديمية.
كان لها لقبٌ آخر…
مركز احتجاز المنحرفين.
مكان يتعامل مع الطلاب بانضباطٍ صارم، وتدريباتٌ قصوى، وانضباطٍ عسكري مجنون. مكان لا ينفع فيه نسب النبلاء ولا خلفيات العائلات. سجنٌ ناءٍ بكل معنى الكلمة.
كانوا يرسلون إليه أبناء النبلاء المنفلتين الذين لا تستطيع عائلاتهم التعامل معهم، وأبناء النبلاء الذين خسروا صراع السلطة داخل عائلاتهم، وحتى أبناء العلاقات السرّية الذين لا يريد كبار القوم تحمّل مسؤوليتهم.
ذلك هو نورثفورت.
فماذا تتوقّعين من البشر المجتمعين هنا الآن؟
“أتدري من أنا؟ أتدري مَن أناا؟ أرسلوا للبيت فورًا—!”
“اللعنة! لو مُتّ هنا فلن يترك والداي تلك الأكاديمية اللعينة ومدربها بسلام!”
لكنّهم سيتركونهم بسلام. فلو كان الطفل غاليًا عليهم حقًا، لما رموه في نورثفورت من الأساس.
وكان هؤلاء مجرد البداية.
من يبحث عن الخمر، ومن يدوس حقيبته غضبًا، ومن يستلقي على الأرض صارخًا بأن يُعاملوه كنبيل رفيع، ومن بدأ يتعارك منذ الآن… كانت الفوضى فوضى منحرفين كاملة.
وسط كل ذلك، بدأت كلوي تفحص محتويات حقيبتها بهدوء.
قارورة ماء، سكين عسكري، خريطة، لحم مجفف، حبل.
لم تكن الوفرة كبيرة، لكنها كانت تجهيزاتٍ كافية للبقاء 48 ساعة في أرضٍ قاحلة كهذه.
نشرت الخريطة، وحددت مكان نورثفورت والمكان الحالي، ثم غرست السكين العسكري في الأرض لتحديد الاتجاه من خلال ظلها.
وبعد أن استخرجت السكين، قالت:
“الشمال الشرقي.”
كانت مستعدّةً لمشاركة هذه المعلومة على الأقل مع من رُمي معها في نفس المصيبة.
وبمجرد أن نطقت بكلوي تلك الجملة القصيرة، التفت إليها المنحرفون الذين كانوا يصنعون الفوضى.
“وجهتنا النهائية نورثفورت، وهي تقع في الشمال الشرقي. من يريد المجيء فليتبعني.”
“أوي، مَن اختاركِ قائدةً علينا، أيتُّها القزمة؟”
اقترب منها أحد المنحرفين بتفاخرٍ واستعراض.
شعرٌ زهري باهت، وألوانٌ باستيل لطيفة، وجسدٌ صغير، ومظهرٌ ضعيفٌ لطيف.
كان شكلها اللطيف يجعلها هدفًا سهلًا وسط مجموعة منحرفين مثل هؤلاء.
لكن كلوي كانت تعرف جيدًا…
أنّ مَن يُصنَّف ضعيفًا هنا، لن يعيش السنوات الأربع القادمة بسلام.
‘سبق أن شددتُ الانضباط، لكني لم أمارس أفعال المنحرفين من قبل.’
لم يكن هذا ضمن خطتها منذ البداية. عضّت لسانها داخليًا، وأدارت السكين العسكري بمهارة في يدها.
“قلتُ بوضوح إنّ من يُريد فقط هو مَن يتبعني. هل أذناك مسدودتان؟ أتُريدني أن أفتحهما لك؟”
رفعت السكين بوضعيةٍ قتال صحيحة، وبدا وكأنها على وشك غرس طرفه في أذنه، فارتدّ المنحرف المتباهِي بالتوّ إلى الخلف مرتعبًا.
‘هل بالغتُ وأظهرتُ جانب النخبة كثيرًا؟’
لكن على عكس ما خشيت، لم يتذكر أحدٌ من منحرفي نورثفورت شيئًا من كلمة “نخبة” حين نظروا إليها.
‘ظننتها ضعيفة، لكن يظهر أنّها منحرفةٌ بما يكفي لجرّ المتاعب.’
لقد رُفّعت تقييماتهم لها من “سهل الابتلاع” إلى “مزعجةٌ لا ينبغي استفزازها”.
وبعد أن بصقت على الأرض — أفضل حركة منحرفين تعرفها — أعادت السكين إلى الحقيبة، واستدارت.
“إن لم تريدوا المجئ، فارحلوا. أنا عليّ العودة إلى نورثفورت خلال 48 ساعة.”
وفي خضمّ الفوضى، نجح ذلك الخيط الرفيع من المنطق في الوصول إلى بعضهم، فأضاءت أعين أربعة أو خمسة منهم كأنهم فهموا أخيرًا، وتبعوها غريزيًا.
ومن أصل خمسة وثلاثين، لحق بها أربعة فقط.
“هؤلاء دائمًا يضلّون الطريق ويصلون آخر شيء.”
“إن وصلوا أصلًا! قد يسقطون ويتساقطون أثناء ذلك، هاه! هاهاها!”
دوّى ضحكهم السخيف خلفهم، لكن كلوي رفعت إصبعها الوسطى دون أن تلتفت. فهؤلاء الحمقى لم يكونوا ضمن حساباتها منذ البداية.
— الوقت المتبقي حتى انتهاء المهلة :
47:36:12
التعليقات لهذا الفصل " 1"