“…هل تظن أن ما تفعله الآن هو الصواب؟”
تجرأت جولييتا على السؤال، لكن إيفان رد ببرود قاطع:
“الصواب والخطأ لا يهمان. هذه هي الطريقة التي اخترتها.”
كان رده حازمًا. كادت جولييتا أن تنهار في مكانها. لم تكن تعرف ما إذا كانت قادرة على تغيير قرار إيفان، أو حتى الهروب من هذا الوضع كله. كل ما استطاعت فعله هو أن تأخذ نفسًا عميقًا، وتخفض رأسها وتتمالك نفسها بصعوبة.
رأى إيفان حالتها تلك، وابتسامة باردة وقاسية ارتسمت على شفتيه، وكأنه كان يستمتع بيأسها.
“هل الموقف مسلٍّ لدرجة أنك تبتسم؟”
قالت جولييتا بصوت مرتجف، مشيرة إلى ابتسامته. رفع كتفيه قليلًا وأجاب:
“لا أقول إنه ممتع. لكن رؤيتك الآن مثيرة للاهتمام. أنتِ ترتجفين، لا تعرفين ماذا تفعلين. أنا فقط فضولي بشأن إن كنتِ ستحاولين إقناعي، أم ستحاولين الهرب.”
ارتجفت جولييتا من كلماته. حقيقة أن معاناتها لا تعني له شيئًا سوى أنها ترفيه… جعلتها تشعر بمزيد من الكآبة.
“إيفان.”
نادت اسمه بصوت مرتجف، لكنه لم يتأثر إطلاقًا، وقال بنظرة باردة:
“لا يمكنكِ فعل أي شيء. لذا اقبلي بهذا الزواج. إنه الخيار الوحيد المتاح لكِ.”
ثم أدار رأسه بابتسامة ساخرة وألقى نظرة على الأوراق فوق مكتبه.
“انصرفي الآن. الحديث معك متعب.”
لم يكن صوته غاضبًا، لكنه كان مشبعًا ببرودٍ خانق كاد يخنق قلب جولييتا. تجمدت قدماها في مكانها، غير قادرة على الحركة.
“إيفان…”
نادت اسمه مرة أخرى، لكن صوتها كان واهيًا مرتعشًا. لم ينظر إليها حتى، بل تناول سيجارة وأشعلها.
“لا أريد سماع أعذارك أو اعتذاراتك بعد الآن.”
“ليس عليك أن تذهب إلى هذا الحد… أنا فقط…”
حاولت أن تواصل كلامها بصعوبة، لكنه رفع يده ليقاطعها.
“اخرجي.”
قالها بتعب ظاهر. وما إن أنهى كلمته حتى ارتجف جسدها. لم تعد تملك الشجاعة للكلام. كانت نظرته الباردة كأنها تمحو كل ما تريد قوله.
لم يكن أمامها إلا أن تهز رأسها ببطء وتستدير ببطء شديد. كلما ثقلت خطواتها، ازداد ثقل صدرها وكأن شيئًا يسحقه. وبينما كانت تمد يدها لفتح الباب، سمعته يناديها.
“وأيضًا، جولييتا.”
توقفت دون أن تلتفت.
“إن أردتِ البكاء، ابكِ في غرفتك. لا تبكي أمامي.”
عند تلك الكلمات، شعرت بألم يخترق قلبها وكأن قلبها سقط من مكانه. وبمجرد أن خرجت وأغلقت الباب خلفها، انهمرت الدموع من عينيها.
مشت في الممر وكأنها في سجن لا مفر منه.
عادت بصمت إلى الغرفة التي كانت تقيم فيها. اقتربت من السرير، وانهارت عليه فجأة، تطلق العنان لدموعها المكبوتة.
“ههئ… ههك…”
جلست على الأرض، وألقت بجسدها على السرير، تبكي بحرقة.
تصرف إيفان البارد جرح قلبها بشدة، وأغرقها في حزن لا يوصف.
كان إيفان، وإن لم يكن حنونًا، رجلاً مهذبًا في السابق. ذكريات الأيام الهادئة التي قضتها معه كانت ما تزال تجرها للخلف.
لكن إيفان الآن لم يكن هو نفسه.
“يجب أن أهرب من هنا. هذا أفضل.”
خطر ذلك في ذهنها فجأة، وبدأت تجمع أمتعتها على عجل.
كانت لديها ملابس عادية، وملابس نوم، وإكسسوارات مختلفة، وحقيبة سفر مجهزة لتقيم بها في قصر بريكسيتر خلال العطل.
وضعت حقيبة السفر على السرير وبدأت تحشوها بجنون.
تمكنت من وضع كثير من الأشياء فيها، لكنها لم تستطع أخذ كل شيء، لذا وضعت الضروريات فقط وتركت الباقي في الخزانة.
ارتدت معطفًا طويلًا فوق فستان مخملي، ورفعت حقيبة السفر التي كانت ثقيلة بعض الشيء، ثم خرجت من الغرفة متجهة نحو الطابق السفلي.
وأثناء سيرها نحو المدخل، رأت الخدم يقفون يسدون باب القصر.
ترددت للحظة، لكنها مشت بثبات نحوهم. وعندما اقتربت، وقف اثنان منهم أمامها ليمنعوها من المرور.
“تنحّوا من فضلكم.”
“نعتذر، لكن لا يمكنك الخروج في الوقت الحالي.”
سألتهم جولييتا ببرود:
“…ولماذا؟”
“السيد منع الآنسة جولييتا من الخروج.”
شحَب وجهها فجأة. تجاهلت كلماتهم وتقدمت نحو الباب الرئيسي متجاوزة الحرس. هذه المرة، لم يعيقها الحراس.
فتحت جولييتا باب القصر الكبير. وفي اللحظة التي فُتح فيها، لفح وجهها برد الشتاء القارس. امتد أمامها مشهد حديقة براكسيتير، وكان بوابته الحديدية المزدوجة البعيدة مرئية. وهناك، رأت حشدًا من الناس مصطفين.
كانوا جميعًا يحملون كاميرات. وما إن ظهرت جولييتا في الباب، حتى رفعوا كاميراتهم وأخذوا يلتقطون صورها. ثم بدأوا يصرخون بصوت عالٍ:
“الآنسة لوميير، ما رأيكِ في هذه الحادثة؟!”
“اشرحي لنا مكانك وقت وقوع الحادث!”
“هل تعتقدين أن والدك ليس الجاني الحقيقي؟!”
تلك الأصوات التي كانت تأتي من بعيد أصبحت ضوضاء قريبة يصعب تمييزها، لكنها كانت جميعها تسأل عن جريمة القتل في القصر.
وقفت جولييتا مذهولة، تتأملهم. بدا أنه لا يمكنها اختراق هذا الحشد والهرب. في النهاية، تراجعت خطوة بخطوة ودخلت القصر طوعًا. عندها، أغلق الحراس الباب خلفها.
اختفى الهواء البارد والضوضاء من الخارج. وبقيت جولييتا واقفة في مكانها، جامدة. بدت حقيبة السفر في يدها أثقل من أي وقت مضى، وكان حلقها وكأن نارًا تشتعل فيه.
“ارجعي إلى غرفتك واستريحي.”
قال الحراس ذلك ببرود، ثم انحنوا برؤوسهم قليلًا. استدارت جولييتا بخطى ثقيلة وصعدت السلم مجددًا.
وقبل أن تدخل غرفتها، ألقت نظرة على الطابق السفلي، فرأت أن الحراس لا يزالون عند المدخل، وكانت أجواء القصر ثقيلة وباردة إلى أقصى حد. شعرت جولييتا وكأنها حيوان وقع في فخ.
وما إن دخلت الغرفة حتى بدأت يداها بالارتجاف، وسقطت حقيبة السفر من يدها وارتطمت بالأرض.
“ماذا أفعل الآن…؟”
تمتمت بصوت منخفض، بعينين شاردتين تحدّقان في الفراغ.
سواء هربَت أو ذهبت لأي مكان، أو فعلت أي شيء، فإن اسم براكسيتير وهايتفيلد سيلاحقها مثل وصمة لا تمحى.
أدركت أخيرًا أنها لا تستطيع الهروب من إيفان ولا من هذا القصر.
جلست جولييتا على الأرض وهي تحدق في الحقيبة بتعبٍ وحزن. ثم بدأت تواجه الواقع البارد والجاف كما هو. امتلأت عيناها بالدموع، لكنها لم تعد تملك القوة لتبكي. فقط شعرت بأنها تغرق في هذا الواقع القاسي.
وبيد مرتجفة، فتحت الحقيبة ببطء. وأخذت تخرج الأغراض منها وتعيد ترتيبها في الخزانة. مع كل غرض تخرجه، كان الألم يلسع أطراف أصابعها. كانت المشاهد التي تعيد فيها الأغراض إلى أماكنها، وكأنها رمز لحبسها داخل هذا الواقع، مما جعل قلبها يؤلمها بشدة.
✦✦✦
بسبب الصحفيين المتجمعين باستمرار أمام القصر، لم يكن أمام جولييتا خيار سوى قضاء وقتها حبيسة الداخل.
لم تكن قد تخلّت تمامًا عن فكرة الهروب.
فكّرت مرارًا أن تهرب ليلًا عبر تسلق الأسوار، لكنها علمت أنه من المستحيل الإفلات من الحرس أمام الباب والمراقبة الصارمة حول القصر.
“أينما ذهبت، سيعثرون علي…”
لو اختفت جولييتا من براكسيتير، كان من المؤكد أن إيفان سيتعقّب أثرها. وذلك سيجعلها تعود مرة أخرى، بشكل أكثر قسوة، إلى هذا المكان. لذا لم تعد فكرة الهرب واقعية أو ممكنة.
والأهم، أن إيفان أعلن رسميًا أن خطوبتهما ما تزال قائمة. وإن هربت بعد ذلك، فسيتوجب عليها تحمّل النظرات الباردة من المجتمع. جولييتا أصبحت محاصرة من كل الجهات.
ومع مرور الوقت، لم يتضاءل أثر الصدمة النفسية، بل زاد. ولم تجد بدًا من استشارة الطبيب وأخذ أدوية.
وصُرفت لها أدوية منوّمة ومضادة للاكتئاب.
ورغم أن إيفان هو من قال لها أن تدفع ثمن خطايا والدها، إلا أنه -لسبب ما- طلب من الطبيب أن يصف لها أدوية جيدة.
لم تستطع جولييتا فهم نواياه، لكنها رغم حذرها الدائم منه، شعرت بنوع من الامتنان.
بعد تناول المنوّمات والمضادات، بدأت تنام نومًا عميقًا، ولم تعد تتقيأ ما تأكله. وبذلك استعادت جزءًا من صحتها، لكنها أصبحت مجبرة على قضاء وقت العشاء مع إيفان.
الانستغرام: zh_hima14
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"